قرار «الصحة» مبني على الرأي وليس على الأدلة والبراهين
لا أشك أن الهدف من اتخاذ هذا القرار الحرص على الارتقاء بالخدمات الصحية بوطننا الغالي بتوظيف خريجي البكالوريوس (الإخصائيين) بدلا من خريجي الدبلومات الصحية (الفنيين) وهذا من القرارات المبنية على الرأي وليس على الأدلة والبراهين, التي تتخذ في وطننا وتسبب عائقا في تطور وطننا مقارنة بجيراننا لافتقارها للمنهجية الصحيحة في الوصول إلى القرار الحكيم فتعال معي للسبر في غور ماهية القرار.
l لا شك أن خريجي الدبلومات الصحية دون المستوى المطلوب ولكن هذا أيضا ينطبق على خريجي البكالوريوس في التخصصات الصحية وغيرها لغياب منهجية وطرق التعليم والتدريب الصحيح ومعايير جودة التدريب والبيئة المناسبة, إضافة إلى غياب حماس الطلاب وحرصهم على اجتياز الاختبار فقط وغيرها من أسباب ضعف مخرجات التعليم الجامعي ودون الجامعي.
l نعم هناك توجه للبكالوريوس في بعض الدول المتطورة ولكن في بعض التخصصات في دول مواطنيها يشغلون جميع التخصصات الصحية وليس بنسب متدنية كما عندنا التي قد لا تصل 10% في تخصصات مثل التمريض في بعض المستشفيات كما يتوافر في هذه الدول التدريب لكل مواطن في أي تخصص يرغبه في مسافة لا تزيد على 30 كيلومترا عن منزله مع توافر المدربين في كل مكان دون استقدام، وكل بلد أو حتى مجتمع يتمتع بخصوصية معينة قد تختلف في جزء آخر من الوطن نفسه.
l هناك في الغرب بعض التخصصات مثل المساعد الصحي الذي يساعد الطبيب في العيادات الخارجية فقط ولا يتعدى عمله تحضير المريض للكشف وأخذ القياسات الحيوية والتحويل وأغلب عمله إداري ووطننا حاليا بحاجة إلى عشرات الآلاف في هذا التخصص فلماذا نحتاج لبكالوريوس مع العلم أنه في الولايات المتحدة على سبيل المثال لا يتجاوز التدريب على هذه المهنة 6 أشهر إلى سنة.
l إن ما يتم من تجارب الغرب وتوصيات يجب أن نلم ونتعلم منه وقد يناسبهم تماما ولكن قد لا يناسبنا مطلقا لذا يجب الحذر من المحاكاة والثقة في اتخاذ أي قرار لأن دولة متقدمة علميا تعمل به أو طبقته فقط نحن وحدنا أعلم بظروفنا وخصوصيتنا وما يتماشى ويخدم مجتمعنا.
l هناك من خريجي الدبلومات الصحية الذين تم تدريبهم في المستشفيات حيث يتدرب الطالب في بيئة العمل ويراقب المهنة منذ بداية التدريب ومن ثم يمارسها تحت الإشراف خلال التدريب لربط التعليمي النظري بالتدريب العملي لتوصيل وتكريس المعلومة، هؤلاء يتخرجون بمستويات أعلى من البكالوريوس لدرجة أن المستشفيات الأخرى تحاول استقطابهم حال تخرجهم نظرا لمستواهم وجاهزيتهم للعمل منذ اليوم الأول وتفضلهم على خريجي البكالوريوس في الجامعات النظرية تقريبا وهذه تجربة ناجحة لها أكثر من ربع قرن تمارس في بلادنا ومن الممكن تعميمها.
l بيان وزارة الصحة أفاد بأن منظمة الصحة العالمية أوصت بهذا، أنا من بحثي المبدئي لم أجد مرجعية لهذا الادعاء وقد يكون هناك وهو مجرد توصية يأخذ بها من يناسبه ولكن لا يناسب وضعنا الحالي بتاتا.
l حاليا خريج الدبلوم بعد العمل في التخصص والإلمام به وقناعته بالتخصص بإمكانه إكمال دراسته بنظام التجسير إلى البكالوريوس وستكون الفائدة أعظم بعد اكتساب الخبرة لربط العملي مع النظري لتعظيم الفائدة خلال التجسير، وهذا حل مثالي ويناسب مجتمعنا أفضل ولكن هذه الفرص يلزم تكثيفها في الكليات الصحية المنتشرة في بلادنا.
l من بعض الآثار المترتبة علي هذا القرار حرمان كثير من الطلاب الانخراط في هذه التخصصات في المناطق النائية التي يصعب التدريب فيها على مستوى البكالوريوس للنقص في المدربين والكليات وإضعاف وتيرة سعودة هذه الوظائف الصحية في أرجاء وطننا.
د. مبارك عبد الله الغربي الشمري
استشاري علوم وتدريب طبي
عضو المجلس العلمي للتخصصات الصحية
في الهيئة السعودية للتخصصات الصحية