شوارع مكة تنطق بـ 6 لغات حيّة

شوارع مكة تنطق بـ 6 لغات حيّة

لم يمكث رجل الأمن خليل الشمري برتبة عريف خلال وقوفه على أحد الطرقات في مكة المكرّمة، في شارع عبد الله خياط تحديداً، سوى ثوانٍ معدودات لتوجيه أحد الحجاج في العقد الخامس من عمره (أسترالي الجنسية) حين أومأ له بلوحة إرشادية مزروعة في الشارع ذاته, لينطلق بعدها الحاج في تتبع تلك اللوحات المنصوصة بلغته الأم ليصل إلى مسكنه بكل يسر وسهولة، ويستكمل بقية يومياته في الحركة والتنقل بين أحياء مكة المكرّمة وآثارها الإسلامية.
شرع المعنيون بخدمة الحجاج في خطوة جريئة لأن يخاطبوا الحجيج بلغتهم من خلال وضعهم اللوحات الإرشادية لأكثر من ست لغات رسمية (الإنجليزية والتركية والفارسية والأوردو والعربية والمالاوية), توضح فيها مسالك الحجاج في حلهم وترحالهم لمساكنهم أو للمواقع الإسلامية التاريخية التي يقصدونها, حتى بدت شوارع العاصمة المقدسة أشبه بمراكز دولية لتعليم اللغات واستنطاقها.
وتبدو اللوحات الإرشادية هي السبيل الأوحد لمعرفة الأماكن التي يقصدها الحجاج في مكة المكرّمة ويرنون إليها, حيث إن كل حاج أتى إلى البلد المقدس بلغته وتضاريسه التي اعتاد رؤيتها في بلده، بيد أن المشهد برمته يختلف كثيرا في بلد تعددت شعابه وأضحي لا يعرفه على امتداد التاريخ إلا أهله تحت مظلة ''أهل مكة أدرى بشعابها''.
وبحكم أن مكة بتقاطعاتها المتعددة وأزقتها الضيقة كانت على امتداد القرون التاريخية ضحية طبوغرافية جبلية معقدة, فإن معرفة مداخلها ومخارجها على الحاج تعد مهمة صعبة وولادة متعسرة, ولذلك نهج أرباب الطوائف ومؤسسات وشركات الحج وأصحاب الحملات الخاصة، إلى عمل لوحات إرشادية بلغة الحاج تزرع في كل طرقات مكة المكرّمة وأركانها, بغية تسهيل نقاط الوصول والافتراق, للفرد المتصل بمجموعة والمجموعة المتصلة بدائرة, والدائرة المتصلة بمؤسسة حددت مواقعها جغرافيا وزارة الحج في المملكة.
الحاج من مؤسسة مطوفي حجاج جنوب آسيا وصف العملية التقاطعية في العاصمة المقدسة بالميسرة, خلاف ما رُوي له عن طبيعة المدينة أثناء وجوده في بلده, معللا السبب في ذلك إلى بلورة الدائرة التي يتبع لها بإشارات وصفية وموجهة وضعتها مؤسسته على الطرقات وبلغته الأم ''الأوردو'' لتجعله يدور في منظومة مرسومة الخطوات بشكل دقيق تكفل له الحيلولة دون الضياع والتيه, حتى رغم تسوير معصمه بشرائح بيانية فيها تبيان لاسمه ومقر سكنه. إلى ذلك وصفت خديجة مؤمن والتي قدمت إلى مكة قبل 15 عاما أن المشهد المعني باللوحات الإرشادية قد تغيّر رأسا على عقب، وبات السعوديون أكثر حرصا على تهيئة الأجواء الإرشادية وعدم وقوع الحاج في مأزق يجعله يدور في حلقة مفرغة ومتعبة حتى الوصول إلى بغيته من مسكن أو مواقع دينية في مكة المكرّمة.
منظر اللوحات الإرشادية في العاصمة المقدسة بدا من أول وهلة وكأنه استقبال كرنفالي لبطولة عالمية بالنظر إلى حجم اللوحات والأعلام المنتشرة حول جنبات الطرق في مكة المكرّمة لكل قارات العالم الخمس, فاجتمع في شارع واحد العربي بالأوروبي, بالشرق آسيوي, بالإفريقي, باللاتيني, وكأنهم جميعا مصفوفة متسقة ومزخرفة أبدعتها ريشة رسام في لوحة تمازجية لا تحدث إلا في بلد واحد ومدينة واحدة وهي مكة المكرّمة''.
الحاج علي العجمي من الكويت، قال ''إنه يشعر بأنه طاف العالم بأسره وتعلم أسارير عن بلدان من خلال تعمقه في مشاهدة اللوحات الإرشادية وأعلام الدول واللغات المختلفة التي تحويها حتى بات على مقربة لصيقة من تمييز كل البلدان بكل الأعراق، وحثه ذلك من باب التواصل الأخوي مع المسلمين من جهة والفضول الجغرافي من جهة أخرى، على تكوين قاعدة صلبة ثقافية يستند إليها وينهل من معينها المعرفي.

الأكثر قراءة