لا .. ليست السوقُ التي بذهنِكم!
* قابلت ''مُسعَد''، لم يتغير اسمُه مع أن أبويه بريطانيان، ولكن تغير دينُه ولغته وتغيرت طبائعُه. رغب ''مُسعَد'' أن يقابلني بعد أن قرأ مقالاً انتشر في الإنترنت كتبته عن أبنائنا وبناتنا المتروكين في الشرق بموقعي جريدة العرب نيوز، وسعودي جازيت. و''مُسعَد'' أمه البيولوجية فلبينية، ومن أبٍ سعودي كما توضحه شهادةُ ميلاده، ثم تخلى عنه.. وقامت أمّه بعرضه لسوق التبني- وأنا سأتطرق هنا إلى عرض لهذا السوق العالمي، وأرجو أن أقدم لكم مقالا كاملا عن سوق سيغير كل ما تتصورونه عن الأسواق التقليدية منذ عرفناها- وانتهى مسعد ابنا بالتبني لأبوين محرومين من الأطفال في بريطانيا.. ومع أن لقائي مع ''مُسعد'' أثار كثيرا من المواضيع المنسية والعواطف المدفونة، إلا أن موضوعَ سوق الأطفال العالمي هو الذي شغلني أكثر بعد ذاك.
***
* في برنامج أخينا العزيز ''داود الشريان'' واجه الصحافة، تكلمتُ عن ''رابطة العودة للجذور'' وعن أبنائنا المتروكين بالفلبين.. ثم فوجئتُ لما أطلعني سعادة السفير السعودي بمانيلا الصديق ''عبدالله بن إبراهيم الحسن'' على تسجيلٍ كتابي للمقابلة كُتب بها: ''نجيب الزامل ذكر أن هناك مئات الأسر السعودية في الفلبين لا تعلم عنهم السفارة''، وضحت لسعادة السفير أني لم أقل ذلك، بل قلت إن هناك آلافا في سورية وبعض الأقطار العربية، وهنا الخطأ إمّا في النقل، أو في السهو مني، فأنا لم أرَ البرنامج بعد التسجيل. فالعددُ الذي جمعناه هو سبعة وأربعون، ونعرف أن هناك غيرهم.. ولكنها غلطة جاءت بنتيجةٍ مفرحة.. فالذي طرحه سعادة السفير ليس عتاباً ولا اعتراضا بل الذي قال: ''إن في قائمتي أقل من ذلك، ولكني أتطلع لمعرفة من تعرفهم أنت ولا نعرفهم نحن، فالذي يهمني أن نصل إليهم مهما كان عددهم كثر أو قل، فحديثي معك للعلم لا للاعتراض..'' وأثلج قلبي هذا التأكيد، وسنشكل فريقا، بإذن الله، عاملا بالإضافة للأخ الأستاذ خالد القحطاني القنصل في السفارة لهذا الغرض. وترون أن خطأً يتحول بالنوايا الحسنة إلى شيءٍ آخر.. أبعد ما يكون عن الخطأ!
***
* وفي مقال ظهر بجريدة « الرياض» للأخ والصديق ''عبدالله صالح الحمود'' رئيس مجلس إدارة جمعية ''أواصر'' السابق بعنوان ''نجيب الزامل، ونهج الثقافة والصعود'' لامني على انتقاد جمعية ''أواصر'' في قلة ما قدمته بعهده لأبنائنا من رعاية ومتابعة في الفلبين.. ثم استعرض ما فعلته ''أواصر'' في عهده في العالم العربي وفي الفلبين، وأنا لم أتطرق قط لعمل ''أواصر'' في العالم العربي في عهده، ويبدو أنها قدّمَت الكثير ونشكرهم على ذلك، ولكن حتى في بيانه يتضح قلة ما قـُدم لسعوديي الفلبين، ثم أن المسألة تتعدى المساعدة المادية رغم ضآلتها إلى العمل على شيءٍ مهمِّ هو أكثر ما يجعلني أركز على المتروكين بالفلبين، وهو العمل على ربطهم مرة ثانية مع دينهم ولغتهم وثقافتهم وبلادهم التي ضاعت مع ضياع الأب، ولم يكن هذا واضحا في عمل أواصر، ولا لومَ على ''أواصر'' في فترة حبيبنا عبدالله الحمود، فكان الشرقُ وقتها همّا بعيدا، لانشغالهم بآلافٍ في الوطن العربي الشاسع.. بينما كان من في الشرق تقريبا همّي الوحيد في هذا المجال. لذا قامت ''رابطة لعودة للجذور''.. والآن نشكر الإدارة السابقة وأعمالهم التطوعية، ونأمل من الإدارة الجديدة أن تكون مُعينة لنا في إعادة أبنائِنا هناك إمّا لآبائهم، أو إعادتهم من الضياع إلى الأمان. ونحمد الله أن خطواتنا تسير بتفاؤلٍ للأمام.. وبوجود قلوبٍ حانية في سفارتنا هناك سيتقدم المشروعُ إن شاء الله حتى يُنهـَى كامل الوضع المريض الذي تركه غيرهم ليعالجوه هم!
***
* أوردتُ منذ أشهر في مقال هنا عن معاناة بنتين أبوهما من الإمارات، وأمهما فلبينية، وكيف رعت البنتُ الكبيرة أختها الأصغر مع أن الفارق بينهما فقط سنة واحدة، وأخذتهما وقتها إلى السفارة الإماراتية بمانيلا، واستقبلهما المسؤول الأول بالسفارة الأخ عبدالله الشامسي بترحاب.. على أن الوضعَ تطور سريعاً كما يبدو في الإمارات، حيث نشرت الصحفُ الفلبينيةُ إعلاناتٍ مدفوعةً تهيب بكل إماراتي في الفلبين ويملك الوثائقَ الثبوتية بأن يتقدم للجنةٍ حكومية منتدبة للفلبين لتعيدهم إلى بلدهم.. هذا العشـَم!
***
* عندما تـُذكر أمامك كلمةُ سوق، فإنك ستفكّر في الحال في أسواق العقار، أو السيارات، أو الخضار، أو حتى بسوقٍ معقدة مثل أسواق التحوّط المالي.. ولن تخطر على بالك سوقٌ حيّة ومنتعشةٌ وتنمو باطـّراد، وتمتد على كامل الأرض، ويشتغل فيها بين عارضين ومشترين ووسطاء مئاتُ الآلاف من البشر.. إنها سوقُ حققـّت في الولايات لمتحدة فقط قرابة الأربعة مليارات دولار في العام الماضي، إنها سوق بيع الأطفال. سوقٌ تباع فيها الطفولة إما بعروض التبني من دول فقيرة، أو بتأجير الأرحام، أو بزرع الحيوانات المنوية من غرباءٍ تماما. لعلـّي أعود لكم بالتفصيل عنها قريبا بمقال منفصل..
في أمان الله..