إعادة إعمار جدة
لا شك أن مدينة جدة نمت وتوسعت مثل غيرها من مدن المملكة خلال السنوات الأربعين الماضية، ولا شك أنه من الصعب متابعة التنمية في كل أنحاء المملكة. ولكن كما نقول فإن ''جدة غير'' لأنها بنيت دون بنية تحتية مخططة ومنظمة. وأتذكر أنه من كان يعيش في حي البغدادية أو الشرفية كان يُعتبر خارج جدة، ويوم ذهبت لأحصل على تأشيرة للدراسة من السفارة الأمريكية كان شارع فلسطين المتفرع من طريق المدينة كله تراب، وشرق شارع فلسطين كان صحراء قاحلة ما عدا بعض العشش أو البيوت الشعبية المتناثرة وفيلا العشماوي، وشمال شارع فلسطين أي طريق المدينة كان هناك بعض المواقع مثل مطبعة الفتح وقصر الأمير عبد الله الفيصل وبيت بن زقر وقهوة كاظم ثم مصنع الأسمنت 13 كيلو مترا من وسط البلد القديمة.
ومع أنني من أبناء جدة إلا أنني اليوم لا أعرف معظم أسماء أحيائها لأنها توسعت ونمت شرقا الى الجبال وشمالا إلى شرم أبحر ثم إلى ذهبان وجنوبا بعشرات الكيلومترات. وفي داخل هذه المساحة وحولها مخططات ومخططات للمنح وغيرها جعلت من الصعب متابعة توسيع البنية التحتية للمدينة. وعبر السنين ارتفع مستوى المياه السطحية مما أثر في المباني وقدرة صمودها، ولا توجد شبكة مجاري في أكثر من 70 في المائة من جدة، وكذلك لا توجد شبكة تصريف مياه الأمطار سوى 10 في المائة فقط، ولا توجد شبكة مواصلات عامة ولولا الهاتف الجوال لخلا كثير من المنازل من الهواتف.
شبكة المياه لا تصل الى معظم المدينة ومعظم طرقها الداخلية لا ترى السفلتة ـــ إن وجدت ـــ إلا مرة واحدة وبجودة متدنية، إضافة إلى الحفر وإعادة الحفر من قِبل عدة جهات خدماتية، مما أدى إلى تلفها وارتفاع تكلفة المشاريع لعدم وجود التنسيق الكافي بين الجهات الحكومية والشركات العامة، فقد تعتمد وزارة المالية سفلتة طريق للأمانة ولا تعتمد تركيب الصرف الصحي للمنطقة نفسها أو الشارع .. فوضى مركبة من عدة جهات تصعب محاسبتها اليوم.
ومما زاد من مشكلات جدة اليوم، زيادة عدد سكانها بمعدل مرتفع مع وجود متخلفين غير نظاميين بمئات الألوف، وقد يكون معظمهم لم يحسبوا في الإحصاءات السابقة، مما أدى إلى نقص ما يخصص لمحافظة جدة سابقا قياسا بالنسبة لسكانها الفعليين. كما أن المخططات شرقيها خصوصا التي خططت وبنيت في مجاري سيول الأودية التي كانت تُفرغ في البحر مباشرة عبر آلاف السنين، غيرت طبيعة الأرض، ولم تكن المشكلة ظاهرة، مع معرفة الجميع بخطورتها لقلة هطول الأمطار على جدة سابقا، ولكن، مع التحول المناخي في العالم سوف يزداد تساقط الأمطار على جدة ومكة المكرمة والمملكة عموما، ولا يمكن التغاضي عن ذلك، وينبغي أخذه في الحسبان. هل يعقل 112 ملليمترا من الأمطار تغرق جدة! ماذا لو سقطت الأمطار 24 ساعة متواصلة؟ أعتقد أن جدة ستغرق ولا أتصور الدمار وعدد الضحايا والخسائر المادية التي ستحصدها.
وها هو الأمير خالد الفيصل يصرح للتلفزيون السعودي مساء الأربعاء المعهود ''إنه لا يوجد أكثر من 10 في المائة من شبكة تصريف مياه الأمطار، وإن السدود لم تقم وهناك تأخير في المشاريع ونحتاج إلى حلول جذرية''.
نعم نريد حلولا جذرية لإعادة إعمار البنية التحتية لمدينة جدة دون تأخير. إننا لا نستطيع أن نتفرج كلما أمطرت السماء على غرق جدة وساكنيها، ما نريده هو الإعلان عما تحتاج إليه جدة من مشاريع بالتفصيل، سواء للمجاري ولتصريف الأمطار ولفتح الطرق الطبيعية أو القنوات لتصل للبحر، مع تخزين ما يمكن في السدود الجديدة، ولإعادة سفلتة الشوارع وليست الرئيسية فقط وإصلاح فتحات شبكات التصريف ومواقع السدود وقيمتها وفترة تنفيذها. نريد زيادة مخصصات للأمانة لبنود الصيانة والسفلتة والتوظيف والنظافة ومكافحة البعوض والجرذان وتنظيف كورنيش جدة وشواطئها، نريد تلبية احتياجات الأمانة وفرع وزارة التجارة والصناعة من وظائف جديدة للمهندسين خصوصا وللمفتشين على الأسواق والمطاعم وغيرها لمتابعة التستر والغش التجاري والأغذية المسمومة والأدوية المقلدة. نريد مستشفيات حكومية ومراكز طبية ومدارس غير مستأجرة وأن نعوض بالقيمة العادلة من ننزع ملكياتهم للصالح العام وأن ننزع ملكيات المنازل الواقعة في مجاري السيول مع تعويضهم أراضي ومباني أخرى .. نريد وسائل نقل حديثة معلقة (مونوريل) وغيرها من وسائل النقل، إننا نريد مخصصات من أموال الدولة الموفرة من إيرادات الميزانية، مخصصات تكفي لمشاريع جدة 80 مليار ريـال تخصص حسب المشاريع للسنوات الخمس المقبلة ولا نريد أن تكون وزارة المالية وحدها هي التي تقرر إذا كانت هذه المشاريع ضرورية أم لا.
اتركوا الأمير والمسؤولين من وضع حاجاتهم وتفاصيلها وحملوا الأمير خالد الفيصل نفسه وليس غيره مسؤولية هذه المخصصات في اعتماد وتوجيه الصرف والأولوية للمشاريع والتنفيذ في محافظة جدة، ولتكن كل الخطط والمشاريع معلنة حتى يتمكن المواطنون من متابعتها ولا تظلموا الأمين الجديد، وليقم ديوان المراقبة العامة ووزارة المالية ووزارة الشؤون البلدية والقروية بمسؤولياتهم وماذا عن استخدام شركات عالمية للتخطيط وسرعة التصميم والتنفيذ.
نريد حلولا ''جذرية'' وليست مؤقتة كما ذكر أميرنا. إن ثقتنا بالله ـــ سبحانه وتعالى ـــ ثم بخادم الحرمين الشريفين وولي العهد والنائب الثاني ـــ حفظهم الله ـــ تجعلنا نصبر ونحتسب ونأمل تحقيق مطالب سكان جدة .. فقد أصبح حالهم لا يسر.