حالات الفقر تتزايد .. فأين دور الصندوق الخيري في المعالجات الجذرية؟
سعادة رئيس تحرير جريدة «الاقتصادية»
الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
نهنئكم بهذه الأيام المباركة، ونحيي جريدة ''الاقتصادية'' على دورها الكبير في تبني قضايا الوطن في مختلف التخصصات بكل حيادية ومصداقية وتناول عميق. من هذا المنطلق وددت أن أتطرق لقضية من أهم القضايا التي تشغل كثيرين وهي محل عناية الدولة ـ أعزها الله ـ بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز – حفظه الله - ألا وهي قضية الفقر، حيث كان ملك الإنسانية أول المبادرين لإماطة اللثام عنها من خلال زيارته الشهيرة للأحياء الفقيرة قبل عدة سنوات. إن تلك الزيارة كانت إيذانا بعهد جديد في التعامل مع هذه القضية، حيث وجه الملك المفدى بإجراء دراسات استراتيجية عن الفقر، وبعد فترة اعتمد إنشاء الصندوق الخيري الوطني بميزانية سنوية تبلغ 300 مليون ريال وأنيط به أمر معالجة هذه القضية معالجة غير تقليدية، كما تم إقرار عدة إجراءات أخرى من بينها اعتماد مبالغ في ميزانية الدولة السنوية تحت بند الدعم التكميلي بأكثر من 260 مليون ريال الهدف منها معالجة أي حالات طارئة يتم اكتشافها، وليس آخرا رفع سقف الضمان الاجتماعي، وخلال هذا الشهر الكريم لم يكن والد الجميع بعيدا عن أبناء شعبه وهو يأمر بصرف أكثر من مليار ريال لمستحقي الضمان الاجتماعي كإعانة عاجلة لمتطلبات الشهر الكريم وعيد الفطر.
إن هذه الوقفات الخيرة تحتاج كل منا من موقعه إلى التفاعل سواء بعمل أو برأي أو بمقترح، ومن هذا المنطلق فإني أتساءل من خلال ''الاقتصادية'' عن العمل الذي قام به الصندوق الخيري بعد هذه السنوات، خاصة أننا لا نزال نرى تسجيل حالات فقر جديدة بعد كل فترة بشهادة وزارة الشؤون الاجتماعية نفسها التي أعلنت أخيرا عن تسجيل عشرة آلاف حالة من المنضوين حديثا تحت لواء الضمان الاجتماعي، وهذا ولا شك مؤشر غير جيد على وضع معالجات الفقر لدينا. إنني ومن خلال مراجعة كثير من التصريحات والتقارير المنشورة أو المعلومات الموجودة على مواقع الجهات الحكومية لاحظت غيابا تاما للصندوق الخيري الوطني الذي لم يعالج وللأسف الشديد حالات تذكر من الفقراء، بل إنه من خلال المعلومات الموجودة على موقعه على الإنترنت لم يؤد الدور الذي أنيط به من قبل ولي الأمر. مثلا الصندوق يقول إنه دعم نحو 700 مشروع صغير، وهذا رغم أنه رقم صغير جدا قياسا بميزانية الصندوق التي تجاوزت مليار ريال حاليا، إلا أن أغلبها مشاريع متعثرة بشهادة كثير من مسؤولي الجمعيات الخيرية، هذا خلافا أن هناك عدة جهات تقوم بالدور ذاته.. فهل هذه هي المعالجة غير التقليدية للفقر؟
أيضا الصندوق الخيري للأسف الشديد رغم تبنيه عددا كبيرا من المنح الدراسية إلا أنها لا تتواءم مع سوق العمل ولا تنتهي بالتوظيف كما هي وعود مسؤولي الصندوق، فكثير من هذه المنح هي منح في معاهد صحية ونحن نعلم أن وزارة الصحة لن تقبل مستقبلا خريجي المعاهد الصحية بل تشترط البكالوريوس، علما أن كثيرا من خريجي المعاهد يرضخون في طوابير البطالة.. فهل هذه هي المعالجة غير التقليدية للفقر؟
إن من الغريب جدا أن يكتفي الصندوق الخيري الوطني بهذين الدورين رغم التحفظ عليهما، ويغيب طوال الفترة الماضية دون سبب مقنع، بينما ترزح كثير من الأسر في عدد من أجزاء الوطن تحت نير الفقر والفاقة.
في رأيي المتواضع، فإن أي معالجة للفقر تبتعد عن الأسباب الرئيسة لحدوثه لن تكون مجدية، وأعني بذلك السكن والعمل تحديدا.. فما لم يعالج الصندوق قضية حصول المحتاجين على سكن وعمل فإنه لن يحقق المأمول منه. إن الصندوق وبالصلاحيات التي منحها له صاحب القرار معني بالدرجة الأولى في تسهيل حصول المحتاجين على مسكن كحق من حقوقهم كمواطنين، حيث تشير التقديرات إلى أن السكن يلتهم 40 في المائة من دخل الأسرة السعودية وذلك من خلال التنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى، سواء وزارة الشؤون البلدية أو الشؤون الاجتماعية أو هيئة الإسكان، وتبني حلول مبتكرة للمنازل الاقتصادية وتشجيع التبرع في هذا المجال بشرط حفظ كرامة المحتاج ودمجه في المجتمع وليس عزله في مساكن صغيرة وبعيدة عن المدن.
أما في قضية العمل.. فأرى أن دور الصندوق الخيري يجب ألا يتوقف عند توقيع عقد مع شركة أو سوق لفتح بقالة أو خياط، بل أبعد من ذلك من خلال خطط معلنة لإعادة هيكلة سوق العمل، حيث تكون بيئة قابلة لخلق فرص عمل حقيقة، تستوعب الأعداد الكبيرة من أبناء الوطن الراغبين في العمل قبل أن يتحولوا إلى فقراء، ذلك أن أي محاولة لمساعدة السعوديين على العمل خاصة في المهن البسيطة مثل البقالات وغيرها ستكون فاشلة ما لم يتم إعادة هيكلة السوق تنظيميا وتشريعيا.
قد يقول قائل إن هذا دور وزارة العمل وليس الصندوق الخيري وهذا صحيح، لكن مهمة الوزارة عامة لا تخص فئة معينة، لكن الفقراء والمحتاجين هم مسؤولية الصندوق الخيري الذي يفترض أن يدرس كل السبل المتاحة لمساعدة هؤلاء على الحصول على الفرص الوظيفية وهو ما يقود بالتالي إلى معالجة جذور قضية الفقر. إن الأمل كبير أن يعالج الصندوق قضية الفقر بالجدية والسرعة التي تحتاج إليها خاصة في ظل إعادة تشكيل مجلس إدارته التي تمت قبل شهرين خاصة أن الأسماء التي أعلن عن انضمامها تمثل نخبة من رجال الوطن المخلصين والمعروفين، والذي لهم سجل حافل بالأعمال التطوعية سواء في القطاعين العام أو الخاص، لذلك فإن على مجلس الإدارة الجديد مسؤولية عظيمة أمام الله ثم أمام ولي الأمر ومواطنيه .. فهل يؤدون الدور المنوط بهم؟
محمد سلطان الفهد
الرياض