نحن وإعلامنا..!
استهل مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني نشاطه وفعالياته السنوية التحضيرية للقائه التاسع للحوار الوطني: (الإعلام: الواقع وسبل التطوير حوار بين المجتمع والمؤسسات الإعلامية)، بلقائه التحضيري الأول، الذي عُقد في محافظة الطائف، يوم الأربعاء 18/4/1432هــ، بحضور نخبة من العلماء والمتخصصين والباحثين والمسؤولين عن المؤسسات الإعلامية (60 مشاركًا ومشاركةً من مختلف شرائح المجتمع) تدارسوا من خلاله محاور اللقاء وقضاياه على مدى أربع جلسات، لمناقشة القضايا الفكرية التي لها علاقة بواقع الإعلام السعودي؛ والتعرف على رؤية أفراد المجتمع وتطلعاته حول واقع الإعلام السعودي وسبل تطوير أداء مؤسساته بما يتناسب مع الواقع السياسي والاقتصادي والثقافي للمملكة، وبما يتلاءم مع المستجدات والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية.
والحقيقة هذا توجّه جيد، ويُشكَر مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، والقائمين على نشاطاته وفعالياته، على اهتمامهم بمثل هذا الطرح المهم؛ لأن الإعلام اليوم، يمثّل أخطر وأهم أدوات العصر الحديث, ويتضاعف تأثيره وتزداد أهميته يومًا عن آخر، في عصر السماوات المفتوحة وصناعة المعلومات والأقمار الاصطناعية والقنوات الفضائية, ويدخل ويتغلغل في كل فروع العلم والمعرفة بصورة جعلته يشكل الوسيلة المثلي للتعليم والتثقيف والتنوير والترفيه .. وكل يوم يقتحم علوم الحياة, بدايةً من الصحة والطب والهندسة واللغة والآداب والثقافة والزراعة وشتى الصناعات والاهتمامات الإنسانية.
وقد أدركت مملكتنا الفتية، أهمية هذا السلاح النوعي مبكرًا، كقوة فاعلة لدعم خططها واستراتيجياتها التنموية والاقتصادية؛ تحقيقًا لنظرية: قوة الإعلام تعني قوة الدولة، بوصفه المحرِّك للأحداث والمؤثِّر في كل مجرياتها، لذلك يلتمس المتلقون من إعلامنا تطويرًا كبيرًا يطرأ عليه، يدعم ذلك خطابه مع الذات ومع الآخر.
وكلنا يلمس ـــ بحمد الله وتوفيقه ـــ خلال هذا العهد الزاهر، عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ حفظه الله ـــ ارتفاعا كبيرا في سقف الحريات العامة، وبخاصة حرية الرأي والفكر .. الحرية المسؤولة التي سرت دماؤها متدفقة في الحراك المجتمعي عبر وسائل الإعلام المتنوعة، باتجاه قضايا خلاّقة لتنمية المجتمع، وتقدّمه وازدهاره .. وشرعت الحياة الفكرية والحوارية، خصوصًا بعد إنشاء مركز الحوار الوطني ـــ تدب في الأوصال ثم ازدادت الحركة والتنافس والسبق والتفوق على النفس, حتى باتت خلية نحل لا تهدأ ولا تتوقف بفضل الروح العالية التي نفثها قائدنا المخلص الأمين في كل مرفق ومدينة ونشاط وبقعة على أرض المملكة, وبفضل المحبة والمودة وروح الفريق والجو العائلي الجميل الذي يعمل فيه كل جنود الإعلام بأشكاله كافةً.
هذه الروح العائلية والودية الجميلة، يجب ألا تحجب عنّا أشياءً أخرى أجمل، فلا بد لنا من فهم صحيح لقيمة ومعنى حرية التعبير المسؤول؛ لأن من الظلم لأنفسنا أن نختصر الحرية في أنواع متعدّدة ومختلفة من الشطط غير المسؤول ويتجاهل البعض ـــ عمدًا أو جهلاً ـــ أن الحرية تشكّل بدايةً، التزامًا بالمسؤولية على العطاء في بناء مجتمع حر ومفتوح يحوز المقدرة على التمييز بين الغث والسمين.. بين موجبات المراجعة من ناحية, وبين استحقاقات الحماية لثوابت الانتماء الوطني والعربي والإسلامي من ناحية أخرى.
ويعزِّز من هذا التوجّه حيازة المملكة بنية إعلامية أساسية، ثرية بالأدوات والوسائل التقنية المستحدثة .. وكذا امتلاكها كوادر مهنية مؤهلة بعمق المعرفة وجودة الإبداع ومشروعية الطموح. وهذه المهمة، في ظل المعطيات الراهنة، قد لا تكون صعبة؛ لأن مفكري المملكة ومثقفيها وإعلامييها بما يتمتعون به من خبرات وما يمتلكه شبابها الإعلامي من جهد وعطاء، قادرون ـــ بإذن الله ـــ على صنع الفارق عندما تتوافر البيئة المناسبة؛ وكذا يتوافر الفهم الصحيح للرسالة المطلوبة من الإعلام الرسمي والخاص على حد سواء..!
وهذا لا يتحقق بمجرد الأمنيات، أو بأمور اعتباطية فقط, وإنما من خلال علم وتعليم وعمل وبحث وتنقيب في إطار منظومة إعلامية متكاملة يكون هدفها الأساسي نشر المعرفة والحقائق في الوقت الصحيح لاكتساب المصداقية من ناحية, والحيلولة دون التسلل إلى العقل السعودي والعربي من ناحية أخرى, في ظل فهم وإدراك أن الإعلام الصادق، والمسؤول هو المرآة الصحيحة لما يجري ويتحقق على أرض الواقع.
كما أنه لم يعد مقبولاً أو مفهومًا أن يقف الإعلام السعودي، الذي تملك دولته حصة ومساحة فضائية كبيرة، فضلاً عن كونها السوق الاقتصادية الأولى المستهدفة من الإعلام العربي الفضائي المفتوح والمشفّر على السواء ــــ كل ذلك يتفق مع حجمها ووزنها ودورها العربي والإسلامي ــــ أن يقف الإعلام السعودي دائمًا في خانة الدفاع لمواجهة حملات مشبوهة وشرسة ضد سُمعتها وضد مقدّراتها الاستراتيجية، ما يدعونا كذلك إلى سرعة العمل على استعادة زمام المبادرة, وتأكيد قدرة الإعلام السعودي على إجهاض هذه المخططات المشبوهة قبل انطلاقها، عبر تأسيس وبناء رؤية واضحة تحدد أسس بناء علاقة صحيحة بين الإعلام والمجتمع؛ فالإعلام المهني والجاد ليس إبهارًا يخطف الأبصار بروعة الديكورات, أو مسبّبات لتحريك المشاعر والضحك والبكاء بجودة النص والإخراج، أو المبالغة في كم البرامج الحوارية التي تجلد الذات باسم ضرورات المنافسة مع الآخروين، وإنما هو ذلك الإعلام الذي يحقّق المعادلة الصعبة لضمان أكبر قدر من الانتشار من ناحية, وبناء علاقة تبادلية مع المتلقين وآرائهم العامة، حيث يؤثر فيهم ويتأثر بهم بنحوٍ متساوٍ من ناحية أخرى.
نحن في حاجة إلى استنهاض همَّة رجال إعلامنا وحشد كل الطاقات الوطنية الخلاقة من أجل تحقيق نهضة إعلامية، تدخل بها بلادنا آفاق العالمية؛ لتأكيد الريادة الدينية والإعلامية في المنطقة، وتثبت قدرتها على الانفتاح الإعلامي والحوار العقلي الرفيع مع الذات ومع الآخر.. بكل ثقة وبتفاعل وتلاحم وامتزاج، مع الحرص على الاحتفاظ بالشخصية السعودية الأصيلة وقدراتها التي أثبتت تميزها وتفوقها دائمًا وأبدًا.