وضع المصرفية الإسلامية مؤلم ومرتبك ونحن بحاجة لولادة جديدة

وضع المصرفية الإسلامية مؤلم ومرتبك ونحن بحاجة لولادة جديدة
وضع المصرفية الإسلامية مؤلم ومرتبك ونحن بحاجة لولادة جديدة

أكد لاحم الناصر الخبير في المصرفية الإسلامية أن كثيرا من المخلصين والمحبين للإسلام يؤلمهم وضع المصرفية الإسلامية اليوم لأن المصرفية الإسلامية بدلا من أن تتقدم نجدها تتأخر، وبدلا من أن يزداد الفارق بينها وبين المصرفية التقليدية نجد أنها تقترب أكثر فأكثر من المصرفية التقليدية، وبالتالي هذا هو ما يؤلمنا رغم أن الوضع الذي نعيشه حاليا حقق إنجازات تتمثل في نقل الناس من الحرام إلى الحلال وهذا أحد الأهداف التي يسعى إليها الإسلام لكن هناك أهداف كبيرة لم تتحقق بعد، فالنظرية المالية الإسلامية لا تزال بعيدة المنال.
وقال الناصر إن ما تم حاليا هو إلباس النظرية الرأسمالية ثوبا إسلاميا، وبالتالي فنحن نحتاج إلى عملية ولادة جديدة لصناعة الصيرفة الإسلامية عبر نبذ الرأسمالية وتبني النظرية المالية الإسلامية. إن من الخطأ التوقف عند هذه المرحلة واعتبارها الإنجاز الذي نسعى إلى تحقيقه.
وأضاف أعتقد جازما أن سعي صناعة الصيرفة الإسلامية النهم لتقليد المنتجات الغربية في كل شيء حتى في السيئ منها كالمشتقات وبيع الديون سيربك صناعة المصرفية الإسلامية وهو ما سيوقف نموها، لأنني أعتقد أن المصرفية الإسلامية قامت من أجل هدف معين، وهو تحقيق مقاصد الإسلام بتحكيم شريعته فإذا أحس الناس في يوم من الأيام بأنه لا فرق بين المصرفية الإسلامية والتقليدية ستفقد المصرفية الإسلامية سبب وجودها، فإلى تفاصيل الحوار الذي أجراه مدير التحرير:

هناك انتقادات توجه إلى أعضاء الهيئات الشرعية، خاصة ممن يشغلون عديدا منها، فمثلا يشغل الدكتور عبد الستار أبوغدة عضوية 104 هيئات شرعية، ومحمد داوود بكر عضو في 37 هيئة شرعية وهناك 20 شخصية تتنافس فيما بينها على هذه الهيئات،هذا حسب دراسة صدرت أخيرا .. هل لديهم فعلا الوقت الكافي للقيام بمهامهم على هذا النحو، ناهيك عن الالتزامات الأخرى؟ وأين الجيل الجديد من المشايخ والعلماء؟
- دعني أؤكد لك أن إحدى أهم المعضلات التي تواجهها المصرفية الإسلامية اليوم أنه أصبح عندنا في الهيئات الشرعية نجوم، كما هو الحال في مجال كرة القدم، تستقطبهم المؤسسات المالية كما تستقطب النوادي الرياضية هؤلاء النجوم، لا بل يجري التنافس عليهم، ولأن المؤسسة المالية هي مؤسسة باحثة عن الربح أولا وأخيرا فإن اختيارها أعضاء الهيئة الشرعية يكون قائما على أساس هذا الدافع وهو تحقيق أعلى ربح ممكن من وجود هذه الهيئة، فالمؤسسة المالية تتعامل مع الهيئة الشرعية كأداة لتسويق منتجاتها وتحقيق الربح المنشود، وهذا لا يتحقق في نظر المؤسسة المالية إلا بوجود أحد هؤلاء المشايخ المشاهير في هيئتها الشرعية.
ولذا نجد تركز هؤلاء المشايخ المشاهير إما أن يكون تركزا محليا بحيث تحرص المؤسسة المالية على استقطاب أشهر المشايخ محليا إذا كانت المؤسسة المالية محلية، وإما تركزا عالميا إذا كانت المؤسسة المالية عالمية، حيث تسعى المؤسسة لاستقطاب أشهر الأسماء العالمية في هذا المجال، فهي تأخذ من كل قطر تعمل فيه أشهر المشايخ في ذاك القطر.
وعليه فإن اللوم لا يقع على المؤسسة المالية لأنها كما أسلفنا مؤسسة ربحية تسعى لتسويق منتجاتها، ولكن الملام في وجود هذه الظاهرة هم هؤلاء المشايخ المشاهير الذين يقبلون تعدد عضوياتهم بهذه الصورة ما بين شركات تأمين وبنوك ومؤشرات مالية وصناديق استثمار وشركات استثمار وشركات عالمية ومحلية ومؤسسات تنظيمية مثل هيئة المحاسبة والمجامع الفقهية وغيرها، بحيث أحصي لأحدهم أكثر من مئة عضوية، فبالله عليك أين يجد مثل هذا العضو ـــ وهم كثر ـــ الوقت الكافي لدراسة ما يعرض عليه من حالات، خصوصا أننا نعلم أن القطاع المالي المعاصر معقد جدا، فدراسة حالة واحدة في الصكوك أو بعض المنتجات في قطاع الشركات تحتاج إلى أسابيع أو شهور وعديد من الاجتماعات مع الخبراء والاستشاريين لشرحها وإيضاح صورتها وهيكلها فضلا عن دراستها من الناحية الشرعية، وهو ما لا يسمح به وقت عضو الهيئة لكثرة التزاماته وتنوعها القطاعي والمكاني، ولذا لا تتجاوز اجتماعات الهيئات الشرعية يومين أو ثلاثة على الأكثر مع ساعات عمل فيها لا تتجاوز خمس ساعات، وهذه الساعات الخمس في الحقيقة لا تكفي لقراءة المستندات المعروضة فضلا عن فحصها بدقة وفهم جميع تفاصيل المنتجات والإلمام بها خصوصا المنتجات المهيكلة منها.
وأضرب مثالا على ذلك بأن أحد أعضاء الهيئات الشرعية عرض عليه 72 صكا وأجازها جميعها ونحن نعلم أن الصكوك من أعقد الأدوات المالية الموجودة اليوم، وهي الأكثر إثارة للإشكالات الشرعية.
ثم إن هؤلاء المشايخ لم يكتفوا بالتوسع في قبول عضوية الهيئات الشرعية كلجان فتوى تجيز المنتجات فقط بل زادوا على ذلك أن تحملوا عبء ما بعد الإجازة وهو المراقبة والمراجعة، ونحن نعلم أن أعضاء الهيئات الشرعية أصلا غير مؤهلين للمراجعة لأن المراجعة علم قائم بذاته له أسسه ومبادئه ووسائله وهذا ما لا تجيده أغلبية علماء الهيئات الشرعية وليسوا مؤهلين له حيث لم يأخذوا دورات في هذا المجال، ومن ثم فإننا نجد أن المراجعة والتدقيق الشرعي يتمان بطريقة غير صحيحة، ولا يمكن الوثوق بإجازتهما أن التطبيق تم بشكل صحيح حتى ولو كانت الفتوى والمستندات صحيحة لأنه لا يوجد مراجعون أو رقابة شرعية حقيقية ودقيقة على هذه المنتجات فيما بعد.
ومع ذلك نجد أن أعضاء الهيئات الشرعية اليوم عندما تناقش معهم مسألة أجازوها وهي محل خلاف مثل قضية التورق المنظم التي أثارت عديدا من الإشكاليات الفقهية نجدهم يلقون باللوم في نشوء هذا الخلاف دائما على خطأ المصارف في التطبيق رغم أنهم هم من تحمل عبء المراقبة وهذا التعليل هو في الحقيقة دليل يثبت عدم أهليتهم للمراجعة، وكما يقول المثل من فمك ندينك، لذا فأنا أعتقد أن ما يثار حاليا حول المؤسسات المالية من لغط يرجع بالأساس إلى الهيئات الشرعية، إما بسبب الفتوى وإما بسبب الرقابة، وبالتالي لو انصلح حال الهيئات الشرعية وتم تنظيمها وتنظيم أعمالها أعتقد أن كثيرا مما يدور اليوم من نقاشات وجدل سينتهي وأن كثيرا من الممارسات الخاطئة ستختفي من هذه الصناعة.

عندما تثار القضايا ضد أعضاء الهيئات الشرعية ويطالب بإيجاد مرجعية لهذه الهيئات، تجد أن الأغلبية بالضد من هذه المسألة، في اعتقادك ما السبب؟
- هذه إشكالية أخرى يمكن إضافتها للإشكاليات المحيطة بأعضاء الهيئات الشرعية حيث يعتقد كثير منهم أن وجود الهيئات الشرعية العليا يضعف أو يقضي على أهمية وجود الهيئات الشرعية في المؤسسات المالية وهذا التصور هو الذي يؤدي بهم إلى الممانعة من وجود الهيئات الشرعية العليا. من وجهة نظري هذا تصور خاطئ وينم عن عدم الوعي بأهمية النهوض بهذه الصناعة، حيث يغلب هؤلاء الأعضاء مصالحهم الشخصية على مصلحة الصناعة المالية الاسلامية، إلا أنه يجب ألا يؤخذ هذا الكلام ويعمم على جميع أعضاء الهيئات الشرعية، فإذا كان البعض يمانع فإن آخرين يرحبون، وأذكر منهم على سبيل المثال معالي الشيخ الدكتور عبد الله المطلق ـــ حفظه الله ـــ والشيخ يوسف الشبيلي ـــ وفقه الله ـــ فهم يدعمون فكرة وجود هيئة شرعية عليا تعمل تحت مظلة المؤسسات الرقابية وقد صرحوا بذلك أثناء حواري معهم في أحد اللقاءات الإعلامية، حيث كان مجمل الحوار يدور حول ضرورة وجود هيئة شرعية عليا للمؤسسات المالية، وكانوا يرحبون بهذا ويرون أن فيه حلا لكثير من الإشكاليات الدائرة الآن. حيث يرون فيها شكلا من أشكال الاجتهاد الجماعي الذي ينتج رأيا فقيها يمكن الركون إليه. فليسوا كلهم يقفون ضد وجود مرجعية موحدة، ولكن هناك جزء كبير منهم ضد هذا التوجه لأنهم يرون فيه إضرارا بمصالحهم، ويعللون ممانعتهم هذه بالقول إن هناك معاملات يومية مستمرة تحتاج إلى رأي فقهي بشكل سريع ووجود الهيئة العليا سيؤدي إلى بطء الحصول على هذا الرأي الفقهي، وهو ما سيؤدي إلى تعطيل أعمال المؤسسات المالية، كما أنها ستؤدي إلى تعطيل الابتكار في هذه الصناعة حيث ستحد من عملية الاجتهاد وتحصره في جهة واحدة ـــ وهذا فيه وجه من الصحة، لكن ما أود قوله متى نحتاج إلى اللجوء للمرجعية؟ عندما يأتي منتج عام يتعارض مع منتج آخر موجود في السوق، عندها نحتاج إلى اللجوء للمرجعية (الهيئة الشرعية العليا) للفصل في هذا الخلاف لأنه يربك العملاء ويؤدي لتشويه الإسلام وتشكيك الناس في المرجعية الشرعية، أو حينما تصدر هيئة شرعية فتوى بإجازة منتج ما تأسيسا على رأي شرعي شاذ أو قائم على التلفيق، ومن ثم يثور حوله نقاش عام ويجد معارضة عامة من قبل الشرعيين سواء كانوا أفرادا أو منظمات مثل التورق المصرفي المنظم؛ فيتم الرجوع للهيئة العليا لتحكم وتفصل فيه، ويجب أن يأخذ رأيها حكم القانون الملزم الذي لا يجوز مخالفته، وهنا يتبين لنا أهمية وجود الهيئة العليا لتقنين أعمال المؤسسات المالية الإسلامية في أي بلد توجد فيه هذه الصناعة.
إنني أعتقد جازما أنه لا يوجد تعارض بين وجود الهيئة العليا والهيئات الشرعية المؤسسية، بل أرى أنه عمل تكاملي وأن وجود الهيئة العليا لا يلغي أو يضعف عمل الهيئات الشرعية في المؤسسات المالية، بل سيزيد من قوتها وتأثيرها وقدرتها على فرض قراراتها، كما أنه سيساعدها أيضا على تعزيز عمليات الرقابة الداخلية، يجب أن تفهم الهيئات الشرعية في المؤسسات المالية هذا الأمر وتدعم هذا التوجه.
ومع أن مواقف بعض الهيئات الشرعية الممانع ضد وجود الهيئة الشرعية العليا قد يعيق وجود مثل هذه الهيئة إلا أنني أرى أن العائق الحقيقي الذي يقف في وجه وجود الهيئة الشرعية العليا تحت مظلات المؤسسات الرقابية كالبنوك المركزية ومؤسسات النقد، هو ممانعة هذه المؤسسات الرقابية وذلك بسبب عدم رغبة هذه المؤسسات الرقابية المركزية في العالم العربي في الاعتراف بصناعة الصيرفة الإسلامية كصناعة مختلفة قائمة بذاتها، حيث إن هذه المؤسسات لم تتبلور لديها قناعة كافية بهذه الصناعة، رغم أنها أجازتها بحكم الأمر الواقع، وقد يكون البعض منها لديه قناعة بهذه الصناعة إلا أنه لا يريد الاعتراف بأن لديه نظاما ماليا مزدوجا: شرعي وتقليدي حيث إن هذا الاعتراف بهذه الازدواجية يوقعه في حرج كبير مع المجتمع ، ولا شك أن هذا الموقف أو التصرف داخل العالم العربي غير واع وغير مسؤول لأن النظام الذي تعمل به المؤسسات المالية الإسلامية يختلف كليا عن النظام الذي تعمل من خلاله المؤسسات التقليدية. فهناك اختلاف في النظرية التي تقوم عليها كلتا الصناعتين واختلاف في المنتجات واختلاف في المخاطر وأساليب إدارة هذه المخاطر واختلاف في مصادر الأموال وكيفية إدارتها.
ومن ثم يجب أن تعي المؤسسات المالية في العالم العربي والإسلامي أن عمل المؤسسات المالية الإسلامية بدون أنظمة وقوانين خاصة بها يجعل من هذه الصناعة قنابل موقوتة قد تنفجر في أي وقت، أنظر مثلا لما هو موجود في البحرين الآن، فالقطاع المصرفي البحريني ككل يمراليوم بأزمة تسببت فيها المصارف الإسلامية الاستثمارية مما أنتج تغيرا في المزاج العام للبنك المركزي في البحرين تجاه صناعة الصيرفة الإسلامية، بل إن الوصف الحقيقي لما يحدث اليوم في البحرين أنه انقلاب بمعدل 180 درجة على المؤسسات المالية الإسلامية والصناعة المالية الإسلامية ككل، حيث يسعى البنك المركزي لتبرير خطئه في ترك المؤسسات المالية الإسلامية تعمل دون قوانين واضحة وتفصيلية ورقابة لصيقة، مما أتاح لها العمل وفقا لرغبتها، وذلك عبر تحميله المؤسات المالية الإسلامية المتعثرة وصناعة المال الإسلامية هناك المسؤولية كاملة دون النظر في أخطائه التي أدت إلى هذا التعثر وإسهامه الفاعل فيه، وهذا السلوك من قبل البنك المركزي سيؤدي إلى استمرار الخلل وعدم استفادته من الأزمة لمعالجة الأسباب التي أدت إلى الأزمة مما يمنع من تكرارها.
ومما يثبت أهمية وجود القوانين الخاصة بهذه الصناعة لضبط عملها أن هذه الصناعة نفسها تعمل في بريطانيا ولم تتعرض لمثل ذلك رغم أن النظام البريطاني والنظام المالي الغربي عموما تعرض لأزمة طاحنة إلا أن المؤسسات المالية الإسلامية التي تعمل في الغرب لم تتعرض لمثل هذه الأزمات. إذا متى تحدث الأزمات والمشكلات؟ تحدث المشكلات والأزمات عندما تكون القوانين غير مفصلة وغير واضحة وآليات الرقابة ضعيفة.
#2#
هناك من اعترضوا في مجمع الفقه الإسلامي على مسألة الصكوك وبعضهم قال إنه قدم نحو 300 بحث للمجمع تمت إجازتها خلال عشر دقائق، فأين الفتوى التي أخذت وقتها من القراءة والدراسة والتفحص؟ وهل صحيح أن أعضاء المجمع يمثلون دولا وليسوا علماء ومتخصصين؟
- هذا كان حديث نظام يعقوبي عن قرار المجمع بخصوص التورق المصرفي المنظم، وفي الحقيقة أن نظام يعقوبي في هذا الأمر ظلم نفسه وظلم منظمة المؤتمر الإسلامي من خلال مجمع الفقه الإسلامي.
أولا ظلم نفسه من حيث إنه تخطى الحدود بالنقد غير الهادف لمجمع يضم علماء من كل الدول الإسلامية وله آليات عمل معترف بها، أما مسألة أن الإجازة تمت في 30 دقيقة أو ثلاث دقائق هذا الكلام غير دقيق .. فأنا كنت في ندوة البركة التي عقدت في بداية رمضان الجاري في جدة والتقيت أحد النافذين في مجمع الفقه الإسلامي وتكلم عن هذه القصة بالذات وقال إن نظام يعقوبي ظلم المجمع وظلمنا بهذا الحديث، فلقد أرسلت البحوث قبل شهر أما القرار فقد صدر بعد دراسة وافية حسب الأسلوب المتبع لإصدار القرارات في مجمع الفقه الإسلامي، وهو أسلوب يعرفه الجميع، وجاء نقده لأن القرار لم يأت على هواه، ونحن في المجمع احتوينا الموقف ولم نضخم الأمور، وبالتالي أعتقد أن النقد لم يكن في محله، ويكفي أن قرار مجمع الفقه الإسلامي الذي صدر في الشارقة وافق قرار مجمع الرابطة فاتفق المجمعان، مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ومجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وقلما يتفق المجمعان على أمر، لكنهما اتفقا على هذا القرار، وهذا دليل على صحة القرار. أما كون أن الذين حضروا يمثلون دولا وليسوا علماء أو مشايخ فهذا صحيح لكن كونهم يمثلون دولهم فإن هذا لا يسلبهم صفة العلماء الشرعيين ويسقط حقهم في الاجتهاد وأجزم بأن جل الحاضرين مؤهلون شرعا أكثر من الشيخ نظام يعقوبي، ثم إذا أخذنا برأيه فإن مجمع الرابطة ليس ممثلا لدول وصدر قراره بتحريم التورق المصرفي المنظم، والحقيقة أن هذا القرار صدر بعد نقاش مستفيض وأخذ وقته الكافي من الدراسة بحيث استقر لدى العلماء الأفاضل الحكم فيه.

يقول جون ساندويك إن أكثر مشكلة تواجه صناعة المصرفية الإسلامية في الدول الخليجية والعربية هي كثرة الفتاوى وأحيانا تناقضها، وهذا يؤثر في الاستثمار في هذه الصناعة، فما رأيكم في ذلك؟
- هذه الإشكالية لا يمكن القضاء عليها لأنها من صلب الفقه الإسلامي، وفيها دلالة على سماحة الدين وسعته بحيث ترك مجالا لاجتهاد العلماء، فهذه طبيعة الفقه والشريعة الإسلامية منذ انقطع الوحي بوفاته ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ فهذه ميزة وليست سلبية، ولكن صناعة المال تحتاج إلى استقرار ومتى يحدث هذا الاستقرار؟ لا يحدث إلا عندما يتبنى المشرعون أو الجهات الرقابية آراء فقهية محددة، فالعلماء يقولون اختيار الإمام يرفع الخلاف، بمعنى إذا كانت هناك مسألة فيها آراء فقهية مختلفة ثم اختار الإمام رأيا من هذه الآراء، فإن رأي الإمام يرفع الخلاف، وبالتالي لو أن الجهات الرقابية سعت لدى الجهات التشريعية مثل مجلس الشورى أو مجلس الأمة في الكويت مثلا أو لدى البرلمانات الموجودة لإيجاد تشريعات وقوانين خاصة بالمصرفية الإسلامية بحيث تعمل لجان لدراسة وصياغة هذه القوانين من شرعيين وقانونيين ثم تصدر في شكل قانون عندئذ نستطيع أن نحد من مسألة الخلاف ونصل إلى عملية الاستقرار.
كما أن الخلاف الذي نراه اليوم في التورق المصرفي المنظم وبعض هياكل الصكوك هو خلاف أقلية من المشايخ مقابل أكثريتهم، والأقلية المخالفة هم المشايخ الموجودون في البنوك الذين أجازوا هذه المنتجات التي تتضرر مصالح البنوك بتحريمها، فبالتالي تجد البنوك تضغط على أعضاء الهيئات الشرعية لديها ليجيزوا هذا المنتج ويدافعوا عنه، فهذه القلة وقفت في وجه الأغلبية أو الجمهور سواء من أعضاء المجامع أو العلماء المستقلين الآخرين.
الأمر الآخر أن كثيرا من النقاش الذي يدور اليوم حدث حول منتجات ثبت أن الهيئات الشرعية التي أجازتها أخطأت، فمثلا عندما تكلم الشيخ تقي الدين عثماني وقال إن 85 في المائة من الصكوك حرام كان يقصد صكوك المضاربة والمشاركة التي يضمن ويتعهد فيها المصدر بشراء الصك بقيمته الاسمية فلم يجادل أي ممن أجازوا هذه الصكوك بأن كلام تقي الدين عثمان خطأ، وبالتالي صدر تعزيز لهذا عندما اجتمع المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة وأيد قرار عثماني، بل إن أحد أعضاء الهيئات الشرعية التي أجازت هذه المنتجات صرح في معرض التبرير لإجازتهم هذه الصكوك قال فيه إنهم كانوا يريدون دفع هذه الصناعة إلى الأمام رغم أنهم غير مقتنعين بشرعيتها، فكان هذا التصريح محل نقد وسخرية من بعض الكتاب الغربيين حيث كتبوا وقالوا إن علماء الشريعة الإسلامية في الشرق الأوسط يبيعون دينهم من أجل أن يدفعوا بالمصرفية الإسلامية إلى الأمام.
لهذا فهناك أخطاء قاتلة من بعض أعضاء الهيئات الشرعية، هذه الأخطاء جاءت نتيجة التساهل أو صدرت ممن ليس لديهم علم شرعي كاف. لذلك فإنني أقول إن الأمر يجب أن يكون في يد الحاكم وعندما يتبنى رأيا فقهيا محددا يصبح هذا الرأي ملزما لمجموع الأمة.

هل مسألة استقلالية الهيئات الشرعية يمكن أن تكون هي الحل لكل هذه الإشكالات؟
- استقلالية الهيئات الشرعية جزء من الحل ولكن الحل في اعتقادي يكمن وجود مسؤولية قانونية على الهيئات الشرعية فهي التي ستؤدي إلى جودة الفتوى وضبطها، فاليوم الهيئة الشرعية عندما تفتي في مسألة أو تجيز منتجا لا توجد عليها مسؤولية قانونية، فلو رجعت عن رأيها بعد فترة بعد ثبوت عدم شرعية المنتج، أو قام عميل المؤسسة المالية بالطعن في شرعية المنتج أمام القضاء وأخذ القضاء بهذا الطعن فليس عليهم أي مسؤولية قانونية وبالتالي هم يتساهلون في ذلك، ولكن لو أن الهيئات الشرعية عليها مسؤولية قانونية في حالة أن المنتج ثبت أنه غير شرعي، فلن تجد الهيئات الشرعية تتساهل وتيسر الأمر للبنوك، لذلك الهيئات الشرعية اليوم لا تقبل النقاش في المسؤولية القانونية ولا ترضى بها، وبالتالي من يرتب في النهاية هذه المسؤوليات هو المشرع. فعندما يأتي القانون ويضع مسؤوليات قانونية على الهيئات الشرعية عند إجازة المنتج ستضبط الفتوى لأن المسؤولية دائما تجعلك حذرا في اتخاذ قرارات وعدم وجود مسؤولية عليك دائما تكون مرنا ومنفتحا ولن تخسر شيئا عندما تكون متساهلا، لذلك فإثبات المسؤولية القانونية مهم جدا، والدليل على أهمية ترتيب المسؤولية القانونية على الهيئات الشرعية هو ما حدث من إحدى الشركات الكويتية عندما طعنت في القضية المقامة ضدها في بريطانيا بعدم شرعيتها مع أنها مجازة من قبل هيئتها الشرعية ولعدم وجود أي مسؤولية قانونية على الهيئة الشرعية لم نجد أي ردة فعل من هيئتها الشرعية ضد هذا التصرف غير الأخلاقي من قبل الشركة الماثل في الطعن في مصداقية الهيئة والافتئات عليها، فلم تصدر هيئتها الشرعية أي بيان تستنكر هذا الموضوع ولم تعلن استقالتها وهو أقل ردة فعل يمكن أن تقوم بها، فضلا عن رفع قضية أمام القضاء المحلي ضد الشركة، وهو ما يدل على عدم اكتراث الهيئة الشرعية بهذا التصرف، حيث لا مسؤولية قانونية عليها.

ما إن تتحدث عن منتج إسلامي حتى يقال لك هذا منتج تقليدي جرت أسلمته، متى تكون هناك منتجات إسلامية حقيقية؟
- في الحقيقة ليس هناك منتجات إسلامية مستقلة ولكن أغلبها مستنسخة من المنتجات التقليدية وهي أسلمة للمنتج التقليدي يأخذ المنتج التقليدي ويبحث عن العناصر المحرمة فيه، ويحاول إزالتها بتكييفه في عقد شرعي يصلح ليكون بديلا عن المنتج التقليدي، فالشخص يأتي للبنك ويأخذ قرضا بفائدة، هذه آلية القرض العادي الربوي المحرم في الاسلام، أما البنك الإسلامي فيقول يمكن أن نمنحك السيولة التي يوفرها لك القرض ولكن بعقد شرعي وهو هنا التورق، حيث نشتري سلعة من السوق الدولية ثم نبيعها إليك بالمرابحة ثم توكلنا فنبيعها لك في السوق الدولية وفي النهاية تأخذ السيولة، أي أن الغاية النهائية واحدة وهي تقديم السيولة وأخذ الربحية.
لكن هل لدى البنوك الإسلامية منتجات هي من صميم المصرفية الإسلامية القائمة على المشاركة وإدارة المخاطر والغنم والغرم ودعم الإنتاجية وتوفير الوظائف والبحث عن الفرص النوعية التي تقدم خدمات للمجتمع وتحقق مبدأ الاستخلاف في الأرض الذي دعا إليه الله ـــ سبحانه وتعالى؟ أعتقد لا، وهذا ليس عيبا في المصرفية الإسلامية لو كان الأمر مرحليا لأنني سأعتبرها مرحلة من مراحل التدرج التي نصل فيها بعد فترة إلى استقلالية الصناعة ـــ إن شاء الله، لكن أن نتوقف عند هذه المرحلة فهذه هي المشكلة وهو ما تعاني منه المصرفية الإسلامية اليوم.
إن كثيرا من المخلصين والمحبين للإسلام يؤلمهم وضع المصرفية الإسلامية اليوم لأن المصرفية الإسلامية بدلا من أن تتقدم نجدها تتأخر، وبدلا من أن يزداد الفارق بينها وبين المصرفية التقليدية نجد أنها تقترب أكثر فأكثر من المصرفية التقليدية، وبالتالي هذا هو ما يؤلمنا رغم أن الوضع الذي نعيشه حاليا حقق إنجازات تتمثل في نقل الناس من الحرام إلى الحلال وهذا أحد الأهداف التي يسعى إليها الإسلام لكن هناك أهداف كبيرة لم تتحقق بعد، فالنظرية المالية الإسلامية لا تزال بعيدة المنال.
إن ما تم حاليا هو إلباس النظرية الرأسمالية ثوبا إسلاميا وبالتالي فنحن نحتاج إلى عملية ولادة جديدة لصناعة الصيرفة الإسلامية عبر نبذ الرأسمالية وتبني النظرية المالية الإسلامية. إن من الخطأ التوقف عند هذه المرحلة واعتبارها الإنجاز الذي نسعى إلى تحقيقه.

ما الأسباب التي ستؤدي لإيقاف نموها من وجهة نظرك؟
- أعتقد جازما أن سعي صناعة الصيرفة الإسلامية النهم لتقليد المنتجات الغربية في كل شيء حتى في السيئ منها كالمشتقات وبيع الديون سيربك صناعة المصرفية الإسلامية وهو ما سيوقف نموها، لأنني أعتقد أن المصرفية الإسلامية قامت من أجل هدف معين، وهو تحقيق مقاصد الإسلام بتحكيم شريعته فإذا أحس الناس في يوم من الأيام بأنه لا فرق بين المصرفية الإسلامية والتقليدية ستفقد المصرفية الإسلامية سبب وجودها، لأننا يجب أن نتذكر دائما وأبدا أن المصرفية الإسلامية عندما بدأت لم تقم بدعم من الدول أو الحكومات إنما كانت بدافع القوة الذاتية لدى المجتمعات المسلمة ورغبتها في تحكيم شرع الله في حياتها ومعاملاتها. إن هذا الاقتراب من الصيرفة التقليدية سببه من وجهة نظري القائمين على المصرفية الإسلامية فهم داء المصرفية الإسلامية لأن القائمين عليها كلهم تقليديون، فهم لا يؤمنون أصلا بفكر المصرفية الإسلامية إنما هم يعملون بهذه المصارف لتحقيق الأرباح، وقد وجدوا أن هذه الإداة التي تسمى المصرفية الإسلامية هي التي تحقق الأرباح وهي المطلوبة من العملاء فساروا مع الركب، والقليلون جدا منهم لديهم إدراك وفهم لأصول صناعة الصيرفة الإسلامية وأخلاقياتها، وبالتالي أستطيع القول إنه ليس لدى القيادات المصرفية الفاعلة أو التي بيدها زمام الأمورفي البنوك الإسلامية قناعة بالصيرفة الإسلامية، وحتى لا أكون ظالما جلها ليس لديها أية قناعة بالمصرفية الإسلامية وليس في أجندتها الوصول بهذه الصناعة إلى مرحلة تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية.

هل هناك منافسة أو محاولة للنيل من المصرفية .. هذا ما نود معرفته؟
- الحقيقة لدي قناعة اليوم بأن هناك من يسعى وبالذات من المؤسسات المالية الغربية إلى هدم نموذج صناعة الصيرفة الإسلامية لأن هذه الصناعة اليوم لها زخم كبير جدا، ونحن نعلم أن صناعة الصيرفة المالية الإسلامية ليست صناعة مالية فقط، لكن هي نمط حياة وثقافة وفكر ومعتقد، وبالتالي فإن انتشارها في العالم الغربي بقوة، حرض الكثيرين في الغرب للتصدي لها باعتبارها إحدى أدوات المسلمين للتبشير بدينهم، خصوصا الجهات اليهودية والمؤسسات التنصيرية في الغرب وقد ظهرت في أمريكا حركات تسعى بقوة لإيقاف هذا الزحف نحو الدين الإسلامي ومن ضمنه المصرفية الإسلامية، كما أننا نجد ـــ ويا للاسف ـــ من هم ليسوا مسلمين ولا يتكلمون اللغة العربية هم أكثر من يطورون منتجات إسلامية، فكيف سينتج لي منتجا إسلاميا خالصا وهو لا يتكلم اللغة العربية ولا يعرف معنى وجوهر الإسلام؟ ونحن نعرف أن المنتج المالي الإسلامي ينطلق من رحم الكتاب والسنة، والكتاب والسنة باللغة العربية، لذلك لا يستطيع من لا يتكلم العربية أن يستخلص منهما شيئا لأنه لا يتحدث العربية ومن ثم يخرج المنتج الاسلامي هجينا مشوها وهو ما قد يحقق الغرض لدى بعض من يريد هدم هذه الصناعة من الداخل.

لكن ما مصير المؤسسات المالية، وهل سيأتي الوقت لتنكشف الأمور ويدرك الناس أن المصرفية الإسلامية لم تقدم شيئا؟
- يجب التأكيد أولا أن الفرق بين الحلال والحرام موجود وواضح من حيث الآلية التي تعمل بها كلتا الصناعتين الإسلامية والتقليدية، لكن لا يوجد فرق من حيث الغاية أو الهدف أي المقاصد، وحتى نكون واضحين ولا يأتي إنسان ويقول لنا أنت قلت إن الصيرفة الإسلامية حرام .. فيجب التوضيح أن الحلال هو الغالب في الصيرفة الإسلامية والحرام هو الغالب في الصيرفة التقليدية ولكنني أقول إنه في النهاية لا فرق في الغايات والمقاصد التي تحققها كلتا المؤسستين الإسلامية والتقليدية. لذلك بالنسبة للنظرية الاقتصادية الإسلامية فهي حاليا غير موجودة وتحقيق مقاصد الشرع غير موجود وليس هدفا في أجندة هذه المؤسسات.
ونتيجة لذلك نجد أن المجتمعات المسلمة تتحدث عن المصرفية الإسلامية وتقول إن المصرفية الإسلامية لم تقدم لها شيئا، فلم تقدم لها ما كانت نظرياتها تبشر به، من أنها قائمة على الربح والخسارة وأنها تؤدي إلى توفير الوظائف .. إلخ ولكن هذه نظريات، فالتطبيق الواقعي حاليا يقول إن المصرفية الإسلامية هي مصرفية رأسمالية بثوب إسلامي فهي لا تقدم خدماتها إلا للأثرياء والمؤهلين وتقدم خدماتها بأسعار تتقارب أو أعلى من الموجودة في السوق.
وبالتالي لم تقدم شيئا يذكر للمجتمعات المسلمة، فلم نجد المصرفية الإسلامية مثلا أنشأت بنوكا للفقراء أو بنوكا لدعم الشركات المتوسطة والصغيرة أو شركات رأس المال المخاطر وهو مجال تنشط فيه المصرفية التقليدية، ففي أمريكا ثلاثة أرباع قطاع الأعمال قائم على التمويل البنكي سواء الشركات المتوسطة أو الصغيرة أو الكبيرة وسواء المهنيين والحرفيين، ولكن في المنطقة العربية نجد أن البنوك تخصصت في خدمة الأثرياء من أصحاب رؤوس الأموال، فأصبح المال دولة بين الأغنياء في حين قال تعالى «... كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم» فهذا مخالف تماما للنص، والمصارف الإسلامية تخالف هذا النص، فأين تحكيم شرع الله، أم أن التحكيم لشرع الله جزئي وانتقائي.

الأكثر قراءة