المعيرة والتنميط يحولان الهيئات الشرعية إلى جهات استشارية وتفسيرية
يعد الدكتور عبد الباري مشعل المدير العام لشركة رقابة للاستشارات في بريطانيا من أبرز العاملين في القطاع المصرفي الإسلامي،وفي مجال الرقابة الشرعية، وهي في صلب أعمال المؤسسات المالية، وأعمال الهيئات الشرعية، ومشعل يمازج بين العمل الشرعي والعلم في المجال الاقتصادي، وفي جوانب فنية تحتاجها الصناعة، ولهذا كانت آراؤه دائما محل احترام وأيضا محل نقد،كونه يعتقد أن القوام الفني الشرعي والاقتصادي ضروريان لنمو الصناعة المالية الإسلامية وتسويقها، ففي غياب المعايير وضعفها، لن يتمكن أهل الصناعة من تسويقها خارجيا، فالأسوق العالمية وبمئات المليارات تحتاج إلى دليل إرشادي فني ومعايير واضحة ونمطية تحكم المنظومة المالية الإسلامية، في هذا الحوار أكد مشعل أن المعيرة والتنميط ضرورة وهي قادمة وأنها ستؤسس لعهد جديد من المصرفية الإسلامية، وقال مشعل إن التنميط سيجعل من الهيئات الشرعية هيئات استشارية وتفسيرية للمعايير التي أنتجتها المؤسسات والمجامع الفقهية الإسلامية، فإلى تفاصيل الحوار الذي أجراه مدير التحرير:
هناك نقد لصناعة المصرفية الاسلامية ورموزها،وهذا النقد أحيانا فيه موضوعية والآخر سطحي مضر بالصناعة، كيف تنظرون لهذين النقدين؟
الصناعة المالية الإسلامية ابتداءً هي ملك للأمة الإسلامية وليست حكرا على شريحة من المتخصصين أو العاملين في المصارف أو المؤسسات المالية الإسلامية وبالتالي نقدها وتقييمها مسؤولية المجتمع، وتتحقق الغاية من النقد إذا تم الالتزام بمبادئ وقواعد النقد الهادف والبناء الذي يقوم على حسن نية الأشخاص والحفاظ على المكاسب السابقة، وأيضاً الرغبة في الحصول على الأفضل على مستوى التطبيق مع مراعاة الحرص على عدم التشكيك في خبرة القائمين على هذه المسيرة من جهات مساندة كالهيئات الشرعية والرقابة الشرعية أو من منفذين بعد ذلك يكون النقد متاحا للجميع، وقد تعرضت هذه الصناعة خلال تاريخها الذي لا يزيد عن 35 عاما لمحطات كثيرة من الدراسة والتقويم والتصحيح بل وانعقدت مؤتمرات لهذا الغرض منها ما عقده بنك دبي الإسلامي بعنوان "ترشيد عمل البنوك الإسلامية" ومنها ما عقد تحت هذا العنوان في أكثر من جهة، وأشير في هذا الصدد إلى مؤتمرات هيئة "أيوفي" (هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية) ومؤتمرات المجلس العام للبنوك الإسلامية التي تتضمن دائما أوراق عملها وجلساتها نقدا موضوعياً للمسيرة من حيث التطبيقات التي انتشرت في هذه الصناعة والاعتراضات التي دارت حولها كالتورق المنظم والصكوك أو الشراء مع إعادة الإجارة كوسيلة لتمويل السيولة وغيرها من التطبيقات التي تثار حولها إشكالات وقضايا فقهية، وأيضاً تتضمن المؤتمرات المذكورة مناقشات لوضع الهيئات الشرعية من حيث تفعيل دورها وأيضا ما يثار حول تكرار أعضائها، هل هو صحي أو غير صحي؟ وسبل الحل ودور البنوك المركزية في معالجة هذه الظاهرة، كل هذا وغيره الصناعة المالية الإسلامية بفعالياتها تناقشه وتقدم مقترحات و حلولا بشأنه، هذا النقد يمكن أن نطلق عليه النقد الداخلي ونؤكد على وجوده على مستوى الصناعة سواء في المنطقة العربية بين دبي والبحرين أو في ماليزيا برعاية نيجارا بنك ودعم البنك الإسلامي للتنمية في المؤتمرات السنوية التي تعقد تحت مظلة البنك المركزي الماليزي ، وهذا هو النقد الداخلي وهو مستمر
وهناك نقد خارجي تواجهه الصناعة وهو نقد صحي وهو نوع من الرقابة على هذه الصناعة، فلدينا نقد أساتذة الجامعات ولدينا نقد علماء الأمة غير المشاركين في الهيئات الشرعية وأيضاً لدينا نقد الباحثين بصفة عامة في مراكز الأبحاث وهم من غير المشاركين في المؤسسات المالية لا على المستوى التنفيذي ولا على مستوى الهيئات الشرعية، هذا النقد أيضاً صحي ومطلوب وهو نوع من الرقابة المجتمعية على الصناعة المالية الإسلامية، هذا النقد بشقية الداخلي والخارجي يجب أن يصب في النهاية في مصلحة الصناعة، لكن هناك سلبيات في النقد الداخلي وهناك سلبيات في النقد الخارجي مع إقرارنا بأن الإيجابيات موجودة في النقدين الداخلي والخارجي.
وبالنسبة لسلبيات النقد الداخلي فأبرزها أنها ما زالت تخضع للمبادرات الشخصية بمعنى أن الفضل في تصحيح أوضاعنا يعود إلى الأشخاص العاديين في الصناعة على مستوى الهيئات الشرعية دون رعاية فاعلة للسلطات التي تعمل في ظلها هذه المؤسسات. ومع تقديري لذلك وما يترتب عليه من تصحيحات جزئية إلا أنني أرى أن المرحلة التي تمر فيها الصناعة المالية الإسلامية يجب أن تتخطى مرحلة المبادرة الذاتية القائمة على جهود الأشخاص، وعلى البنوك المركزية في كل دولة أن تأخذ بزمام المبادرة برعاية الصناعة وحمايتها والأخذ بيدها إلى الأمام على كل المستويات وعلى رأسها التشريع واستكمال التشريعات الخاصة بهذه الصناعة، على مستوى المنتجات، وعلى مستوى المرجعية الشرعية لعمل الهيئات الشرعية، وعلى مستوى تمهين وظيفة الفتوى أو تفعيل وظيفة التدقيق الشرعي، فلابد من ضوابط من السلطة الإشرافية لهاتين الوظيفتين، أيضاً أخيراً لابد من دور للسلطة الإشرافية خلاف التشريع وهو الإشراف الفعلي على هذه الصناعة للتأكد من أن هذه الصناعة من خلال مؤسساتها تلتزم بالمبادئ التي تقوم عليها والتي يجب أن تتضمنها التشريعات الخاصة بهذه الصناعة.
هناك نقد موجه للبنوك المركزية، فهي ما زالت تتصف بالسلبية في تعاملها مع المصرفية الإسلامية وبخاصة الإشراف الشرعي؟
- الواقع هذه البنوك المركزية فاعلة في الإشراف المصرفي بشكل جيد ودائما ما تصدر التعليمات لتفعيل هذا الإشراف، ولكنها في نفس الوقت تهمل الإشراف الشرعي، فالإشراف الشرعي مقتضاه من البنوك المركزية أن تتأكد أن هذه المؤسسات تعمل بمقتضى أنظمتها الأساسية وبمقتضى القوانين التي سمحت بها وبمقتضى التعليمات التي يجب أن تصدر من السلطة الإشرافية لتفعيل الالتزام الشرعي في التطبيق، الإشكالية الرئيسية التي تمر بها الصناعة، التي على أساسها ندعو إلى تدخل البنوك المركزية لحماية الصناعة، تتمثل في التزام تطبيقات المؤسسات بالضبط الشرعي الداخلي اللازم لضمان الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية.
لدينا هيئات شرعية، لدينا فتاوى شرعية لكن هناك فجوة كبيرة بين ما يجب أن يكون وما هو كائن، السبب في ذلك أن المبادرات الشخصية لمحاولة ضبط الالتزام الشرعي وصلت إلى مداها وأقصى ما يمكن أن تقوم به، يتبقى على السلطة الإشرافية أن تتدخل لتضع مسألة الالتزام الشرعي بكل عناصرها في إطار مهني متكامل من حيث التشريعات والآليات العملية للتأكد من هذا الالتزام على أرض الواقع سواء على مستوى المؤسسة من الداخل أو على مستوى المؤسسات الخارجية أو على مستوى السلطة الإشرافية، فلابد من تفعيل تلك الآليات بعد وضع التشريعات والتعليمات اللازمة هذه خلاصة أهم سلبية تواجه النقد الداخلي.
والأمثلة على ذلك في بعض دول الخليج وماليزيا، فغالبية دول الخليج تتسم بما ذكرناه من سلبية السلطات الإشرافية في التعامل مع المؤسسات المالية الإسلامية على صعيد التطبيق وعلى صعيد الرقابة الشرعية والهيئات الشرعية.
الحقيقة أن البنوك المركزية مرت بمرحلتين، مرحلة ربما كانت تقيد هذه الصناعة وهذه المرحلة بفضل الله انتهينا منها وأصبحت هذه الصناعة تجد فرصة للعمل والتحرك في مظلة هذه البنوك المركزية، والبنوك المركزية تسمح لهذه الحركة، لكن لا تقوم بدورها لجعل هذه الحركة فعالة حرصا وحفاظاً على ثروات الأمة التي تستحوذ عليها ولا تقوم بوضع أي إطار مهني أو تشريعي أسوة بالصناعة المالية التقليدية. هذا الأمر يعود في الحقيقة إلى الفجوة بين الهيئات الشرعية والسلطة الإشرافية، وهذه الفجوة قد لا يكون سببها الهيئات الشرعية بقدر ما يكون سببها سلبية السلطة الإشرافية لتفهم الدور المطلوب منها تجاه البنوك الإسلامية، وهنا توجد مسؤولية على الهيئات الشرعية أن توضح للبنوك المركزية تفاصيل هذا الدور، لكن أقول إن هذه المسؤولية ليست هي نهاية المطاف، الواجب على السلطة الإشرافية أن تعي هذا الدور الحقيقي كسلطة إشرافية وهذه البنوك وجدت تحت مظلتها، وقد أصدرت لها تشريعات تتعلق بأعمالها لكنها أبقت عدة مساحات فارغة، الهيئة الشرعية، التدقيق الشرعي الداخلي، التدقيق الشرعي الخارجي، الإشراف الشرعي من قبل السلطة الإشرافية، هذه المساحات فارغة ومن الواضح أنها فارغة للسلطة الإشرافية، وعلى السلطة الإشرافية أن تبادر إلى سد هذه التشريعات، بمعنى أنه عندما تركت هذه التشريعات فارغة أصبح لدينا غياب للإشراف الشرعي من السلطات الإشرافية، وغياب للتدقيق الشرعي الخارجي وضعف شديد في التدقيق الشرعي الداخلي، بالإضافة إلى عدم ممارسة الفتوى وفق المتطلبات المهنية.
#2#
تعاني البنوك والمؤسسات المالية من ضعف الحوكمة، ما المناطق التي تتاثر بهذا الضعف؟
- الآن العنوان الجديد لكل ما نتحدث به هو حوكمة الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية، والواقع أن الرقابة الشرعية تعاني من ضعف الحوكمة وبالتالي البنوك الإسلامية تعاني من ضعف الحوكمة في المناطق التالية: منطقة الضبط الشرعي الداخلي، وهذه نقطة ضعف كبيرة وهي تندرج تحت أهم عناصر الحوكمة وهي قضية الالتزام الشرعي، النقطة الثانية من عناصر الضعف التي تندرج تحت الحوكمة، هي ضعف التدقيق الداخلي وعدم استقلاله وضعف التدقيق الخارجي وعدم استقلاله وغياب الدور المركزي، بالإضافة إلى ضعف استقلالية الهيئات الشرعية، فهذه الأمور كلها هي عنوان لقضايا الحوكمة التي تتعلق بالمصارف الإسلامية.
وتتفاوت هذه السلبية بالنسبة للبنوك المركزية في دول الخليج من دولة إلى أخرى، ففي الكويت هناك دور محدود وفي قطر والإمارات أقل من الكويت وفي البحرين هناك أيضاً دور خجول رغم أن السلطة الإشرافية في البحرين ترغب في لعب دور وأتمنى أن تجد السلطة الإشرافية في البحرين فريق العمل والخبراء المستشارين الذي يمكنها من لعب هذا الدور دون الانتظار أن يأتي هؤلاء المستشارون والخبراء بأنفسهم لتقديم المشورة أو لعرض المشورة لهم. وأني أثني على جهود البنك المركزي البحريني على حرصه واهتمامه بأن يلعب دوراً لكن أرغب منه أن يبادر بلعب هذا الدور بشكل حقيقي.
ما هي المعوقات أو التحديات التي تحول دون تطبيق هذه الحوكمة في البنوك الإسلامية؟
- هذا الأمر يجعلنا نجري مقارنات بين الدول التي بها بنوك إسلامية، لكن يتعين علينا أولا تعريف الحوكمة، هي سلوك قيمي أصلاً، هذا السلوك القيمي هو ثقافة لدى الذين يؤمنون بهذا السلوك، هذا السلوك يقوم على إقرار مبادئ المساءلة والمسؤولية والعدل والإفصاح والشفافية وحقوق الأطراف المتعاملة والفصل بين السلطات ... إلخ.
هذا السلوك إما أن نلتزم به من السلطة الإشرافية أو نطبقه بالممارسة انطلاقاً من المبادرة الذاتية، هذه المفاهيم متفق عليها، وإذا تركت للمبادرة الذاتية فسوف نتعرض إلى ما يسمى بأن الصواب والحق والصحيح سوف يحدث مصادفة وهذا من أهم مبادئ الحوكمة وهو الإلزام القانوني، فإذا غاب الإلزام القانوني أو الإلزام المؤسسي، فيكون الالتزام بمبادئ وقواعد الحوكمة الصحيحة يصبح مصادفة وكأننا في نادي قمار والإلزام القانوني والتنظيم المؤسسي من مبادئ الحوكمة التي أقرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فهم يقولون لو تركت هذه المبادئ دون تنظيم مؤسسي ملزم سوف لا يكون هناك ضمان للتطبيق إلا المصادفة، فتأتي إدارة مبادرة وإدارة سلبية وإدارة إيجابية وكل إدارة سوف تسعى بجهدها وحسب قناعتها لتطبيق هذه المبادئ فتكون مبادئ الحوكمة الرشيدة رهنا بمبادرات الأشخاص. ولذا لابد من وجود تنظيم مؤسسي ملزم ووجود تشريعات ومؤسسات تحمي تطبيق هذه المبادئ، إلى الآن هذه التشريعات لم توجد في أغلب الدول، لكن هناك تجربة رائدة في سورية حيث صدر دليل حوكمة المصارف الإسلامية والتقليدية، فصدرت ملزمة خاصة بذلك أبريل 2010 الماضي نصت على قضايا الحوكمة التي تتعلق بالمصارف الإسلامية بحكم ما نشأت فيها من وظائف جديدة، إضافة إلى قضايا الحوكمة الأخرى الموجودة، بمعنى أن قضايا الحوكمة منها ما يتعلق بقضايا مجلس الإدارة وما يتعلق باللجان التابعة لمجلس الإدارة وما يتعلق بالهيئات الشرعية وكذلك ما يتعلق بالرقابة الشرعية وبالإفصاح والشفافية وبالضبط الشرعي في التطبيق. هذه هي قضايا الحوكمة التي يجب أن يشتمل عليها كل دليل، سورية أصدرت هذا الدليل وألزمت البنوك بتطبيقه وبالتالي سنجد في سورية هناك تدقيق شرعي داخلي وهناك تدقيق شرعي خارجي بالإضافة إلى تدقيق المحاسب القانوني المالي، وهناك إشراف شرعي من البنك المركزي بالإضافة إلى الإشراف المصرفي من البنك المركزي فأصبح لدينا ثلاثة فعاليات شرعية على مستوى الرقابة الشرعية وثلاث فعاليات مالية على مستوى الرقابة المالية والمصرفية موجودة في البنك الإسلامي وترعاها السلطة الإشرافية.هذه الإيجابية للأسف الشديد لم تصل إليها الصناعة بهذا الوضوح إلا في سورية. وهنا عمل جاد في اليمن للوصول إلى هذا المستوى.
كل هذا تم في سورية رغم أنها بدأت في تطبيق المصرفية الإسلامية متأخرة ترى، ما السبب ؟ وماذا عن السودان وماليزيا؟
- سورية بدأت بوعي من السلطة الإشرافية لمسؤولياتها هذا الأمر موجود في السودان، لكن السودان وصل إليه بالتطور التدريجي خلال فترة طويلة ومع ذلك لم يصل إليه بالوضوح الموجود في سورية.
للأسف الشديد في ماليزيا رغم أنه يشار إليها بالبنان على ريادتها في مسألة التنظيم من السلطة الإشرافية، إلا أن القانون في ماليزيا أغفل الرقابة الشرعية لذلك فإن التدقيق الشرعي في ماليزيا غير منظم، ليس له تشريع ويخضع للمبادرة الشخصية، التشريع كان خاصا لوضع حد لتعدد العضو في الهيئات الشرعية فحددوه ببنك واحد وشركة تأمين واحدة وشركة استثمار واحدة ومجموعها ثلاثة ولا يتكرر في الهيئة الشرعية العليا في البنك المركزي هذا التشريع خلا من التدقيق الشرعي الآن يطالبون بتعديل التشريع ليتضمن التدقيق الشرعي.
عندما يتحدث بنك او مؤسسة مصرفية ويصف نفسه بالإسلامي،كيف تتحقق إسلامية هذه المؤسسة ،هل تتحقق فقط بوجود هيئة شرعية؟
- كما أسلفنا فإن وجود الهيئة ضروري للبنك الإسلامي والمؤسسة المالية الإسلامية ولكن هناك ثلاثة عناصر لاستراتيجية الالتزام الشرعي وتعتبر هذه العناصر مؤشرات مهمة لتحقيق الالتزام الشرعي في البنك.
العنصر الأول وجود جهة التشريع وهي الهيئة الشرعية التي تمثل جهة التشريع الوحيدة، قد تستند إلى المعايير الشرعية لكن قد تخالفها. هذا العنصر يحقق الهوية للمؤسسة المالية الإسلامية وبإمكانها أن ترفع الشعار وتقول أنا بنك إسلامي وأنا مؤسسة مالية إسلامية هذا الشعار له تبعات ومستلزمات ستظهر في العنصرين الثاني والثالث وإذا لم تظهر هذه التبعات فإن هذه المؤسسات تمارس استغلالا للشعار دون القيام بموجباته، العنصر الثاني هو التدقيق الشرعي فحواه التأكد من أن التطبيق مطابق لما تصدره الهيئة الشرعية من أحكام وفتاوى شرعية. هذا العنصر هو الذي يحقق للمؤسسة مصداقية القصد بمعنى أنها تعمل فعلا بفتاوى الهيئة الشرعية وإلا فمعناها أنها رفعت الشعار واستغلت الدين دون القيام بواجباتها، ولا قرينة على أن أعمالك وفقا للدين إلا من خلال تدقيق شرعي على كل مستوياته داخلي وخارجي ومتابعة من السلطة الإشرافية فوجود التدقيق الشرعي هو من مستلزمات رفع الشعار وإلا كان رفع الشعار استغلالا للدين دون القيام بواجباته .
العنصر الثالث والأخير التطبيق الصحيح يستلزم تأهيل البنية الضامنة للالتزام الشرعي وهذه تحدث من خلال تطوير بيئة عمل المنتجات نفسها من خلال تطوير الأنظمة الآلية والسياسات والإجراءات وتأهيل العاملين الذين يقومون بالتنفيذ هذا الأمر ليس متروكا لك أيتها الإدارة على حسب ميزانيتك أو ما لديك من فائض في الميزانية وإنما هو واجب عليك لأن التزامك بالشريعة لا يتم إلا بإنشاء هذه البيئة الضامنة لسلامة التطبيق وهي بناء الأنظمة وتأهيل العاملين الذين يقومون بتطبيق هذه المنتجات، هذه البيئة إن لم توجد يكون هناك تعد وتقصير من إدارة البنك في الإخلال بالقيام بواجباتها تجاه الالتزام بالشريعة، فغياب عنصر التدقيق الشرعي إخلال واضح وعدم إنشاء البيئة أو دعم إنشاء البيئة الضامنة لسلامة التطبيق تعتبر أيضا عنصر إخلال آخر. بالتالي هذه العناصر الثلاثة هي التي تعتبر مؤشرات على أن هذا البنك بنك إسلامي شعاراً وتطبيقا، لكن في غياب العنصرين الآخرين يصبح هذا البنك يرفع شعاراً يستغل الدين وعلينا من خلال الرقابة المجتمعية الخارجية أن نكشف هذه الممارسات التي ترفع الشعار دون القيام بواجباته.
لكن من المسؤول عن هؤلاء؟ ومن المسؤول عن الممارسات الشاذة، وهناك مؤسسات في بعض تعاملاتها مخالفة للجانب الشرعي؟
- البنك المركزي هو المسؤول لأن البنك المركزي من خلال إشرافه الشرعي ومن خلال إلزامه للبنوك بالمتطلبات التي تتعلق بالحوكمة سوف يطالب بالتدقيق وسوف يطالب بالبيئة الضامنة لسلامة التطبيق.
#3#
ينكر الخبراء الأجانب وجود ما يسمى بصناعة مصرفية إسلامية، ويقولون هناك مالية وتمويل إسلامي ولكن لا توجد ملامح لنظام متكامل للمصرفية الإسلامية؟
- يعود ذلك إلى أن مؤسسات الصناعة أو مؤسسات النظام المصرفي الإسلامي في بعض الدول العربية نشأت قبل التشريعات المتكاملة للنظام المصرفي الإسلامي. فمثلا بنك الراجحي في السعودية، والبنك الإسلامي الأردني وبنك دبي الإسلامي وبيت التمويل الكويتي كلها نشأت بقوانين خاصة وأصبحت تعمل في بيئة تتناقض مع عناصر البيئة الأخرى بمعنى أن ما يتطلبه العمل في هذه البنوك من إطار تشريعي ومهني متكامل غير موجود فأصبحت البنوك الإسلامية الآن هي المؤسسات التي تشخص النظام المصرفي الإسلامي على أرض الواقع، لم ننشئ الإطار التشريعي المصرفي أولا ثم نتجت عنه المؤسسات فالذي ذهب إلى الغرب هو هذه المبادرات الفردية (المؤسسات اقتبسها الغرب وأخذها)، لذلك يحق لهم أن يقولوا إنه لا يوجد نظام مصرفي إسلامي.
نعم لا يوجد نظام مصرفي إسلامي لأن كل التطبيقات الموجودة في البيئة العربية والإسلامية عدا السودان وإيران وباكستان مع بعض الفوارق فهي مؤسسات تعيش في بيئة لا يمكن وصفها بأنها نظام مالي ومصرفي إسلامي، هي مؤسسات مصرفية إسلامية في بيئة ليست مصرفية إسلامية، هذه البيئة تتناقض مع النظم الأساسية لهذه المؤسسات من كل النواحي ففي الجملة –مع الأخذ في الاعتبار بعض الاستثناءات- لا يوجد قانون ولا قضاء ولا إشراف من البنوك المركزية يخص طبيعة عمل هذه المؤسسات، ولذلك تجد هذه المؤسسات دائما تقيد عقودها بأنه يخضع للقانون الذي تعمل فيه لكن بما لا يخالف الشريعة الإسلامية فهذا دليل على الفجوة بين البيئة النظامية والتشريعية وبين هذه المؤسسات التي وضعت في هذه البيئة، فنحن لا نملك على أرض الواقع نظاما مصرفيا إسلاميا في الغالب وإنما نملك تطبيقات لهذا النظام، لذلك نحن مع من يقول لا نملك نظاما مصرفيا إسلاميا ولا نتفق مع من يقول لا يوجد نظام مصرفي إسلامي، فهناك فرق كبير بين أننا نملك نظريا ولدينا القدرة على سن ووضع تشريعات لنظام مصرفي إسلامي متكامل وبين ما يوجد على أرض الواقع.
الآن السودان يملك نظاما مصرفيا إسلاميا متكاملا بمعنى أن البنك المركزي نفسه جميع أدواته إسلامية وجميع المؤسسات التي تنشأ وتخضع له يجب أن تكون إسلامية والدولة سياستها النقدية إسلامية، أما باقي الدول يوجد لديها ما يمكن تسميته تجاوزا النظام المصرفي المزدوج لكن في الحقيقة هو أحادي لأن التشريعات والأطر المهنية تصدر في صالح المؤسسات المالية التقليدية دون اكتراث بواقع المؤسسات المالية الإسلامية، لكن في سورية يمكن القول بوجود نظام مصرفي مزدوج حقيقة فهناك تشريعات وتعليمات متوازية للقطاعين التقليدي والإسلامي انطلاقاً من القوانين الحاكمة لعمل كل قطاع.
بعض رموز الصناعة يحاول دون منطق علمي القول إن الأزمة المالية العالمية لم تؤثر في المالية الإسلامية،بينما تقارير عالمية تؤكد تأثرها وتعثرها أيضا،ولدينا معلومات حول خسارات بنكية أيضا؟
- ليس صحيحا أن البنوك الإسلامية لم تتأثر بالأزمة المالية العالمية، بل من خلال المتابعات والأرقام المتعلقة بالشركات وعلى وجه الخصوص نذكر مثالا دولة الكويت فقد تضررت الشركات الإسلامية فيها تضررا كبيرا بسبب الأزمة العالمية لكن هل نظام عمل الشركات الإسلامية محصن صد الأزمة أم غير محصن؟
أساس الأزمة الديون فكل ما كان لديك ديون فأنت معرض للأزمة، وإذا لم يكن لديك ديون ولديك أصول فالأصل أن يكون تعرضه للأزمة أقل بكثير لأنك تملك أصولا.
واقع الحال أن المؤسسات المالية الإسلامية حسب الإحصاءات أن نسبة المرابحة فيها كانت عالية جدا بل إن نسبة الديون كانت عالية جدا تحت مسميات المرابحة أو الوكالة بالاستثمار أو البيع الآجل أو الاستثمار المباشر تفوق الـ 80 – 90 في المائة. إذن كانت نسبة الديون في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية مرتفعة جدا، وهذا أمر طبيعي أن تتعرض للأزمة نظرا لعدم القدرة على تحصيل هذه الديون وعدم القدرة على سداد ما عليها من ديون، وهذه السلسلة التي أحدثت الانهيارات، وهي ما يهدد الشركات الإسلامية في الكويت من إفلاسات وإلى الآن لم تخرج الشركات الإسلامية في الكويت من آثار الأزمة وكانت الخسائر كبيرة جدا. أي أن المؤسسات المالية الإسلامية ليست محصنة ضد الأزمة، ولكن على قدر ابتعادها عن التعامل مع الديون وعلى وجه الخصوص قلب وجدولة الديون بديون أعلى، يكون تعرضها للأزمة المالية أقل بهذا القدر.
لكن ومع ذلك حدث لبس وشك في مهام الهيئات الشرعية في قضايا ما زال صداها مسموعا، لماذا لا تخضع الهيئات مثل غيرها للمساءلة القانونية أيضا؟
- مرت الصناعة المالية الإسلامية في الكويت بحادثة مشهورة وهي منسوبة لدار الاستثمار حيث ترافعت شركة دار الاستثمار أمام محكمة بريطانية وقالت إن العقد الذي أخذت بموجبه دار الاستثمار الكويتية أموالا من بنك تقليدي لبناني (هو عقد الوكالة للاستثمار) هو عقد غير شرعي وبالتالي لا يجب على دار الاستثمار أن تدفع أرباحاً بموجب العقد وإنما تكتفي بدفع رأس المال للبنك التقليدي اللبناني، وهذا الأمر أثير مع بداية الأزمة العالمية ودار الاستثمار تعالج أوضاعها الآن، فكانت النقاط الغريبة في هذه الإثارة وهي أنه كيف يترافع محامي ويقرر عدم شرعية العقد مع وجود الهيئة الشرعية في المؤسسة وتمضي سنة ونصف على هذه القضية وتملأ هذه القضية وشخوص الهيئات الشرعية في هذه المؤسسة كافة وسائل الإعلام والصحف العالمية.
في حين أن الهيئة الشرعية لم تصدر شيئا في الموضوع إلى أن كسب المحامي القضية وبقي الاستئناف، فهنا تحركت الهيئة الشرعية وأصدرت بيانا قالت فيه إن العقد شرعي ولا يجوز للمحامي أن يدفع بالجوانب الشرعية دون الرجوع للهيئة الشرعية، وسحبوا القضية من المحكمة وبالتالي لا تعتبر دار الاستثمار خسرت القضية قضائيا وإنما بطلب من الهيئة الشرعية.
طبعا الهيئة الشرعية تأخر تدخلها وكذلك إدارة المؤسسة أيضاً قصرت ولم تحسن إلى الهيئة الشرعية وإلى الصناعة المالية الإسلامية ولزم في هذا الأمر توضيح أن حكم العقد يعود للهيئة الشرعية فقط، وإذا ثبت أن هناك تعديا في التطبيق تتحمله إدارة المؤسسة وليس الهيئة الشرعية، هذا في المثال الذي أمامنا.
< لكن لماذا لاتتحمل الهيئات الشرعية مسؤولية خطأ ما؟
- الحقيقة أن هذا تصور نحن نتعرض له في التدقيق الشرعي، سنويا الهيئة الشرعية مطالبة أن تقدم رأيا للجمعية العامة في أعمال البنك الذي تشرف عليه وتقول لها إن هذا البنك ملتزم أو غير ملتزم بأحكام الشريعة الإسلامية، هذه القضية لا تتعلق بالفتوى وإنما تتعلق بالتدقيق الشرعي، وهو أن التدقيق الشرعي أظهر أن النتائج سليمة وبالتالي كانت النتيجة أن البنك ملتزم أو أظهر أن النتائج غير سليمة ثم إن الهيئة توصلت إلى أن البنك غير ملتزم ويترتب عليه تجنيب أرباح .. وخلافه.
لكن هل يتصور خطأ في الفتوى؟
- الحقيقة لا يتصور لأن الهيئة قد تجتهد اليوم رأيا وقد ترجع عنه غداً فهو رأيها ويجوز للمجتهد أن يغير رأيه، وبالتالي الخطأ في الفتوى هو تصور نظري لا يدعمه تطبيق لأن الاجتهاد يمكن تغييره، لكن الخطأ في الرأي في مدى التزام البنك في التطبيق قد يحدث، كيف؟ لنفرض أن التدقيق أظهر أن البنك غير ملتزم وقامت الهيئة بتجنيب جزء من أرباح البنك ثم تبين بعد ذلك أن هذا التجنيب خاطئ لأن الهيئة التي عرضت عليها نتائج التدقيق لم تنظر بشكل مهني لم تطلب المستندات أو المؤيدات اللازمة ولم تستقص الآراء حول الحالة فتوصلت إلى أن الحالة غير سليمة شرعا وبالتالي طالبت بتجنيب أرباحها، ففي هذه الحالة تبين وثبت أن الهيئة قصرت في الحرص المهني والحرص المهني هو بذل العناية المهنية أو عدم التعدي والتقصير. وفي هذه الحالة نفسها الهيئة إذا لم تقصر تكون لم تخطئ ولا يوجه لها لوم، لكن إن ثبت أنها قصرت في الحرص المهني فيوجه إليها لوم وتعتبر متعدية أو مقصرة ومقتضيات التعدي والتقصير تتمثل في ضمان التبعات التي ترتبت على ذلك.
أما على صعيد الفتوى كابتداء حكم شرعي تبقى المسألة نظرية وإن كان قد عقد سابقا مؤتمر لأيوفي لمناقشة التعدي والتقصير أو التفريط، في أعمال الهيئات الشرعية وكان هناك عدة أوراق عمل لمناقشة هذه القضايا لكن لم يكن يصل إلى نتائج محددة ولم يصل إلى العمق الحقيقي في مرحلة مبكرة مثلما أوضحناه بشكل مباشر وواضح.
هناك داخل الهيئات الشرعية أعضاء غير متخصصين، قد يجيزون منتجات غير متكاملة الشروط بسبب جهل اقتصادي أو ما شابه ذلك ، ما رأيكم في ذلك؟
- الحقيقة أن مؤهلات ومواصفات عضو الهيئة الشرعية تنبع من مهامه الأساسية، فعضو الهيئة الشرعية حسب كل القوانين التي صدرت للبنوك الإسلامية له مهتمان: الفتوى والتدقيق الشرعي، الفتوى بمعنى إصدار الحكم في المنتجات التي تعرض عليه وما يتعلق بها من أفكار أولية وهيكلة شرعية وعقود ومستندات، والتدقيق الشرعي هو التأكد من أن الواقع مطابق للفتوى، هناك إقرار عام بأن أغلبية أعضاء الهيئات الشرعية في الجملة غير مؤهلين للقيام بمهمة التدقيق وبالتالي لدينا التدقيق الخارجي الذي هو من مهام الهيئات الشرعية ضعيف من الناحية المهنية وغير موجود في كثير من التطبيقات،وهذه الهيئات الشرعية تستدرك ضعف وظيفة التدقيق التي من مهامها من خلال الاعتماد على التدقيق الداخلي وهو الموجود في كل البنوك الخليجية إلى حد ما، وبالتالي افتقدت الهيئات الشرعية فيما يتعلق بالتدقيق الخارجي افتقدت عنصر الاستقلالية لأنها اعتمدت على موظفين في داخل البنك وفي نفس الوقت البنك ليس لديه موظفون آخرون يقومون بالتدقيق الداخلي فهؤلاء الموظفون في داخل البنك إنما يخدمون الهيئة الشرعية وهم غير مستقلين، فهناك إقرار عام من جميع العاملين في هذه الصناعة على ضعف التدقيق الشرعي الخارجي بسبب عدم تأهيل أعضاء الهيئات الشرعية للقيام بهذا الدور، وهذا الأمر يحتاج إلى تطور مستقبلي ومعالجة ضرورية بمعنى ضرورة تفعيل مهنية واستقلالية التدقيق الخارجي بعيداً عن الهيئات الشرعية، وما دام أن الهيئات الشرعية لا تستطيع التدقيق بنفسها فمن الملائم أن نرفع عن كاهلها هذا العبء ونترك لها الفتوى ونجعل التدقيق الشرعي الخارجي لمكاتب تدقيق تنشأ في إطار مهني وتشريعي جديد، يشمل إنشاء جمعية التدقيق الشرعي الخارجي، والزمالة المهنية الخاصة بالتدقيق الشرعي على غرار الإطار المهني الموجود للمحاسبين القانونيين، وهذه هي المرحلة المستقبلية التي تتوجه إليها السلطة الإشرافية في سورية لمعالجة ضعف وظيفة التدقيق الشرعي من قبل الهيئات الشرعية.
أما بالنسبة للفتوى في القضايا المصرفية فهي تحتاج إلى تصور، ونحن المعروض علينا هو قضايا مصرفية لها أبعادها المختلفة، أهم أبعادها هو معرفة كيفية تطبيقها في النظام المصرفي أو في السوق الدولية هذه القضايا حاز بعض أعضاء الهيئات الشرعية على خبرة ملائمة بشأنها من خلال الممارسة وتراكم الخبرة وبعض أعضاء الهيئات الشرعية الذين دخلوا حديثا إلى الهيئات مازالوا يفتقدون هذا البعد وهو فهم المعاملة المصرفية نفسها وكيف يتم تطبيقها وعلاقتها بالبيئة التي تطبق فيها هذا الاستيعاب موجود لدى بعض الأعضاء القدامى الذين اكتسبوا هذه الخبرة بالممارسة بالإضافة إلى إمكانياتهم العلمية وتخصصاتهم ذات العلاقة. فهؤلاء تمكنوا من تجاوز هذه الثغرة.
ولا يخفى أن بعض أعضاء الهيئات هم عالة على صناعة الفتوى المعاصرة من خلال الهيئات الشرعية بسبب عدم تخصصهم، أو بسبب محدودية إمكانياتهم في التصور والاستنباط رغم تخصصهم، وهؤلاء من الأفضل أن يخضعوا للمتابعة من قبل لجنة المراجعة في المؤسسة والسلطة الإشرافية والتوصية بالاستغناء عنهم. ومن هؤلاء من هو عالة على الهيئة التي يعمل فيها، يضعف من كفاءتها وفاعليتها، فهو غالباً ما يكون تابعاً في رأيه لغيره، وهذه التبعية لا تصب في مصلحة المؤسسة ولا مصلحة صناعة الفتوى المعاصرة من قبل الهيئات الشرعية لأن مصلحة الطرفين تقتضي التفاعل والاختلاف في الرأي والتعمق في تحرير المسائل المعروضة وإنضاج التصورات الأولية بشأنها توصلاً إلى الرأي الاجتهادي الجماعي.
#4#
لكن السؤال كيف تمت مواجهة وعلاج هذه الفجوة أو الثغرة؟
- هناك بعض التجارب فمثلا في ماليزيا تم إنشاء معهد لتأهيل الهيئات الشرعية وذلك لسد هذه الثغرة بمعنى تأهيل العضو، بالإضافة للجوانب الشرعية بالمؤهلات الأخرى المطلوبة المتعلقة بالجانب المالي والمصرفي ليكون العضو ذا أفق أوسع عند النظر في المعاملة المصرفية.
هنا أود أن أؤكد على نقطة هامة جداً وهي أنه يوجد لدينا نوع من أعضاء الهيئات الشرعية هم المراقبون الشرعيون الذين تحولوا إلى أعضاء في الهيئات الشرعية هؤلاء يتمتعون بالكفاءة بحكم أن الرقابة الشرعية أعطتهم خبرة عن واقع العمل المصرفي الإسلامي من خلال متابعة التطبيق فلا يمكن أن يكون المدقق مدققاً شرعياً فاعلا ما لم يفهم كيفية التطبيق وبالتالي انضمام المدققين الشرعيين إلى الهيئات الشرعية، يساهم كثيرا في تقليل الفجوة أو الثغرة الموجودة لدى بعض أعضاء الهيئات الشرعية فهذا جانب يجب تعزيزه من السلطات الإشرافية التي تود سد هذه الثغرة.
أيضاً هناك من يأتي من خارج القطاع إلى الهيئات الشرعية لدينا الآن أساتذة في الجامعة، رسائل الدكتوراة والماجستير وأبحاث الترقية التي تخصهم كلها في جانب المعاملات المالية الإسلامية ودرسوا دراسات مؤيدة لهذا التخصص في الجانب المصرفي، فهؤلاء يكتسبون الخبرة بسرعة إذا انضموا للهيئات الشرعية، كل ذلك يصب في جانب الخبرة والتأهيل الكافي لأغلب أعضاء الهيئات الشرعية.
وماذ عن هيئات التصنيف ؟
- الآن على صعيد تقويم الصناعة المالية الإسلامية هناك عدة جوانب وجهود تتم لتفعيل جودة الالتزام الشرعي والمهني في المؤسسات المالية الإسلامية هذا بخلاف جهود المؤتمرات والندوات والأشخاص، لدينا مؤسسات من طبيعتها تعزيز جودة التطبيق، فلدينا على صعيد الصناعة مؤسسة تسمى الوكالة الدولية للتصنيف، ومؤسسة أخرى تسمى الهيئة الشرعية للرقابة والتصنيف.
بالنسبة للوكالة الدولية للتصنيف هي مؤسسة دولية أنشئت بدعم من مؤسسات الدعم على مستوى دعم الصناعة وهدفها تصنيف المؤسسات شرعياً بمعنى إعطاء شهادة للمؤسسة أنها استوفت المتطلبات الضامنة لسلامة التطبيق من الناحية الشرعية، وجود هيئة شرعية، وجود تدقيق، وجود إجراءات عمل كافية لسلامة التطبيق.
أما الهيئة الشرعية للرقابة والتصنيف هي أيضا مؤسسة دولية أنشئت من المؤسسات الداعمة مهمتها تقويم المنتجات وليس المؤسسات كإعطاء شهادة لمنتج بعينه في مصرف معين فمثلا منتج المرابحة لمصرف الراجحي يتم تقويمه من خلال ثلاثة اعتبارات؛ المقاصد أو الباعث على العقد وآلية تنفيذ العقد والنتائج المترتبة على العقد وهي ما يعرب بمآل العقد. فهناك معايير معينة على مستوى كل محور من هذه المحاور وهناك مؤشرات لقياس هذه المعايير، متى حقق هذا المنتج مقاصد الشريعة ومآلاتها وكانت آلية تطبيقه محققة للمقتضى الشرعي يحوز على درجة تصنيف شرعي ويمنح شهادة تتضمن هذه الدرجة، هذه المؤسسة نشأت وأقر نموذج العمل الخاص بها وتوقفت عن العمل إلى أن يتم توفير التمويل اللازم لها وهي في عهدة البنك الإسلامي للتنمية الآن. هذا التقويم كله الهدف منه هو دفع الصناعة للوصول إلى المستوى الأفضل لجودة الالتزام الشرعي، فكثير من الناس تتسابق إلى الحصول على التصنيف الأفضل. النوع الآخر من التصنيف هو التصنيف الائتماني الذي يتعلق بنوعية الضمانات، للديون من حيث جودتها.
الصناعة لا تمتلك مؤسسات للتصنيف الائتماني، تبقى «موديز» وغيرها من المؤسسات تتربع على عرش هذا النوع من التصنيف لكن الصناعة وضعت معياراً من خلال مجلس الخدمات المالية في ماليزيا ليجعل نوعا من الخصوصية للمؤسسات المالية الإسلامية وهي معيار كفاءة رأس المال.
لكن واقع الحال يشير إلى أن صناعة المال الإسلامي لم تستفد في المرحلة الحالية من هاتين المؤسستين ولا يوجد حافز كاف يدفع المؤسسات لأن تطلب تصنيف الوكالة الدولية للتصنيف، ويبقى موضوع الالتزام الشرعي مراوحا ًمكانه، هنا نعود إلى نقطة الصفر أو المربع الأول وهو أننا ما زلنا في عهد المبادرة الذاتية، في تقديري لابد من تدخل السلطة الإشرافية لوضع الأمور في نصابها، فالمبادرات الذاتية حتى على مستوى التصنيف الشرعي غير مثمرة لأنه لا يوجد أحد يهتم بالحصول على هذا التصنيف، أيضاً هناك قضية أخرى تتعلق بالحوكمة وتعارض المصالح وهي أن مؤسسات التصنيف تمنح شهادات التصنيف لمن يدفع لها، وفي هذا كان لي بحث في أحد المؤتمرات في دبي، حيث أشرت إلى أن مؤسسات التصنيف لا تتمتع بالحيادية، كيف تمنح تصنيف بمستوى متدن لجهة ما وهي التي تعطيك الأجر، الحقيقة إن هذه الجهة لن تقدم على طلب التصنيف ما لم تكن متأكدة من أنها ستحصل على مستوى عال من التصنيف مثل AAA وإلا لن تقدم على هذا الطلب.
إن الصناعة المالية الإسلامية ليست بعيدة عن التشكيك في هذا الموضوع؛ بل إن عدداً من المؤسسات التي تتعرض للتهديد بالإفلاس الآن وجدناها بين مؤتمر وآخر تحوز على أفضل الجوائز على تطبيقاتها وكل هذا دون سند فني أو مهني.
طرحت قضية التنميط في الآونة الأخيرة واعتبرها البعض دعوة لإلغاء الهيئات الشرعية، ما ردكم؟
- التنميط مشكلة كبرى على مستوى الصناعة المالية الإسلامية وهدف مشترك لجميع العاملين في الصناعة، على مستوى المؤسسات المنفذة أو على مستوى المؤسسات الداعمة للصناعة المالية الإسلامية.
والتنميط هاجس يشغل جميع العاملين في الصناعة لكن آثار هذا التنميط غير مدركة لجميع العاملين في الصناعة. و معناه أن تعمل الصناعة وفق أنماط محددة ، إذن التنميط معناه وضع معايير لأعمال المصرف الإسلامي، نشأت "أيوفي" لدعم موضوع التنميط ولهذا الغرض أصدرت أيوفي معايير للضبط، ومعايير الأخلاقيات، ومعايير شرعية ومعايير محاسبية الهدف من كل هذه المعايير أن تجعل التطبيقات للمؤسسات المالية كلها تتمتع بالنمطية بمعنى أنه تتشابه فيما بينها، هذا هو الهدف من التنميط، يعني إذا كنا نعمل جميعا وفق معيار واحد فسوف نعمل بنفس الطريقة، وإذا كانت مرجعيتنا الشرعية معيارا واحدا فسوف تكون تطبيقاتنا في المنتجات وفق هذا المعيار. مع ملاحظة أن أيوفي نصت على أن الهدف من إصدار المعايير كلها هو إحداث تناغم وتقارب وتطابق في تطبيقات المؤسسات المالية الإسلامية، إذن التنميط هدف الجميع وكلما يصدر معيار من أيوفي تتم الإشادة به، وأيوفي تتغنى بين فترة وأخرى بإصدار مجموعة من المعايير الجديدة وتتغنى في كل مؤتمر من مؤتمراتها بعدد الدول التي التزمت بهذه المعايير، أو على الأقل وجهت سلطاتها الإشرافية بأن تتبع المؤسسات المالية معايير أيوفي كإرشادات.
هذا واقع الاجتهاد في الصناعة المالية الإسلامية، أيوفي تبذل جهدا كبيرا لدى البنوك المركزية لتقر معاييرها بهدف التنميط. ماليزيا بها هيئة عليا وبها هيئات في البنوك وكذا في السودان وسورية. الهيئة العليا في أغلب هذه التطبيقات أقرت معايير أيوفي كمصدر أساسي. واقع التطبيق في هذه الدول الثلاث أن الهيئة العليا تصدر تعليمات للبنوك التي بها هيئات شرعية، هذه التعليمات لا يجوز للبنوك مخالفاتها، معنى ذلك إذن أن ما صدر من الهيئة الشرعية العليا تعمل به المؤسسات كلها دون تغيير أو تعديل وبالتالي يصبح لدينا نمط للتطبيق أو أنماط تشبه بعضها بعضاً لأن جميعاً تعمل بالاستناد إلى التعليمات أو المرجعية نفسها. يبقى الاختلاف بين التطبيقات في الفجوة التي لم تغطها الهيئة العليا بإصداراتها من الفتاوى أو المعايير الشرعية والتي تغطيها الهيئة الخاصة هذه الفجوة سوف يستمر فيها اختلاف التطبيقات طبقا لرأي الهيئة الخاصة، والذي من الممكن أن يختلف من مؤسسة لأخرى على مستوى الصناعة أو على مستوى الدولة الواحدة، مع مراعاة أن الفجوة من شأنها أن تضيق باتساع إصدارات الهيئة العليا من المعايير والفتاوى. هناك اتفاق إذن ولا يختلف عليه اثنان وهو أن نعمل بمعايير موحدة تمثل مرجعية لجميع التطبيقات في الدولة الواحدة على الأقل ومعنى ذلك أن نمتلك نموذجا للحديث عنه قابلا للتسويق والبيع فإذا أرادت روسيا أو أمريكا نموذجا، فهذا هو النموذج كما يباع نموذج تشيس مانهاتن كنموذج عالمي لبنك تجاري تقليدي؛ فإنه يصبح لدينا نموذج عالمي لبنك تجاري إسلامي جاهز بكل أنماطه وتطبيقاته وتشريعاته وإجراءاته ويكون قابلا للبيع. الأمر هذا غير موجود عندنا الآن بسبب غياب التنميط.
أيوفي سارت خطوة إضافية في التنميط حيث أنشأت لجنة للعقود النمطية في داخل أيوفي وهي لجنة تصديق العقود ووجهت طلباً للمؤسسات المالية الإسلامية أن ترسل عقودها الخاصة بالمنتجات لتصادق أيوفي على مطابقتها لمعايير أيوفي، معنى ذلك أن عقود المؤسسات في العالم كله إذا صادقت عليها أيوفي ستكون أنماطا متشابهة، لأنها تنطلق من معيار واحد ومرجعية واحدة وهي معايير أيوفي، إذن أيوفي من خلال معاييرها ومن خلال لجنة تصديق العقود تدفع باتجاه تنميط جميع التطبيقات في الصناعة، الآن التنميط معناه أن يعمل الجميع بمعايير وبالتالي تصبح تطبيقاتهم منمطة.
الواقع أن التنميط مسألة إيجابية، في أوروبا من أبرز العقود النمطية عقود إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية طبقاً لمشروع مارشال، وهي عقود المقاولات والمناقصات وهي من أعقد العقود فقد تم تنميطها فملزمة العقود والشروط الخاصة بالمقاولة والمناقصة أصبحت محددة طبقاً لأنماط معروفة.
في الصناعة المالية الإسلامية أحدث وأكبر وأهم منتج فيها منمط وهو الصكوك، فهناك ملزمة كاملة من خلال هيكل مكون من صفحة أو صفحتين ثم مئات الصفحات لعدة عقود مثل عقد الإجارة أو المضاربة أو المشاركة... لماذا؟ لأنها نشأت من أناس مهنيين هناك لا يؤمنون بالعشوائية الطاغية على أعمالنا، بالتالي أصبحت هيكلة الصكوك وإنشاء عقودها أسهل من إنشاء منتج مرابحة لتمويل الأفراد في البنوك. وشتان في القيمة المالية والأهمية والأولوية بين المنتجين.
#5#
ما الفرق بين التنميط وتوحيد الآراء؟
- التنميط هو تحويل الأحكام الشرعية إلى معايير أو إلى قانون كما هو موجود، ولا يعني توحيد الآراء ولا يعني حمل الناس على رأي واحد فالتنميط جعل جميع الآراء المعتبرة مضمنة في المعيار نفسه، وليس اختيار رأي منها أو ترجيحه، بعد ذلك يجوز لولي الأمر أن يلزم بالعمل بأحدها أو يسمح بالعمل بالرأيين، مثلا معيار أيوفي للمرابحة للواعد بالشراء تضمن المرابحة بالوعد الملزم والمرابحة بالوعد غير الملزم مع أن الذين يقولون بالوعد غير الملزم يرون أن الوعد الملزم حرام ومع ذلك تضمنهما معيار واحد، أيضا تضمن معيار أيوفي في الإجارة المنتهية بالتمليك، التمليك على أساس الوعد بالبيع أو الوعد بالهبة وتضمن التمليك بسعر رمزي مع أن هذا لم يرد في قرار المجمع، فهم رأوا أن التملك بسعر رمزي ضمن الآراء المعتبرة وأنه نمط قابل للتطبيق بالإضافة إلى الأنماط الأخرى وبالتالي فإن التنميط لا يعني توحيد الرأي وإنما يعني توحيد المرجعية أي جعل جميع الآراء المعتبرة شرعاً ضمن المرجعية ولولي الأمر أن يلزم بأحدها أو يجعل الأمر متاحا لاختيار المؤسسات مع الإفصاح عن النمط الذي تستخدمه.
ماذا يترتب على العمل بالتنميط الذي هو يعني العمل بمعايير موحدة؟
- يترتب عليه توحيد المرجعية ومعناه تغيير عمل هيئات الرقابة الخاصة على مستوى المؤسسات المالية الإسلامية، وهذا التغيير سوف يحدث في مهمة الفتوى، وفحوى التغيير ستكون في التوصيف الفني والأصولي والفقهي لمهمة الفتوى التي تعد من وظائف هيئات الرقابة الشرعية الخاصة. فالفتوى هي إصدار الحكم الشرعي الاجتهادي في المسألة المعروضة وبآلية الاجتهاد الجماعي المتمثل في ضرورة الموافقة على الحكم من كل أو الأغلبية من أعضاء الهيئة. الآن إذا كان هذا الحكم الشرعي الاجتهادي في المسألة المعروضة قد أصبح في المعيار، وإذا كان هذا الحكم محصلة اجتهاد جماعي من الهيئة الشرعية العليا والتي يفترض أن تكون أكثر عدداً من الهيئة الخاصة في كل بنك؛ فما هو الدور الذي سوف تمارسه الهيئة الشرعية الخاصة على مستوى كل بنك أو مؤسسة عندما يقول لها البنك المركزي وهو السلطة الإشرافية التي تخضع لها البنوك الإسلامية: إن هذا المعيار الشرعي المعتمد من الهيئة الشرعية العليا ملزم ولا يجوز للبنك الإسلامي مخالفته فما هو دور الهيئة الشرعية الخاصة على مستوى البنك؟ هل ستبقى تمارس مهمة الفتوى الخاصة على مستوى البنك؟ واقع الحال أنه لن يمكن للهيئة الخاصة ممارسة دور الفتوى بمعناها السابق نفسه وهو إنشاء الحكم، أو مخالفة الحكم الذي صدر من الهيئة الشرعية العليا، وإنما كما سبق أن ذكرت سوف يتغير التوصيف الفني والفقهي والأصولي للفتوى الخاصة لتعني تفسير الحكم الصادر في المعايير المعتمدة من الهيئة الشرعية العليا وإسقاطه على الوقائع. وهو دور مشابه يصبح لدور المستشار القانوني الذي يفسر القانون ومن المتصور أن تتحول طبيعة العمل في الهيئة الخاصة من أعضاء تتخصص في الفتوى إلى أعضاء أو مستشارين يتخصصون في تفسير الحكم الشرعي أو الفتوى الشرعية الموحدة في المعيار وإسقاطها على واقع المعاملات المراد تنفيذها في البنك أو المؤسسة، وهناك فرق كبير بين إنشاء الحكم وتفسيره؛ لأن التفسير سوف يحدث أثرا تطبيقياً وعمليا متشابها على مستوى المنتجات، وسوف يحقق هدف التنميط على مستوى التطبيقات لأن كل التفسيرات ستصل بالجميع إلى نفس النتيجة.
إذن التنميط سوف يحدث أثرا عملياً على صعيد الهيئات الشرعية وهو تغيير في وضعية الفتوى أو التوصيف الفني والفقهي الأصولي للفتوى. وقد سبق أن أشرت إلى ضرورة تفعيل التدقيق الشرعي الخارجي ودعم استقلاليته ومهنيته من خلال تفويضه لمكاتب تدقيق شرعي خارجي ضمن إطار تشريعي ومهني متكامل والآن رأينا أن العمل على توحيد المرجعية -وهو هدف الجميع له - أثر غير مدرك من جميع من يطالب به – مع أن الجميع يطالب به - والأثر في هذه المرة سيكون على وظيفة الفتوى كما أوضحنا. وهو أن الهيئة الشرعية لن تقوم بالفتوى المعهودة وإنما ستقوم بتفسير المعيار فيصبح عملها شبيها بعمل المستشار القانوني الذي يفسر القانون. هذا الأمر سورية طالبت به في المؤتمر الرابع من خلال السيد حاكم مصرف سورية المركزي عندما قال إن السلطة الإشرافية تعمل على توحيد المرجعية الشرعية للعمل المصرفي الإسلامي والواقع أن هناك جهدا كبيرا في مصرف سورية لاستكمال هذه المرجعية من خلال التعليمات المعتمدة من الهيئة الاستشارية العليا في البنك المركزي والتي تصدر للبنوك ويطلب من الهيئات الشرعية ألا تخالفها فإذا استمر العمل بهذه الطريقة فسوف تكتمل في سورية المرجعية الموحدة وسوف يكون عمل الهيئة الخاصة على مستوى كل بنك كله تفسيرا للمعيار وليس إنشاء للمعيار أو الحكم الذي في المعيار وبالتالي تصبح معاملات المؤسسات المالية الإسلامية أنماطاً متشابهة تعكس ما يتضمنه المعيار من أنماط محددة.
معنى ذلك أن التنميط سيؤدي الى تغيير طبيعة عمل الهيئات الشرعية وبالتالي هل يمكن القول إن الهيئات الشرعية في طريقها للإلغاء؟
- النظرية التي أطرحها معنية بالتأصيل والتحليل المهني لوضعية وظيفتي الفتوى والتدقيق الشرعي الخارجي انطلاقاً من مبادئ وقواعد الحوكمة والمعايير المهنية والتطور الحادث على أرض الواقع في بعض التطبيقات. وبناء النظرية التي عرضنا ملامحها إنما تنظر إلى طريقة طبيعة العمل المؤدى، بعد ذلك تنظر المؤسسة هل الهيئات الشرعية بوضعها الحالي تخدم الوضع الجديد الذي أوضحنا ملامحه أم هي أكبر مما تحتاجه؟ وبالتالي قد ترى المؤسسات أنه من الممكن أن يؤدي الغرض ويحقق الهدف شريحة من المستشارين أقل علماً وأقل مكانة وأقل مقاما من المستشارين الحاليين لأن القضية الآن تقوم على صعيد التفسير وليس على صعيد إنشاء الحكم.