جولة خادم الحرمين في 4 عواصم عربية تحمل مؤشرات مهمة جدا

جولة خادم الحرمين في 4 عواصم عربية تحمل مؤشرات مهمة جدا

الأردن المحطة الأخيرة في جولة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وكما يقول الأردنيون «التالي للغالي»، فإن العلاقات الأخوية الراسخة جعلت هذه الزيارة في وقتها وفي أوانها بالنسبة للمنطقة العربية وبالنسبة للأردن.
قبل أسابيع عديدة كانت إسرائيل تهدد، وتصريحات قياداتها تجنح نحو استفزاز الأمن السياسي للأردن، في ظل حالة من الفشل الذريع للعملية السياسية السلمية في المنطقة، رغم وجود المبادرة العربية ووعود أمريكية, لم يجر اختبارها بعد لتحقيق الأمن والسلام في المنطقة.
حالة اللا أمن واللا سلام تقلق الأردن وتجعله وسط ترقب دائم, خاصة في ظل غياب التوافق الفلسطيني وفي ظل تصريحات إسرائيلية بالتجاوز عن اتفاقية السلام الموقعة عام 1994 بالحديث عن مشروع التوطين عبر الأردن، وتطور الأمر إلى وجود محاولات إسرائيلية تهدف إلى تسخين الجو السياسي في المنطقة بحرب جديدة ستضاعف مشكلات المنطقة, إضافة إلى ما يعانيه الأردن من مشكلات اقتصادية يجري استغلالها من قبل عديد من الدول لفرض حسابات سياسية عليه، علما أن بعض تلك المشكلات ناجم عن الحروب العربية ــ الإسرائيلية السابقة والتهجير القسري من فلسطين, وأخيرا من العراق, ما بات يثير هواجس أمنية لدى أغلبية الأردنيين من حل المشكلة الفلسطينية على حسابه.
لهذه الأسباب تكتسب زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى الأردن، ولقاؤه الملك عبد الله الثاني أهمية خاصة, إذ تأتي هذه الزيارة في ظل ظروف إقليمية ودولية بالغة الدقة والحساسية، خصوصا أن المصلحة المشتركة بين البلدين تستدعي توحيد المواقف حيال عدد من القضايا الإقليمية, على رأسها القضية الفلسطينية, الأمر الذي يستدعي تكثيف الجهود والتحرك باتجاه إعادة إطلاق عملية السلام واستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وصولاً إلى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، خاصة أن وسائل الإعلام تحدثت مرارا عن حث خادم الحرمين الشريفين الرئيس الأمريكي أوباما على البحث بجدية لحل القضية الفلسطينية.
تلك الزيارة التي تؤكد حرص القيادتين الأردنية والسعودية على تفعيل التشاور والتنسيق المستمر حيال كل الأوضاع الراهنة وآخر المستجدات في المنطقة, إضافة إلى القضايا ذات الاهتمام المشترك بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين، ويصب في تعزيز وحدة الصف والتضامن العربي في مواجهة التحديات والظروف الصعبة والدقيقة التي تمر بها المنطقة.
ومما لا شك فيه أن القمة التي ستجمع الزعيمين في عمان ستسهم في مزيد من التنسيق السياسي والاقتصادي بين الدول العربية بشكل عام والمجموعة العربية التي تنتهج سياسات متقاربة حول مختلف قضايا المنطقة, خصوصا المتعلق منها بالصراع العربي ــ الإسرائيلي, وما يجب اتخاذه من تدابير لدعم عملية السلام والوقوف في وجه التهديدات الإسرائيلية ضد سورية ولبنان, وأخذ مواقف محددة وموحدة من مختلف هذه القضايا، إذ يكتسب التنسيق الأردني ــ السعودي إزاء هذه التحديات ميزة خاصة لطبيعة العلاقة التاريخية التي تجمع بين البلدين.
وتأتي هذه الزيارة لتؤكد أن صانعي القرار السياسي والاستراتيجي في الرياض والقاهرة وعمان ودمشق يدركون اليوم أكثر من أي وقت مضى أن قواعد اللعبة تغيرت بالفعل, وبشكل جذري؛ ففي الوقت الذي أصبح فيه التطرف الإسرائيلي لا حدود له، يزداد إدراك العالم أن البديل هو الانفجار المنتظر، في المقابل يأتي هذا التحرك السعودي مع القيادة الأردنية والسورية والمصرية ليكشف هذا المأزق الاستراتيجي الذي تعيشه حالة السلام في المنطقة بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن دورها في أن تكون وسيطا محايدا للسلام, بحيث أصبحت عجلة السلام تراوح مكانها، ولا تقدم أي إنجازات تذكر على صعيد التسوية السياسية، لا بل فتحت الأبواب لتدخلات إقليمية لها أجندتها ومصالحها, ومن مصالحها تفجير الوضع في المنطقة.
ويحمل الحراك السعودي الحالي مؤشرات مهمة باستعادة زمام المبادرة العربية للسلام وإعادة الحيوية فيها, كما أن زيارة خادم الحرمين الشريفين ستضع أطرافا الدولية أمام المحك مجددا، وتدحض الافتراءات الإسرائيلية التي تحاول النيل من سمعة السعودية, فكل الدلائل والمؤشرات تقول إن إسرائيل لن تقبل بأي مبادرة عربية للسلام معها.
وذلك صحيح، فلم يتحقق أي شيء يذكر في المبادرة العربية للسلام، التي أطلقها العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز في القمة العربية، التي عقدت في بيروت عام 2002، ونالت تأييداً عربياً وتهدف إلى قيام دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967، وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية ودولة الاحتلال الإسرائيلي!
المسؤولون الإسرائيليون أكدوا في أكثر من مناسبة رفض مبادرة السلام السعودية, فوزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان عبّر في أكثر من مناسبة عن رفضه المبادرة باعتبارها «وصفة لتدمير إسرائيل»، موضِّحا أن أخطر ما في المبادرة هو حق العودة للاجئين الفلسطينيين!
لكن الحرب الإسرائيلية على مبادرة السلام أخذت منحى آخر يهدف إلى الهجوم على السعودية بوصفها صاحبة المبادرة.
هذه الخطط التي تعدها دولة الاحتلال للنيل من سمعة المملكة دوليا، تؤكد مدى الكره والعنصرية للمبادرة العربية للسلام التي اعتبرها البعض عربيا أنها مبادرة استراتيجية ألجمت إسرائيل والإدارات الأمريكية، وفي الوقت ذاته المشروع الصهيوني لم يراوح مكانه في معسكر الحرب، الأمر الذي يستدعي التنسيق والمتابعة مع كل الأطراف المعنية في المنطقة وعلى رأسها الأردن والسعودية ومصر وسورية, لذلك فإن هذه الزيارة تشكل منعطفا تاريخيا وتحولا نحو مزيد من التضامن العربي للوقوف في وجه التحديات التي تواجه المنطقة وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في المنطقة.
كما أن الأزمة اللبنانية ستشكل محورا أساسيا من المحاور التي سيناقشها الزعيمان والحيلولة دون أن تنزلق الساحة اللبنانية في أتون صراع داخلي، الناجم من القلق من إمكان تفلت الأمور من عقالها وتحول التوتر الكلامي الدائر حاليا على الساحة اللبنانية إلى توتر ميداني، بعدما بلغ سقف الخطابات حدا غير مقبول لامس حد الفتنة الشيعية - السنية في ضوء فرضيات تتحدث عن اتهام حزب الله أو عناصر غير منضبطة فيه بالضلوع في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهو ما لا يمكن للحزب تحمله إن لجهة قتل شخصية سنية على هذا المستوى في العالم العربي، أو تحوله من خلال هذه العناصر من حزب مقاوم إلى إرهابي.
ومن الواضح أن الملك عبد الله الثاني وخادم الحرمين والرئيس بشار الأسد على دراية كافية بأن إسرائيل ستسعى إلى استغلال الوضع القائم في لبنان والإقدام على مغامرة غير محسوبة النتائج تشن من خلالها حربا على لبنان في محاولة للهروب إلى الإمام بعدما باتت محرجة في ظل الترتيبات الجارية على المستوى الدولي لإيجاد حل لأزمة المنطقة.
ومن الواضح من سلسلة الزيارات التي يقوم بها الملك عبد الله بن عبد العزيز أنها تسعى إلى تنسيق الجهود العربية وترك الخلافات وترتيب أوضاع المنطقة وقطع الطريق على المحاولات التي تبذل لإشاعة التوتر والصراعات بدءا من لبنان.

الأكثر قراءة