المفهوم الحديث لإدارة الابتكار
أوضح المهندس أسامة غانم المدير التنفيذي لشركة الابتكار العربية «أنوفيبيا»، أن عالم الاختراعات والابتكارات طويل وقديم. وقد تتداخل تعاريف كل من الاختراع والابتكار بشكل كبير وبشكل غير صحيح، فالاختراعات بشكل عام تمتاز بكونها جوهرية وكثير منها كان مبادرات فردية من أشخاص نبغوا في مجالهم وأحدثوا تغييرات في خريطة مجال ما أو علم ما.
وأضاف أنه مع تقدم وتطور العلوم على مدى قرن أصبح هناك القليل مما نستطيع أن نسميه اختراعا بالمعني الذي ذكرناه سابقا, وأصبح للابتكار دور أوضح في ممارسات وأعمال المؤسسات والشركات في العالم، وقد قلت بشكل كبير الاختراعات الفردية, وأصبح لمجموعة أفراد المؤسسات الدور الأساسي في عملية الابتكار بدلا من الفردية المطلقة.
وأفاد غانم بأن الابتكار قد يكون من أفراد، إلا أننا هنا نركز على الابتكار المؤسسي الذي يمارس ويتم تبنيه والاستفادة منه في المؤسسات بشكل جماعي عموما، ونترك مواضيع الاختراع والإبداع الفردي والأمور المتعلقة بالموهبة لذوي الاختصاص، ونبقى على تقديرنا لهذه الفئة لأنها أساس لجيل يسهم مستقبلا في الابتكار في المؤسسات.
وأضاف أنه ومع تعقيد العلوم والمعرفة وتزايد ترابطها أصبح من الضروري أن يتم تنظيم عملية الابتكار في المؤسسات لضمان أنها تحدث دائما ولا تترك للصدفة والاجتهادات، وهذا ما نشهده منذ عقد أو أكثر قليلا, حيث أصبحت هناك تجارب ودراسات تقدم نظرة وحلولا علمية لجعل الابتكار منهجيا ومؤسسيا بشكل فعال من خلال مفاهيم إدارة الابتكار: فالابتكار التقليدي القديم: اجتهادي وعشوائي، يحدث أحيانا وقد يكون في الوقت الذي لا نريده، يحدث حيث قد لا نريد، بينما الابتكار المؤسسي الحديث: ابتكار منهجي مقصود، ابتكار موجه بعناية ومتوافق مع الاستراتيجية العليا للشركة، يحدث دائما ويستفاد منه في الجرعات والتوقيت المناسبين، يشارك فيه أكبر عدد من القوى العاملة للشركة.
ولفت إلى أن هناك أخطاء شائعة في موضوع الابتكار وأنه حصر على جهات معينة داخل المؤسسة - ومن أكثر هذه الأخطاء أنه فقط للمديرين وخاصة المدير الأعلى صاحب الحق والمقدرة على الابتكار وهذا لأن مسؤوليته إدارة دفة الشركة وتحمل المسؤولية، مبينا أن هذا مفهوم غير صحيح, حيث إن الابتكار يبدأ من فكرة وليس بالضرورة أن يكون المدير بشخصه الوحيد الذي سيتم إلهامه بالفكرة ولذلك يجب أن تكون هناك مشاركة أكبر في المؤسسة ممن قد تكون لهم أفكار مهمة نحو جانب ابتكاري ما مهما كان موقع هذا الشخص في المؤسسة.
تحديد مساحة الابتكار
وأشار إلى أن من أهم جوانب الابتكار المؤسسي إدارة الأفكار وتقديم حلقة ابتكار متسلسلة بشكل منهجي- تسبق هذه المرحلة مرحلة تحديد طرق تحفيز إيجاد الأفكار، ونقسم الابتكار للنوع الأول: ابتكار لأمر معروف ومحدد بمعنى أننا نعرف الأمر الذي نريده مثل: إيجاد منتج أو خدمة جديدة أو إيجاد طريقة جديدة لتطوير أو تقديم منتج أو خدمة، والنوع الثاني: ابتكار لأمر ليس محددا وغير معروف وهذا يدخل في خانة العمل الدائم غير محدد الطبيعة أو المدة, وهو يعتمد على إيجاد فكرة, ونحن لسنا في بحث عنها - الفكرة قد تقفز أمام الشخص في حدث ما, وتمر دون سابق تخطيط، فالنوع الأول من الابتكار له طرقه وله أساليبه للتعامل معه وكذلك النوع الثاني.
وأوضح أن النوع الثاني من الابتكار ضروري للمؤسسة دائما لأنه يوفر بنكا كبيرا من المعلومات تحتاج إليها المؤسسة عندما تطرأ حالة تحتاج إلى الابتكار من النوع لأول والسبب أنه عندما تكون المؤسسة في حالة ابتكار من النوع الأول تكون الأمور بطبيعتها في عجلة والزمن له قيمة وبالتالي الوقت المتوافر للتفكير في أفكار جديدة قليل جدا ولكن إذا كان هناك النوع الثاني من الابتكار فإنه من الممكن وليس بالضرورة أن تكون هناك أفكار متعلقة بالموضوع وبالتالي تخدم الهدف أكثر.
وهناك سبب آخر وهو أننا في بيئة الابتكار نحتاج أولا إلى خلق الحوافز للمعنيين للحرص على التقاط الأفكار التي تقفز أمامهم وقد يكون تحفيزهم كي يبذلوا القليل من الجهد للتفكير لإيجاد فكرة ما، ويسبق بتحفيز بالنسبة للموارد البشرية أن يتم تدريبهم على التوعية بأهمية وكيفية التعامل مع الأفكار بما فيها تثقيفهم بما يعود عليهم بالمشاركة في طرح الأفكار، فإن الابتكار ليس بالشيء الاختياري حيث أصبح جزءا محوريا في أداء المديرين وبعض الاختصاصات، كما يجب على المؤسسة المبتكرة أن تنقل هذا الالتزام بالابتكار إلى المديرين وقد يكون للموظفين كافة، وهنا تحتاج المؤسسات إلى أن تراعي النوعين من الابتكار المؤسسي, وأن تقدمهما في منهجية لعمل وهو أفضل ما يكون خلال مبادرة محددة للابتكار المؤسسي.
الابتكار لكل القطاعات
ولفت إلى أن الابتكار ليس حكرا على قطاع معين أو على طبيعة عمل معين فهو ليس حكرا على القطاع الصناعي فقط وهناك مساحة كبيرة للابتكار في قطاع الخدمات أو الترفيه أو التجزئة الخ، أيضا الابتكار ليس حكرا على نوع معين.
الابتكار بمقدور الجميع
نحن على قناعة تامة بأن تسليط الضوء على موضوع الابتكار في المؤسسات يجب أن يجعلها تبدأ الاهتمام أو تزيد من اهتمامها في جانب الابتكار في المؤسسة، إن القناعة عند البعض بأن مؤسساتنا لا يصلح لها الابتكار وأنها حتى غير قادرة عليه هو خطأ جسيم ولو فهمنا الابتكار بمعناه الحقيقي لزالت هذه القناعة الخاطئة، نحن لا نقول أن نصبح في فترة قصيرة مؤسسات متفوقة على شركات عالمية كبيرة ذات خبرة من عقود طويلة، ولكن بالابتكار تستطيع المؤسسات وبالتدريج أن تصل إلى التميز بقدراتها الذاتية من خلال أفكار وجهود موظفيها، إن الابتكار ليس بالضرورة مرتبطاً بالتكنولوجيا المتطورة وبالتالي هو بمقدور المؤسسات في كل بقاع العالم إذا اهتمت بالابتكار، فالابتكارات ليست بالضرورة أن تكون ذات طابع ثوري في مجالها وأنه ممكن أن تكون فكرة تؤدي إلى تحسين في جزئية عمل وتؤدي إلى تأثير بسيط ولكنها تبقى مهمة جدا حيث إن ابتكارا صغيرا هنا وهناك ومن وقت إلى آخر وبالتراكم تكتسب المؤسسة التميز وتتقدم كثيرا في طريق التنافسية.
البدء بالابتكار
تاريخ الابتكار الحديث شهد كثيرا من حالات الاختراعات التي بدأت بشخص ثم تحولت إلى صناعة أو صناعة نشأت من تراكم مجموعة اختراعات وابتكارات وقامت عليها صناعات حديثة، وببسبب التعقيدات التكنولوجية وتداخل مختلف أنواع التكنولوجيا وانشغال هذه المؤسسات بالنجاح وزيادة المبيعات والتوفير في النفقات فقد تراجع الابتكار نسبيا، ما أعطى الكثير من القادمين الجدد الفرصة للحاق بهم وحتى التفوق على الشركات القائمة، والقاعدة الساحقة هنا أن النجاح في نهاية المطاف كان لمن حافظ على الابتكار وليس من قلل من البحث عن الابتكار.