تقنيات وسائل الإعلام الجديد تغير آليات «صنع الثورة».. والشركات لا تريد تحمّل المسؤولية
كشفت مواقع التواصل الاجتماعي الجديدة، مثل ''فيسبوك'' و''تويتر''، عن قدرتها الهائلة في التغيير ولا سيما في البلدان ذات الكثافة السكانية المرتفعة التي لا يتاح لها إلا قليل من الوسائل الأخرى للتنظيم السياسي الحر.
وهذه المواقع يمكن أن تكون ذات شأن في مناطق العالم ذات الحكومات الراسخة وجيدة التنظيم كما أظهر انتخاب باراك أوباما، ولكنها تستطيع إحداث كل الفرق في البلدان التي أدى فيها وجود النظم السلطوية أو الافتقار إلى التقاليد السياسية إلى خلق فراغ يمكن أن تتجلى فيه تماما قوة مواقع التواصل الاجتماعي.
تلك الصور والقصص الإخبارية ربما لا تلقى قبولاً جيدا في بلدان مثل الصين التي يُنظر إليها كسوق مرتقبة جديدة وكبيرة لكل من ''فيسبوك'' و''تويتر''، وكلاهما يتعرض للحجب الآن من جانب الحكومة، على الرغم من زيارة زوكربيرج إلى الصين في كانون الأول (ديسمبر).
#2#
لا ريب أن وسائل الإعلام الجديد كانت السلاح الأبيض الذي استخدمه المحتجون للمطالبة بإسقاط أنظمتهم التي لطالما ضيقت عليهم مساحة الحرية والتعبير عن الرأي، فهل كان يعلم مارك زوكربرج مؤسس الموقع الاجتماعي فيس بوك، أن شبكته التي أرادها للتواصل داخل أروقة جامعته، أنجبت ثورات تغير بموجبها مجرى التاريخ في العالم العربي؟
عزا المتظاهرون المصريون الفضل صراحة إلى دور وسائل الإعلام الاجتماعية في الثورة على النظام الحاكم في بلدهم.
وأعرب أحد زعماء المتظاهرين، وهو وائل غنيم، عن رغبته في لقاء الرئيس التنفيذي لـ ''فيسبوك'' مارك زوكربيرج ليشكره.
وقال غنيم في مقابلة، الجمعة الفائتة، مع شبكة سي إن إن الإخبارية: ''بدأت هذه الثورة على الإنترنت. بدأت هذه الثورة على فيسبوك''.
لقد غيرت التقنيات الجديدة من آليات الثورة، وأصبح التواصل أسهل بالنسبة للمعارضة عن طريق موقعي ''فيسبوك'' و''تويتر''. وتعني أجهزة الهواتف المحمولة أن وحشية الحكومة يحتمل أن ينتهي بها المطاف على موقع ''يوتيوب''، وهو ما يرفع من تكلفة القمع.
ولكن فيسبوك إنك كشركة ـــ وبالقدر نفسه تقريبا تويتر إنك- تجشمت عناءً كبيراً للظهور بمظهر محايد تجاه الثورات في مصر وغيرها من بلدان الشرق الأوسط؛ لأن نسبتها قدرًا أكبر مما ينبغي من الفضل إلى نفسها ربما يجعل الشركة التي تتخذ من باولو ألتو مقرا لها عرضة للّوم أو إيقاف خدمتها في بلدان أخرى. ويقول الخبراء إن هذا لن يساعد آفاق عمل الشركة على المدى الطويل.
ومن جهته قال ديفيد بيل، أستاذ إدارة التسويق في كلية وارتون للأعمال بجامعة بنسلفانيا: ''هذه الشركات لا تريد وضعها في موضع تُحمّل فيه المسؤولية . إذا حدث شيء سلبي أو مأسوي. كما أنها ربما تكون أيضا عرضة للتضليل، حيث يمكن أن يقول الناس أشياء (على ''فيسبوك'' و''تويتر'') ليست حقيقية بالضرورة''.
وقال أندي سميث، خبير تسويق وسائل الإعلام الاجتماعية في شركة لافاييت، إن تلك الدعوة إلى العمل ''أظهرت كيف أن قوة فرد لديه فكرة واحدة فعالة ورسالة يمكنها أن تصنع أشياء''. وقد ألّف سميث بمشاركة زوجته جينيفر آكر كتاب ''أثر اليعسوب: طرق سريعة وفعالة وقوية لاستخدام وسائل الإعلام الاجتماعية لدفع التغيير الاجتماعي''.
وقد لعبت خدمة ''تويتر'' للتدوين التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقرا لها وتضم في عضويتها أكثر من 175 مليون عضوا دورا رئيسيا في نشر أخبار الاحتجاجات التي شهدتها إيران فيما بعد انتخابات عام 2009. كما مثلت مواقع التواصل الاجتماعي قوة في الانتفاضات الأخيرة المعارضة للحكومة في تونس وسوريا.
ولكن الاستخدام الأكثر إثارة لوسائل الإعلام الاجتماعية على أيدي المتظاهرين المعارضين للحكومة حدث في الشهر الماضي في مصر.
وأفاد زولت كاتونا، الأستاذ المساعد في كلية هاس للأعمال بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، الذي يقوم بدراسة الشبكات الاجتماعية: ''إذا كانوا يريدون الدخول إلى الصين فلا بد لهم من إقامة علاقة جيدة نوعا ما مع الحكومة''.
في هذه الأثناء ربما تنظر الحكومات في البلدان العربية المجاورة لمصر إلى ''غزو'' ''فيسبوك'' و''تويتر'' و''جوجل'' كرمز للتدخل الأمريكي في شؤونها، على حد قول سميث الذي يدير شركة فونافونا فينتشرز لاستشارات التسويق.
كما تساءل سميث أيضا عمّ إذا كان ذلك الشعور الذهبي تجاه ''فيسبوك في مصر سيظل هكذا إذا ساءت الأحوال في البلد بعد سنتين من الآن.
إظهار ضبط النفس
وهكذا قال إنه يتعين على المسؤولين التنفيذيين في ''فيسبوك'' و''تويتر'' أن يظلوا حذرين في بياناتهم العامة بشأن مصر فيما يعالجون مسائل الدبلوماسية الدولية الشائكة.
وأعلنت شركة فيسبوك، التي تتباهى كثيرا باعتقادها بأن المزيد من التواصل والتفاعل الاجتماعي سيجعل من العالم مكانا أفضل، كيف تستخدم الجماعات السياسية والمسؤولون المنتخبون في الولايات المتحدة هذه الشبكة، كما أن الشركة لديها أيضا مسؤولون تنفيذيون يتخذون من واشنطون العاصمة مقرا لهم.
غير أن فيسبوك التجأت مرارا إلى بيان أساسي واحد غير حادّ بشأن مصر أصدرته عندما قُطع الاتصال بالإنترنت: ''لا يمكن تصور عالم دون إنترنت. وعلى الرغم من أن الاضطرابات التي تشهدها مصر مسألة يحلها الشعب المصري وحكومته، فإن الحدّ من إمكانية وصول ملايين من الناس إلى الإنترنت مثار قلق للمجتمع الدولي''. وقد امتنع ناطق رسمي باسم فيسبوك عن الإدلاء بمزيد من التعليقات حول هذا الموضوع.
قائمة ''تويتر''
نشرت ''تويتر'' الأسبوع الماضي قائمة اختارها موظفوها من حسابات تويتر لمتابعة ما يقدم منها ''منظوراتٍ من داخل مصر ومن حولها''.
غير أن ممثلا لـ ''تويتر'' امتنع أيضا عن التعليق بشكل محدد على مصر، على الرغم من إشارته إلى أن بيز ستون، المؤسس المشارك لـ ''تويتر''، شارك في تأليف تدوينة على مدونة الشركة تحمل رسالة مصوغة بعناية تساند حرية التعبير وتقول:
''ربما تيسّر بعض تدوينات تويتر التغيير في بلد يعاني القهر، وبعضها يدفعنا للضحك، وبعضها يدفعنا للتفكير، وبعضها يغضب ـــ بكل معنى الكلمة أغلبية عظمى من المستخدمين. نحن لا نتفق دائما مع الأشياء التي يقرر الناس نشرها في تدويناتهم، ولكننا نحافظ على تدفق المعلومات بغض النظر عن رأينا ـــ مهما كان ـــ في المحتوى''.
''فيس بوك'' و''تويتر'' آخذان في النضج سريعا والتحول إلى مؤسسات لديها مسؤوليات عامة، كالصحف التقليدية؛ لأنها تجمع بين كونها قنوات للمعلومات العامة الحيوية وشركات ربحية تعتمد على الإعلانات لتحقيق الإيرادات. وهكذا يقول سميث إن ''هذه المواقع يجب أن ينظر إليها باعتبارها محايدة نسبيا ولكنها تؤيد كشف الحقيقة''.