دعوة إلى عقد ورش عمل لأئمة المساجد والمؤذنين حول الترشيد

دعوة إلى عقد ورش عمل لأئمة المساجد والمؤذنين حول الترشيد

تناولت ''الاقتصادية'' في تقرير لها الأسبوع الماضي أهمية ترشيد الماء في المساجد، وتم نشر إحصائية عن ترشيد الماء في 61 مسجدا، أدى هذا الترشيد إلى توفير أكثر من 400 ألف ريال نتيجة لهذا العمل المنظم، كما أوضحت دراسة حديثة على مستوى المملكة، قامت بها وزارة المياه والكهرباء بالتعاون مع شركة عالمية متخصصة في مجال الإحصاءات والبحوث الميدانية، أن مشكلة نقص المياه هي من أوائل المشكلات والقضايا البيئية، بل من أولها مقارنة بالقضايا الأخرى كالتلوث والفقر وحماية البيئة الطبيعية، ومن هذا المنطلق فإن المساجد في حاجة إلى تضافر الجهود وفي حاجة ماسة إلى عقد ورش عمل لأئمة المساجد والمؤذنين حول ترشيد الماء، خصوصا بعد نجاح عملية الترشيد للمياه في عدد من المساجد في بعض مناطق المملكة.

دراسة ميدانية على جامع الملك خالد
أقدمت الوزارة على خطوة أخرى تمثلت في اختيارها بعض المساجد الكبيرة لتقيم عليها دراسات ميدانية مستقلة، حيث كان من أوائلها جامع الملك خالد في حي أم الحمام في الرياض، وهو من أكبر المساجد في الرياض، ومعلوم أن الجامع يصلي فيه أعداد كبيرة من المصلين، وتمتلئ ساحات المسجد الخارجية ومواقف السيارات بالمصلين، خصوصا في يوم الجمعة من كل أسبوع، وقد كشفت الدراسة عن أرقام وبيانات مهمة توضح أهمية الأجهزة المرشدة وفائدتها الكبيرة في تحقيق الوفر المالي والمائي في المباني والمنشآت العامة، حيث تبّين أن استخدام أدوات ترشيد المياه في هذا المسجد، البالغة تكلفتها 385 ريالا فقط، وفرت ما نسبته 36 في المائة من المياه ـــ أي ما قيمته نحو 43 ألف ريال سنوياً لمسجد واحد فقط. حيث أظهر هذا التطبيق العملي أن معدل الاستهلاك اليومي للمياه قبل تركيب أدوات ترشيد استهلاك المياه في المسجد هو 66 ألف لتر مياه يومياً، بينما بلغ معدل الاستهلاك اليومي للمياه بعد تركيب أدوات ترشيد استهلاك المياه 42 ألف لتر أي بفارق 24 ألف لتر يومياً، أي ما يعادل نحو ثمانية ملايين لتر مياه يتم توفيرها سنوياً، وإذا علم أن سعر المتر المكعب يقدر بخمسة ريالات فإن قيمة ما تم توفيره من المياه في أربعة أيام فقط تعادل قيمة أدوات الترشيد التي تم تركيبها في المسجد.
الجدير بالذكر أنه تم استخدام ثلاث أدوات بسيطة لترشيد المياه وهي: أكياس الإزاحة لصندوق الطرد (السيفون) ومرشد الشطاف في دورات المياه ومرشد صنابير مغاسل الأيدي، وتأتي هذه الدراسة مؤكدة لما سبق أن أعلنت عنه الوزارة من توفير مالي ضخم في حالة استخدام الأجهزة المرشدة، ما يشجع على التوسع في مد شبكات مياه جديدة إضافية لتوفير المياه لعديد من المواطنين الذين هم في أمسّ الحاجة إليها، والعمل على الحفاظ على ثروة غالية تكلف الدولة الكثير، وهي تسعى لتوفيرها للجميع.

الترشيد نظام متشابك
يرى المهندس صالح بن علي بطيش أن حملات الترشيد نظام متشابك ومتداخل ومتعدد الجوانب، بدءاً بالتوعية وانتهاء بتوفير الأجهزة والتكنولوجيا والتعرفة، وجميع هذه الجوانب ينبغي أن ينظر إليها من حيث علاقتها بسياقها الاقتصادي والاجتماعي والديني، كعناصر أساسية من عناصر الإدارة المتكاملة لموارد المياه، وتشكل التوعية العامة والتعليم عنصرا أساسيا وضروريا لضمان مشاركة ومساهمة جميع أفراد المجتمع في الحفاظ على الثروة المائية، ويشير إلى أن علاج ظاهرة الإسراف في الاستهلاك يحتاج إلى استراتيجيات وخطط دائمة ومستمرة تستعمل المفاهيم والتوجيهات الإسلامية في حملات التوعية وطرح لآليات وإرشادات وملصقات وبرامج تخاطب العقول والفطرة في المستهلك للحفاظ وترشيد استعمال المياه. هذه الحملات يجب أن تجرى بصورة مستمرة ومنتظمة، لأن الجهود المعزولة من استبدال الأدوات الصحية ''السيفونات'' أو زيادة تعرفة المياه، والحملات المؤقتة لا تحقق النتائج المرجوة منها التي تهدف إلى إحداث تغيير في أنماط سلوك المستهلكين.
ويؤكد المهندس بطيش أن المسجد يشكل المكان الأفضل لمخاطبة المجتمع، كما أن صلاة الجمعة تمثل فرصة أسبوعية لمخاطبة جميع أفراد وشرائح المجتمع. تعاليم وتوجيهات الإسلام منبر فعال ومؤثر، قادر على الوصول إلى أذهان وقلوب شرائح وفئات المجتمع كافة، سواء في البيت أو الشارع والمدرسة والجامع أو الجامعة. التوعية مسؤولية مشتركة وشاملة ولنجاح هذه المهمة، لا بد من مشاركة المستهلكين ووزارة المياه ووزارة الشؤون الإسلامية للتعاون وتنسيق الجهود وتقاسم الأدوار وتبادل المعلومات، لذا لا ينبغي استبعاد دور الأئمة والوعاظ في هذه الحملات، فدورهم مؤثر وفاعل، فهم أقدر من خبراء المياه على التأثير في سلوك المجتمع، بعد أن يتم تزويدهم بمعلومات عن وضع الموارد المائية وما يواجه المجتمع من نقص في المياه، وذلك بهدف تأصيل مفهوم الاقتصاد والمحافظة عليها كجزء من مفهوم الإدارة الشاملة والمتكاملة لموارد المياه. التعرض والحديث عن نقص المياه لا يكونان عارضين، بل يتكرران، خصوصاً في فصل الصيف حيث يصل الطلب إلى ذروته، كذلك يمكن تناول هذا الموضوع في المدارس والجامعات ومؤسسات التعليم من خلال مواد الدين واللغة العربية والعلوم والجغرافيا وإعداد ندوات ومحاضرات للطلبة والطالبات وسيدات البيوت، وعلى المجتمع أن يلم بخطورة وضع المياه وضرورة المحافظة عليها، وتوفيرها لهذا الجيل والأجيال المقبلة من منطلق التنمية المستدامة.
وقال المهندس عبد العزيز التركي: ''إن الاستخدام غير الرشيد للمياه ليس من الإسلام، حيث إن ديننا الحنيف يقضي بالترشيد حفاظا على البيئة والموارد الطبيعية حتى تستقيم الحياة''. وأشار إلى أن هناك عددا من المساجد طبق فيها الترشيد وتم تركيب المعدات الحديثة اللازمة لتوفير المياه، إلا أن هناك سلوكيات خاطئة من بعض المصلين تؤدي للإسراف في المياه، لافتا إلى أن جميع المصلين عليهم الالتزام بتوفير المياه تطبيقا لقول رسول الله ــــ صلى الله عليه وسلم: ''لا تسرف وإن كنت على نهر جار''.
ويرى المهندس عبد الله القرني: ''إن المشكلة تكمن أساسا في الوعي، وهي سبب أغلبية الأزمات التي نعيشها في حياتنا، حيث إن الأغلبية لا يلتزمون بتوفير المياه وهناك بعض الناس يتركون صنابير المياه مفتوحة''.
وأضاف أن حل هذه الظاهرة يكمن في شقين، الأول توفير المعدات والأدوات اللازمة مثل الصنابير التي تضخ هواء مع الماء لتوفر كميات المياه المستخدمة، أما الشق الثاني فيكمن في التوعية المجتمعية وضرورة إطلاق حملات توعية لمختلف فئات المجتمع وبلغات مختلفة لنشر ثقافة توفير المياه بين الجميع لأن رواد المساجد من جميع الجنسيات.
وأشار إلى أنه على وزارة المياه والكهرباء أن تقوم بتوعية المترددين على المساجد باللغات المختلفة مثل العربية والإنجليزية والأوردية للحديث عن أهمية ترشيد المياه بشكل عام وفي المساجد بشكل خاص، لافتا إلى ضرورة تعليق ملصقات أو وضع لافتات تحمل عبارات للحث على توفير المياه.

مشاركة الأئمة
رحب عدد من الدعاة وأئمة المساجد بالدعوة إلى إقامة ورش عمل عن ترشيد المياه في المساجد، وقالوا إنه سيكون لها أثر إيجابي كبير في تفهم القائمين على المساجد أهمية ترشيد المياه، وأكدوا أن مثل هذه الورش التي تركز على جانب الترشيد سيحرص جميع القائمون على المساجد لتكون خطوة أولى استباقية للمساجد التي لم يتم فيها تركيب أجهزة ترشيد المياه، وطالبوا بأن تقام هذه الورش في مختلف مناطق المملكة حتى تحقق الجدوى من إقامتها.
ويؤمِّن الشيخ خالد الهميش إمام وخطيب جامع الفياض في الرياض على الدعوة إلى إقامة ورش عمل لأئمة المساجد للإسهام في التوعية بترشيد المياه في المساجد وقال: إنها إن تمت خطوة موفقة سيكون لها الأثر الملموس على ترشيد المياه في المساجد، ولا سيما أن بعض أئمة المساجد في حاجة للتعرف على الخطوات التي تمت، والتي لم يتعرفوا عليها بعد، لأن التجربة طبقت في مساجد دون أخرى.
ويشير الشيخ عبد العزيز الهتمي إلى أن التوعية المستمرة بأهمية ترشيد وتوفير الماء أمر مطلوب ولا بد من السير على هذا النهج، لكن عندما يتحدث إمام المسجد فإنه يحتاج إلى أن يكون ملما بهذا الترشيد، ولذلك فإن إقامة ورش عمل لائمة المساجد حول ترشيد الماء في المساجد، يعد دعوة واقعية سيكون لها نفعها لدى المشاركين في تلك الورش، خاصة أنها تأتي في وقت يحتاج إليها الداعية والإمام للمشاركة الجادة في هذا العمل الوطني المهم الذي ينصب في مصلحة الوطن والمواطنين. نسأل الله للجميع التوفيق.

الأكثر قراءة