المهم.. ما بعد بن لادن؟
■ مقتل زعيم القاعدة بن لادن نرجو أن يكون البداية الجادة الحقيقية للتعاون الدولي للقضاء على نزعات العنف والحروب بين الشعوب.. فبيئة الصراعات والحروب هي الحاضن ثم المولد لمحترفي الإرهاب أو الجرائم.. وكل أشكال العنف ضد الإنسانية، والآن مع ظاهرة تدويل النزاعات والقضايا المصيرية للإنسانية لن يكون في مقدور مجتمع واحد أو دولة واحدة مواجهة مصادر التهديد للأمن والسلام الدوليين.
كلنا نعرف أن ظاهرة بن لادن وفكر القاعدة لم يخرج وينمُ في الجزيرة العربية، بل هو ثمرة الصراع بين المعسكرين السابقين في أفغانستان، فالغزو الروسي لأفغانستان تطلب عملية كبيرة لصد الخطر الروسي، لذا كانت أمريكا هي المبادرة لتأسيس بيئة مشجعة على القتال والنضال ضد الشيوعيين، وكما هو معروف فأمريكا أعادت صياغة المناهج التعليمية في باكستان ونتج عن ذلك تحويل الدين إلى أيديولوجيا مقاتلة وهي التي دعمت طالبان ودربت مقاتليها وزودتهم بالمال والسلاح.
هذه الحالة الثوروية تبناها جيل كامل بالطبع، وبقيت حتى بعد طرد الشيوعيين، فقد تُركت الحالة النضالية لتكون الحافز والمنطلق لفكر "القاعدة"، فالفراغ السياسي الذي أعقب رحيل السوفييت استثمره بن لادن ومنظرو "القاعدة".. وكانت الكارثة على العالم وعلى المنطقة بالذات، حيث سوف تبقى تدفع الثمن لصراع القوى العظمى في ساحاتها المختلفة، وهذا الصراع تداعياته قاسية وظالمة للمنطقة.
انظروا الآن إلى المناطق التي تنزف فيها الدماء في العالم.. إنها في الساحات الساخنة في العالم الإسلامي، الشعوب الإسلامية تقتل أبناءها بسلاحها الذي دفعته من ثرواتها، ومن لقمة عيشها، وسيظل الصراع مستمرا، وستظل الدماء تنزف والإمكانات المادية والبشرية يستمر تدميرها.. إننا في عالم كئيب ولا ندري أي أمل وأي سلام وأي ازدهار نتوقعه لمستقبل الشعوب الإسلامية.
إذا لم يسعَ العالم إلى تحقيق (العدالة الاجتماعية) وتهيئة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الضرورية لإيجادها، فإن عالمنا سيظل ينتج الأزمات، ومن رحمها سيخرج العديد من نماذج بن لادن، ربما يخرجون في أمريكا وأوروبا، والأحزاب والجماعات المتطرفة في الدول الديمقراطية يُرتفع رصيدها في الشارع السياسي، ولن يكون بعيدا أن نرى النسخ الجديدة لفكر القاعدة ولابن لادن تخرج منها.
هذا السيناريو المخيف لعله يكون المحفِّز للمجتمع الدولي ليتعاون على حل الصراعات، فالدول الرأسمالية الكبرى التي بنت عقيدتها على التوسع الدائم للبحث عن الموارد الطبيعية لتجديد حيوية اقتصادها، هذه الدول عليها يقع العبء الأكبر لتحويل الجهود إلى التعاون الذكي لاستثمار الموارد، لا الصراع عليها.
السعودية وهي المتضرر الأكبر من بن لادن و"القاعدة"، حيث تضررت في سمعتها وتضررت في إمكاناتها وتضررت من خسارة أبنائها الذين ذهبوا ضحية الصراعات، كانت من أوائل الدول التي تبنت جهدا دوليا لحفز التعاون الدولي للقضاء على مصادر التهديد للأمن والسلم الدوليين، كما كانت سباقة لإيجاد مؤسسة دولية للتعاون في شؤون الطاقة.
المملكة أطلقت الحوار بين أتباع الأديان وحولته إلى جهد دولي حتى تكون الأديان والثقافات مصدرا للسلام والتعاون، لا محفزا على الصراع كما أراد مروجو نظرية صدام الحضارات، كما تبنت المملكة إنشاء منتدى الطاقة الذي جمع المنتجين والمستهلكين ليتفقوا على التعاون الذي يجعل النفط مصدرا للسلام ولازدهار البشرية، لا مصدرا للحروب والنزاعات كما يريد منظرو الرأسمالية المتوحشة الذين يرون أن الموارد هي من حق الشعوب المنتجة، أي المتقدمة!
لقد رحل بن لادن والسؤال المهم: ماذا أعدت الشعوب والدول حتى لا يخرج بن لادن جديد؟