شبح إدارة السيولة.. هل يهدد استقرار صناعة المصرفية الإسلامية ؟
مع مطلع العام الجديد يبدأ العمل فعلياً في الهيئة العالمية لإدارة السيولة الإسلامية التي انطلقت قبل أسابيع، وذلك بهدف تجاوز العقبات التي تقف أمام إدارة السيولة في المؤسسات المالية الإسلامية. تأتي تلك الخطوة في وقت يحبس العالم أنفاسه تخوفاً من كوارث مالية جديدة في ظل أزمة شح السيولة التي يعانيها النظام المصرفي التقليدي بشكل كبير، فيما بدأت تطل برأسها في صناعة المصرفية الإسلامية. وفي هذا الإطار خصصت قمة "يوروموني" Euromoney دورتها المقبلة في فبراير 2011 لمناقشة سبل التصدي لأزمة السيولة في الأسواق المالية الإسلامية.
قمة "يوروموني"2011 تبحث أزمة السيولة الإسلامية
يترقب المتعاملون في صناعة المال الإسلامية قمة "يوروموني" Euromoney المقبلة التي ستناقش كيفية التصدي لأزمة السيولة في الأسواق المالية الإسلامية. وذلك من خلال القمة السنوية العاشرة للمالية الإسلامية th10 Annual Islamic Finance Summit التي تستضيفها لندن في 22 فبراير المقبل ولمدة ثلاثة أيام.
ويرى الخبراء أن قمة "يوروموني" تعد فرصة مثالية لاستعراض آراء وأطروحات خبراء تلك الصناعة حول آفاق هذا الشكل التمويلي الذي أثبت جدارته من خلال صموده النسبي أثناء الأزمة العالمية. كما تتضمن القمة جلسة خاصة مفتوحة لمناقشة الفتاوى والأمور الشرعية، حيث يستمع المشاركون إلى الفقهاء وهم يناقشون أحدث الفتاوى الصادرة. في حين سيتم تناول كيفية تأثير انهيار أسعار الموجودات على نمو سوق المالية الإسلامية؛ حيث سيراجع الاقتصاديون ومسؤولو الأجهزة التنظيمية المناخَ الاقتصادي الحالي، والبيئة التنظيمية دائمة التغير التي تؤثر في الأسواق المالية في مختلف أنحاء العالم. يضاف إلى هذا استعراض الجوانب الدقيقة للقوانين التنظيمية والإشرافية للمصرفية الإسلامية، في سياق هذا الإطار الاقتصادي الذي يشهد زخما غير مسبوق.
ومن المنتظر أن تتطرق القمة أيضاً إلى مناقشة المحركات التجارية والعوائق المستقبلية أمام تطور المصرفية الإسلامية من قبل كبار المصرفيين والمختصين في القانون، إلى جانب عدد من اللاعبين الرئيسيين وأصحاب المصالح في تلك الصناعة.
ويأتي اهتمام "يوروموني" بالمصرفية الإسلامية نظراً للأداء المتميز الذي ظهرت به خلال الأزمة العالمية وبعدها، ومن هنا جاء اهتمام المحافل الدولية بمناقشة سبل تطوير تلك الصناعة وتذليل أية صعوبات أو تحديات قد تواجهها. فالأزمة التي ضربت الأسواق المالية العالمية منذ نهاية عام 2007 اختبرت بشكل واقعي الأسس التي تقوم عليها صناعة المصرفية الإسلامية الناشئة. فتداعيات الأزمة المالية كان لها تأثير عميق في الأسواق الرأسمالية العالمية، كما أن صناعة المصرفية الإسلامية لم تمر خلالها دون إصابات. وتهتم قمة "يوروموني" المقبلة ببحث عواقب الصعوبات التي تواجه الصناعة وتؤثر فيها في مختلف أنحاء العالم من خلال إعادة هيكلة الهياكل الإسلامية في حالات التعثر، والتغيرات في التنظيم المالي، لتعكس الحاجة المتزايدة للشفافية فيما يتعلق بأداء تلك الصناعة.
ولم يقتصر الاهتمام بمسألة السيولة الإسلامية على مؤتمر "يوروموني" فحسب؛ فقد خصص المؤتمر الدولي للاقتصاد الإسلامي الذي عقد في الكويت دورته الأخيرة لبحث "البدائل الشرعية لتوفير السيولة وضوابط الائتمان" كما جاء عنوان المؤتمر.
وقد ناقش المؤتمر على مدار يومين أزمة شح السيولة والخرط الذي تمثله على صناعة المصرفية الإسلامية، ولا سيما بعد الأزمة العالمية التي أدت إلى تعثر الموارد المالية حتى بالنسبة لتلك الصناعة التي كانت تفاخر بأنها تعاني أزمة توظيف فوائض السيولة. كما بحث العلماء والباحثون الذين حضروا المؤتمر سبل إيجاد بدائل شرعية مناسبة لتوفير السيولة وإدارتها بشكل فاعل. وشدد المؤتمر على أن إدارة مخاطر السيولة في المصارف الإسلامية تتطلب المحافظة على مستوى متوازن من التدفقات النقدية من خلال توليفة متسقة من الأصول والالتزامات.
وأشار إلى أن صناعة التمويل الإسلامي قادرة على التطور الهيكلي وتنويع المنتجات المالية القادرة على امتصاص السيولة إذا ما أحسنت إدارتها، وليس أدل على ذلك من تخطي إصدارات الصكوك في العام الماضي حاجز 23 مليار دولار مقابل 15 مليارا في العام السابق.
كما طالب الحضور بتطوير المنتجات الإسلامية التي تجد رواجا في منطقة الخليج العربي، وعدم التردد في إلغاء الضعيف منها، مع توفير البديل الأفضل المتوافق مع الشريعة الإسلامية.
ولم تغب مسألة إدارة السيولة الإسلامية عن مؤتمر المصارف الاسلامية الذي عقد في صنعاء. وقد أوصي المؤتمر بإنشاء صندوق سيولة لسداد احتياجات البنوك الإسلامية. وتحت عنوان "صيغ التمويل الإسلامية وتطور المنتجات"، خصص المؤتمر أحد محاوره لمناقشة مشكلات إدارة السيولة والاستثمار في البنوك الإسلامية. وعرض من خلال هذا المحور تجارب محلية وخارجية يمكن تبنيها للمضي قدماً في مواجهة شح السيولة. كما ناقش التمويل الإسلامي للخدمات والمنتجات التمويلية والمصرفية الإسلامية المبتكرة.
توظيف السيولة الفائضة أهم التحديات
من جانبه يقول عزالدين خوجة ـــ الأمين العام للمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الاسلامية ـــ إن إدارة السيولة من الموضوعات الحساسة التي واجهتها المصارف الإسلامية منذ انطلاقتها. وفي فترة من الفترات أصبحت فيها سيولة فائضة برزت الحاجة لتوظيفها. وسواء كانت البنوك تعاني عجزا أو فائضا لا بد أن تكون هناك أدوات لتلبية هذه الاحتياجات، حيث إن البنوك التقليدية على عكس نظيرتها الإسلامية لديها ما يعرف بسوق ما بين البنوك ولديها أدوات السوق النقدي التي يمكن لها من خلالها أن تتداول سيولتها. أما البنوك الإسلامية فالتحدي الذي يواجهها يتمثل في عدم وجود أدوات تحقق هدف إدارة السيولة، وتكون في الوقت ذاته متوافقة مع الشريعة، وتسهم في الدورة الاقتصادية. وهذه النتيجة تم التوصل اليها رقمياً في المجلس العام من خلال دراسات تمت بناءً على معطيات القوائم المالية للبنوك الإسلامية. ويضيف قائلاً: للتقليل من هذا التحدي بادر عديد من الجهات بالبحث عن الحلول، وكان منها حل المرابحة على السلع الدولية، وذلك منذ بدايات انطلاقة الصناعة، لكن هذا العقد مع تطبيقاته، نتجت عنه إشكاليات وعدم انضباط كامل مع المبادئ الشرعية.
تعزيز الهوية الإسلامية
ويعد إنشاء الهيئة العالمية للسيولة الإسلامية من المبادرات المهمة في سياق الخروج من أزمة شح السيولة. ولعل أهميتها تنبع من كونها مؤسسة تسعى إلى تعزيز الهوية الإسلامية للأدوات المصرفية التي يتم تداولها. وتطرح الباحثة خولة فريز النوباني قضية الهوية، مشيرة إلى أن الدول الإسلامية لا تزال بحاجة إلى هويتها الخاصة في التشريعات المالية على وجه التحديد، حيث إن التبعية لا تزال هي المسيطرة. وتلفت إلى أنه لا توجد مبادرة عربية واضحة على الرغم من وجود مباردة مالية إسلامية من الناحية النظرية لا تحتاج إلا إلى تكامل النموذج واختباره عمليا. وتحذر النوباني من حالة الترهل التي تتمثل في عدم وجود صندوق نقد عربي فاعل، ولا بنك للبنوك المركزية، كما أن التأثير العربي في سياسات البنك الدولي محدود، فضلاً عن غياب التشريعات الخاصة بالمصرفية الإسلامية ـــ التي تتبع بكل خضوع كل ما يصدر عن منظمة بازل للتشريعات المصرفية. وقد أفرزت تلك السياسات المالية فئة مستفيدة تضرب عرض الحائط بأخلاقيات السوق.
أما بدر العلي ـــ الرئيس التنفيذي في بيت الاستثمار الخليجي ـــ فيرى أن سوق السيولة الإسلامي خلق أداة جديدة لتداول السيولة الموجودة في السوق، إذ ساعدت صناديق السيولة الاإسلامية على خلق أدوات قصيرة الأجل لتداول السيولة بين البنوك والمؤسسات الإسلامية.
وحول الأدوات الموجودة حالياً في سوق إدارة السيولة في المؤسسات المالية الإسلامية، يقول إن هناك المرابحة والوكالة بالاستثمار، إضافة إلى صناديق السيولة الإسلامية.
غياب القوانين المنظمة
لكن في الوقت ذاته يعترف العلي بأن الأدوات الحالية غير كافية. إلا أن هناك تطويرا كبيرا في هذا الاتجاه. ويرى أن زيادة الشركات التي تعمل في إدارة السيولة في المنطقة تساعد على خلق أدوات جديدة. من جهة أخرى، تنحصر المشكلات التي تواجه إدارة السيولة في عدم وجود قانون لإصدار الصكوك في بعض الدول العربية، ولهذا يلجأ البعض إلى دول أخرى لتوافر هذه القوانين والتشريعات الخاصة بالصكوك، كما أنه يجب خلق سوق ثانوية لتداول الصكوك. أما المشكلة الأخرى، فتتعلق بإصدار الصكوك من ناحية شرعية، إلى جانب أن الطلب أكثر من الأدوات المتوافرة.
من جانبه، يرى الخبير المصرفي عبد الرحمن الجدعان أن قطاع المصرفية الإسلامية لم يسلم من مخاطر الأزمة المالية. وربط هذه المخاطر بقلة السيولة، وطبيعة أنظمة إدارة السيولة، وتراجع أسعار ونوعية الأصول. وأوضح أنه من الممكن تقليل هذه المخاطر بمزيدٍ من الحلول التمويلية المبتكرة وتعزيز الشفافية، وتوفير معايير وأنظمة أكثر قوة في إدارة المخاطر.
ويتوقع المراقبون أن تنجح إدارة السيولة الإسلامية في التوصل إاى أدوات إسلامية بحتة وليست مجرد صبغ الأدوات التقليدية بصبغة شرعية. وفي هذا السياق صدر أخيراً كتاب بعنوان "اقتصاد ابن آوى" للباحثة الإيطالية لووريتا نابليوني، أشارت فيه إلى أهمية التمويل الإسلامي ودوره في إنقاذ الاقتصاد الغربي. ورأت أن التمويل الإسلامي هو القطاع الأكثر ديناميكية في عالم المال. وأوضحت أن البنوك الإسلامية يمكن أن تصبح البديل المناسب للبنوك الغربية، فمع انهيار البورصات في هذه الأيام وأزمة القروض في الولايات المتحدة فإن النظام المصرفي التقليدي بدأ يظهر تصدعا ويحتاج إلى حلول جذرية عميقة. وتتوقع أن تأتي هذه الحلول من خلال النظام المصرفي الإسلامي حال اتخاذه خطوات جدية تأتي في مقدمتها الإدارة الفاعلة للسيولة.