الشبيلي يطالب بالاستفادة من زكاة الديون التجارية والأسهم المملوكة للشركات القابضة

الشبيلي يطالب بالاستفادة من زكاة الديون التجارية والأسهم المملوكة للشركات القابضة

الزكاة من القضايا المهمة في الاقتصاد الإسلامي، حيث تسهم بشكل كبير في تشكيل طبيعته المتفردة. ويوماً بعد يوم تخرج دراسات توصي بتطبيق الزكاة على ما يستجد من صيغ تجارية وغيرها. ومن تلك الدراسات ورقة بحثية تقدم بها الدكتور يوسف بن عبد الله الشبيلي أستاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء بعنوان «قضايا معاصرة في الزكاة: زكاة الديون التجارية والأسهم المملوكة للشركات القابضة» قدمت في ندوة البركة الحادية والثلاثين.

يوضح الشبيلي أن سبب اهتمامه بدراسة هذين القطاعين هو ضخامة الأموال المستثمرة في هذين النوعين مقارنة بغيرهما من الأموال الزكوية. فعلى سبيل المثال بلغت قيمة ديون البنوك التجارية في المملكة العربية السعودية بنهاية عام 2009م أكثر من 1.29 تريليون ريال، كما بلغت قيمة الأسهم المدرجة في السوق السعودية بنهاية ذلك العام أكثر من 1.26 تريليون ريال.

استبعاد الأرباح المؤجلة من الديون

بالنسبة لزكاة الديون في المعاملات التجارية يعرفها الباحث بأنها الديون التي تتكون بسبب نشاط تجاري سواء أكانت للمكلف أم عليه. فخرج بذلك القرض الحسن. ومن منظور شرعي فإن زكاة الدين ليس فيها نص صريح في الكتاب أو في السنة الصحيحة وإنما هي اجتهادات فقهية مبنية على نصوص عامة وقواعد كلية. فالفريق الذي يرى بوجوبها يستدل بعموم النصوص الموجبة للزكاة على المال ويدخل في ذلك الدين باعتباره مالاً. والمانعون يرون أن ملك الدائن لدينه ملك ناقص؛ فيمنع وجوب الزكاة.

ومن بين الآراء المتباينة التي تتعلق بتلك القضية خرج الباحث بترجيح التفصيل في زكاة الديون التجارية كما يلي:

أولاً ـــ فيما يتعلق بالديون التجارية التي للمكلف: يضاف إلى الموجودات الزكوية كل عام الديون المرجوة للمزكي سواء أكانت حالة أم مؤجلة وذلك بعد استبعاد الأرباح المؤجلة. وهي الأرباح المحتسبة للدائن في الأعوام التالية للعام الزكوي. إلا أن الديون غير المرجوة لا تجب فيها الزكاة.

ثانياً ـــ الديون التجارية التي على المكلف: يتم خصمها من الموجودات الزكوية كل عام سواء أكانت حالة أم مؤجلة وذلك بعد استبعاد الأرباح المؤجلة. ومع ملاحظة أنه لا يخصم من الموجودات الزكوية الديون التي استخدمت في تمويل أصول غير زكوية.

وتستعرض الدراسة الطرق التي يمكن من خلالها معرفة القدر الواجب زكاته من الدين، وكذلك القدر الذي يخصم منه: ففي الشركات التي لها قوائم مالية محاسبية فإن ما يضاف أو يخصم من الديون على هذا الرأي هو ما يظهر عادة في المركز المالي في القوائم المالية حيث تنص المعايير المحاسبية الدولية على أن تظهر الديون المشتملة على أرباح مقابل التأجيل بدون أرباحها المؤجلة سواء في جانب الأصول أو الخصوم. أما إذا كان الدين بتمويل مرابحة فالربح المؤجل هو ما زاد على رأس المال من الربح الذي يخص الفترات التالية للعام الزكوي في المعاملات الآجلة. وفي حالة ما كان التمويل في بيع مساومة فالربح المؤجل هو الفرق بين ثمن بيع السلعة نقداً وثمن بيعها بالأجل.

وهناك عديد من الشواهد والدوافع التي تعزز تبنى الرأي القائل باستبعاد الأرباح المؤجلة من الديون التي للمزكي والديون التي عليه: أولها أنه يحقق التوازن والعدل عند احتساب الزكاة وذلك بمراعاة ما للمزكي وما عليه من ديون. وكذلك الوضع في الاعتبار ما كان حالاً وما كان مؤجلاً من تلك الديون. ومنها أنه لا يمكن مساواة الدين الحال بالدين المؤجل كما ورد عن الشافعي: « الطعام الذي إلى الأجل القريب أكثر قيمة من الطعام الذي إلى الأجل البعيد» وقول النووي: «الخمسة نقداً تساوي مائة مؤجلة». وهو ما يتوافق مع ما ذهب إليه المالكية من تقويم دين التجارة المؤجل بقيمته الحالة.

ومما يؤيد هذا التوجه كون هذه الديون بالنسبة للتاجر أو للشركة كالبضاعة التي عندها، فتقومها كما تقوم البضاعة، ومن المتفق عليه أن البضاعة تقوم على التاجر بقيمة بيعه لها نقداً حتى ولو كان لا يبيع إلا بالتقسيط أو بالأجل، فكذلك الديون المؤجلة تقوم بقيمتها النقدية، أي باستبعاد الأرباح المؤجلة.

كما أن أصل تلك الديون عروض تجارة وستؤول إلى النقد وبهذا فإما أن تزكى زكاة النقود وإما زكاة العروض. والقول بوجوب الزكاة في جميع الديون التجارية المؤجلة بدون خصم أرباحها المؤجلة يلزمه أن توجب الزكاة على الدائن مؤجلة لئلا تزيد الزكاة الواجبة عليه على القدر الواجب. ومن وجهة النظر المحاسبية فإن هذا القول يتوافق مع المعايير الدولية. وتنص هذه المعايير المحاسبية على أن تظهر الديون المشتملة على أرباح مقابل التأجيل في المركز المالي للشركة بدون أرباحها المؤجلة سواء في جانب الأصول أو الخصوم.

ثم تورد الورقة البحثية ما يعزز عدم خصم الديون التي مولت أصولاً غير زكوية. وتتلخص في أن عدم خصم الديون الممولة لأصول غير زكوية يمنع من الخصم المزدوج؛ إذ إن خصم هذه الديون مع أنها استخدمت فيما لا تجب فيه الزكاة من أصول ثابتة ونحو ذلك يؤدي إلى خصمها مرتين. ولهذا الرأي أسانيد من أقوال الفقهاء المتقدمين بأن يقابل الدين الذي على المزكي أولاً بعروض القنية التي يملكها الزائدة عن حاجته الأصلية ثم يخصم ما زاد منه عن تلك العروض.

ولم يكتف الباحث بعرض الآراء النظرية وإنما أخضعها لدراسة ميدانية تهدف إلى تطبيق أقوال الفقهاء في زكاة الدين على عدد من القوائم المالية لشركات متنوعة في قطاعات متعددة وعلى زكاة الأفراد، وذلك بالتعاون مع لجنة من بيت المال الكويتي. وانتهت اللجنة إلى إضافة الديون التي للشركة الحالة والمؤجلة بعد استبعاد الأرباح المؤجلة، وخصم الديون التي عليها الحالة والمؤجلة بعد استبعاد الأرباح المؤجلة باستثناء ما مولت أصولاً غير زكوية فلا تخصم.

نيات الشركات القابضة تحكم الزكاة

ويبدأ القسم الثاني من الدراسة الخاص بزكاة الأسهم المملوكة للشركات القابضة بتوضيح أن أية شركة عندما تتملك أسهماً في شركة أخرى، فلا يخلو الأمر من حالين: الحال الأولى أن تكون الشركة المستثمرة (المالكة) لها سيطرة أو تملك أغلبية في الشركة المستثمر فيها (المملوكة) أي تزيد ملكيتها على 50 في المئة فتصنف الشركة المالكة (الأم) على أنها شركة قابضة، وتصنف الشركة المملوكة على أنها شركة تابعة. أما الحال الثانية فلا يكون للشركة الأم سيطرة أو أغلبية في الشركة المستثمر فيها، فهنا إذا كانت نسبة ملكية الشركة الأم في الشركة المستثمر فيها تزيد على 20 في المئة فتصنف الشركة المستثمر فيها محاسبياً بأنها شركة زميلة.

ويبنى الحكم الشرعي لزكاة المساهمات سواء على أسهم الشركات التابعة أو الشركات المملوكة غير التابعة على التوصيف الشرعي للأسهم، وأثر الشخصية الحكمية للشركة المستثمر فيها.

ويتفق التوصيف الشرعي للسهم مع النظرة القانونية في أنه يمثل حق ملكية للمساهم في شركة المساهمة؛ إلا أن طبيعة هذه الملكية وحدودها ليست موضع اتفاق بين العلماء المعاصرين. فهناك رأي بأن السهم حصة شائعة في موجودات الشركة. ومالك السهم يعد مالكاً ملكية مباشرة لتلك الموجودات ـــ صدر بذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي. وثمة رأي ثانٍ مفاده أن السهم ورقة مالية لا تمثل موجودات الشركة، ومالك السهم لا يملك تلك الموجودات، ولا حق له فيها، وإنما هي مملوكة للشركة بشخصيتها الاعتبارية. أما الرأي الأخير فينص على أن السهم ورقة مالية تمثل حصة شائعة في الشخصية الاعتبارية للشركة. وهذه الشخصية لها ذمة مالية مستقلة عن ملاكها وهم المساهمون، ولها أهلية كاملة، فهي قابلة للإلزام والالتزام والتملك وإجراء العقود والتصرفات، وتحمل الديون والالتزامات والأضرار الواقعة على الغير في حدود ذمتها فقط، ولا تتعداها إلى المساهمين. أي أن ملكية الفرد للسهم تعد ملكية ناقصة ـــ وهو الرأي الذي يرجحه الباحث.

وتتعرض الدراسة لأثر الشخصية الحكمية للشركات التابعة في زكاة الشركة القابضة، مشيرة إلى أنه عندما تتملك شركة شركة أخرى فهذه الملكية لا تخلو من حالين: الحال الأولى أن تزول الشخصية الحكمية للشركة المملوكة، وتذوب جميع أصولها داخل الشركة الأم وهو ما يعرف بالاستحواذ. وهنا تجب الزكاة على الشركة الأم بما في ذلك الأصول التي آلت إليها من الشركة التي استحوذت عليها. والحال الأخرى أن تحافظ الشركة المملوكة على شخصيتها الحكمية. وهنا يبرز اختلاف بين الفقهاء حول أثر الشخصية الحكمية في الزكاة: ذهب البعض إلى أن الزكاة تجب ابتداء على الشركة القابضة والشركاء الآخرين الذين يملكون في الشركة التابعة. وإن أخرجتها الشركة التابعة فهي إنما تخرجها نيابة عن الملاك، أما إذا لم تخرج الزكاة فيجب على الملاك إخراج الزكاة عن الموجودات الزكوية في الشركة المستثمر فيها كل بحسب حصته في الملكية ولو من أموالهم الخاصة. وهذا القول هو الذي أخذ به مجمع الفقه الإسلامي. وحجة هذا القول أن الشركة القابضة تملك حصتها من موجودات الشركة التابعة فتكون زكاتها عليها لكونها هي المالكة. وثبوت الشخصية الحكمية للشركة التابعة لا يمنع من وجوب الزكاة عليها.

ويرى فريق آخر أنه يلزم الشركة المالكة أن تزكي ما تملكه من أسهم في الشركة المملوكة زكاة المستغلات أي أن تزكي نصيبها من الأرباح الموزعة فقط سواء زكت الشركة المملوكة عن موجوداتها أم لم تزك؛ فلا ارتباط بين زكاتي الشركتين لاختلاف شخصيتهما الحكمية. ويرجح الباحث قول الفريق الأول اعتماداً على آراء الفقهاء بأن الضابط في الملكية التامة هو أصل الملك مع التمكن من تنمية المال. فمتى ملك مالاً ومُكن أو تمكن من تنميته فعليه زكاته ولو لم تكن يده مطلقة التصرف فيه. وعلى هذا فتجب الزكاة على الشركة القابضة بقدر ما يقابل أسهمها من موجودات زكوية في الشركة التابعة لتحقق صفتي أصل الملك والنماء فيها.

ومما يرجح القول الأول أن من لوازم القول الثاني عدم إخراج زكاة موجودات هذه الشركات التي تصل إلى تريليونات الدولارات؛ لأن معظم الدول الإسلامية لا تجبى فيها الزكاة على الشركات. فإذا سلمنا بأنه لا تجب زكاة موجوداتها على المساهمين، وإنما يزكون الأرباح فقط فمؤدى ذلك تغييب هذه الفريضة عن معظم أموال التجارة المعاصرة.

وتوضح الدراسة أن غرض الشركة القابضة من تملك أسهم شركات أخرى يؤثر في زكاة الأسهم المملوكة. فالمعيار في التمييز بين أسهم القنية وأسهم التجارة هو نية الشركة، ويتبين ذلك من تصنيفها في القوائم المالية للشركة القابضة، فإن أدرجت ضمن الأصول المتداولة أو الاستثمارات قصيرة الأجل ـــ وهي الأصول أو الاستثمارات القابلة للتسييل في خلال سنة ـــ فتعد أسهم تجارة. وإن أدرجت ضمن الأصول غير المتداولة أو الاستثمارات طويلة الأجل ـــ وهي الأصول أو الاستثمارات غير القابلة للتسييل في خلال سنة ـــ فتعد أسهم قنية ولو كان في نية الشركة بيعها على المدى الطويل عند الحاجة.

أما إن كانت الأسهم لشركات مختلطة فيجب التخلص من الإيراد المحرم المتحقق من ذلك الاستثمار ولا يجوز أن يحتسب مبلغ التخلص من الزكاة الواجبة عن تلك الأسهم. ولكن إذا كانت الأسهم لشركات محرمة النشاط فيجب بيعها فوراً والتخلص من جزء من الثمن يعادل نسبة قيمة الموجودات المحرمة في تلك الأسهم إلى إجمالي قيمتها، وإخراج الزكاة عن الموجودات المباحة فيها.

الأكثر قراءة