توقعات كبيرة بانصهار قلب المفاعل النووي الياباني
بذل المسؤولون اليابانيون أمس، أقصى ما في وسعهم للتعامل مع أزمة نووية متصاعدة، ومع خطر حدوث عدد من حالات الانصهار، في الوقت الذي تم فيه إخلاء أكثر من 170 ألف شخص لوقوع الزلزال وموجة المد الضخمة على اليابسة (وهي ما يعرف بكلمة تسونامي في اللغة اليابانية)، التي ضربت بعنف الساحل الشمالي الشرقي لليابان، حيث تخشى الشرطة أن أن يكون أكثر من عشرة آلاف شخص قد لقوا مصرعهم.
أعلن رئيس الوزراء الياباني ناوتو كان بعد مرور يومين على أعنف زلزال يضرب اليابان أن بلاده تواجه أخطر أزمة منذ الحرب العالمية الثانية.
#2#
وقال كان: إن الوضع في محطة فوكوشيما النووية لا يزال خطيرا، وإن المهندسين يحاولون احتواء تداعيات الزلزال العنيف الذي ضرب شمال شرق اليابان وأعقبه تسونامي.
وأضاف: اليابان قد تتعرض لانقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع بعد الزلزال الذي ضرب الجمعة الماضي الأرخبيل، وأدى إلى توقف عدة محطات نووية عن العمل.
وفي المحصلة، أدى الزلزال الذي بلغت قوته 8.9 درجة, وهو الأقوى في تاريخ اليابان والتسونامي الذي أعقبه سقوط أكثر من ثلاثة آلاف قتيل ومفقود بحسب تعداد مؤقت أعدته الشرطة ووكالة "فرانس برس".
#3#
وقال أحد كبار المسؤولين: إن من المرجح أن يكون هناك انصهار في قلب أحد المفاعلات النووية، وكان العاملون في المفاعل يقومون بجهود محمومة لإبقاء درجات الحرارة منخفضة في الوحدات الأخرى التابعة للمعمل وللحيلولة دون أن يتحول الأمر إلى كارثة أسوأ حتى مما هي عليه الآن.
وقال السكرتير الأول للوزارة يوكيو إيدانو أمس: إن انفجار الهيدروجين يمكن أن يصيب الوحدة رقم 3 في مجمع داي إيتشي النووي في فوكوشيما، وإن من الممكن أن يكون هناك انصهار للمفاعل. ومن شأن ذلك أن يأتي بعد الانفجار الذي وقع في اليوم السابق في الوحدة رقم 1 التابعة للمفاعل، حيث كان العاملون في المحطة يحاولون الحيلولة دون انصهارها عن طريق حقنها بماء البحر.
وأضاف إيدانو: "رغم أن تصريحاتنا يمكن أن تزيد من المخاوف لدى الناس، إلا أننا لا نستطيع أن نستبعد إمكانية حدوث انفجار, لكن إذا وقع الانفجار فلن يكون له أثر مهم في الصحة البشرية".
#4#
وتم إخلاء أكثر من 170 ألف شخص كإجراء احتياطي، رغم أن إيدانو قال: إن النشاط الإشعاعي الذي انطلق من المعمل وخرج إلى البيئة كان حتى الآن صغيراً للغاية بحيث إنه لم يكن يشكل أي تهديد للصحة العامة.
يذكر أنه في حالة الانصهار التام، أي انهيار أنظمة المعمل وقدرته على إبقاء درجات الحرارة تحت السيطرة، فإن من الممكن أن يؤدي ذلك إلى إطلاق اليورانيوم ومواد خطرة إلى البيئة، وهو ما يشكل مخاطر كبيرة واسعة النطاق على الصحة العامة.
وأوضح ريو ميياكي، متحدث عن وكالة الطاقة النووية اليابانية، أن من الممكن أن تكون الإشعاعات قد أصابت نحوا 160 شخصاً، بمن فيهم 60 شخصاً من كبار السن والعاملين في المجالات الطبية من الذين كانوا ينتظرون أن يتم إخلاؤهم في بلدة فوتابي القريبة من المعمل، بعد أن تم إخلاء 100 شخص آخر عن طريق الحافلات. ولم يكن من الواضح مدى شدة إصابتهم، أو ما إذا كانت قد وصلت إلى مستويات خطرة. وقد نقلوا جميعاً إلى المستشفى.
وقال إيدانو للمراسلين: إن هناك "إمكانية عالية" لحدوث انصهار جزئي في الوحدة رقم 3 من محطة داي إيتشي لتوليد الكهرباء في فوكوشيما.
ولدى سؤاله إذا ما كان قد حدث انصهار جزئي؟ قال إيدانوا: "بما أن الانفجار داخل المفاعل، فلا نستطيع فحصه مباشرة، لكننا نتخذ التدابير اللازمة على افتراض أن الانصهار قد حصل".
وقد قتل ما لا يقل عن ألف شخص من ضمنهم نحو 200 جثة تم العثور عليها أمس، على طول الساحل, وكان 678 شخصاً مفقودين ـــ حسب المصادر الرسمية، لكن الشرطة في واحدة من المناطق الأشد تضرراً قدرت أن عدد القتلى في تلك المنطقة وحدها يمكن أن يصل إلى عشرة آلاف شخص.
وبدا أن حجم الكوارث المتعددة يفوق الجهود التي تبذلها السلطات اليابانية للسيطرة على الوضع بعد أكثر من يومين على وقوع الزلزال الأول.
وواجهت فرق الإنقاذ صعوبة بالغة في البحث في مئات الأميال من (الكيلو مترات) على طول الخط الساحلي، كما أن آلاف الناجين الجائعين الذين احتشدوا في مراكز الطوارئ التي انقطعت عنها الكهرباء حرموا من المنقذين ومن المساعدات. وأصبح ما لا يقل عن مليون أسرة دون ماء منذ الزلزال، وبدأت الأطعمة والبنزين تنفد بسرعة في المنطقة. وحاصرت المياه مناطق واسعة من الريف وأصبح من غير الممكن الوصول إليها, وكان هناك نحو 2.5 مليون أسرة من دون كهرباء.
وحذر وزير التجارة الياباني بانري كاييدا من احتمال تعرض المنطقة لمزيد من عمليات قطع الكهرباء، وأنه سيتم ترشيد الكهرباء لضمان استمرار الإمدادات للمرافق الأساسية.
وضاعفت الحكومة عدد الجنود الذين يقومون بعمليات الإنقاذ إلى 100 ألف من 51 ألف جندي، مع استمرار الهزات الارتدادية القوية في ضرب البلد.
يشار إلى أن الوحدة الثالثة في محطة فوكوشيما هي واحد من ثلاثة مفاعلات أغلقت تلقائياً وفقدت وسائل التبريد اللازمة لتظل قضبان الوقود تعمل بالشكل المناسب بسبب انقطاع الكهرباء جراء الزلزال. وهناك مشكلة أيضاً في الوحدة الأولى من المفاعل، لكن الوحدة الثانية كانت أقل تأثراً.
وعلى الأرجح أن يعتبر المفاعل الذي يعود تاريخ صنعه إلى 40 عاماً، غير قابل للاستعمال، حسبما قال مسؤول في وزارة. وقال المسؤولون: إن مياه البحر ستبقى داخل الوحدة، إلى عدة شهور على الأرجح.
وقال روبرت ألفاريز، العالم البارز في معهد دراسات السياسة، ومستشار السياسة رفيع المنصب سابقاً لدى وزارة الطاقة الأمريكية للمراسلين: إن مياه البحر كانت إجراء ضرورياً للغاية, لكن فرصة النجاح ضئيلة للغاية.
وأضاف: إن نجاح استخدام مياه البحر وعنصر البورون لتبريد المفاعل سيعتمد على حجم ومعدل توزيع الاثنين. وقال: إن التغطيس سيحتاج إلى الاستمرار دون توقف لعدة أيام.
قال كذلك: إن العامل الآخر كان استعادة الطاقة الكهربائية، وبالتالي يمكن لأنظمة التبريد العادية أن تعمل.
قال إدانو: إن عملية التبريد في الوحدة رقم واحد كانت تجري بسلاسة بعد أن تم ضخ مياه البحر.
أضاف إدانو: إن المشغلين أطلقوا هواءً مشعاً إلى حد ما من (الوحدة 3) أمس، وحقنوا في الوقت ذاته المياه فيها على أمل تقليل الضغط والحرارة لمنع الانصهار المحتمل.
أضاف كذلك: إن مستويات الإشعاع خارج المصنع مباشرة ارتفعت لفترة وجيزة إلى أعلى من الحدود القانونية المسموح بها، لكنها تراجعت بشكل كبير للغاية منذ ذلك الوقت. وكذلك انكشفت قضبان الوقود لفترة وجيزة، حسبما قال، الأمر الذي يشير إلى أن مياه التبريد لم تغط القضبان لفترة من الوقت. وكان ذلك سيسهم بمزيد من الارتفاع لدرجات الحرارة في شريان المفاعل.
في مركز الإخلاء في كورياما، على بعد 40 ميلاً (60 كيلو مترا) من المفاعل المعطل، وعلى بعد 125 ميلاً (190 كيلو مترا) شمال طوكيو، فحص الخبراء الطبيون نحو 1500 شخص بشأن التعرض للإشعاعات في مركز فحص الطوارئ، حسبما قال مسؤول.
وكان هنالك تدفق مستمر للناس ـــ إذ تضمن التجمع كبار السن، وطلبة المدارس، وأسرا تحمل أطفالها ـــ حيث وصلوا إلى المركز، وتم فحصهم من قبل مسؤولين على رؤوسهم خوذات، وعلى وجوههم أقنعة طبية. ووضع المسؤولون الوحدة الأولى في مفاعل داي إيشي، ووحدات أخرى في أربعة مفاعلات، ضمن حالة الطوارئ يوم الجمعة، بعد أن فقد المسؤولون عنها القدرة على تبريد المفاعلات باستخدام الإجراءات المعتادة. وجرت كذلك إضافة مفاعل آخر صباح يوم السبت ليصبح المجموع ستة مفاعلات، ثلاثة منها في مجمع داي ـــ إيشو، وثلاثة أخرى في مجمع نووي قريب.
وبدأ المسؤولون بإطلاق البخار المشع في الوحدة رقم 1 في مفاعل فوكوشيما، وذلك لتخفيف الضغط على خزان المفاعل الذي يحتوي على وقود اليورانيوم الذي يتعرض للحرارة الشديدة. وتصاعدت المخاوف بشدة يوم السبت لدى انفجار مبنى الاحتواء في المفاعل. وكان المسؤولون على علم بأن البخار يحتوي على الهيدروجين، وأنهم يخاطرون بحدوث انفجار من خلال إطلاق البخار، كما اعترف به المتحدث باسم الوكالة الحكومية للسلامة النووية والصناعية. غير أنهم اضطروا إلى ذلك لأنهم كانوا في حاجة إلى المحافظة على دوران مياه التبريد لمنع ذوبان قضبان الوقود. واحتاجوا للقيام بذلك إلى استمرار تدوير مزيد من مياه التبريد، وتوجيهها نحو تلك القضبان. غير أن الحرارة داخل المفاعل استمرت في الارتفاع، الأمر الذي رفع درجة حرارة أغلفة القضبان. وإذا ارتفعت درجة الحرارة إلى نحو 2.200 درجة مئوية، فإن أغلفة قضبان اليورانيوم ستنصهر. غير أنه ما إن بلغت الحرارة 1.200 درجة مئوية، حتى حدث تفاعل حوّل المياه إلى زيكورونيوم وهيدروجين.
وحين تم إطلاق البخار المحمل بالهيدروجين من المفاعل، تفاعل الهيدروجين مع الأوكسجين، سواء في الهواء، أو في المياه خارج الحاوية الخاصة، ثم انفجر. وكانت هنالك مشكلة هيدروجين مماثلة سببت المخاوف لدى المسؤولين عن سلامة وتشغيل مفاعل ثري آيلاند في الولايات المتحدة عام 1979، وذلك في ولاية بنسلفانيا.
ووفقاً لما يقوله الخبراء الذين التقتهم "أسوشيتدبرس"، فإن أي وقود منصهر سيعمل على تآكل قاعدة الوعاء الواقي في المفاعل. وبعد ذلك يعمل على اهتراء قاعدة مبنى الاحتواء المدمر بالفعل, وعندها يبدأ اليورانيوم والمواد الضارة الأخرى في التسرب إلى البيئة المحيطة. ويمكن عند حد معين من ذلك أن تنصهر جدران الوعاء الواقي المصنوعة من الفولاذ غير قابل للصدأ بسماكة 13 سم. ويمكن كذلك أن تنصب المواد، وهي أشبه بالحمم بالغة السخونة باتجاه أي ماء متبق على القاعدة، الأمر الذي يمكن أن يتحول إلى انفجار أكبر بكثير من ذلك الذي سببه الهيدروجين, ومن شأن ذلك إطلاق مزيد من الإشعاعات في الجو.
إذا أصبح مركز المفاعل معرضاً للبيئة الخارجية، فإن من المتوقع أن يبدأ الخبراء بصب الأسمنت والرمال فوق المنشأة ككل، كما جرى بالنسبة إلى مفاعل شرنوبل في أوكرانيا عام 1986، وذلك كما قال بيتر برادفورد، المفوض السابق في هيئة تنظيم الطاقة النووية في الولايات المتحدة. وعندها ـــ حسب رأيه "فإن كثيرين ممن يتعرضون للموجات الأولى من الإشعاع سيموتون".