باحث في الاقتصاد: التأمين الإسلامي «ملفّق»

باحث في الاقتصاد: التأمين الإسلامي «ملفّق»
باحث في الاقتصاد: التأمين الإسلامي «ملفّق»

أكد الدكتور عبد الرحيم عبد الحميد الساعاتي الباحث في مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، أن التعامل فيما يسمى «التأمين التعاوني الإسلامي» تأمين تجاري بكل مزايا وخصائص التأمين التجاري، أو كما أسماه «التأمين الإسلامي المركب».
وعرض الدكتور الساعاتي بعض الدلائل على أن «التأمين التعاوني» يحمل مزايا التأمين التجاري نفسها، مشيرا إلى أنه تم استخدم الهندسة المالية في تصميم شركة التأمين الإسلامية لتكون شركة تأمين تعاونية, لكنها في الوقت نفسه تكون شركة تجارية ربحية تقوم بالاتجار في المخاطر ونقلها بعوض، وهي الوظيفة نفسها التي تقوم بها شركات التأمين التجارية التقليدية ولكن لكي تنطبق عليها الفتاوى الشرعية التي تجيز التأمين التعاوني باستخدام الوسائل والحيل.
وأفاد الدكتور الساعاتي في دراسة بحثية حول إدارة الغرر في التأمين الإسلامي، بأن توزيع جزء من الفائض التأميني ليس من الخصائص المميزة لشركات التأمين الإسلامية، وإنما تقوم به أحيانا شركات التأمين التجارية التقليدية، وطريقة توزيع الفائض في شركات التأمين الإسلامية هي الطريقة نفسها التي تتعامل بها شركات التأمين التجارية، وهذا يثبت عدم الاختلاف الكبير بينهما.
وقال الدكتور الساعاتي شركات التأمين الإسلامي شركات تجارية تهدف إلى تحقيق الربح على اعتبار أن شركات التأمين الإسلامية وبحكم نظام تأسيسها، هي شركات تجارية تهدف إلى تحقيق الأرباح لحملة أسهمها، ونشاطها الرئيسي هو تجميع الأخطار ونقلها عن المستأمنين بقسط (نقل المخاطر بعوض مالي) كوسيلة لتحقيق الأرباح، وبالتالي سوف لا يكون من وظائفها دعم تكلفة الأخطار كما في التأمين الحكومي، لأنه يخالف مبدأ تحقيق أقصى الأرباح، ولا المشاركة في تحمل الخطر كما في التأمين التعاوني.
الأمر الثاني تقوم شركات التأمين بوظيفة نقل المخاطر بعوض وليس المشاركة في المخاطر، ولا يجيز نظام شركات التأمين الإسلامية أن يشترك المستأمنون في ملكية الشركة، وبذلك سوف لن يشترك حملة الأسهم مع المستأمنين في تحمل تكلفة الأخطار المؤمن عليها، وبذلك لن يكون أساس التأمين هو المشاركة في تكلفة الأخطار (التعاون في تحمل الخطر) كما في شركات التأمين التعاونية التي أجمع الفقهاء على جوازها.
الأمر الثالث تتحمل شركات التأمين الإسلامية مخاطر أقل وتحقق مكاسب أكبر من شركات التأمين التجارية، حيث صممت شركات التأمين الإسلامية لتحمل مخاطر أقل من شركات التأمين التجارية ومكاسب أعلى، ففي حالة عدم كفاية أقساط التأمين والاحتياطيات لدفع تعويضات الخسائر، تقوم شركات التأمين التجاري بدفع تلك الخسائر من رأسمالها واحتياطياتها، بينما تقوم شركات التأمين الإسلامية بتحميل حساب المستأمنين تلك الخسائر وذلك بإقراض مبلغ الخسائر لحساب المستأمنين ثم استرجاع ذلك القرض لاحقا، كما أن شركة التأمين الإسلامية تقوم باستثمار أقساط التأمين بصيغة المضاربة فتشارك في الغنم ولا تشارك في الغرم بينما شركات التأمين التجارية تقوم باستثمار الأقساط وتتحمل غرم وغنم ذلك الاستثمار.

#2#

وذكر الدكتور الساعاتي أن الهندسة المالية استخدمت في بناء النموذج حتى تنطبق عليها فتاوى التأمين التعاوني، استخدمت الهندسة المالية في تصميم شركة التأمين الإسلامية لتكون شركة تأمين تعاونية, لكنها في الوقت نفسه تكون شركة تجارية ربحية تقوم بالاتجار في المخاطر ونقلها بعوض، وهي الوظيفة نفسها التي تقوم بها شركات التأمين التجارية التقليدية ولكن لكي تنطبق عليها الفتاوى الشرعية التي تجيز التأمين التعاوني استخدمت الوسائل والحيل والتي منها:
ــ إخراج عقد التأمين من كونه عقد معاوضة مالية لا يجوز فيها الغرر الفاحش إلى عقد تبرع وإرفاق، حيث ورد عن جمع من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر، لكن أفتى المالكية أن جميع عقود التبرعات لا يؤثر الغرر في صحتها، وكذلك أفتى ابن تيمية في الفتاوى، لذلك نص نظام الشركة أن القسط المدفوع للتأمين يكون على سبيل التبرع، فعليه تكون الأقساط تبرعا من المستأمن فلا يعتبر في المعاملة الغرر الفاحش.

ــ وحيث إن الشركة هي شركة ربحية غير مستحقة للتبرع، فقد أوجد الشركة شخصية اعتبارية افتراضية باسم (حسابات التأمين)، وهو مجموع أرصدة أقساط التأمين ويظهر في جانب الخصوم من ميزانية الشركة، وحساب التأمين موجود في ميزانية كل شركات التأمين التجارية، وهذا الحساب ليس له كيان قانوني يمكنه من القيام بالوظائف الموكلة إليه ومنها (قبول المستأمن عضوا في هيئة المشتركين وإلزامه بدفع مبلغ مقطوع (قسط التأمين) على سبيل التبرع به وبعوائده لمصلحة حساب التأمين)، ولا يمكن أن تقبل الدولة التزام هذا الحساب بدفع التعويضات للمستأمن، وهي حيلة ظاهرة حيث من يقبض أقساط التأمين هو الشركة، وتظهر تلك الأموال في ميزانيتها ضمن خصومها أي التزامها تجاه الغير، كما أن من يلتزم بالتعويض هو الشركة، وفي حالة أي خلاف يقاضى المستأمن الشركة وليس الحساب أو مجموع المستأمنين.
وحول مبرر صيغ التأمين الإسلامي المركب: قال الباحث إن كانت الصيغة القائمة على نقل الخطر بعوض في التأمين التجاري انتشرت في الغرب ليست لأنها الأفضل بل بسبب تطور ثقافة الغرب تجاه القمار، حيث أصبح القمار إلى جانب الربا أساس النظام المالي الغربي، فلا يوجد مبرر للنظام المالي الإسلامي للهرولة وراء النظام المالي الغربي ومتابعته حذو القذة بالقذة وتطويع النصوص وليها واتباع الحيل للتغير الشكلي للعقود الغربية المحرمة في الوقت الذي أجمعت الأمة الإسلامية على أن الربا والقمار من الخطوط الحمراء التي لا يمكن قبول تخطيها، وليس أدل على ذلك تعثر شركات التأمين الإسلامي وعدم نجاحها في التغلغل في المجتمعات الإسلامية وفي النظام المالي الدولي مقارنة بالصيرفة الإسلامية.
يمكن الاستفادة من صيغ التأمين التعاوني التقليدي لأن الصفة المشتركة لجميع الصيغ التقليدية المبنية على المشاركة في تحمل تكلفة الأخطار هي أن مجموع المستأمنين هم الذين يقومون بالتأمين على كل مستأمن فيتعاونون على تحمل الأخطار التي تحل بأي واحد منهم ولا يهدفون إلى تحقيق الربحية كان يمكن أن يستفاد منها في بناء نظام تأمين إسلامي قائم على المشاركة في تحمل المخاطر وليس الاتجار بها. ويمكن أن تكون منخفضة الغرر وتستجيب للضوابط الشرعية للتأمين من دون حيل ،ولكن هذه الصيغة أقل ربحية من رؤوس الأموال اللاهثة وراء الأرباح المرتفعة في المنتجات المالية المذبوحة على الطريقة الإسلامية.
ولفت الدكتور الساعاتي إلى أن معظم المعايير الشرعية للتأمين الإسلامي لا تتوافر على التأمين الإسلامي المركب، حيث إن جميع شركات التأمين الإسلامية تقريبا هي شركات تؤسس على أسس تجارية تهدف إلى ممارسة نشاط ربحي وليس خيريا وذلك بهدف تحقيق الأرباح للمساهمين فيها، إذ ليس هدف الشركة تحقيق التعاون هدفا أصيلا، بل هو وسيلة لتحقيق الأرباح، وهذا يسقط المعيار الأول من المعايير الشرعية للتأمين الإسلامي. وحيث إن تحقيق الأرباح هدف أصيل، يجعل عقد التأمين عقد معاوضة مالية ذات غرر فاحش، وهذا يسقط المعيار الثاني من المعايير الشرعية.
ويرى الدكتور الساعاتي أن طرفي العقد في عقد التأمين الإسلامي ليسا واحدا، فشركة التأمين كيان قانوني له ذمة مالية وتؤسس بموجب نظام الشركات التجارية ونظامها يسمح لها بتسلم أقساط التأمين مقابل التزامها بدفع التعويضات إذا استحقت، والمستأمنون هم أفراد أو مؤسسات يقومون بالتوقيع على عقود التأمين بصفتهم الشخصية ويلتزمون بدفع قسط التأمين مقابل التزام الشركة وليس مجموع المستأمنين بتعويضهم، وهو ما يسقط المعيار الثالث.
وأضاف قائلا: «في حالة النزاع يقاضي المستأمن شركة التأمين، وليس مجموع المستأمنين الذين ليس لهم صفة قانونية أو شخصية اعتبارية، ولا عبرة بادعاء الشركة بفصل حسابات المستأمنين واعتبارها شخصية افتراضية لها صفة قانونية وهذا يسقط المعيار الثالث القاضي بأن يكون المستأمن هو المؤمن ويكشف زيف الشخصية الافتراضية التي تمثل المستأمنين (حساب التأمين).

الأكثر قراءة