شركات السيارات تتجه نحو تطوير صناعتها بقياسات عالمية

شركات السيارات تتجه نحو تطوير صناعتها بقياسات عالمية

حين أصبح سيرجو مارشيوني، الرئيس التنفيذي لشركة فيات في عام 2004، لم يكن لدى سيارتيها الرئيستين ــ فيات ستيلو، وألفا روميو 147 ــ برغي مشترك واحد.
في غضون عقد من الزمن، تهدف الشركة الإيطالية إلى أن تكون لديها ثلاث قواعد أجسام سيارات فقط تصنع عليها معظم نماذجها. وستستخدم شركة كرايزلر، شريكها الأمريكي، اثنتين من هذه القواعد كذلك كأساس لسياراتها بحلول عام 2014.
بوجود نظام تصميم وحدات خاص بها، تهدف الشركة المنافسة، ''فولكس واجن''، إلى تخفيض تكاليف إنتاج سياراتها بنحو 20 في المائة، ''وساعات مهندسة لكل سيارة''– الوقت الذي تستغرقه كل سيارة في الصناعة– بنحو 30 في المائة. وتقول ''فولكس واجن'' إن جميع مصانعها ستكون قادرة على إنتاج السيارات التي تشترك بالوحدات القياسية حتى لو كانت تراوح من حيث الحجم من السيارة الصغيرة بولو إلى السيارات الرياضية، مثل تيجوان.
يقول أولريتش هاكينبيرغ، عضو مجلس الإدارة في ''فولكس واجن''، الذي يشرف على هذه الجهود: ''على الصعيد النظري، بإمكاننا صنع كل سيارة في كل مصنع من المصانع، الأمر الذي يجعل ذلك في غاية المرونة. وفي الأوقات السابقة، كان لدينا مصنع واحد لكل طراز''.
في شركة فورد موتور، سيكون نحو 80 في المائة من إجمالي قطع الطراز الجديد، فوكس، الذي سيباع في أوروبا، وأمريكا الشمالية، في العام المقبل، ثم آسيا بدءا من عام 2012، قطع مشتركة، سواء تمت صناعتها في ولاية ميتشيغان (الولايات المتحدة)، أو مدينة سانت بيتسبيرغ (روسيا)، أو مدينة تشونغكينغ (الصين).
مثل الشركات المنافسة لها، ستعمل ''فورد'' على تحويل وتغيير السيارة لتناسب الأذواق في الأسواق المختلفة، وسيكون لدى المشترين الأوروبيين خيار شراء سيارة تعمل بالديزل. وسيختار العديد من الأمريكيين الغيار الأتوماتيكي، والإطارات التي تناسب جميع أحوال الطقس، وتختلف متطلبات تحمل الاصطدام في شتى أرجاء العالم، وبالتالي ستختلف بعض العناصر، غير أن ''فورد'' التي يسعى رئيسها التنفيذي، ألان مولالي، جاهداً لجعل العمليات العالمية للشركة تعمل معاً جميعها، تصف سيارة فوكس بالقول إنها ''سيارة عالمية''. وتخطط لصناعة عشرة طرز، بما فيها سيارة فوكس كهربائية، وأخرى مهجنة، وخلفاً لسيارتها الرياضية الصغيرة، كوجا – وجميعها على هندسة السيارة متوسطة الحجم ''سي كار''.
انظروا إلى ''القواعد الكبيرة'' للسيارات، أوضح إشارة لغاية الآن على سباق من أجل الحجم يعد بالتغيير الجذري لواحدة من أكبر الصناعات في العالم. وبعد أزمة هزت صناعة السيارات من أساسها، فإن الحدود التي تنبثق عن نظام جديد ستكافئ أولئك المنتجين فقط القادرين على صناعة السيارات بأنواع مختلفة بلا نهاية كما يبدو، ولكن بوجود مزيد من الأمور المشتركة في تصميمها.
إن ما تطلق عليه شركات صناعة السيارات المشاركة بالقواعد هو ممارسة راسخة منذ فترة طويلة في ظل صناعة تنافسية بشكل شديد، حتى فترة حديثة، كانت تعني المشاركة في القواعد استخدام الإطار المادي الصلب ذاته لصناعة سيارات متشابهة باختلافات تجميلية، أو سيارات متماثلة تماماً بأسماء لوحات مختلفة، وهي ممارسة معروفة باسم ''هندسة الشارة''. وتوجب أن يكون لدى المنتجات قاعدة لعجلة القيادة بالحجم ذاته، ونظام التوقف عن الدفع ذاته. وأما الآن، بوجود المزيد من القواعد المرنة، بإمكان شركات صناعة السيارات إدخال وحدات قياسية مختلفة، وصناعة سيارات بأشكال وأحجام مختلفة للغاية في المصنع ذاته.
أسهم الهبوط الاقتصادي– الذي سارع في اندفاعها نحو أسواق ناشئة أسرع نمواً، وتقنيات منخفضة في انبعاث الغازات– في زيادة بحث شركات صناعة السيارات في الوقت ذاته من أجل التصنيع بنطاق كبير في محاولة لتخفيض التكاليف. وفي الوقت الذي تسمح فيه الإنجازات في تقنية التصنيع بتوفير مرونة غير مسبوقة على خطوط الإنتاج، فإن مزيدا من المزايا يذهب إلى المنتجين الأكبر.
يقول أنتوني برات، رئيس ممارسة السيارات في ''بي دبليو سي''، شركة الاستشارات: ''إن تبني شركات صناعة السيارات لاستراتيجية القاعدة العالمية يعادل قدرة شركة وول مارت على إبقاء التكاليف متدنية بتحقيق اقتصادات الحجم الكبير. وفي حين أن ذلك ليس اتجاهاً جديداً، إلا أنها المرة الأولى تقريباً التي تحتضنها شركات صناعة السيارات بشكل شامل''.
حالما تصبح قاعدتها، C ''سي'' مكتملة تماماً، تتوقع ''فورد'' أن تنتج أكثر من مليوني سيارة سنوياً، نحو العدد الذي تبيعه ''فيات'' بالمجمل. وفي واقع الأمر، يتوقع المحللون أن نهضة قواعد صناعة السيارة ضخمة العدد ستطلق صراعاً داروينياً من أجل البقاء بين مجموعات الموردين، في الوقت الذي يستهدفون فيه العقود العالمية ذاتها، معركة سينتصر فيها الأقوى والأنسب فقط. كما أن قدرة شركات التصنيع الحالية على تطوير وإنتاج عائلات كبيرة من السيارات ستعمل كعائق هائل أمام الدخول إلى قمة التصنيف العالمي بالنسبة لشركات صناعة السيارات الناهضة، مثل شركات الصين.
إن الدفع باتجاه الحجم الكبير في التطوير والتصنيع يقود الشركات بين المنتجين المتنافسين، كما يوضح ذلك اتفاق شركة ديملر هذا العام مع شركة رينو، وشركة نيسان، للتعاون بشأن إنتاج السيارات الصغيرة، والشاحنات الصغيرة المقفلة، والمحركات. ويقول أنجلبرت ويمر، من شركة الاستشارات، ''بي إيه كونسلتينغ''، التي تقدم المشورة إلى قطاع الصناعة: ''الآن، إما أن تكون كبيراً للغاية، أو تموت''، حيث إن الدفع باتجاه الحجم، والتغير نحو التصنيع المرن يحدثان الآن، فإن ''فولكس واجن'' هي الشركة التي ينبغي مراقبتها بشكل متزايد على الأرجح. ويعيد عملاق الصناعة الألمانية تنظيم عملياته في شتى أرجاء العالم لجني ما يقول إنه اقتصادات الحجم الكبير الضخمة بموجب أسلوب يعتمد على وحدات قياسية لصناعة السيارات.
وقالت ''فولكس واجن'' في الشهر الماضي إنها ستستثمر قرابة 52 مليار يورو (67 مليار دولار) في عمليات صناعة السيارات الخاصة بها، وسيذهب جانب كبير منها إلى إعادة تنظيم مصانعها.
بحلول عام 2018، تهدف ''فولكس واجن'' إلى صناعة عشرة ملايين سيارة سنوياً تشترك بالتصاميم الأساسية هذه ذاتها، ويعد الاندفاع جزءاً محورياً من استراتيجية مارتن وينتركورن، والمهندس الخبير الذي حول أودي إلى آلة ربح، ويشغل الآن منصب الرئيس التنفيذي لشركة فولكس واجن، لإزاحة شركة تويوتا من موقعها كأكبر منتج في قطاع الصناعة في شتى أرجاء العالم بحلول ذلك العام.
تبدو ''فولكس واجن'' أكثر تشكيكاً من ''فورد'' من حيث إن مشتري السيارات في شتى أرجاء العالم سيرغبون في سيارات متشابهة على نطاق واسع، وفي حين أن طرز غولف، وبولو، هي ذاتها في الأساس في كل مكان، إلا أن المجموعة تصنع كذلك نطاقاً من المنتجات لتزويد الأسواق المحلية، بما فيها السيارة الصغيرة، لافيدا، التي تصنعها في الصين، أو سيارة غول منخفضة التكلفة التي تصنعها في البرازيل.
مع ذلك، وضمن حظيرة المجموعة من العلامات التجارية، التي تراوح من شكودا، وسيت أب، إلى أودي، وبنتلي، فإنها تفعل شيئاً مماثلاً للغاية. وكانت ''فولكس واجن'' منذ فترة طويلة قائدة الصناعة، بالمشاركة قدر الإمكان بين السيارات المتشابهة بالحجم، وبعدئذ تقوم بتعديل مزاياها الخارجية والداخلية، وديناميكيات القيادة للمحافظة على ما يتوقع من كل علامة على حدة. وكانت ''أودي'' قادرة على إجراء دراسة جدوى بالنسبة لموديل أيه 1 – أصغر طرزها لغاية الآن، وتشكل تحدياً لسيارة ميني التي تصنعها شركة بي إم دبليو– وذلك بالمشاركة في الهندسة إلى حد كبير مع بولو فولكس واجن، وسيت إيبيزا.
تقول ''فولكس واجن'' إنها تخطط للحصول على منصات سيارات مشتركة بحجم ليس له مثيل بعد في قطاع الصناعة، وفي غضون عقد من الزمن، فإنها تخطط إلى دمج العدد الضخم من السيارات التي تصنعها– من السيارات صغيرة الحجم، إلى السيارات الرياضية– حول تصاميم وحدتين قياسيتين أساسيتين، أحدها بمحرك محمول طولياً، وآخر بموقع عرضي. وتخطط كذلك لصناعة مجموعة ثالثة من السيارات ''العائلية الصغيرة الجديدة''، ويتم تصنيعها بالاشتراك مع شركة سوزوكي، شريكها الياباني، لاستهداف الأسواق الناشئة، و''المدن الكبيرة''.
مع التوفيرات الكبيرة في التكاليف التي تتوقعها ''فولكس واجن''– وأعداد ضخمة من السيارات بمزيد من المزايا المشتركة– فإن بإمكانها، مثل ''فورد''، أن تستثمر مزيدا من الأموال في خصائص تزودها بمزايا، مقارنة بالمنافسين، مثل أنظمة التوثيق، أو زيادة المعدل الذي بواسطته تجدد، أو تغير النماذج. وبجعل إنتاج مزيد من الطرز محلياً، فإن ''فولكس واجن''، ونظراءها الكبار، سيتفادون كذلك الرسوم الجمركية في عالم أقل مستوى على الأرجح، فيما يتعلق بالتجارة الحرة.
تستخدم ''نيسان'' أسلوب وحدة قياس مماثل لصناعة السيارات الصغيرة، السيارات الأكثر صعوبة في جني الأرباح بالنسبة لأي شركة لصناعة السيارات، وفيما يتعلق بقاعدتها الجديدة، V ''ﭬي''، فإنها تصنع سيارة ميكرا في مصانعها في الصين، وتايلاند، والهند، والمكسيك. ويمثل حرف ''ﭬي'' تعدد الجوانب والاستعمالات، وستصنع شركة الإنتاج اليابانية نوعين آخرين من هياكل السيارات– ربما سيارة صالون، وناقلة ركاب– في الأماكن ذاتها.
تتيح تقنية وحدات القياس لنيسان أن تضيف محركاً مختلفاً، أو جهازاً لنقل الحركة، أو مؤخرة، بطريقة يشبهها أحد كبار التنفيذيين بلعبة أطفال شعبية. ويقول أندي بالمر، رئيس تخطيط الإنتاج في شركة نيسان: ''استثمرنا في علبة الليجو– مكعبات- الكبيرة. وتعطيك حقيقة أن بإمكانك أن تضع تعديلات أساسية مختلفة معاً درجة من المرونة''. وتتوقع ''نيسان'' أن تنتج على هذه القاعدة أكثر من مليون سيارة سنوياً.
تبدو حجة التكاليف مقنعة، وتغطي أكثر من مجرد كيف وأين تصنع السيارات. وفوق ما توفره ''فورد'' في المشتريات، اقتصدت كذلك في الهندسة والتصميم، بتطوير فوكس المقبلة في مكان واحد– مركزها العالمي لصناعة السيارات الصغيرة في كولون. وبتطوير سيارة متشابهة عالمياً، فستوفر ''فورد كذلك في تكاليف التسويق، حيث إنها ستقلل عدد الرسائل اللازمة لاستخدامها في الترويج للطراز''.
غير أن ثمة مخاطر بالنسبة إلى شركات صناعة السيارات في ابتكار صندوق ليجو- مكعبات-، أشبه بعالم ''وول مارت'' من المنتجات السلعية بشكل متزايد. ومن شأن تشذيب القطعة أو وحدة القياس ذاتها من المورد ذاته، وتمريرها إلى عديد من النماذج، أن يجعل عمليات الاستعادة تصل إلى الملايين، كما حدث لشركة تويوتا التي استعادت أكثر من 12 مليون سيارة خلال العام الماضي. ويقول وولفغانع بيرنهارت، المستشار لدى شركة رولاند بيرغر ستراتيجي كونسالتنت للاستشارات: ''يجب أن تصنع القطعة بشكل صحيح منذ البداية. وإذا واجهت مشكلة في وحدة قياسية، واستخدمتها في جميع سياراتك، فستكون لديك المشكلة ذاتها في كل مكان''.
الخطر الآخر بالنسبة لصناعة تعتمد على إبقاء الزبائن متعلقين هو أن شركات صناعة السيارات ستنتج منتجات عادية ومعيارية سيرفضونها. وتعرضت شركة جنرال موتورز إلى الاستهزاء تماماً خلال ثمانينيات القرن الماضي لقيامها بهندسة الشارة بطريقة جعلت السيارات المختلفة من حيث العلامة التجارية تبدو متشابهة للغاية مع بعضها بعضا من حيث المظهر.
تظهر بعض الإشارات المبدئية لوجود ضغوط في ''فولكس واجن''، في سباقها للوصول إلى قمة الصناعة، وكانت سيارة شكودا، علامة ''القيمة'' التشيكية لشركة فولكس واجن، تضيف مزيدا من المزايا المرتفعة القيمة إلى سياراتها في خطوة يحذر بعض المحللون من أنها قد تقلل من مكانتها في السوق كسيارة رخيصة الثمن، وتبعث على البهجة، وقد تلتهم مبيعات علاماتها التجارية الأم. وفي حين تلقت أودي أيه1 تعليقات صحافية متعاطفة في معظمها، إلا أن بعض النقاد وصفوا السعر المكتوب على البطاقة– نحو 16 ألفا– 25 ألف يورو، اعتماداً على اختيار الزبائن للمزايا بأنه سعر مرتفع لسيارة تشترك في الأساسيات مع سيارة بولو الأرخص ثمناً.
تقول ''فيات'' إنها ستبقى حذرة، حينما تنفذ طموحها لدمج قواعد أجسام السيارات بالتعاون مع ''كرايزلر''، وتريد شركة صناعة السيارات الإيطالية أن تزداد القطع المشتركة في سياراتها إلى نسبة 75 في المائة بحلول عام 2014، من نحو 55- 65 في المائة حالياً، حسبما أظهر افتقار سيارة ستيلو إلى سيارة رباعية الدفع مع ألفا 147، والذي كان لا شيء في الأساس قبل عقد مضى.
ستشكل الهياكل الهندسية الثلاثة نحو 70 في المائة من 6 ملايين سيارة تأمل الشركتان في صنعها بحلول عام 2014. وبالنسبة لمجموعة تصنع كل شيء تقريباً، من سيارة أونو الأساسية، إلى سيارات السباق فيراري، فإن ''فيات'' تقول إنها حذرة للمحافظة على ميزة سياراتها. ويسأل هارالد ويستر، كبير المهندسين في ''فيات''، قبل أن يجيب بالنفي بشكل قاطع: ''هل يعني هذا أنه يجب أن يكون الحساء ذاته للجميع؟''.
يقول ويستر بتحذير سيحتاجه الجميع في قطاع الصناعة: ''يجب أن تتم موازنة الاندفاع نحو زيادة التشابه الذي يأتي من المجتمع الصناعي للشركة، بأشخاص متخصصين في العلامات التجارية، وفي الإنتاج، والذين يجب أن يكونوا مراقبين يقظين للغاية، وحُرّاساً لتوافق، وسلامة المنتجات''.

الأكثر قراءة