الشركات والإعلام الاجتماعي .. التجربة الأكثر تميزا (3)
أسهم إطلاق عدد من المعايير لقياس أثر ونجاح حملات الترويج عبر الإعلام الاجتماعي Social Media (المعتمد على مواقع الشبكات الاجتماعية على الإنترنت مثل فيسبوك وغيره) في تحديد الشركات المميزة في هذا المجال، وصدر على هذا الأساس تقييم لأكثر الشركات الأمريكية تميزا في مجال التفاعل عبر الإعلام الاجتماعي Social Media Engagement، وذلك بعد دراسة لأكبر 100 شركة أمريكية صدرت عام 2009.
وكنت قد تحدثت الأسبوع الماضي عن هذه المقاييس وكيف أمكن ربطها بشكل مباشر بأداء الشركات المالي, وذلك عبر دراسة علمية أمريكية مهمة.
في هذا الأسبوع سأستعرض تجربتين مميزتين لشركتي ستاربكس وتويوتا، بينما أستعرض الأسبوع المقبل تجربتي ساب SAB وديل Dell، وهما الشركات الأربع التي اعتبرت الأكثر تميزا في أمريكا في مجال الإعلام الاجتماعي، مع ملاحظة أن تميز هذه الشركات في أمريكا في هذا المجال لا يعني أن الأمر نفسه ينطبق على فروعها في الشرق الأوسط أو المملكة.
تعتبر تجربة «ستاربكس» استثنائية لأن هناك فشلا عاما بين شركات الأغذية في تحقيق النجاح على مستوى الإعلام الاجتماعي، كما أن الشركات التي تقوم على المحال التجارية هي أضعف عادة في شركات التكنولوجيا والإعلام في التواصل الاجتماعي، لكن «ستاربكس» حولت نفسها عبر الإعلام الاجتماعي إلى علامة تجارية مرتبطة بالترفيه والتسلية وليس مشروب القهوة، واستطاعت كذلك أن تنشط عبر عدد ضخم من قنوات التواصل الاجتماعي المهمة (11 قناة).
كانت البداية بالنسبة لـ «ستاربكس» تأسيس موقع لطرح الأفكار الخاصة بتطوير الشركة وما تقدمه في محالها من قبل الجمهور. الموقع www.mystarbucksidea.com يحمل فكرة بسيطة، الجمهور وحتى موظفي «ستاربكس» في مختلف أنحاء العالم يمكنه أن يأتي للموقع، يكتب فكرة وينشرها في الموقع، والقراء يمكنهم التصويت على الفكرة سلبا وإيجابا، كما يمكنه التعليق على الفكرة، والتفاعل معها. في قسم آخر من الموقع ستجد الأفكار التي طبقتها شركة ستاربكس بناء على أفكار الجمهور.
لكن تطبيق فكرة الموقع على المستوى الداخلي لم يكن سهلا، لأن التفاعل مع الاقتراحات معناه إيجاد آلية للتطور السريع في الشركة، وهذا ما حصل فعلا، فضمن عملية التحضير للموقع، تم تعيين مسؤول في كل إدارة للتفاعل مع الاقتراحات (50 مسؤولا في 50 إدارة)، والمساهمة في إحداث التغيير في الشركة على أساس تلك الاقتراحات، التي تفاوتت من أسلوب جديد في التعامل مع الزبائن إلى منتجات جديدة إلى أقل الأشياء التي يمكن أن تطبق في محل ما.
بهذا الشكل، حولت «ستاربكس» نفسها إلى بيئة ديناميكية يغيرها الجمهور عبر الإعلام الاجتماعي، وهذا ما جعلها تحصل على أعلى تقييم، لأن هذا الإنجاز يعتبر قمة ما يمكن أن يحلم الخبراء بتحقيقه من خلال الإعلام الاجتماعي عموما.
الفريق الصغير المكون من ستة أشخاص في «ستاربكس» والمسؤول عن الإعلام الاجتماعي لم يكتف بهذا الإنجاز عام 2008, بل انتقل بعدها إلى موقع فيسبوك ليتفاهم مع شخص كان قد أسس موقعا لـ «ستاربكس» تحت عنوان www.facebook.com/starbucks, الذي كان عليه نحو 200 ألف عضو، وبدأ بإدارة الموقع بشكل مباشر، ليصبح عدد الأعضاء اليوم أكثر من 16 مليون عضو، يتفاعلون بشكل مباشر مع شركتهم المفضلة، وكانت من أجمل النتائج التي حققتها هذه التجربة أن الناس صارت تجد لديها الشجاعة لتتحدث وتتواصل عن حبها للشركة ومنتجاتها وعلامتها التجارية وتجربتها الإيجابية معها، ومجرد خلق آلية لمثل هذا التواصل كان حلما شبه مستحيل قبل ظهور الإعلام الاجتماعي.
القناة الخاصة بـ «ستاربكس» على «تويتر» كانت لديها مهمة أخرى مختلفة تماما، حيث يوجد هناك من يرد عليك بشكل مباشر وسريع على أي أسئلة أو استفسارات أو شكاوى، كما يتابع عشرات الآلاف من المشتركين في قناة ستاربكس للأخبار السريعة والعاجلة والجديدة ذات العلاقة بالشركة.
تجربة «تويوتا» في أمريكا مختلفة، وبدأت في 2008 لتنطلق بنجاح، ولتساعد الشركة في أزمتها التي مرت بها خلال هذا العام وأثرت فيها تأثيرا حادا. «تويوتا» من جهتها انطلقت من «يوتيوب» ثم «تويتر» بفريق من ثلاثة أشخاص للإعلام الاجتماعي. كانت الفكرة نفسها وهي وضع الشركة على استعداد كامل للتغيير على أساس التفاعل الذي يأتي من الجمهور. الفرق مع «تويوتا» أنها لم تعتمد مثل «ستاربكس» على فريق مركزي لإدارة التفاعل, بل حاولت أن تجعل عددا كبيرا من الموظفين في الشركة جزءا من التفاعل مع الجمهور والعلاقة معهم، وإذا كان هذا يعني أحيانا وجود عدم تركيز في الرسالة التي تصل إلى الجمهور، فإنها من جهة أخرى خلقت تواصلا مباشرا بين الإدارات والعلامات التجارية و«تويوتا». الأمر الآخر الذي قامت به الشركة هو العمل بشكل مكثف مع كل المدونين ومواقع الجمهور التي تكتب عن «تويوتا» وتزويدهم بالمعلومات اللازمة والتواصل مباشر، تماما كما تفعل الشركات الذكية مع الإعلاميين والصحافيين.