كلية الاتصالات والمعلومات تفتح آفاقا للصم والبكم والمكفوفين
عندما تقبل في قسم التقنية الخاصة في كلية الاتصالات والمعلومات في الرياض، فإنك تشاهد مجموعة من المتدربين المملوئين بالحماس والتحدي ينتشرون في ساحات القسم يتحدثون فيما بينهم بلغة الإشارة, ويتناقشون في موادهم العلمية وجداولهم الدراسية بكل اهتمام، ويتبادلون المذكرات والكتب شأنهم شأن زملائهم الآخرين في بقية أقسام الكلية.
هؤلاء المتدربون الذين جاءوا من مناطق مختلفة من المملكة يحملون طموحات متعددة، فمنهم من يرغب في مواصلة دراسته في الخارج, ومنهم من يبحث عن مركز قيادي، وآخرون لا يرغبون في التوقف عن التحصيل العلمي، وجميعهم متفقون على أنهم طموحون.
يعتبر القائمون على الكلية أن قسم التقنية الخاصة, الذي يؤهل الصم والبكم والمكفوفين للحصول على الشهادة الجامعية المتوسطة في مجالات تقنية دقيقة تحتاج إليها سوق العمل، مصدر "خير وبركة" للكلية، فالفئة التي تنتمي إليه فئة محرومة من نعمة النطق والسمع والبصر، كما أن هذا القسم يحظى باهتمام خاص من محافظ المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني.
#2#
يقول المهندس عبد العزيز الزعاقي عميد الكلية "لا شك في أن القسم أتاح فرصة كبيرة لهذه الفئة, لمواصلة تعليمهم في أفضل التخصصات، فالكلية تعتبر الوحيدة على مستوى الوطن العربي التي منحت للصم والمكفوفين مواصلة دراساتهم العليا". ويضيف "تم فتح المجال للمتدربين الصم لإكمال دراستهم الجامعية في الكلية عبر برنامج التطبيقات المكتبية للمعوقين سمعياً مع بداية الفصل التدريبي الأول من عام 1425/1426هـ، تنفيذاً للأمر السامي الكريم القاضي بإتاحة الفرصة للطلاب الصم لإكمال دراستهم الجامعية، فبعد صدور الأمر السامي شُكلت لجنة مكونة من كل من المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني والأمانة العامة للتربية الخاصة في وزارة التربية والتعليم وقسم التربية الخاصة في جامعة الملك سعود لاعتماد معايير قبول المتدربين وإعداد الخطة الدراسية التي تم اعتمادها من قبل مجلس الكليات التقنية، وافتتح القسم رسميا الدكتور علي بن ناصر الغفيص محافظ المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني يوم الثلاثاء 28/8/1425هـ، بحضور الدكتور ناصر بن علي الموسى المشرف العام على التربية الخاصة في وزارة التربية والتعليم".
ويرى المتدربون في القسم أنهم محظوظون بقبولهم في الكلية، وسعداء للغاية بالتحاقهم بتخصصات دقيقة تجد قبولا لدى القطاعات كافة، ولديهم قناعة بأن توظيفهم سيكون وفقا لتأهيلهم وليس لاعتبارات عاطفية.
ويتساءل المتدربون عن عدم التوسع في القبول، مشيرين إلى أن أعدادا كبيرة من أصدقائهم يتمنون الالتحاق بالكلية, لكنهم لم يجدوا فرصة بسبب محدودية العدد.
يقول المتدرب عبد الله العنزي (21 سنة) الذي قدم من محافظة طريف شمالي السعودية" أنا محظوظ بين زملائي كوني أجد فرصة أكبر للتدرب خارج أوقات الدراسة في الكلية، بسبب ظروفي المادية والاجتماعية الجيدة، وهذا حقق لي التميز وارتياحا كبيرا لتخصصي". وأضاف "بيئة الدراسة في الكلية ممتازة, واستفدت كثيرا من التدريب فيها، أنا حاليا في السنة الأخيرة، وسأواصل دراستي ـ بإذن الله ـ في أمريكا، لم أجد ملاحظة على الكلية، إلا أنها لا تقبل الكثير مثل حالتي، ربما لأسباب تتعلق بالطاقة الاستيعابية، لكن القائمين على المؤسسة والكلية يشكرون, فهم الذين حققوا طموحي، فلا توجد فرصة لدينا للتعلم في المرحلة الجامعية".
وينظر زميله في القسم نواف التويم (19 سنة), وهو حديث العهد بالكلية, إلى أن مستقبله الوظيفي أصبح أكثر أمانا، ويرى أن "العمل ينتظره" وإن لم يتحقق له ذلك فإنه سيواصل دراسته في الخارج.
#4#
وهنا يؤكد المهندس عبد العزيز الزعاقي أن 70 في المائة على الأقل من خريجي قسم التقنية الخاصة يحصلون على وظائف فور تخرجهم، وأن مخرجات الكلية تحظى بالقبول لدى قطاع الأعمال، "كون المتدربين منتمين لتخصصات حيوية". وقال" إننا نهدف إلى إعداد خريجي الثانوية العامة للالتحاق بسوق العمل بعد أن نضمن تأهيلهم في تخصصات الاتصالات والمعلومات، فالزمن الآن للتقنية والمعلومات، والمستقبل أكثر تركيزا على هذا العلم".
ويعتقد نواف التويم أنه "محظوظ للغاية" كونه تقدم للكلية ثلاث مرات ولم يحظ بالقبول، إلا أن رغبته القوية في الدراسة فيها جعلته يكرر التقدم للكلية حتى تم قبوله والتحاقه بها، يقول نواف "نسبة قبولنا ضعيفة جدا، أنا تقدمت للكلية ثلاث مرات ولم أقبل، وحاولت حتى تم قبولي في المرة الرابعة، ما يزعجني هو زملائي وأصدقائي الذين لم يقبلوا".
#5#
ويؤكد العميد أن هناك رغبة في التوسع في قبول ذوي الإعاقة، لكن قلة المدربين المتخصصين في هذا النوع من التدريب تقف عائقا أمام تحقيق الهدف، وقال" نعلم الرغبة القوية لدى الكثيرين في الالتحاق بالكلية، ونسعى إلى تحقيقها، لكننا نواجه معوقات تتعلق بالمدربين، فلدينا الإمكانات والدعم الكبير من المحافظ، ويعوقنا عدم وجود مدربين يجمعون بين "التخصص ولغة التعامل مع هؤلاء المتدربين"، لأن تخصصاتنا دقيقة وتحتاج إلى أناس مؤهلين جيدا، كما أننا نحتاج إلى التفاعل من قبل القطاع الخاص في تبني برامج ومبادرات وطنية وإنسانية تجاه هذه الفئة"، داعيا قطاعات العمل المتخصصة إلى الاطلاع على إمكانية المتدربين, وتبني برامج دعم تدريب وتوظيف لهم.
وأشار عميد الكلية إلى أنه سبق أن دعمت شركة الاتصالات السعودية هذه الفئة من خلال برنامج "وفاء", الذي أسهم في تدريب وتوظيف عدد كبير من المعوقين وحقق نجاحا كبيرا .. وقال" نتطلع إلى برامج مماثلة مع المنشآت السعودية". وذكر أن صعوبة تدريب الصم في القسم تكمن في إيجاد الكوادر البشرية الكافية، وقال "في كل فصل تدريبي يتم استقبال أكثر من 250 طلبا للالتحاق ولا يقبل سوى 55 على الحد الأقصى .. والسبب أنه لا توجد كفاءات تدريبية ملائمة لأعداد المتقدمين، ففي القسم قرابة 16 مدربا وثلاثة مترجمين فقط لأكثر من ثمانية مناهج معتمدة في الخطط التدريبية، وهذا عدد لا يكفي، إضافة إلا ندرة المترجمين المعتمدين الاحترافيين .
ويتفق أحمد آل عسكر(على وشك التخرج في قسم التطبيقات المكتبية وصيانة الحاسب لمعوقين سمعيا)، مع زميليه العنزي والتويم على أن انضمامه إلى الكلية سيغير مسار حياته العملية وينقله إلى "الأفضل" علميا وماديا واجتماعيا، يتحدث آل عسكر وهو يقوم بالتدرب على صيانة حاسب آلي معطل" حاليا أنظر إلى مستقبلي على أنه جيد، صحيح أنه يكتنفه بعض الغموض فيما يتعلق بإكمال دراستي والحصول على درجة البكالوريوس، لكنني ضمنت في يدي مهنة لا يجيدها كثير من السعوديين".
ويضيف" عند قدومي من الخرج والتحاقي بالكلية كنت متخوفا من ألا أنسجم مع الدراسة، وشعرت بأن هناك فرقا شاسعا بين الثانوية والكلية، لكنني ارتحت عندما وجدت أن القائمين على القسم والمدربين يجيدون التحدث معنا بلغة الإشارة بطلاقة، ويستخدم فيها شرح المواد العملية والنظرية بطريقة ممتازة عكس الثانوية".
يقول آل عسكر عن الصعوبات التي تواجهه "الكلية تبذل كل جهد في توفير متطلباتنا، لكننا نجد صعوبة في التواصل مع باقي أقسام الكلية.. لماذا لا يتم تدريب عدد من العاملين في أقسام التوجيه والإرشاد والقبول على لغة الإشارة؟".
من جهته، يتمنى عبد المجيد الحكمي (20 سنة، ويدرس حاليا في السنة الثانية وهو من أبناء جازان), أن يعمم القسم الذي يدرس فيه على الجامعات كافة، وقال "نظرا لمحبتي للعلم ورغبة في مواصلة تعليمي، اتجهت إلى قسم التقنية الخاصة بكلية الاتصالات والمعلومات، فهو القسم الوحيد الذي يتيح لي هذه الفرصة، لقد وجدت بيئة عمل رائعة، لكنني لاحظت أن هناك قلة في المترجمين والمتخصصين في مجال تربية وتعليم الصم سواء في الكلية أو غيرها من الجهات الأخرى، نحن نرغب في نشر لغة الإشارة, لأنها الوحيدة التي تتيح لنا التعلم والاستفادة .. والذين يتقنونها قليلون جدا".
وأكد الحكمي أن قدراته تتوافق مع متطلبات الكلية "إنني أجد توافقا كبيرا بين قدراتي ومتطلبات القسم الذي أدرس فيه، ما عدا اللغة العربية المنطوقة أتمنى تحسينها وتطويرها".
#3#
من جانبه، يشير محمد الحسن رئيس القسم المكلف إلى أن مجالات العمل للخريجين من قسم التقنية الخاصة هي (صيانة الحاسب الآلي، إدارة مكتبية، معالجة نصوص، وسكرتير)، ويتلقى المتدرب علوم الثقافة الإسلامية واللغة العربية والحاسب الآلي والرياضيات واللغة الإنجليزية والسلوك الوظيفي.
وعن صعوبة تدريب المكفوفين والصم، بيّن الحسن أنه لا توجد أي صعوبة في ذلك، "لأن الصم وقدراتهم العقلية والجسدية والذهنية لا تختلف أبدا عن أقرانهم السامعين، فالبعض يعتقد أن الصم ليسوا كأقرانهم السامعين، لكن الدراسات والتجارب الدولية أثبتت العكس، فالأصم تماماً كغيره من أقرانه، إلا أنهم يختلفون عنه بأنهم يسمعون ويتكلمون والأصم أصم ويؤشر، فمتى ما هيئت لهم البيئة الصحيحة وأسلوب التدريس الصحيح أصبح الأصم كغيره من الأسوياء".
وأوضح أنه تم تصميم هذا البرنامج بما يوافق الاحتياجات التدريبية في سوق العمل المحلية لفئة الصم وذلك بالاعتماد على معيارين مهنيين، هما المعيار المهني الوطني لإخصائي تقنية التطبيقات المكتبية والسكرتارية والمعيار المهني الوطني لصيانة الحاسب، ويتضمن التدريب في هذا البرنامج إعطاء المتدرب جرعة مكثفة في المهارات اللغوية العربية (القراءة والكتابة) على اعتبارها لغة ثانية، إضافة إلى المهارات الأساسية العامة في اللغة الإنجليزية والرياضيات وأساليب الاتصال الإنساني والتعامل مع الآخرين.
كما يشمل التدريب على المهارات الأساسية والتخصصية في الكتابة بواسطة لوحة المفاتيح العربية والإنجليزية والتطبيقات المكتبية على الحاسب ونظام التشغيل, إضافة إلى المهارات التخصصية المتعلقة بتجميع وتهيئة جهاز الحاسب وعمل الصيانة اللازمة له، ويتم التدريب على مستوى كليات التقنية وذلك في 1573 ساعة تدريبية, إضافة إلى 420 ساعة تدريب في سوق العمل.