شيوخ اليمن يوازنون القوة بالشرعية

شيوخ اليمن يوازنون القوة بالشرعية

فوق تلفزيون ذي شاشة كبيرة في مسكن الشيخ على صالح الأشول يوجد أنموذج طيني للقرية التي يعتبر زعيمها القبلي في مقاطعة عمران، التي تندر فيها المياه شمال العاصمة.
وخلافاً لعمه الذي كان زعيماً لقبيلة تضم 15 ألف شخص، يوجد المسكن الرئيسي للأشول في صنعاء، وليس في القرية، رغم أنه يزورها بصورة منتظمة. وهو يقول: ''رجْلٌ هنا ورجْلٌ هناك. الزمن يغير دور الشيخ''.
تتمتع القبائل اليمنية المسلحة تسليحاً ثقيلاً، بتأثير كبير على المجتمع، ويعتبر الشيوخ مثل الأشول على درجة كبيرة من الأهمية لحل الأزمة الراهنة التي تطالب فيها حركة احتجاجية شعبية متنامية بوضع حد لحكم علي عبد الله صالح الذي استمر 32 عاماً.
لقد أسس الرئيس الذي ينتمي إلى واحد من أقوى الاتحادات القبلية، هو قبيلة حاشد، سلطته على إقامة تحالفات مع شيوخ القبائل. وفي الأسابيع الأخيرة يعكف هو – وشخصيات انتهازية معارضة - بعقد اجتماعات مع زعماء القبائل في محاولة للحصول على دعمهم.
وهناك اعتقاد أن بقاء علي صالح أو ذهابه، وتحول الوضع إلى مزيد من العنف من عدمه يعتمد إلى حد بعيد على الشيوخ من أمثال الأشول. لكن المحللين يقولون إن الزعماء القبليين لم تعد لهم سيطرة على أتباعهم الذين كانوا يسوسونهم في وقت من الأوقات.
وبحسب ندوة الدوسري، الخبيرة في الصراع القبلي: ''كان الحكم القبلي يعمل على نحو جيد لأن الناس كانوا زرّاعا فحسب. لم تكن هناك حكومة تعطي الشيوخ أموالاً، ولم تكن هناك شركات نفطية ولا تكنولوجيا ولا انتخابات''.
والآن، كما تقول، هناك شباب صاعد لديه فهم واحترام أقل للقيم العشائرية، وهناك موارد متناقصة، وبعض الشيوخ يعيشون في العاصمة بدلاً من العيش في قراهم ''لقد أخذ النظام بالتفكك وهو غير قادر بشكل متزايد على معالجة النزاعات حول الأرض وعمليات القتل الثأري''.
ويتمثل أحد العوامل التي تقوض السلطة العشائرية خلال الـ 30 عاماً الماضية في تدفق الثروة النفطية التي ساعدت على إيجاد نخبة قبلية متمدنة بعيدة عن هموم أبناء القبيلة في الريف.
ويستمد زعماء القبائل سلطتهم في العادة من الحكمة التي يحلون بها الخلافات. وما زالت النزاعات العشائرية والعداوات الدموية التي تدور حول الأرض، أو المياه، أو النساء، أو الشرف، وأحياناً كل هذه الأشياء، تمزق البلد، ويمكن لهذه النزاعات والعداوات أن تستمر عشرات السنين. ووفقا لأحمد إسماعيل محمد أبو حورية، وهو زعيم قبلي منذ عام 1962، الدور الرئيسي للشيخ هو ''العمل قاضيا، أو وسيطا بين أبناء القبيلة بعضهم مع بعض''.
وهو جالس في مفرجه، أو مجلسه، يشرح أبو حورية مبادئ العدالة القبلية وأساليب التوسط في حل النزاعات، بينما يطلعه مساعدوه على حكم يتعلق بخلاف حدث في الآونة الأخيرة. وهو مكتوب بخط اليد على صفحات من الورق المثبتة مع بعضها بعضا لدرجة أنها عندما يتم فردها تمتد على طول الغرفة.
يقول أبو حورية: ''إنها حكمة تقليدية ورثناها عن أجدادنا. وحتى لو قتل شخص من قبيلتك لا ينبغي أن تأخذ بثأره في الأسواق، والمساجد، والطرق العامة والمدن الرئيسية''.
ويعتبر التغير في التأكيد على الدور الذي يلعبه الشيخ بالنسبة إلى شخص لديه حرية الوصول إلى الموارد وتوزيعها، ظاهرة حديثة. وتقول الدوسري إن القدرة على التوسط في النزاعات ما زالت في صميم شرعية الشيخ.
ويتمثل رد الأشول على سؤال يتعلق بدور الشيخ في قوله: ''إنه ممثل للقبيلة جميعها أمام الجهات الرسمية''.
ويقول الأشول الذي يخصص مبنى ينزل فيه القرويون عندما يأتون إلى صنعاء، إنه أدخل تغييرات في قريته منذ أن أصبح شيخاً. ''في السابق، كانت هناك غرفة دراسية واحدة، أما الآن فقد تم تشييد مدرستين ثانويتين، واحدة للإناث وأخرى للذكور، وكذلك أربع مدارس ابتدائية''.
وبينما كان يتحدث، يتلقى مكالمة هاتفية من أحد أبناء القبيلة بحاجة للمال كي يتزوج، ويرسل إليه ببساطة أحد أبنائه بالمال.
ويبدو أن الأشول على اتصال جيد بمجتمعه. لكن حسب سارة فيليبس، وهي خبيرة في الشأن اليمني في جامعة سيدني، هناك نمط يتعلق بالرئيس صالح، يحصل بموجبه الشيوخ على الثروة والسلطة من المركز – الأمر الذي أضعف سلطتهم.
وتقول الدكتورة فيليبس: ''عبر استمالة هذا العدد الكبير من شيوخ القبائل لشبكاته التي تقوم على الأموال، خاطر صالح بتقويض سلطتهم في مواجهة أبناء عشائرهم. والآن، مع اشتداد الضغط على الرئيس، أصبح الشيوخ أقل قدرة على إمداده بأبناء القبائل الموالين عند الطلب''.

الأكثر قراءة