الأوقات الصعبة لاقتصاد دبي انتهت.. نحن الآن في مرحلة إعادة النمو
أكد سامي بن ظاعن القمزي مدير عام دائرة التنمية الاقتصادية في حكومة دبي أن اقتصاد الإمارة تجاوز بشكل نهائي الأزمة، بعد أن استوعب أبعادها وفهم مخاطرها، وأن اقتصاد إمارة دبي هو الآن في طور إعادة النمو.
وقال القمزي في حوار خاص مع "الاقتصادية" على هامش انعقاد قمة مجالس الأجندة العالمية التي عقدت في دبي أوائل الشهر الماضي، إن من أهم الدروس المستفادة من الأزمة التي مرت بها دبي، هو أهمية التركيز على القطاعات الاقتصادية الحقيقية، بحيث أصبحنا نركز على الأساسيات التنموية بصور أكبر من قبل، مشيرا إلى أن عدد الشركات في دبي سجل نموا في عام 2010 أكثر منه في 2009 حيث بلغ نحو 11200 شركة بدلا من 8500 شركة. ووضع القمزي الاستمرار في إطلاق المبادرات الاقتصادية والتنموية في المنطقة كأهم التحديات التي تسعى دبي لمواجهتها خلال عام 2011 .. الحوار تناول العلاقة بين اقتصاد إمارة دبي والإمارات والاقتصاد السعودي.. وهنا البقية:
في البداية.. هل تعتقد أن دبي تجاوزت الأزمة المالية التي مرت بها بشكل نهائي؟
صعب أن نقول إنها تجاوزت الأزمة بشكل نهائي، لقد مررنا من خلال الأزمة بأوقات صعبة، والأوقات الصعبة انتهت الآن، وبات تركيزنا اليوم على عمليات النمو، الواقع أن معظم قطاعات الإمارة الاقتصادية عادت لتسجيل النمو، سواء القطاع السياحي أو قطاع الخدمات، أو حتى القطاع العقاري الذي سجل وحده في النصف الأول من 2010 نموا بلغت نسبته 5 في المائة، وهذا أمر لم يكن متوقعا، إلا أنه لا يزال يحتاج إلى وقت للتعافي.
وكما تعلم فإن القطاع العقاري هو من قاد عمليات النمو في سنوات ما قبل الأزمة، حيث كان حجم الإنفاق فيه ضخما، واستقبل استثمارات أجنبية مباشرة أو استثمارات من الداخل بحجم كبير، وبالتالي في ظل وجود الأزمة وتباطؤ الطلب كان من الطبيعي أن يتخلص من بعض المشكلات، وما زال هو القطاع الذي يعاني وأعتقد أنه سيحتاج إلى وقت أطول في مسألة التعافي.
في نظرك ما أبرز الأخطاء التي وقعت فيها إمارة دبي اقتصاديا؟ وما الدروس المستفادة من الأزمة؟
لا أستطيع القول إن هناك أخطاء محددة وقعت فيها الإمارة.. لقد كان الجميع قبل الأزمة يتحدث عن الإنجازات والريادة في العمل الاقتصادي الذي تصنعه دبي، صحيح أنه كان هناك نوع من الاندفاع في موضوع القطاع العقاري وهذا حدث في بقية دول الخليج والعالم.
والواقع أن الدروس المستفادة من هذه الأزمة، كما تسمونها أو التجربة، كما أسميها.. هي أنها جعلتنا نعيد التركيز على القطاعات الاقتصادية الحقيقية ونحن كمسؤولين عن الاقتصاد نعتقد أن عملية النمو تكمن في القطاعات الأساسية، وليست في القطاعات التكميلية، ولكن ما حدث في فترة ما قبل الأزمة كان من الصعب السيطرة عليه، إذ إنه من الصعب أن يكون هناك قطاع حيوي، ويحقق ربحية، ومن ثم تقوم بتقييد المستثمرين عن الاستثمار في هذا القطاع، ولكن اليوم يمكن أن نعود إلى الأساسيات التي كنا نعمل عليها، ومتمرسين فيها - وإن شاء الله - سيقود ذلك دبي إلى التعافي والنمو.
أستاذ سامي.. ماذا عن التضخم في دبي، خصوصا أنه سجل أرقاما قياسية قبل الأزمة؟ وهل تعتقد أنه اليوم مقبول؟ وماذا عن مساره في 2011؟
أثناء فترة الطفرة التي كانت ما قبل الأزمة والتي تم فيها تحقيق أعلى معدلات النمو، كانت أحد أهم التحديات الموجودة نسب التضخم العالية والتي وصلت إلى أرقام من خانتين، ولكن اليوم آخر نسبة تضخم ذكرت كانت في حدود 4 في المائة، وأعتقد أن هذا من الإيجابيات التي أفرزتها الأزمة.. وهذا التراجع في التضخم ينعكس على مزاولة الأعمال في دبي اليوم، فاليوم تكلفة أداء الأعمال في دبي تقلصت خلال السنتين الماضيتين، ما انعكس على الأداء والنشاط، ولقد نما تسجيل الشركات الجديدة في دبي إلى 11200 في 2010 في الربع الثالث، مقارنة بـ 8500 شركة جديدة تم تسجيلها خلال العام الماضي.
في سنة من السنوات كان الناس يعتقدون أن الاستثمار بداية أو تكلفة مزاولة الأعمال في دبي عالية جدا، مقارنة بمثيلاتها اليوم أعتقد أن هذا العائق بالنسبة لمزاولي الأعمال قل، وبالتالي صارت البيئة محفزة بشكل أكبر للاستثمار اليوم.
وهذا لا ينعكس على النشاط التجاري في دبي، فكثير من الشركات تتخذ من دبي مقرا لمركز عملياتها في المنطقة، مستفيدة من البنية التحتية لقطاع النقل والخدمات وقطاع الطيران المتوافر، وأنا أعتقد أن دبي نجحت في أن تكون المنصة لعملية إعادة التصدير في المنطقة، وتكون قاعدة لكثير من الشركات التي تركز على أسواق المنطقة خارج نطاقها، إذ إنه في ظل إمكانية أن تقوم خلال أربع ساعات طيران بتغطية نحو ملياري نسمة من إمارة دبي فهو نجاح لأي شركة.
اسمح لي أن أسأل عن القطاع المصرفي في دبي نحن نعلم أن هناك علاقة قوية بينه وبين القطاع العقاري، وحقق نموا وانتشارا جيدا قبل الأزمة .. كيف تقيم القطاع المصرفي في إمارة دبي اليوم وخلال العام المقبل؟
لو عن القطاع المصرفي لا يمكن أن نحدد إمارة دبي، هذا خاص بدولة الإمارات بشكل عام، وأنا أعتقد أن أداء البنوك خلال 2010 كان جيدا، خصوصا إذا علمنا أن النصف الثاني من 2010 شهد ولأول مرة تفوقا في نمو الودائع على القروض.
في مسألة السيولة أنا أعتقد أن القطاع المصرفي حافظ على ملاءة مالية ممتازة، واستطاع المصرف المركزي التعامل مع الأزمة في توفير السيولة المطلوبة، والتي سمحت لبنوك الإمارات بعدم تسجيل أي حالة إفلاس، رغم ما تعرضت له أكبر البنوك العالمية، وهي بنوك عريقة، ولها تاريخ طويل من العمل، صحيح أن البنوك الإماراتية مرت بفترة يمكن وصفها بالصعبة لدخولها بقوة ضمن عمل منظومة القطاعات الاقتصادية المهمة، ومنها القطاع العقاري والخدمي، ولكن أعتقد بجهود البنك المركزي ومباردات البنوك نفسها أنهم استطاعوا تجنب الأسوأ، ونتوقع أن يشهد عام 2011 تحسنا أكبر في أداء تلك المصارف، خصوصا مع نمو الودائع على حساب القروض.
يتحدث كثير من التقارير عن القطاع السياحي والاستثمار الأجنبي بشكل أساسي في دبي وأنه لم يعد كما كان في السابق ولن يعود، ما تعليقكم؟
أعتقد أن هذا الكلام عار من الصحة.. والأرقام خير دليل للرد على تلك التخمينات، فقد نجح مركز الاستثمار الأجنبي التابع للدوائر الاقتصادية خلال فترة الأشهر الستة الأخيرة في استقطاب ما لا يقل عن 15 شركة عالمية، وما زالت المناطق الحرة تستقطب الشركات الأجنبية، صحيح أننا بحاجة إلى تطوير بعض القوانين التي سترى النور قريبا، فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي، إذ إننا نعمل على تقديم بعض التسهيلات الإضافية، ولم يكن للأزمة أي علاقة بتراجع الاستثمار الأجنبي.
أما بخصوص قطاع السياحة، دعنا نؤكد في البداية أن نسب الأشغال لفنادق دبي قبل الأزمة كانت تقترب من 95 في المائة، والجميع يتذكر كيف أن الحصول على غرفة في دبي كان أمرا صعبا، وهذا كان مقتصرا على دبي دون غيرها من العواصم العالمية إلا القليل، وتراجعت النسبة أثناء الأزمة إلى حدود 60 إلى 70 في المائة في الفنادق التي داخل المدينة، وحافظت على نسبة 80 في المائة في الفنادق الشاطئية، وهذا تفاصيل يمكن يعرفها القراء للمرة الأولى.
بشكل عام كانت نسب الأشغال خلال الفترة الماضية في حدود 70 إلى 75 في المائة وهي نسبة إشغال مقبولة في كثير من الدول اليوم، ولكن هذه النسبة ارتفعت بنحو 3 في المائة في 2010 بغض النظر عن الربحية، وأعتقد أننا - والحمد لله - نستمتع باستقبال عدد كبير من السياح من الإخوة السعوديين، ووفقا للأرقام، فإن دبي أصبحت الآن مكانا مفضلا للزيارة نتيجة، لأن الأسعار مقبولة والتكلفة مقبولة، ومكانا جيدا للاستمتاع، والمهم بالنسبة لنا أن تظل دبي في وضع تنافسي سياحيا.
شاهدنا تطويرا في قطاع البنية التحتية والمواصلات من قطارات وغيرها في دبي كيف انعكس هذا على النشاط التجاري والاقتصادي والسياحي للإمارة؟
انعكس بصورة بناءة على كل الأنشطة المرتبطة باقتصاد الإمارة.. وما زال إنفاقنا على البنية التحتية في السنتين الأخيرتين في حدود 42 إلى 45 في المائة، ومازلنا نخطط أن تحافظ دبي على نفس معدل الإنفاق، وتستمر في استكمال مشاريع البنية التحتية، لأنها أحد المحفزات الأساسية لاستقطاب الاستثمار في هذا البلد.
ما أهم تحد تعتقد أن دبي عليها مواجهته بشكل دقيق في 2011؟
أعتقد أن دبي لا تزال تحافظ على أساسياتها، وما زالت نظرة التفاؤل قائمة حول أدائنا الاقتصادي ونحن مقتنعون بأنها إيجابية، وستنعكس على المقيمين والمستثمرين، والتحدي الجديد هو عودة التركيز على الأساسيات، كما ذكرت لاقتصاد الإمارة.
سنركز خلال عام 2011 على أساسياتنا، لدينا رغبة خلال العام المقبل أن نرسل رسالة واضحة لكل المستثمرين والمقيمين الموجودين على أرض دبي، وعلى أرض دولة الإمارات، بأن دبي ما زالت مهمة وما زالت موجودة كمدينة قيادية في المنطقة وتتمسك بدور الريادة .. تعرضنا لوقت صعب كبقية أنحاء العالم، ولكن أعتقد أننا ندخل الآن في المرحلة الثانية من التعافي.
ماذا عن شراكة دبي مع الاقتصاد الخليجي وتحديدا مع السعودية؟
أنا أعتقد أن هذه العلاقة مرتبطة بشكل كبير، وإن كانت تنعكس على الأرقام بين الإمارات والسعودية على شكل دول، والواقع أن دبي والإمارات عموما لا يمكن أن تعمل بمعزل عن محيطها، والسوق السعودية سوق مهمة يتم خدمتها من الإمارات، ومن دبي بشكل خاص، وهناك تبادل كبير للاستثمارات، ونتمنى أن يشهد ذلك مزيدا من الزخم والعمل على الجانبين من قبل المستثمرين السعوديين والإماراتيين، فهم الذين يخلقون هذا النوع من الترابط بين الاقتصادين.
شهدنا أخيرا في دبي قمة الأجندة العالمية للمنتدى الاقتصادي العالمي في دبي.. في رأيكم ما العائد الحقيقي على اقتصاد دبي، وعلى فكر الاقتصاديين في دبي من خلال احتضان مثل تلك المؤتمرات؟
لا يمكن قياس العائد المباشر من تلك المؤتمرات على اقتصاد دبي، ولكنها بالتأكيد عنصر فاعل ومهم نتكلم للترويج لاقتصاد دبي والإمارات، ووسيلة ممتازة لترويج تجارة دبي ونشاط قطاعات الأعمال في دبي.
استضافة مؤتمرات عالمية من هذا النوع يشرفنا ويسعدنا في إمارة دبي، وهذا استمرار لسياسة المؤتمرات والمعارض التي نستفيد منها بشكل مباشر في الترويح للإمارة، واليوم في ظل الأوضاع الحالية التي نسمع فيها أحيانا نشر تقارير سلبية عن الوضع في إمارة دبي، فإنني أعتقد أن مؤتمرا من هذا النوع وهذا الحجم يرسل رسالة واضحة بأننا ما زلنا ملتزمين بأساسياتنا وسياساتنا ويساعدنا على نقل الصورة الحقيقية للوضع الموجود في دبي، نحن في دبي متفائلون جدا بالوضع الاقتصادي ومتفائلون بأننا نستطيع الخروج من هذه الأزمة بأقل الأضرار وبشكل يرضي طموحاتنا.
والحقيقة أننا سعينا من خلال مؤتمر الأجندة العالمية الذي تستضيفه الإمارات للمرة الثالثة على التوالي مرة في دبي ومرة في أبو ظبي، وسعينا لاستضافة عدد كبير من المفكرين، وأعضاء من الحكومات، ومن قطاع الأعمال، ومن القطاع الأكاديمي، لكي يروا صورة دبي على حقيقتها، وسعينا خلال هذا المؤتمر لتجاهل الأزمة والتركيز على مرحلة الانتقال ومرحلة التعافي، وهذا يعكس النظرة المتفائلة الموجودة في دبي اليوم.
أنا ومن وجهة نظري الشخصية أن الاقتصاد هو الإنفاق، سواء كان إنفاقا استثماريا أو إنفاقا رأسماليا، وهو يتم من خلال قطاعاته وتدور العجلة مرة ثانية.. ويشرفنا أن المؤتمر في دبي يساعد على وضع الإطار العام في الأجندة التي سيناقشها مؤتمر دافوس، وهذه مشاركة نحن نتشرف بها ويسعدنا أن تكون موجودة فيها، كما أن مشاركة 50 مختصا واقتصاديا عربيا ومفكرا، ونحو 30 مشاركا من الإمارات هي من الفوائد التي نجنيها، إذ نسمح لهم بطرح رؤاهم، وكذلك الاطلاع على رؤى الآخرين.
ختاما.. الرسالة الأولى للمؤتمر أن دبي ما زالت هي دبي التي تحافظ على أساسياتها، دبي التي كانت معروفة بالنشاط التجاري المتعلق بالتجارة وإعادة التصدير وتجارة التجزئة وتجارة الخدمات وتجارة القطاع اللوجستي والإمداد ما زالت موجودة في دبي وما زالت هذه القطاعات تحقق نسب نمو مقبولة ومرضية في ظل وضع الاقتصاد العالمي وهذه الرسالة المهمة التي نود أن نرسلها من خلال هذا المؤتمر.