إبراهيم الحقيل: زيادة معدلات الإنجاز وجودتها في رأس أولوياتنا، وهدفنا الوصول إلى المحكمة الإلكترونية الشاملة
أكد رئيس ديوان المظالم الشيخ إبراهيم بن شايع الحقيل أن ديوان المظالم يشهد تطويرا وتغييرا كبيرا ومؤسسيا في آليات عمله، موضحا أنه تم تجاوز كثير من العقد البيروقراطية، والتعقيدات الإدارية، حيث تمّ إنشاء مركز لدعم القرار تتبع له إدارة للتقارير والمعلومات، يتم من خلالها مراقبة إنجاز العمل، بهدف خفض مدة التقاضي إلى أشهر محدودة، وإعادة هندسة الإجراءات التي سيتم تطبيقها، وإصدار دليل الإجراءات قبل نهاية هذا العام 1431هـ، والتوسع في تعيين القضاة وافتتاح المحاكم، توظيف التقنية في العمل القضائي والإداري والمالي، وتطبيق المحكمة الإلكترونية، وتطوير آليات المتابعة، التدريب، استحداث وظائف متعددة الأسماء لمعاونة القاضي في أداء عمله كباحثين قانونيين وشرعيين. فإلى تفاصيل الحوار الذي أجراه مدير التحرير:
مكانة القضاء في الإسلام عظيمة وكبيرة .. كيف تستشعرون هذه المكانة، وكيف تقيمون دور ديوان المظالم من خلالها؟
- بالطبع هي مسؤولية كبيرة وأمانة نتمنى أن نعطيها حقها، فهي مسؤولية أمام الله تعالى وأمام ولاة الأمر والمتقاضين أيضا، وهذا المسؤولية تتعاظم مع النقلة وخطط التطوير الكبيرة للقضاء في المملكة العربية السعودية التي وضع لبنتها خادم الحرمين الشريفين، واستشعارا لعظم المسؤولية فقد حرصنا على تكريس الفكر والعمل المؤسسي في الديوان، بحيث يكون الشعور بهذه المسؤولية مشتركا لدى كل فرد من منسوبي الجهاز موظفين وقضاة، بأنه مسؤول أول يحمل هم التطوير والإنجاز، ولا شك أن ذلك سيكون دافعا للجميع إلى ترجمة هذه المسؤولية إلى الواقع والارتقاء بالديوان وتطوير أعماله، وهذه المسؤولية خلقت لدينا طموحا ليس له حدود لتحقيق تطلعات القيادة الرشيدة نحو الوصول بالقضاء إلى الريادة بأعلى مستوياتها.
ماذا عن توجيهات خادم الحرمين في تطوير الجهاز القضائي ومرافقه والاهتمام بالعدالة؟
-لا شك أن توجيهات خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - وولاة الأمر في كل مناسبة بالحرص على إنجاز المعاملات وتحقيق العدل كانت حافزاً ومعيناً على رفع الأداء والاجتهاد في العمل، مستحضرين أن الحق ـــ سبحانه ـــ حرم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرما، وأن السموات والأرض إنما قامتا على العدل، وأن فصل القضاة في الخصومات محط مراقبة دائمة من لدن من لا تخفى عليه خافية، حيث قال ـــ سبحانه عز وجل: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، وقول الحق ـــ سبحانه: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد). وبعظم القضاء وتعلقه بالفصل في الخصومات بين الناس تعظم تقوى الله ـــ عز وجل ـــ وتحرّي العدل، فإذا كان القاضي مأموراً بتحري العدل في لحظه ولفظه، فكيف بحكمه في المنازعة.
تحدثم عن رؤية مؤسسية للقضاء، ورغم ذلك هناك شكاوى حول تباين أحكام القضاء، ما الحقيقة والعلاج؟
- القضاء لا يمكن أن يتم دون أن يكون عملا مؤسسيا مستقر الأركان لجميع أطرافه، والقضاء عمود العدل والعدل أساس الملك، لكن من ناحية واقعية نحن نعمل على التطوير والتغيير بما يعزز هذه المؤسسة، وكثير مما ينقل في هذا الجانب ينقل من غير متخصصين وينقل النتائج دون نقل الوقائع، وهذا لا يعطي المرء التصور الكامل لوجود التباين من عدمه، وما يوضح ذلك من عدمه هو الدراسات الموضوعية الإحصائية الموثقة. وقواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 190 لعام 1409هـ تنظم هذا الاختلاف، إذ تنص المادة الأربعون منها على أنه «إذا رأت دائرة التدقيق في شأن قضية تنظرها العدول عن اجتهاد سبق أن أخذت به أو أخذت به دائرة أخرى أو سبق أن أقرته هيئة التدقيق، رفعت الموضوع إلى رئيس الديوان ليحيله إلى هيئة التدقيق مجتمعة برئاسة رئيس الديوان مع ثلاثة من رؤساء الدوائر يختارهم رئيس الديوان، وتصدر الدائرة المشتركة قرارها بأغلبية ثلثي الأعضاء».
والمحكمة العليا في القضاءين العام والقضاء الإداري عند مباشرتهما اختصاصاتهما معنية بتوحيد الاجتهادات والمبادئ القضائية، كما أن نشر الأحكام المتضمنة للمبادئ القضائية يسهم في ذلك إسهاما فاعلا، وقد أصدر الديوان مجموعة الأحكام القضائية في القضاء الإداري، ويعمل حالياً على إصدار مجموعة الأحكام التجارية والجزائية، كما سيقوم الديوان بنشر المبادئ القضائية لأحكامه في الأعوام السابقة.
إذا كيف تقيمون وضع القضاء اليوم، وهل أنتم راضون عنه؟
- نحمد الله ـــ عز وجل ـــ فقضاؤنا من واقع مخرجاته وأحكامه مشرّف على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية كافة، وقضاتنا على قدر عالٍ من الكفاءة والمسؤولية، وهم صفوة ونخبة متميزة بُذلت العناية الفائقة لاختيارهم. كما أن شريعتنا الإسلامية أحاطت القضاء بعديد من الضمانات سواء في مرحلة اختيار القضاة أو في مرحلة التقاضي، وكذا نظام القضاء مثله مثل القوانين الحديثة راعى هذا الجانب وأوجد كثيرا من الآليات التي تضمن استقلال القضاء ونزاهته، كما أن الحرص على التأهيل العلمي والعملي للقضاة سوف يرقى بالعمل القضائي إلى أعلى مستوياته. ونحن في الديوان لا ندعي الكمال فعملنا يقوم على اجتهاد بشري وهو بطبيعته عرضة للنقص الملازم للاجتهاد البشري، ولكن حال وجود مثل هذا النقص فإن النظام القضائي وضع الآليات المناسبة لعلاجها، فليس لدينا فراغ نظامي في هذا الجانب.
أما تقييمي لوضع التقاضي اليوم فإن منظومة التقاضي في المملكة العربية السعودية تلقت دعم القيادة الرشيدة مادياً ومعنوياً وتنظيمياً وشهدت نقلة تطويرية كبيرة، ومنذ بداية تطبيق الأنظمة القضائية الجديدة وانطلاق مشروع خادم الحرمين الشريفين، هناك حركة لا تهدأ وتمّ تشكيل فرق عمل وعدد من اللجان في هذا الشأن وقد تحقق كثير من المنجزات، وإذا كان قضاتنا على قدر كبير من الكفاءة والمسؤولية، فإن تطوير آليات القضاء وإجراءاته يشكل قدراً كبيراً من اكتمال المنظومة القضائية وانتظامها أيضاً، أما الرضا التام عن الواقع فهو يعني توقف التطوير والتحديث، ونحن نرغب في أن نكون دائماً في حالة تطوير متواصل، وطموحاتنا في هذا السياق ليس لها حدود، فالتطوير والتدريب مطلبان ضروريان لأي مسيرة ناجحة، وقد رسمنا في الديوان خطة تدريب للقضاة في عدد من المجالات سواء ما كان منها في صميم العمل، أو ما يتعلق بمهارات إدارة العمل القضائي، ومع تسليمي بأن قضاتنا على درجة من رقي الفكر والعلم، إلا أننا نسعى للارتقاء أكثر وأكثر بالمستوى الفكري والعلمي للقضاة إلى أعلى درجاته، كما أن الديوان يحرص على إقامة الندوات والمحاضرات وورش العمل الدولية أو المشاركة فيها لتمكين القضاة من الاطلاع على التجارب القضائية في البلدان الأخرى.
لماذا الشركات الاستثمارية ما زالت تشترط التقاضي خارج السعودية، ما السبب في رأيك، وهل ثمة موانع قضائية؟
- لم أطّلع على دراسة إحصائية موثقة في هذا الجانب، أما عن الواقع العملي فإن القضاء التجاري الذي تأسّس ونشأت مبادئه في ديوان المظالم محل إشادة من الجميع، ولدى الديوان كثير من القضايا المقامة من وعلى شركات أجنبية، بل إن شركات تنازلت عن شرط التقاضي والتحكيم في الخارج وأقامت دعاواها في المملكة، كما أن التقارير الدولية، وخصوصا ما يتعلق منها بالتصنيف الدولي للاستثمارات الجاذبة، يدل دلالة واضحة على مدى ما تتمتع به المملكة من بيئة استثمارية وقانونية آمنة، كما أننا شهدنا في الفترة الأخيرة حركة تنظيمية غير مسبوقة بإصدار أنظمة اقتصادية مالية جديدة أو تعديل بعضها، وهناك عدد منها ما زال تحت الدراسة تمهيداً لإصدارها، وما دخول المملكة عضوية منظمة التجارة العالمية رغم اشتراطاتها المتعددة ـــ ومنها ما يتعلق بالجوانب القضائية ـــ إلا تأكيد على ذلك، والديوان حريص على تحقيق أعلى درجات التطوير والتحديث والمواكبة والتأهيل للقضاة بإطلاعهم على كل المستجدات، ولا سيما في الجوانب القضائية والجوانب المالية والاقتصادية ذات العلاقة، وقد تبنت الدولة منذ تأسيسها تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، ويهمنا كثيرا أن نثبت للعالم أجمع كفاءة قضائنا المبني على أحكام الشرع، وتطوره ومواكبته لمستجدات العصر ونوازله.
وينبغي أن يُعلم أن التحكيم، له اعتباره في جميع دول العالم، إذ يُمكّن طرفي النزاع من الاتفاق على من يريانه من المحَكمين من ذوي الخبرة في مجال النزاع، وعلى طريقة المرافعة ومكانها ومدتها .. إلخ، وهو بهذا يعد رافداً مهماً للقضاء ومخففاً لجزء من الأعباء، ولعل ما يتميز به التحكيم من المميزات التي ذكرتُ جزءا منها تعد هي الدافع الأساس للجوء إليه سواء في المملكة أو غيرها من الدول، ولذا فإنه إذا كان المقصود بالسؤال تحديداً لجوء بعض الشركات الأجنبية للتحكيم فهذا أمر طبيعي، وهو ما يعني عدم اللجوء للقضاء أصلا وليس عدم اللجوء للقضاء السعودي فحسب، بل اللجوء للتحكيم كطريق بديل لفض المنازعات.
لكن ما زالت هناك انتقادات توجه لطول فترة التقاضي وتأثير ذلك على مصالح الناس، وهناك رغبة في رؤية تغيير حقيقي؟
- التأخر في الفصل في القضايا أمر تعاني منه أغلب دول العالم بلا شك، وطول فترة التقاضي عملية نسبية تختلف من قضية إلى أخرى، إلا أننا في ديوان المظالم نضع زيادة معدلات الإنجاز وجودتها في رأس أولوياتنا، بحيث يتحقق اختصار دورة القضية مع أخذ القضية حقها الوافي من النظر، ونحن ننطلق في ذلك من دراسات علمية إحصائية عن حركة القضايا الفعلية في المحاكم ودراسة أسباب التأخر ـــ إن وجدت، ومن ثم اتخاذ الحلول المناسبة، وقد تمّ إنشاء مركز لدعم القرار تتبع له إدارة للتقارير والمعلومات يتم من خلالها مراقبة إنجاز العمل، ونحن نستهدف خفض مدة التقاضي إلى أشهر محدودة، وقد اتخذت عدة خطوات في هذا الجانب منها: إعادة هندسة الإجراءات ـــ وسيتم إتمام تطبيقها وإصدار دليل الإجراءات قبل نهاية هذا العام 1431هـ، التوسع في تعيين القضاة وافتتاح المحاكم، توظيف التقنية في العمل القضائي والإداري والمالي، تطبيق المحكمة الإلكترونية، تطوير آليات المتابعة، التدريب، استحداث وظائف متعددة الأسماء لمعاونة القاضي في أداء عمله كباحثين قانونيين وشرعيين .. إلى غير ذلك من الوظائف المساندة الأخرى، وإعادة تشكيل الدوائر بما يحقق ذلك.
وأؤكد أن التغيير للأفضل والمواكبة هي رؤيتنا في الديوان، وهو التغيير الذي يكون نتاج دراسة متأنية ومتخصصة وتخطيط سليم ووفق معايير علمية، وأن يتم تطبيقه على أعلى المستويات بما يتّسق مع الأهداف والمبادئ الشرعية والنظامية في القضاء وخصوصيته، وبما لا يؤثر في سير العملية القضائية الحالية، وطموحنا يتعدى مرحلة التغيير المرحلي إلى مرحلة التطوير النوعي والشامل، وأؤكد أن عملية التطوير والتحديث دائبة ومستمرة في جميع الجوانب، وسيرى الجميع آثار ذلك إيجابا وقريباً ـــ بإذن الله تعالى، ولك أن تعرف يا أخي أنه بالمقارنة بين الربعين الأولين من عامي 1430هـ و1431هـ أظهرت إحصاءات إنجاز القضايا تقدم الديوان بما نسبته 20 في المئة، علماً بأن مثل هذا لا يقنعنا في الديوان.
ولعل ما يؤخر إعلان الديوان عن مشاريع التطوير فيه هو حرصه الكبير على ألا يتحدث إلا عن تغيير على صعيد الواقع يُشار إليه فعلاً، وتُلمس فائدته فوراً، مما يجعل الناس تصادق على الأقوال، بدل أن تنتظر إنجاز الوعود.
أكدتم أن التأخر في البت في عديد من القضايا سببه النقص في عدد القضاة، هل ما زال الوضع كما كان سابقا،ً وإلى أين وصلتم في هذا الجانب؟
- توسع الديوان في السنتين الأخيرتين توسعاً ملحوظاً في تعيين القضاة، ولم يكن التوسع كمياً فحسب بل نوعياً أيضا، فنحن نولي عملية اختيار القضاة اهتماما كبيراً، حيث إن القاضي هو محور العملية القضائية، وقد أوجدنا آلية علمية منظمة تهدف إلى تحديد احتياجنا من القضاة في كل مرحلة، وإلى تحقيق أعلى المعايير في الاختيار، حيث ركزنا بشكل كبير على تطوير طريقة الاختيار، كما حرصنا بشكل كبير على عملية التأهيل الابتدائي للقاضي المعين.
أما بشأن التدريب والتأهيل فهو ليس خيارا تكميليا، بل هو ضرورة فرضتها المتغيرات العلمية والمعرفية والتقنية المتسارعة، وجعلتنا في تحدٍّ كبير للوصول بقضاتنا إلى أعلى مستوى من المواكبة والتطور، وقد حرصنا كل الحرص على أن يكون التدريب وفق خطة استراتيجية مدروسة وبتنسيق منظم وبما لا يؤثر في عمل القاضي، كما حرصنا على أن يكون التدريب مواكباً ومتطوراً وينبع من الحاجة الفعلية للعمل، كما تمّت الاستفادة من عدد من الخبرات المتميزة في مجالات التدريب سواء في وضع خطط التدريب أو تطبيقها، وقد انخرط قضاتنا في السنتين الأخيرتين في برامج مكثفة وفق خطة مدروسة لتحقيق أهداف محددة تفيد العملية القضائية في العمق، وحرصنا على توسيع جوانب التدريب لتشمل التطوير الذاتي والإداري وفق أحدث النظريات في هذا المجال بما في ذلك التخطيط الاستراتيجي وتقويم الأداء والتحسين المستمر ونحوها، إلى جانب الدورات المتخصصة وورش العمل الفنية في الشأن القضائي، ولم يكن هذا التدريب مقتصرا على القضاة فحسب، بل شمل الموظفين والإداريين أيضا.
ونحن بشكل عام نجد أن مستوى المشاركة والتفاعل في هذه البرامج كان إيجابياً بشكل كبير، ونؤكد مرة أخرى أن نجاح أي مشروع مهما بذل فيه من جهد ومال ووقت مرهون بمدى التهيؤ والقابلية والاستعداد لدى المنفذين له، ونحن نعلق كثيراً من الآمال على التدريب سواء على المدى القريب أو على المدى البعيد لزيادة المخرجات القضائية وجودتها، وهذا هو غاية ما ينشده كل مستفيد من خدمات ومخرجات ديوان المظالم.
كما كان من أهم أهداف التدريب لدينا تهيئة القضاة والموظفين لهذه المرحلة مع بدء تطبيق الأنظمة القضائية الجديدة، فقد دخل الديوان مرحلة جديدة من التغيير والتطوير شهدت عدة تطورات، منها وضع الخطط الاستراتيجية للديوان وإعادة هندسة الإجراءات، كما تم وضع التصور النهائي للهيكلة الجديدة للديوان، وتهيئة البنية التحتية التقنية والربط الشبكي، وبدأنا في التطبيق التجريبي لبرامج الديوان الإلكترونية والقضائية التي يتجاوز عددها عشرة برامج، كما تم تطوير عملية قياس الأداء واستحداث الإدارات ذات العلاقة، وكل هذا وغيره يعطي مؤشرا على الحاجة الملحة لتهيئة منسوبي الديوان جميعا لهذه التطورات.
والديوان يضم نخبة من القضاة أصحاب المؤهلات العليا (ماجستير ـــ دكتوراه) ويسعى في اختيار القضاة الجدد أن يكونوا من أصحاب التميز العلمي والمعرفي، كما أن الديوان يدرس خطة للابتعاث الخارجي في المجال المتصل بالعمل القضائي، وفتح الباب للراغبين في تعلم اللغة الإنجليزية، ولا نكتفي بهذا فقط، بل نسعى إلى أن يكون للديوان قدم السبق في إعداد المؤتمرات والندوات والملتقيات والمشاركة فيها، والاطلاع على التجارب القضائية في الدول الأخرى للاستفادة من التجارب التي تؤدي إلى خدمة المتقاضين وإنهاء القضايا بأسرع وقت ممكن، وبأعلى جودة.
هل صحيح أن ثمة من ينفرون من التغيير والتطوير في الوسط القضائي بحجة المحافظة على الخصوصية أو المحافظة على الشريعة؟
- على العكس من ذلك، نستطيع القول إننا في الديوان تجاوزنا مرحلة القناعة بالتطوير والتغيير ودخلنا فعلياً مرحلة التغيير، حيث كانت قناعتنا أن التغيير والتطوير الناجح هو ما يكون نابعاً من أعضاء الجهاز، وقد حرصنا على تحقيق ذلك من ناحيتين: أولاهما: عن طريق برامج التدريب والتطوير التي ينخرط فيها منسوبو الجهاز بجميع مستوياته، والأخرى: عن طريق إشراك الجميع في وضع الخطط والبرامج والمشاركة بفاعلية فيها، وأعتقد أن التهيئة التي كانت ضمن خطة الديوان والتي اشتملت على دورات في التغيير ومفهومه وأهميته، حققت نجاحاً كبيراً، كما أن إشراك الزملاء في التغيير وتعريفهم به وجعلهم فاعلين فيه خلق الالتزام لديهم؛ إذ من المعلوم أن المشاركة تخلق الالتزام.
أما المحافظة على الخصوصية، فإن من المسلم به أن ديننا صالح لكل زمان ومكان، والتطوير والتغيير ما دام في إطار الثوابت فهو مطلوب شرعاً، فما يسهل للناس عملية التقاضي ويسهم في تسريع دورة نظر القضايا، وبوجه عام فجميع ما يخدم العملية القضائية في الجملة، نحن مأمورون به شرعاً، ونحن لذلك حريصون على الإفادة منه، وعملياً نحن حريصون في كل خططنا وبرامجنا والآليات التي نضعها على أن نطلع على كل التجارب في كافة التخصصات ذات العلاقة، وقد كان للديوان زيارات عمل إلى عدد من الدول ومنها دول أوروبية وآسيوية وغيرها تخللتها زيارات لمحاكم ولقاءات بمتخصصين، كما تم استقطاب عدد من الكفاءات في برامج الديوان التدريبية، وليس لدينا أي حساسية من ذلك، ما دام أنه سيتم إخضاع كل ذلك إلى التقييم والمراجعة للوقوف على مدى ملاءمته، وبما لا يتعارض مع شريعتنا الإسلامية الغراء وأنظمتنا المرعية، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.
ثمة شكوك في أن لبعض القضاة موقفا سلبيا من المرأة ينعكس سلباً على آلية ونتيجة التقاضي في المحاكم الإدارية، هل هذا صحيح؟
- عملتُ في القضاء مدة جاوزت اثنين وعشرين عاماً، ولم أسمع بوجود مثل هذه الموقف، وقضاتنا على قدْرٍ كبير من المسؤولية والوعي، ونحن في منظمة عدلية من أهم أساساتها كفالة حق الجميع في التقاضي والمساواة، ولهذا لا مجال في هذه المنظمة لأي معاملة لا تتواءم مع الشرع والنظام سواء كان طرفها رجلا أو امرأة، إذ من المعلوم أن أنظمة القضاء والمرافعات يتساوى فيها المترافعون جميعا ذكوراً وإناثاً صغاراً وكباراً مسلمين وغيرهم، وبناء على ذلك فالأصل عدم وجود مواقف سلبية تجاه أحد أطراف الدعوى نظرا إلى جنسه، ولدينا قضايا رفعت من نساء ضد نساء وفي فترات مختلفة وبعضهن يحضرن بأنفسهن، ولم يبلغنا وجود أي تجاوزات من هذا القبيل. ونحن لا نقبل وجود مثل ذلك التجاوز.
تحدثتم عن أن هناك نية لتعيين أكثر من 900 قاض جديد .. ألا يوجد مكان للمرأة بين هؤلاء القضاة إذا توافرت فيها الشروط؟
- من الممكن الاستعانة بالمرأة في بعض الوظائف المساعدة إذا ما دعت الحاجة لذلك. هذا مع العلم بأن البطء في إجراءات التقاضي ليس سببه الوحيد هو نقص القضاة فقط، بل إن مماطلة الخصوم لها دور كبير في ذلك، والنقص في أعوان القضاة كذلك له دور آخر، وتصريحنا كان خاصاً بالنية في تعيين أكثر من 900 موظف جديد، وقد تم إعلان تلك الوظائف والآن في طور فرز المتقدمين وسيتم إعلان النتيجة قريباً ـــ بإذن الله.
دعوتم إلى استبدال المرافعات المكتوبة بالشفوية، وأكدتم أن بعض الدوائر في محاكم الديوان طبق النموذج الإلكتروني .. كيف تقيمون الوضع الآن؟
- الأصل في المرافعة في الدعاوى الإدارية أن تكون مكتوبة وفي غيرها شفهية ويجوز أن تكون مكتوبة، والانتقال من المرافعات الشفوية إلى المرافعات المكتوبة في غير القضاء الإداري لا شك أنه عنصر أساس في التمهيد إلى الانتقال إلى عملية المرافعة الإلكترونية، كما أنه سيسرع من عملية الترافع التقليدية التي كانت تتم شفوياً وتتطلب كثيرا من الوقت والجهد دون عائد، بل إن كثيرا من الوقت يُهدر في عمليات الترافع الشفوية ويستنزف وقت القضاة وأعوانهم دون نتيجة إيجابية على العملية القضائية.
والتطبيقات الإلكترونية في القضاء تشكل نقلة نوعية في القضاء السعودي، ونحن نهدف في النهاية إلى الوصول إلى المحكمة الإلكترونية الشاملة، وأحب أن أشير إلى أن إنشاء هذه المنظومة الإلكترونية استغرق وقتاً وجهداً كبيرين، خصوصاً أنها تجربة حديثة في المملكة، ولا سيما أن البيئة القضائية ليست كغيرها، فهي تتطلب توافر أعلى درجات الأمان والدقة، وقد تم تكوين فرق عمل قضائية وتقنية لتحقيق ذلك الهدف، كما تمت الاستفادة من كافة التجارب الدولية المتاحة لإنشاء بنية تقنية حديثة وكاملة، وتمّ إنشاء إدارة مختصة بتقنية المعلومات، وقد بدأنا التطبيق التجريبي لهذه البرامج، وهي تخضع الآن لعملية تقييم ومراجعة شاملة قبل تطبيقها بشكل كامل، وهذه البرامج لا تقتصر على المرافعة الإلكترونية فحسب، بل تتجاوزها إلى الأنظمة المساندة كنظام الاتصالات الإدارية وإدارة الموارد البشرية والشؤون المالية في الديوان.
ونعلق كثيرا من الآمال على هذه البرامج بأن تسهم في تسريع عملية التقاضي وتبسيط الإجراءات وسهولة المتابعة من المستفيدين من خدمات الديوان، سيما مع قرب تدشين البوابة الإلكترونية للديوان، كما أن هذه البرامج ستسهم بشكل فاعل في عملية قياس الأداء، حيث روعيت الجوانب الإحصائية عند تصميمها، كما أنه عند البدء بنظام التوقيع الإلكتروني سندخل مرحلة جديدة من الترافع يتم فيه تبادل المذكرات والدفوع إلكترونياً، والبرامج الإلكترونية التي تم التعاقد عليها تدعم هذه الميزة أيضا.
تحدثتم عن التقاضي الإلكتروني .. لكن ما زال هناك دعاوى منظورة أمام القضاء وبعضها له سنوات، ألا ترى أن ثمة حلقة مفقودة ونحن في عصر السرعة والإمكانات الكبيرة والرعاية الملكية الخاصة للقضاء؟
- أوافقك أخي الكريم في أن أهم ما يمكن أن ننشغل به هو خدمة الفصل في الخصومات بعدل وسرعة ودقة، وكل ما يمكن أن يخدم ذلك فسيتم تحقيقه، وأي عقبة تعترض هذا الهدف سيتم تذليلها ـــ بإذن الله.
إننا في الديوان نؤمن بأننا نحمل أمانة كبرى تتمثل في إقامة ميزان العدل، والفصل في الخصومات بما يعود على الناس بالراحة والطمأنينة والإحساس بالعدل على هدى من شريعتنا السمحة، وفي ظل هذه الدولة المباركة، ولذا فإن كل ما نبذله من جهود تتعلق بالموارد البشرية وتطويرها، أو التقنية وتوظيفها، أو الإجراءات وهندستها وتبسيطها، يجب أن يكون لتحقيق هذا الهدف.
وأنا شخصياً وإخواني في مجلس القضاء الإداري، وفي كل قرار نتخذه نضع أعيننا دائماً على هذا الهدف الكبير الذي يوجه به خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ في كل لقاء.
لذا فسنسير تجاه هذا الهدف ونحن الآن نعالج كل هذه السلبيات التي لها عدة أسباب ـــ وإن كانت تختلف في درجة تأثيرها، ولقد انطلقنا من رؤية جديدة تماماً وهي أن نتجاوز كل ذلك بتبني تنظيم وإجراءات جديدة تتواكب مع المتغيرات وتتجاوز كل هذه الأسباب والسلبيات التي تؤخر إنجاز القضايا، ونرى أن هذا أنجع وأجدى من عمليات المعالجات الفردية لهذه السلبيات والأسباب في ظل الإجراءات القديمة، وهذا ما شرعنا فيه بالفعل، ولا شك أن الرعاية الملكية الكريمة والإمكانات المادية التي وفرتها القيادة الرشيدة، تجعلنا أمام مسؤولية كبيرة في حسن توجيه هذه الإمكانات بما يحقق تطلعات القيادة.
ويضاف إلى ما ذكرتم عدة أسباب، ومن أبرزها قلة القضاة وأعوانهم، وعدم حضور الجهات الحكومية وتقديمها الدفوع في القضايا التي ترفع ضدها، ونحن نعمل الآن على تلافي هذه الإشكاليات، وقد صدرت عدة توجيهات سامية بالتأكيد على جميع الجهات الحكومية بالالتزام بحضور جلسات المرافعة وتقديم كافة المستندات اللازمة، وأنه في حال عدم حضور الجهة المدعى عليها فإن للدائرة القضائية حق إعمال المادة الثامنة عشرة من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم وذلك بالفصل في الدعوى بوضعها الراهن.
أما بالنسبة لزيادة أعداد القضاة ـــ فكما ذكرت ـــ فإن العمل جارٍ على زيادتهم وتم تعيين عدة دفعات، مما سيسهم في تجاوز أسباب تأخير البت في القضايا، وإنجازها في أسرع وقت ممكن.
هناك من يشكو ـــ معالي الرئيس ـــ من أن الأحكام الصادرة لا يجري تنفيذها، وأن هناك مماطلة من قبل الجهات المحكوم عليها، وإن نفذت فليس بالكيفية التي تضمنها الحكم، ما السبب في رأيكم؟
- الأحكام المكتسبة القطعية واجبة التنفيذ شرعاً ونظاماً وفقاً لمنطوقها المحمول على أسبابه، وهو ما أكدته الأوامر السامية، والديوان سلطة قضائية وليس جهة تنفيذ، وتنفيذ الأحكام منوط بجهات التنفيذ وفق ما تقرره الأنظمة.
وبخصوص صياغات الأحكام فإننا في التدريب القضائي نستهدف تحقيق قدر عالٍ من الدقة للوصول إلى صياغة تكون غاية في الوضوح ولا يتطرق لها الاحتمال أو اللبس عند التنفيذ.
لفساد المالي والإداري حالة تعاني منها المجتمعات لكنها في المملكة ينظر إليها من بعد آخر .. بعد ديني وقانوني، كيف يتم إنفاذ توجيهات خادم الحرمين، وهل من تعاون مع سائر الجهات في هذا الجانب؟
- خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ حريص كل الحرص على ما فيه مصلحة الوطن والمواطن والمقيم ومحاربة الفساد بجميع صوره، وأن تكون هذه البلاد المباركة نموذجاً في ذلك، والقيادة حريصة على أن تأخذ العدالة مجراها في مثل هذه القضايا، ولا أدل على ذلك من كلمة خادم الحرمين الشريفين الشهيرة: (سأضرب بالعدل هامة الظلم والجور)، ونحن ننفذ توجيهات القيادة في هذا الجانب بتطبيق ما نصت عليه الأنظمة، فالديوان معنيٌ ـــ بحكم الاختصاص الحالي ـــ بالنظر في كثير من الدعاوى المتعلقة بجرائم الفساد المالي والإداري، وقد أوضحت الأنظمة ما يتعلق بهذه الدعاوى إجرائياً وموضوعياً، وكل جهة من الجهات الحكومية لها اختصاصاتها التي أوضحتها الأنظمة المرعية، وعند إحالة القضية للقضاء في ديوان المظالم تأخذ القضية مجراها حتى صدور الحكم النهائي، ولا شك أن أكبر محاربة للفساد في تحقيق العدالة في أسمى صورها.
وقد أرسى ديوان المظالم من خلال قضائه الجزائي مبادئ قضائية تتعلق بالفساد، وذلك في قضايا الرشوة والاختلاس وإساءة استعمال السلطة واستغلال النفوذ وغيرها، وهي نبراس حقيقي في مكافحة الفساد وأهله.
حسمتم أخيراً الجدل الكبير حول قانونية لجنة تسوية المنازعات المصرفية، وأكدتم أنها جهة إدارية لا تمتلك حق النظر وفصل المنازعات بين البنوك وعملائها .. إلى ماذا استندتم؟
- ما زالت بعض الدوائر القضائية في ديوان المظالم تنظر في التظلم من قرارات هذه اللجنة ولم تنته فيها إلى حكم مستقر ونهائي، سواء في الاختصاص أو الموضوع، وبذلك فإنه لا يمكن القول إن المسألة حسمت من قبل القضاء حتى الآن.
منازعات كثيرة يدخل فيها الوقف الإسلامي، أسهمت في تعطيل مقاصده الاجتماعية والإنسانية والتنموية .. ألا ترى أن الاستثمار الحقيقي في الوقف يسهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي، ويسهم أو يحد من النزاعات الاجتماعية؟
- الوقف له مكانة عظيمة في الإسلام، وقد أسهم على مر العصور في تنمية المجتمعات الإسلامية في كافة المجالات، ولا أدل على ذلك من استمراره حتى في عصر العولمة والاقتصاديات الحديثة، وقد استبشر الجميع بإنشاء هيئة الأوقاف التي صدر بها الأمر السامي الكريم وسيصدر قريباً نظامها، الذي سيسهم إسهاماً كبيراً في رسم الخطط والسياسات العامة للأوقاف، والحد من دخول الأوقاف في نزاعات تعطل الاستفادة منها على الوجه الشرعي المطلوب، والكل يؤمل عليها كثيرا في الارتقاء بالأوقاف إلى ما يحقق أعلى درجات الاستفادة والتنمية وكذا ما يحقق مبدأ تكافل المجتمع وإيجاد عنصر التوازن بين الأغنياء والفقراء، ويضمن الوقف بقاء المال وحمايته ودوام الانتفاع منه، ويوفر سبل التنمية عملياً وعلمياً بمفهوم تكاملي شامل، وهذا كله يشكل استثماراً حقيقياً؛ لا شك أنه سيسهم في تعزيز الاستقرار داخل المجتمع كما سيسهم قطعاً في الحد من النزاعات بين أطياف المجتمع.