الوظيفة الحكومية.. السلطة والثروة!
مع ارتفاع دخل الوظيفة العامة/ الحكومية سوف نرى ازدياد الإقبال من الشباب على الوظائف الحكومية وعدم الرغبة في وظائف القطاع الخاص. وظاهرة ترك وظائف الشركات والمؤسسات والبنوك إلى الحكومة رغم مميزاتها المالية ودخلها العالي مقارنة بالوظيفة العامة، هذه الظاهرة سوف ترتفع الآن ومستقبلا .. لماذا هذا الوضع.. هل التفسير الموضوعي هو في الاعتقاد أن الوظيفة العامة هي مصدر الثراء والسلطة؟
في العالم النامي تظل الحكومة ولفترات طويلة هي المهيمنة على مجمل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهذه الهيمنة هي التي تجعل للوظيفة العامة حظوتها الخاصة وبريقها الجذاب، بالذات عندما تصبح الحكومة هي المصدر الرئيس للنفقات العامة، أو عندما تكون سيطرتها القانونية والتشريعية نافذة وكبيرة على الحياة العامة .. وكذلك يكون للموظف العام السطوة الكبرى عندما تكون الحكومة/ القطاع العام المنفق الأكبر والمتحكم الأوحد!
والقوة الرقابية والتشريعية للحكومة هي التي تفسر الإقبال على الوظيفة العامة ليس في العالم النامي، بل في الدول المتقدمة أيضا، فالعاملون ينتقلون من القطاع الخاص إلى العام رغم الدخل والمزايا الكبيرة لأجل تحقيق أغراض خاصة، الأعضاء في البرلمانات يصلون بفضل دعم وتمويل جماعات الضغط الخاصة حتى يمرروا القوانين أو يمنعوا صدورها أو يعدلوها لصالح أصحاب النفوذ في التجمعات المالية أو التجارية أو العسكرية، وغيرها.
ومع تولد قناعات الجيل الجديد من الشباب بضرورة الوصول إلى الثراء بشكل سريع مع انفتاحه على مظاهر الحياة الاستهلاكية الواسعة التي هي ثمار الرأسمالية، لذا تصبح الوظيفة العامة جاذبة لهم، فهم يرون كيف يتحول الموظف الصغير إلى حالة اليسر المالي بشكل يتجاوز دخله الوظيفي بمراحل عديدة.
عندما يرى الشباب كيف أن الموظف العام يملك كل مظاهر الثراء ويرون كيف أن المجتمع يتقبل ذلك، فهذا ينطوي على المباركة والتأييد من المجتمع، لذا تتولد القناعة لديهم بأهمية هذا الدرب السهل السريع للثراء.
عادة في القطاع العام يتحقق الثراء عبر الحصول على الأصول العينية مثل (الأراضي)، أو عبر الثراء عن طريق المكافآت والمميزات، أو عن طريق الفساد بصوره المتعددة مثل السرقة، قبول الرشا، وامتلاك الشركات والمؤسسات العاملة والمتعاقدة مع القطاع العام.
هذه الحالة من الثراء السريع المكشوف إذا تحول ليكون (إيجابيا) في الصورة الذهنية لدى الشباب، فإنه سوف يكون مشكلة للمجتمعات وسوف تقتل روح العصامية والإبداع، بل سوف توجد أزمة في عمل القطاع العام، فالتوجه إلى الإصلاح والانضباط والشفافية المالية والإدارية سوف تقابله هذه النزعة إلى الثراء السريع!
عادة.. أبرز تطبيقات هذا التحول سوف نجدها في تراجع المجتمع عن توليد (العصاميين) الذين يبنون ثرواتهم من جهدهم وكفاحهم وإبداعهم، والثروات التي تبنى بهذا المنهج تكبر وتتسع وتدوم، وثمة ملاحظة جديرة بالاهتمام في مجتمعنا وهي أن أغلب البيوت التجارية الكبيرة أطلقها العصاميون الأوئل قبل طفرات الإنفاق الحكومي، أما الأثرياء الجدد: هل كافحوا كما الأوائل؟ من أين جاءت ثرواتهم؟