دعوة الخطباء إلى المساهمة في التوعية بأهمية المحافظة على المياه

دعوة الخطباء إلى المساهمة في التوعية بأهمية المحافظة على المياه

نواصل في ''الاقتصادية'' التوعية بترشيد المياه في المساجد في الحلقة الخامسة، ونتطرق في هذه الحلقة إلى تحديد الجهات المساهمة في الترشيد في المساجد, ومنها المساجد نفسها, بعد أن طرحنا في حلقة سابقة ضرورة تثقيف أئمة المساجد وإقامة دورات لتعريفهم بالترشيد وطريقة العمل به. وفي طرحنا اليوم يرى عدد من المختصين ضرورة مشاركة الخطباء في المساهمة في التوعية بترشيد المياه في المساجد, خاصة في خطب الجمعة وذلك لأن الخطب يكون لها تأثير إذا وفق الخطيب في التأثير في خطبته في الناس في المساجد في كيفية استخدام المياه وعدم هدرها، ويؤكدون أنه يمكن لهم إرسال رسائل إلى الآباء بخصوص توعية الأطفال الصغار بعدم الإسراف في استخدام مياه المساجد، ويشيرون إلى أهمية أن يكون إلقاء الخطب في المساجد عن التوعية بترشيد استهلاك الماء في المساجد معدا بشكل جيد وفيه معلومات وافية، ويكون مع معرفة الخطوات التي قامت بها وزارة المياه والكهرباء في تركيب أدوات الترشيد في بعض المساجد، ومن هذا المنطلق يمكن أن يقوموا بدور مؤثر في هذا الجانب، وقبل الحديث عن الدور الذي يمكن أن يقوم به أئمة المساجد في الترشيد نقدم معلومات عن أدوات الترشيد إجابة عن تساؤلات بعض المتابعين لما تطرحه ''الاقتصادية''.
أدوات الترشيد
بالنسبة لأدوات الترشيد للمياه في المساجد يوجد نوعان من مرشدات المغاسل, هما: مرشد مغسلة بسنة داخلية ومرشد مغسلة بسنة خارجية, وهذان النوعان يتناسبان مع أغلبية الحنفيات الموجودة في المساجد, لكن في حالات نادرة لا يتناسبان مع الحنفية فيصعب تركيبهما، ففي هذه الحالة يتم تغيير الحنفية الموجودة بشكل كامل ويتم دفع قيمة تلك الحنفيات عن طريق الوزارة, ويتم تركيب أدوات الترشيد في المساجد عن طريق مديريات المياه في مناطق المملكة, وأيضاً عن طريق التعاقد مع مقاول يتولى عملية تركيب تلك الأدوات في المساجد, علماً بأن الأدوات المرشدة توزع مجانا. ومعدلات التدفق في الأدوات المرشدة المركبة في المساجد تكون بحسب ما يتوافق مع معدلات التدفق للمياه في كل مسجد، حيث تم تركيب أدوات ترشيد إضافة إلى المساجد في الجهات الحكومية والقطاعات الخاصة والمرافق العامة يصعب على الشخص إزالتها دون المفتاح الخاص بها، الذي يسلم إلى الشخص المسؤول في كل جهة.
إعداد خطب للتوعية بالترشيد
يرى التربوي هاشم النعمي ـــ علوم شرعية ـــ أن ترشيد استخدام المياه وتنمية مصادرها يعد واجبا شرعيا‏,‏ كما يجب على الجميع التصدي لظاهرة الإسراف في الماء التي نهى الإسلام عنها في قوله تعالي‏ ''يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين'',‏ فالماء ثروة غالية هيأها الله لكل المخلوقات في الأنهار والبحار والأمطار‏, ‏قال تعالي‏: ''وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار''‏ وإذا أمعنا النظر في تعاليم الإسلام وأحكامه نجد أنه عني عناية بالغة بالحفاظ على الثروة المائية وذلك من خلال عدة توجيهات ملزمة للناس منها الاستخدام الأمثل للماء‏,‏ والاعتراف بنعمة الماء وحمد الله عليها‏,‏ والمحافظة عليه نقيا طاهرا وعدم الإسراف فيه‏,‏ والعناية البالغة بالمصادر المائية‏.‏
ونحن في هذه البلاد نحمد الله على هذه الثروة التي تحتاج منا إلى تقديرها كنعمة أنعم الله بها علينا، وأحب أن أؤكد على الجانب التوعوي, ومن وجهة نظري, أن خطب الجمعة لها تأثير لو تم إعداد خطب معينة لهذا الشأن، خاصة أن الوزارة تستطيع أن تقدم معلومات للخطباء وتختار الخطباء المؤثرين في كل منطقة, ما سيكون لها أثر في توعية الناس بأهمية ترشيد المياه.
أسباب تدهور البيئة
من جانبه, يشير الشيخ خالد التركي إمام جامع مسجد عمر بن الخطاب سابقا في الرياض, إلى أن الإسراف يعتبر سببا من أسباب تدهور البيئة واستنزاف مواردها‏,‏ ما يؤدي إلي إهلاك الحرث والنسل‏,‏ وقد نهى القرآن الكريم عن الإسراف في أكثر من موضع‏, ‏كما دعا الإسلام إلى الوسطية والاعتدال كما في قول الله تعالي: ''والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما'',‏ فالوسطية الرشيدة مسلك المسلمين‏,‏ ودعوة الإسلام أتباعه في كل الأحوال وعموم الأوقات‏,‏ وهي خير ضمان لحماية الماء وغيره من الموارد الطبيعية‏.‏ ولأهمية الماء وضرورته للحياة وقفت الشريعة الإسلامية ضد الإسراف في استهلاكه‏,‏ في جميع الأغراض كالشرب والزراعة والصناعة‏,‏ أو حتى في مجال العبادات‏,‏ قال الرسول‏: ''كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير إسراف ولا مخيلة‏'',‏ كما نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الإسراف في استعمال الماء حتى ولو كان من أجل الوضوء‏,‏ فقد روي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ مر بسعد بن أبي وقاص ــ رضي الله عنه ــ وهو يتوضأ فقال‏: ''ما هذا الإسراف؟‏'',‏ فقال‏:‏ أفي الوضوء إسراف؟‏‏ قال‏: ''نعم وإن كنت على نهر جار'',‏ والتزم المسلمون منذ فجر الإسلام بهذه التعاليم‏,‏ فحرصوا على الماء حرصا شديدا‏,‏ كما حرصوا على بقائه نقيا طاهرا‏,‏ حتى يتمكنوا من شربه والتطهر به‏,‏ كما حرصوا على توفيره للجميع, فلا يحرم منه أحد سواء في المنازل أو حتى في المساجد. ‏ومن هذا المنطلق أرى أن خطباء المساجد يمكن أن يكون لهم دور توعوي في خطب الجمعة بالذات التي يجلس لها الناس مجبرين, فالمطلوب استغلال ذلك من قبل مسؤولي الوزارة والتنسيق مع وزارة الشؤون الإسلامية أو مع بعض الخطباء لتكون خطبته موجهة، شريطة أن تكون تلك الخطب معدة بشكل جيد وبأسلوب يتقبله رواد المساجد.
قضية مهمة جدا
بدوره يرى الشيخ سعد المشفي إمام مسجد الحقيل في الرياض أن قضية ترشيد استعمال المياه‏‏ قضية مهمة, جدا نظرا لأن الإسراف فيها يؤدي إلى استنزافها وإهدارها, وبالتالي يمثل خطرا على مستقبل الموارد المائية الموجودة, مشددا على دور الإنسان في الحفاظ عليها باعتباره مستخلفا في الأرض وليس مالكا لها ولمواردها, إنما هي أرض الله وملكه‏,‏ والإنسان مسؤول أمام الله ـــ تعالى ـــ عن المحافظة عليها وعلى مواردها وعدم إفسادها والإخلال بها‏,‏ قال تعالي‏: :هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها'', وعمارة الأرض تتم بالإصلاح والإحياء والابتعاد عن الإفساد والإهدار‏,‏ فنعمة الماء من أكبر النعم التي أنعم الله بها على البشر‏.‏
وللماء في القرآن الكريم منزلة عظيمة‏,‏ حيث ورد ذكره في القرآن في أكثر من 60 موضعا بمعان مختلفة منها قول الله تعالى‏: ''أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون'',‏ ولعلو مرتبة الماء بين نعم الله على الأحياء قرنه الله ـــ سبحانه ـــ بالمال والبنين‏,‏ فقال تعالى‏:‏ ''فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا‏,‏ يرسل السماء عليكم مدرارا‏,‏ ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا‏'', كما جعل إنزال الماء من السماء لإحياء الأرض آية من آياته ــ سبحانه, حيث قال جل شأنه‏: ''ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير‏''‏ وكان الإسلام سباقا على غيره من التشريعات الخاصة بالمحافظة على الماء وترشيد استهلاكه‏,‏ لذا فإني أؤكد دور المسجد والخطيب في جانب التوعية جنبا إلى جنب مع خطوات التوعية الأخرى التي تقوم بها وزارة المياه والكهرباء، وفي حال اختارت الوزارة بعض الخطباء المؤثرين في كل منطقة فإن التأثير سيكون أكبر للحملة التوعوية, نسأل الله لهم التوفيق.
‏من جانبه, يرى المهندس صالح السلطان أن الخطيب سيكون له جانب تأثير لكن على الوزارة ألا تغفل الجوانب الأخرى عن طريق حملات عبر وسائل الإعلام ومواقع النت لأنها وسائل مؤثرة, خاصة في فئة الشباب وكذلك النساء اللاتي لا يستطعن الحضور لصلاة الجمعة في المسجد. نسأل الله أن يأخذ بأيدي الجميع لكل خير.

الأكثر قراءة