الاستثمارات الصينية في إفريقيا أعتقتها من قبضة القوى الاستعمارية

الاستثمارات الصينية في إفريقيا أعتقتها من قبضة القوى الاستعمارية

الاستثمارات الصينية في إفريقيا أعتقتها من قبضة القوى الاستعمارية

أكد السنغالي سانو مباي العضو السابق في فريق الإدارة العليا لدى بنك التنمية الإفريقي، أن الصين تخطو خطوات حثيثة وسريعة في القارة الإفريقية من خلال استثماراتها الاقتصادية في عديد من دول القارة، ونجحت نجاحا ملحوظا في هذا المجال على عكس الدول الغربية التي كانت نظرتها استعمارية بحتة مما تسبب في مردود عدائي وموقف سلبي من حكومات القارة السمراء وشعوبها. وقال سانو الذي ألف كتاب "إفريقيا لإنقاذ إفريقيا"، كما يعد أحد الكتاب المعتمدين في صحيفة "الجارديان" البريطانية ، المتخصص في الكتابة عن القضايا الإفريقية في حوار أجرته معه "الاقتصادية" إن الصين طورت جميع الأسواق الناشئة التي تعمل في إفريقيا، مشيرا إلى أن نموذج مساعدتها للقارة يقوم على المساعدات والتجارة والاستثمار في مختلف القطاعات بينما اكتفت القوى الغربية باستغلال موارد إفريقيا والاستثمار في الصناعات الاستخراجية. وتحدث سانو في هذا الحوار عن عديد من القضايا الاقتصادية التي تهم العالم وكذلك علاقة الصين بأمريكا والغرب ودول أخرى.. إلى محصلة الحوار: كيف تنظر الدول الإفريقية إلى الصين بعد أن أصبحت قوة عظمى وتجاوزت عصر حركة عدم الانحياز؟ إن الأنشطة التي تنفذها الصين في إفريقيا أتاحت للبلدان الإفريقية خيار الانعتاق من قبضة القوى الاستعمارية السابقة، والبلدان الغربية والمؤسسات الكبيرة مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. وينبغي أن نتذكر أن وكالات التصنيف الغربية اعتبرت أن مشاكل البلدان الإفريقية بعد الاستقلال عصية على الحل وبالتالي منعت من الاقتراض من أسواق المال الدولية. ومن أجل جمع المال لتمويل عمليات التنمية فيها لم يكن أمامها إلا المساعدات التنموية الرسمية بشروط ربطتها بنظام أبقاها في شبكة من الاستغلال وفي دائرة من الفقر المفزع بدلا من العمل على تنميتها. لذلك، فإن القواعد التي تحكم استراتيجية الصين في التعامل مع البلدان الإفريقية ليس لها أية علاقة بسياسة عدم الانحياز. ومنذ أن بدأت عملية "الإصلاح والانفتاح" في عهد زياو بنج في عام 1978، ربما تكون سياسة الصين اشتراكية داخل حدودها لكن اقتصادها عنيد ومدفوع بعوامل رأسمالية. ومن خلال شركاتها المتعددة الجنسيات تقوم الصين بعقد الاتفاقيات والصفقات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك إفريقيا، والقاعدة هي تحقيق الأرباح وممارسة الهيمنة العالمية. إن روح باندونق قد ولت. هل نجحت الصين فعلا في زيادة نفوذها على الأفارقة للوقوف ضد الغرب بناء على الترسبات الاستعمارية القديمة؟ يعتمد تعامل الصين مع إفريقيا على حزمة متكاملة من المساعدات/التجارة/ الاستثمار للحلول محل الغرب الذي تم تصميم محور سياسته التنموية حول المساعدات التي يتم تدقيقها من قبل المؤسستين اللتين انبثقتا عن معاهدة بريتون وودز (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) اللتين فرضتا على الأفارقة تنفيذ برامج تعديل هيكلية مدمرة قوامها التحلل من الأنظمة المالية والتحرير الاقتصادي وتخصيص الأصول العامة (إن خفض قيمة العملة قبل التخصيص كان معناه أن من المناسب الحديث عن التصفية وليس التخصيص). لقد جلبت هذه السياسات الضرر للدول الإفريقية بينما عملت على إثراء الغرب ومؤسساته. إن دخول الاقتصادات التي تنمو بسرعة إلى إفريقيا، وبخاصة الصين، منح الدول الإفريقية بدائل تنموية يمكن، في نهاية المطاف، أن تحررها من الهيمنة الغربية. ما توقعاتك لمستقبل الاستثمارات الصينية في القارة الإفريقية في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي في بعض البلدان .. السودان مثالا؟ إن المبدأ الصيني القائم على "عدم التدخل في الشؤون الداخلية والفصل بين العمل والسياسة" لا غرابة إذن أن يكون له وقع طيب على أسماع الزعماء الأفارقة الذين يتسابقون للإشادة بالتعاون الصيني مع بلدانهم. وإن معظم هؤلاء الزعماء فاسدون، وغير أكفاء وغير ديمقراطيين. إنهم يمضون أوقاتهم في سلب موارد بلدانهم. ولنضرب مثالاً واحداً فقط، لنأخذ الجابون التي يدخل عليها 13 مليار دولار من الإيرادات النفطية سنوياً، ناهيك عن إيراداتها من الخشب، وعدد سكانها 1.2 مليون نسمة. لا يزال أهل الجابون يعيشون في فقر مدقع. وعندما توفي رئيس الجابون الراحل عمر بونجو، قامت فرنسا التي تعتبر المستفيد الرئيس من ثروات الجابون بمساعدة نجله علي بونجو على خلافته. ولذلك لكي نكون منصفين للصينيين، ليس من شأنهم التدخل في السياسة الإفريقية كما تفعل القوى الاستعمارية السابقة. وإذا وجدت القيادة الصحيحة في إفريقيا، فإن الأنشطة التي تقوم بها الصين سوف تساعد على تعزيز التقدم والاستقرار. إن الصين تستطيع أن توفر خيارات للأفارقة، لكن الأمر يعود إلى الأفارقة لممارسة القيادة الرشيدة لتنفيذ السياسة الصحيحة لانتشال شعوبهم من الفقر ووضع بلدانهم على طريق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. هل تعتقد أن النظرة الاقتصادية الضيقة وكذلك الخلفية الاستعمارية أثرت في العلاقات المتنوعة مع الدول الإفريقية؟ إن القوى الاستعمارية السابقة تحارب بكل ما أوتيت من قوة للمحافظة على امتيازاتها والأمر متروك للأفارقة لكي يرفضوهم وأن ينتهزوا فرصة دخول الاقتصادات التي تنمو بسرعة إلى إفريقيا بحثاً عن الموارد والأسواق وذلك من أجل عكس التأثير الغربي إلى الأفضل. هل تتوقع أن تسيطر الصين مستقبلاً على إفريقيا اقتصادياً وتبعد النفوذ الغربي من القارة السمراء؟ آمل أن يكون لدى الأفارقة طموح أكبر من أن يكونوا تحت سيطرة أية جهة، كائنة ما كانت. تعاني إفريقيا تخلفاً اقتصادياً كما هو معروف وتشهد البنية التحتية خرابا واضحا. ما رأيك وأنت عضو سابق في بنك التنمية الإفريقية، ما العلاج الأمثل لذلك؟ لأول مرة منذ سنوات عديدة يكون لدى الأفارقة خيار للاستثمار في التعليم، والصحة، والبنية التحتية، وبناء مؤسسات قابلة للحياة، والتقيد بحكم القانون، والتقليل من الفساد وتوحيد اقتصاداتهم .. إلخ. هذه هي الوسائل الكفيلة بتحقيق تقدم دائم والأمر يعتمد على الزعماء الأكفاء، الذين تتمثل أجندتهم في تنمية وتطوير البلدان التي يحكمونها لا أن يصبحوا أغنياء. كيف ترى واقع الاقتصاد الصيني من خلال تعاونها مع دول آسيوية تحتاج إلى الدعم الاقتصادي مثل الدول الإفريقية؟ لقد تجاوزت الصين اليابان في عام 2010 لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة. وسوف تحل الصين على الأرجح محل الولايات المتحدة بحلول عام 2025 لتصبح أول اقتصاد في العالم. إن الصين قوة عظمى، ويترتب عليها أن تصل إلى جميع البلدان في العالم. هل لديك تعليق على العلاقات الصينية ـ الأمريكية وقضية حرب العملات القائمة بين البلدين؟ انبثقت ما تسمى بحرب العملاء من الاستراتيجية التي طورتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي الأعضاء في منطقة اليورو وبريطانيا، التي تمثلت في طباعة مليارات الدولارات من الأموال للإبقاء على أسعار الفائدة لديها قريبة من الصفر. ولجأ البنك المركزي الأمريكي (بنك الاحتياطي الفيدرالي) والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا إلى سياسة التخفيف الكمي لتسجيل مكاسب إنتاجية زائفة عبر هندسة أسعار فائدة وصرف متدنية في بلدانها، متسببة في الوقت نفسه في ارتفاع أسعار الفائدة في الاقتصادات السريعة النمو. ونتيجة لذلك وجدت جميع مليارات الدولارات التي دخلت الاقتصاد العالمي طرقها في الأسواق الناشئة، كالبرازيل، والهند، وجنوب إفريقيا، والفلبين وكوريا الجنوبية .. إلخ. وتسهم هذه التدفقات في زيادة أسعار الفائدة وأسعار الصرف لهذه البلدان ما يمحو إنتاجيتها وقدرتها على المنافسة. ونظراً لقيام الصين بفرض قيود على رؤوس الأموال، فهي محصنة من العدوى. وزيادة على ذلك، بإغراق العالم بالأموال المطبوعة، فإن مؤيدي سياسة التخفيف الكمي يوقظون التضخم في كل مكان. إن زيادة أسعار المواد الغذائية تطيل قائمة الناس الذين يقعون في براثن الفقر وتزعزع العالم. #2# هل مازالت الدول الإفريقية تحت الاضطهاد الاقتصادي والسياسي ومتى تتحرر من هذه السيطرة؟ نعم، ما زالت إفريقيا تحت الاضطهاد السياسي والاقتصادي. ولكن لو تحدثت البلدان الإفريقية بصوت واحد، وزادت حجم التجارة بين بلدانها وعززت التعاون الإقليمي (بما في ذلك المحافظة على السلام)، فسوف تقطع مشواراً طويلاً باتجاه التغلب على التبعيات السياسية والتشرذم الاقتصادي مما يقترن بالحدود الموروثة عن الاستعمار. ولذلك فإن من الأهمية بمكان أن يضع الأفارقة بناء هوية لعموم إفريقيا ووحدتهم على رأس أجندتهم الخاصة بالتقدم. ومهما كانت أهمية حجم التجارة مع الصين يظل الأساس الوطيد للسلام الدائم والازدهار في إفريقيا متمثلاً في الزيادة المستمرة في التجارة البينية فيما بين دول المنطقة، وفي احترام حقوق الإنسان وإرساء أنظمة الحكم الديمقراطية. هل الاستثمارات الصينية الغرض منها تنمية القارة الإفريقية أم هنالك مآرب أخرى؟ هناك أربعة أهداف تكمن وراء استراتيجية الصين الشاملة وانخراطها المنسق في المنطقة وهي: تعزيز أمن إمدادات الطاقة والمعادن، واستخدام البلدان الإفريقية كقواعد للإنتاج والتصدير للولايات لمتحدة بموجب المعاملة التفضيلية التي ينص عليها قانون فرص النمو الإفريقية، وتقليص علاقات تايوان الدبلوماسية في المنطقة، ومضاعفة نفوذ الصين المتزايد في العالم. يشكل هذا تحدياً جديداً - فكيف تستطيع الاقتصادات الإفريقية أن تحقق أكبر فائدة من الفرص التي تتيحها الصين والعمل في الوقت نفسه على تقليل الأثر السلبي الذي يحتمل أن يشكله وجود الصين المتنامي فيها؟ تستطيع البلدان الإفريقية أن ترد على هذا التحدي بوضع استراتيجية إفريقية للتعامل مع الصين. وهذه الاستراتيجية غير موجودة في أي مكان. هل تتوقع انحسار وتقلص النفوذ الأوروبي الاقتصادي والسياسي من القارة الإفريقية على الرغم من أن القارة البيضاء هي التي استعمرت معظم دول إفريقيا؟ طيلة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ومعظم القرن العشرين، استخدم المستعمرون الأوروبيون إفريقيا كساحات خلفية لإمداداتهم من النفط، والمواد الخام والمعادن الأخرى، وكسوق لبيع منتجاتهم. ومنذ سقوط جدار برلين في عام 1989، أصبح الاقتصاد العالمي معولماً. إن إفريقيا في طريقها لأن تصبح سوقاً ضخمة تضم أكثر من مليار شخص. إلى جانب ذلك، يوجد في إفريقيا 10 في المائة من الاحتياطي النفطي العالمي، و60 في المائة من مجموع الأراضي الصالحة للزراعة غير المستغلة في العالم. ومن غير المحتمل أن يتراجع الطلب العالمي في الأجل الطويل على هذه الموارد. إن النفوذ الأوروبي على الصعيدين السياسي والاقتصادي ما زال موجوداً ونشطاً، لا سيما في المستعمرات الفرنسية السابقة. لكن بلداناً جديدة لديها نفوذ اقتصادي كبير في العالم كالبرازيل، روسيا، الهند، ماليزيا، تركيا، كوريا الجنوبية، إيران، وفنزويلا وخاصة الصين تتنافس ليكون لها موطئ قدم في القارة وسوف تعمل أكثر فأكثر على تغيير ميزان القوى القديم في العالم، وفي إفريقيا كذلك. هل تصل الصين وأمريكا لصيغة تفاهمية لحل صراعهما على القارة الإفريقية؟ إن الصين لديها نظرة طويلة المدى لتطورها. وهي ترى الناحية الإيجابية للتعاون بين جميع اللاعبين التجاريين والاستثماريين في إفريقيا وهي تعمل جاهدة لتأسيس شراكة عمل فيما بينها. من واقع مقالك بعنوان "الصين والجبهة الإفريقية" هل تنظر أن أسلوب الاحتيال والخداع هو السبب الأساس الذي مكن الحزب الشيوعي في الصين من البقاء فترة طويلة في الحكم أم ماذا تقصد؟ لا، لا أعتقد أن الحزب الشيوعي الصيني ما زال في السلطة من خلال أسلوب الاحتيال والخداع. لقد بقي في السلطة لأنه قام بثورة شيوعية ناجحة ولأنه حرر الصين، وحافظ على وحدة التراب الصيني باستثناء هونج كونج التي استعادها الآن من البريطانيين، وباستثناء تايوان التي تتعهد الصين باستعادتها. ولو لجأت الصين إلى التحايل والخداع للاحتفاظ بالحكم لترتب عليها أن تهزم القوى الاستعمارية وجميع أعدائها الآخرين. هل ترى أن تدخل الصين اقتصادياً في بعض الدول تسبب في مشاكل سياسية لبعض الأنظمة؟ لا، لا أستطيع أن أتصور حدوث هذا السيناريو. إن الصين شديدة الحرص على الاستماع لمن ينتقدون سياساتها في إفريقيا وتسارع للعمل على تخفيف حدة هذه الانتقادات. هل تجرؤ الصين وتقوم بالدور نفسه الذي نفذه المستعمر الأوروبي سابقاً أيام الحقبة الاستعمارية، باستغلال موارد وثروة القارة الإفريقية ولكن بأسلوب آخر؟ لا، لقد طورت الصين وفي حقيقة الأمر جميع الأسواق الناشئة التي تعمل في إفريقيا نموذجاً للتعاون يقوم على المساعدات، والتجارة، والاستثمار في مختلف القطاعات، بينما اكتفت القوى الغربية باستغلال موارد إفريقيا والاستثمار فقط في الصناعات الاستخراجية. بصفتك تعمل في مجال استثمار البنوك هل ترى أن البنوك الإفريقية لديها دور في التنمية الاقتصادية في بلدانها؟ نعم، كما أن الشبكات المصرفية في المغرب، وتونس، ونيجيريا، وجنوب إفريقيا تحرز تقدماً في المنطقة، متحدية النظام المصرفي القديم الذي تهيمن عليه البنوك التجارية الغربية، في حين أن البنوك الاستثمارية الغربية كانت غائبة.
إنشرها

أضف تعليق