وهل يقامر الإنسان بوطنه؟ (2 من 2)
بيان هيئة كبار العلماء لم يأت ليغلق أبواب التعبير التي شرعها الله لعباده بعيداً عن المزايدات السياسية والحزبية، أو يحد من حرية الرأي، أو يضع لأشخاص قدسية ترفعهم فوق مستوى البشر، بل جاء البيان ليوضح بشكل جلي لا مواربة فيه موقف الشرع الحنيف من الفتن وما تؤدي إليه من فرقة للصف والكلمة، وما يترتب على ذلك من مفاسد عظيمة، نرى آثارها ظاهرة للعيان في أكثر من مكان.
لقد عُرف عن علماء المملكة تجردهم من الحزبية الضيقة، ومن المصالح الدنيوية، فكانت بياناتهم تصدر عن موقف شرعي مؤصل، ومصداق ذلك ما سبق أن صدر عن هيئة كبار العلماء قبل 30 عاماً من فتوى بخصوص معمر القذافي، وهي فتوى من يقرأها، يعتقد أنها صدرت هذه الأيام، لما تحمله من مضامين تنطبق على الواقع الحاضر.
إن ما يجري في عالمنا العربي من أحداث وما نتج عنها من مآس، يبين أن هذه الأحداث ليست عفوية الحدوث، بل هناك أيد خفية دولية وإقليمية تحركها، وتنتقي الدول المستهدفة بها، وما أشار إليه الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عن هذه المؤامرة التي تجري لتمزيق عالمنا العربي، تناولته وثائق ويكيليكس التي كشفت عن وجود منظمات غربية خصصت ملايين الدولارات لدعم شخصيات وناشطين تحت مسمى نشر الديمقراطية في العالم العربي، كما كشف عنها كتاب غربيون كثر، من بينهم الكاتب الأمريكي ديفيد أجناتيوس في مقال في صحيفة ''واشنطن بوست'' حيث أشار إلى أن ما جرى في تونس ومصر ويجري الآن في ليبيا، تم الاستعداد له منذ آب (أغسطس) 2010م.
إن مشاهد الدمار والقتل التي نراها في ليبيا، والتي قد تتطور إلى حرب أهلية تقسم البلد وأهله، وما تعانيه مصر وتونس من أوضاع أمنية، وخسائر اقتصادية فادحة، أمر يوجب على الإنسان العاقل أن يمعن النظر في هذه الدعوات، وأن يتساءل لماذا يروج لها من مواقفهم من الوطن معروفة، ولماذا تصاغ هذه الدعوات بمفردات وشعارات لا تنتمي إلى الوطن وأهله، بل ولماذا نرى بعض من يقفون خلف هذه الدعوات يتحدثون عبر وسائل إعلام معروفة بالعداء للمملكة، حكومة وشعباً، وقبل ذلك عقيدة؟
إن نعمة الأمن لا يعرف قدرها إلا من فقدها، فالأمن هو أول ما ينفرط عقده في حالة الفوضى، وهو آخر ما يستعاد إلى وضعه الطبيعي، ولهذا فليس غريباً أن يصبح الأمن، واستعادة هيبة الدولة هو الهاجس الأول للمسؤولين في مصر وتونس، وهو مطلب شعبي ملح، يسبق الآن الحديث عن الإصلاح، وعن تحسين مستوى المعيشة.
يقول رئيس الوزراء التونسي الباجي قائد السبسي في أول لقاء له مع وسائل الإعلام: ''إن العمل من أجل استعادة هيبة الدولة، سيكون من أهم مهام الحكومة التونسية المؤقتة خلال هذه المرحلة الانتقالية، فهيبة الدولة تدهورت حتى وصلت إلى درجة خطيرة جدا، ما جعل البلاد تقف اليوم على حافة الهاوية''.
ويضيف قائلا: ''إن تحقيق هذه المهمة الأكيدة، يتطلب بدرجة أساسية استتباب الأمن والاستقرار، ورجوع الحياة إلى وضعها الطبيعي، واستتباب الأمن الآن ليس بالأمر الهين، فالأوضاع تدهورت بشكل يصعب تداركه في وقت وجيز''.
أما الكاتب المصري أحمد رجب فيقول في مقاله في صحيفة ''الأخبار'' المصرية يوم الخميس الماضي: ''.. بالنيابة عن المصريين أقول إننا الآن نعرف قيمة الشرطة ونحن محرومون من نعمة الأمان في ظل أمن جزئي، آثار مصر يتم نهبها ليلا بعصابات مسلحة، أمهاتنا وأخواتنا يتعرضن للبلطجة في عز النهار، أطفالنا لا نأمن ذهابهم إلى المدارس، كنز السياحة مغلق حتى تعود الشرطة، ألوف المساجين هاربون في ربوع مصر''.