تَكْفى.. امسحوها في وجهي
كم كنت سعيدا عندما دعيت لحضور أول ليلة في مقعد غرفة جدة الذي أسسه رئيسنا الأخ صالح كامل، وسررت أن يشاركنا الأخ عبد الله زينل معالي وزير التجارة والصناعة، ومعه وكلاؤه، ومديرو الأقسام الذين قدموا عرضا جيدا يشكرون عليه. وبما أن هذه كانت أول جلسة، فنويت الاستماع والمشاركة فقط، خصوصا لكثرة الحضور. وأشكر الشيخ صالح لأنه لم يقاطع أي متحدث.
لقد أبدع الوزير ورفاقه في بيان ما تقوم به الوزارة، وكذلك الحضور بمشاركتهم في النقاش الهادف، ولقد تجنبت شخصيا إثارة كثير من النقاط في التجارة أو الصناعة لعلمي برغبة جميع الحضور في المشاركة، ولذلك طلبت من معاليه، والشيخ صالح أن يحضروا لنا بعض هؤلاء الوكلاء منفردين حتى يمكن مناقشتهم بالتفصيل فيما يخصهم في جلسات قادمة دون عجلة. هل نسألهم عن الغش التجاري، أم البضائع التي يستوردها التجار المتسترون وهي دون المواصفات السعودية؟ وكيف تدخل المملكة؟ وكيف تباع في الأسواق؟ ومتى سيكون لدى الوزارة مفتشون أكفاء يغطون الاحتياجات في كل منطقة؟ ماذا عن تطوير نظام المختبرات الخاصة؟ وكيف سنتحكم في الجودة ورفع مستواها ومختبراتنا تعد على الأصابع؟ كم مواطنة تعمل في هيئة المواصفات والمقاييس ـــ على الأقل للتعامل مع سيدات الأعمال من صاحبات المصانع ـــ أم أنه لا توجد سعوديات يستطعن العمل في مختبرات الجودة الحكومية؟ لماذا لا تسعى وزارة التجارة والصناعة لجعل الموانئ تَبني مستودعات كافية ومناسبة لكل صنف من البضاعة؟ لماذا يدفع المستثمر الصناعي 50 ريالا حتى تخصص له أرض لدى المدن الصناعية الجديدة في جدة، ولا يؤخذ المبلغ نفسه من المستثمرين في مدن سعودية أخرى؟ ولقد سألت معاليه هل طلب من وزير المالية 16 أو 20 مليار ريـال لهيئة المدن؟ فأخبرنا أن الميزانية قادمة، ورد معاليه بأن وزير المالية من المؤيدين لهيئة المدن ومشاريعها، وهو فعلا كذلك، ولكن اللهم سهل أقلام كتبة الميزانية، وسنرى كم خُصص للمدن الصناعية بمنطقة مكة المكرمة. لا يمكن أن تنشئ الدولة جامعات جديدة في مناطق متعددة، ولا تقوم ببناء مدن صناعية مجهزة ومؤهلة لقيام صناعات في هذه المدن حتى يجد المتخرجون وظائف في أماكن عملهم بدلا من التكدس في طوابير التوظيف لدى الحكومة أو الهجرة إلى المدن الرئيسية، وهذا عكَس أهم أهداف خطط التنمية التي فشلت في تحقيق ذلك إلى الآن، فالسياحة والصناعة والخدمات في جميع مناطق المملكة هي من أهم مصادر التوظيف للشباب.
هل لدى الوزارة أسماء المصانع وخرائط عن مواقعها ولديهم أرقام هواتفها وعناوين صحيحة ودقيقة عن مكاتبها ومستودعاتها؟ وهل تقوم الوزارة بإرسال مفتشين لزيارة المصانع ومقارنة الإنتاج بالتراخيص، وهل لديها العدد الكافي؟ وهل تقدم أي مساعدات فنية أو استشارية للمصانع، خصوصا الصغيرة والحديثة؟ وهل لديها الكفاءات الفنية لذلك؟ ومتى ستقوم بذلك؟
أين وصلت مراجعة تنظيم المدن الصناعية ومناطق التقنية؟ لماذا لا يضع معالي الوزير يده في أيدي رجال الصناعة في المملكة فلم يُكلف إلا للسعي على حل مشكلاتهم، ولن يرتاح دونهم. لماذا لا تبحث الوزارة عن آلية لوقف إصدار السجلات التجارية لغرض استقدام العمالة؟ أين هيئة الصادرات السعودية التي لم تعمل؟ وكم الدعم المقدم لها من الدولة؟ وكيف سنقيس نتائج هذه الهيئة مقارنة بالوضع الحالي للصادرات، أم ستكون اسما وهيكلا مفرغا؟ ألم يكن من الأجدى استخدام المركز القائم في مجلس الغرف بدلا من الولادة العسرة لهذه الهيئة ــــ كفانا الله شرها؟ ولماذا لا يضم إلى الهيئة؟ لماذا لا نسمع عن مجلس المنافسة ونشاطه؟ وهل اعتمد له في الميزانية ما يؤهله لتوظيف المختصين المحليين والخبراء العالميين؟ أسئلة كثيرة لا مجال لمناقشتها في دقيقة ونصف مع معاليه.
ولقد سرني ما قدمه الأستاذ حسان عقيل، من التغييرات التي قامت بها وكالة التجارة في التراخيص وغيرها للنساء، وعسى أن تطبقها جميع الجهات الحكومية ولا تكون حبرا على ورق.
ولو سألني معاليه: هل لمستم تطورا في وزارة التجارة منذ تعييني، لقلنا نعم، ولكن الطريق طويل ويجب أن يأتيكم الدعم المادي والوظيفي وإلا فلن نصل إلى ما نصبو إليه.
ولقد ذكر الشيخ صالح أنه غير صحيح أن الوزارة تحاول أن تسيطر على الغرف ومجلسها بل يوجد تعاون كبير بينهما، وقلنا الحمد لله ولكن ليس معاليه ولا رئيس المجلس من يَحكم بذلك، ولكن نحن المنتسبين نحكم بذلك، ولا يزال بعضنا يعارض التغيير في نظام الانتخابات الذي طبقه معاليه، ولكن لن نترك الغرف حتى وإن لم نتفق معهم. وكنت مصرا، احتراما للمقعد ومعاليه، ألا أذكر مطالبتنا بفصل وزارة الصناعة عن التجارة، ولكن قامت نائبة رئيس اللجنة الصناعية في جدة بالقول إننا في جدة نؤيد وزارة واحدة للوزارتين تحت قيادته، وهذا من حقها وقام معاليه بإظهار وجهة نظره وشكرها وغرفة جدة على هذا التأييد ثم قال: إن غرفة الرياض هي خلف قرار الفصل، ويعلم من خلف ذلك ثم أضاف ''إن من يطالب بالفصل لا يفهم في الصناعة ولا يفهم في التجارة''، ومن هنا جاءت المقاطعة في الحديث أن غرفة الرياض ليست وحدها بل في جدة أيضا من يعارض، ولكن من حق معاليه أن يقول رأيه، ولنا الحق في معارضته في المقابلات والصحف وزيارات ولاة الأمر، لأن صوته مسموع لدى الوزراء في اللجان الخاصة، ولنا الحق أن نعارضه خارجها. ولم أعلق على اتهام المعارضين، وأنا منهم، بعدم الفهم لا في التجارة ولا في الصناعة ونحن نعمل فيها أكثر من 40 عاما، ولكن الوزير كان ضيفنا في المقعد وعلينا إكرامه والتمسك بأدب الحوار، ومن يعرف معاليه وحُسن خُلقه يعلم أن ما قاله حول عدم الفهم لم يكن إلا زلة لسان غير مقصودة ولا تنطبق وشخصه، فإن لم يعتذر أو يُبيّن حتى نشر هذا المقال فأرجو من الصناعيين والتجار المعارضين لرأيه أن يقبلوا ما نقوله عندما يخطئ شخص في الحارة، إذ نقول ''تَكْفى هذه المرة .. امسحوها في وجهي'' حتى وإن كنا نصر على إنشاء وزارة منفصلة للصناعة أو للصناعة والصادرات أو للصناعة والتجارة الخارجية أو غير ذلك، وتوجد مثل هذه الوزارات في كثير من الدول، وبالتأكيد الحكومة كانت تفهم عندما فصلت التجارة عن الصناعة لأول مرة وعينت عليها الدكتور القصيبي ـــ رحمه الله تعالى ـــ ومجلس الشورى على وعي عندما قرر فصل الوزارتين، فليس معاليه أو نحن من يقرر ذلك، ونعلم أن وزيرا واحدا لا يكفي وعندنا الأدلة عند الطلب ومعاليه كفؤ لأي منها.