المصرفية الإسلامية .. انتعاش خليجي قوي عام 2011
تسببت الأزمة المالية العالمية بما أحدثته من آثار مدمرة على الاقتصاد العالمي في تباطؤ نمو الصيرفة الإسلامية في عام 2008م، حيث عانت الصيرفة الاسلامية من إخفاق بعض مصدري الصكوك في الوفاء بالتزاماتهم، كما جرى الحديث عن إعادة هيكلة بعض الإصدارات، في حين تعرضت أصول كثير من المؤسسات المالية الإسلامية لخسائر فادحة نتيجة تراجع أسعار العقار والاسهم، إلا أنها سرعان ما التقطت أنفاسها فعادت لتحقيق النمو مرة أخرى، حيث ارتفعت إصدارات الصكوك في عام 2009 بنسبة 58 في المئة عما كانت عليه في عام 2008، كما أن إصدارات الصكوك في الأشهر التسعة الأولى من عام 2010 تجاوزت إصدارات عام 2009 بالكامل، حيث بلغت 28 مليار دولار في حين لم تتجاوز إصدارات عام 2009 بالكامل مبلغ 24 مليار دولار (وفقا لتقرير بيتك للأبحاث المحدودة).
ومن هنا فإنني أعتقد أن الأزمة كانت بالنسبة لهذه الصناعة فرصة لالتقاط الأنفاس ومراجعة الذات لتصحيح الأخطاء وتقويم التجربة، وبالتالي فمن المتوقع أن يكون عام 2011 عام مواصلة النمو بشكل أسرع، بل إنني أتوقع أنه إذا ما استمر المناخ العام للاقتصاد العالمي في التحسن، أن يكون عام طفرة بالنسبة لهذه الصناعة، حيث أتاحت الأزمة المالية العالمية فتح أسواق جديدة أمام هذه الصناعة لم تكن متاحة في السابق كفرنسا وأستراليا اللتين تعتزمان تغيير بعض قوانينهما المتعلقة بالضرائب حتى تستطيعان إصدار صكوك إسلامية في منتصف هذا العام، وتخطط كوريا الجنوبية كذلك لإصدار صكوك في هذا العام، فيما يتوقع أن يتم إصدار أول صكوك إسلامية في مصر منتصف هذا العام كذلك.
لقد نبهت الأزمة كثيرا من الدول الحاضنة لهذه الصناعة إلى أهميتها ومدى النضج الذي وصلت إليه، ومن ثم فقد تغيرت نظرة الجهات الرقابية في الدول الحاضنة تجاه هذه الصناعة، حيث رأت فيها أداة مالية تستطيع من خلالها أن تكون لاعبا مهما في السوق المالية الدولية، ومن ثم فهي تسعى اليوم لدعمها؛ ولا أدل على ذلك من موافقة محافظي البنوك المركزية في الدول الخليجية على إنشاء المؤسسة الدولية لإدارة السيولة الإسلامية المنبثقة عن مجلس الخدمات المالية الإسلامية في كوالالمبور قبل أيام.
ومن هنا فإنني أتوقع أن تشهد الصيرفة الإسلامية بشكل عام والصكوك على وجه الخصوص في عام 2011 انتعاشا قويا مدفوعا بالإصدارات السيادية وشبه السيادية، خصوصا في منطقة الخليج نظرا لاعتماد هذه الدول ميزانيات ضخمة هذا العام، جلها سيكون مخصصا للتنمية وتطوير البنى التحتية كما في الكويت والسعودية، إضافة إلى تحول قطر إلى ورشة عمل ضخمة بعد أن تم اختيارها لتنظيم كأس العالم لعام 2022م. ومن المتوقع أن تسعى هذه الدول لتلبية احتياجاتها للمال عن طريق إصدار الصكوك سواء كانت هذه الاإصدارات مباشرة عن طريق الحكومة أو غير مباشرة عن طريق الشركات شبه الحكومية، كما أنه يتوقع أن يتم إصدار منظومة التمويل العقاري في المملكة العربية السعودية هذا العام، وهو ما سيزيد من الطلب على الصكوك باعتبارها أداة تمويل طويل الأجل تتناسب وطبيعة التمويل العقاري، كما أنه سيرفع من حجم الأصول المدارة وفق أحكام الشريعة الإسلامية، حيث إن التمويل العقاري في المملكة إذا ما صدر النظام لن يكون إلا وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية.
أما فيما يخص المؤسسات المالية الإسلامية فسيشهد هذا العام إطلاق أول مصرف إسلامي عالمي تجاري برأس مال معلن يتجاوز عشرة مليارات دولار؛ المدفوع منها نحو ثلاثة مليارات دولار، وهو ميقا بنك، وبذلك ستدخل الصيرفة الإسلامية نادي المؤسسات المالية الكبرى وهو ما يعني قدرة المؤسسات المالية الإسلامية على المنافسة في السوق المالية العالمية.
إلا أنه ومع هذه التوقعات المتفائلة فإنه يجب علينا ألا ننسى أن هذه الصناعة ما زالت تعمل في بيئة تشريعية ورقابية غير ملائمة في كثير من الدول، ومنها على سبيل المثال المملكة العربية السعودية التي تضم نحو 16 في المئة من أصول الصيرفة الإسلامية في العالم، كما أنه لا يوجد حتى الآن أي معايير موحدة ومعتمدة لهذه الصناعة من قبل الجهات الرقابية سواء كانت معايير محاسبية أو شرعية، وهو ما يضعف من قدرة هذه الصناعة على المنافسة في الأسواق العالمية، أضف إلى ذلك ما تعانيه هذه الصناعة من ضعف في أهم خدمة تعتمد عليها هذه الصناعة لكسب المشروعية، وهي الهيئة الشرعية التي ما زالت تعاني من الفردية وغياب المؤسسية، ومن ثم غياب المهنية في قراراتها وتقاريرها.