نائب أردني: السعودية ضمانة استراتيجية للأمن والاستقرار العربي
أكد النائب الأردني السابق الدكتور ممدوح العبادي أن جولة خادم الحرمين الشريفين في عدد من الدول العربية جاءت ترجمة حقيقية لفاعلية السياسة السعودية, ولدور خادم الحرمين الشريفين ومكانته عربيا. وأضاف العبادي في حوار مع «الاقتصادية» أن السعودية تشكل ضمانة استراتيجية للأمن والاستقرار العربي، وأن سياستها تتمتع ببعد النظر والحكمة الراجحة, وأن هذه الجولة تأتي في ظل ظروف إقليمية صعبة من ناحية سياسية وأمنية واقتصادية.
وأكد العبادي أن خادم الحرمين الشريفين في مسعاه السياسي العاجل مستغل الثقل النوعي للمملكة في أمثل صورة لإدامة التضامن العربي وتعميق الروابط الأخوية بين الدول العربية، وهذا المسعى ليس غريبا على المملكة وهي التي احتضنت دوما مساعي المصالحة العربية، وخادم الحرمين الشريفين قدم المثل الرائع في إشاعة المصالحة العربية في مؤتمر قمة الكويت.
كيف تنظرون إلى جولة خادم الحرمين الشريفين العربية .. ما أسبابها وما النتائج المرجوة منها؟
علينا أن نعلم أن السعودية وخادم الحرمين الشريفين يحظيان بمكانة كبيرة فاعلة ومؤثرة في عالمنا العربي والإسلامي، وهذه المكانة تم اختبارها في قضايا عدة، وأثبتت السعودية باستمرار أنها الدولة العربية المركزية والرئيسة التي جعلت من مكانتها وثقلها ووزنها درعا للدول العربية والنظام السياسي العربي، وأن المملكة اتسم سلوكها السياسي على مدار التاريخ بالعقلانية السياسية، وفي عهد خادم الحرمين الشريفين لمسنا في العالم العربي وفي الأردن على الخصوص أن للملك مكانة ليست بين الشعوب العربية فقط, إنما يحظى بتقدير كبير بين أشقائه وإخوانه الملوك والرؤساء العرب.
أما بخصوص نظرتنا إلى هذه الجولة، بالطبع تأتي هذه الزيارات في إطار مجموعة من الظروف الإقليمية المعقدة والتدخلات الإقليمية في الشأن العربي, أسهمت هي الأخرى في تعقيد الموقف عندما تناقضت في مصالحها وأهدافها والمصالح العربية، ونستذكر هنا دعوة خادم الحرمين الشريفين وتشديده دائما على أن تناقش القضايا العربية في البيت العربي، وعليه فإن خادم الحرمين الشريفين والمملكة العربية السعودية, وبالنظر إلى هذه المكانة فإن الجولة تأتي كمحاولة سعودية لإطفاء الحرائق ومحاولة إنهاء أسبابها وإبعادها من خلال تقريب وجهات النظر, ومن خلال تحقيق المصالحات الوطنية والعربية، ونعتقد أن هذه الجولة سيكون من ثمارها تعزيز العمل العربي المشترك وتعزيز العلاقات السورية ــ اللبنانية وضبط التفاعلات الداخلية في لبنان وإبعاده عن الحروب التي باتت طبولها تقرع، وأيضا إعادة العلاقات المصرية ــ السورية، فسورية ومصر من الدول العربية الرئيسة وبقاء العلاقات على هذا النحو لا يصب في المصلحة العربية. إضافة إلى أن زيارة خادم الحرمين الشريفين للأردن تأتي في ظروف دقيقة وحساسة بالنسبة للأردن من حيث الضغوط الدولية والإسرائيلية ومحاولات النيل من أمنه واستقراره السياسي باستغلال ظروفه الاقتصادية، ناهيك عن أن العلاقات بين المملكتين تطورت كثيرا في الآونة الأخيرة, وأن التنسيق بين البلدين في مختلف المجالات, وبالتالي فإن زيارة خادم الحرمين الشريفين للأردن هي محط احترام واهتمام الأردن قيادة وشعبا.
ما الذي يأمله العرب من السياسة السعودية في هذه المرحلة الدقيقة؟
كما أسلفت, العالم العربي مرت عليه ظروف سياسية معقدة وأصبح هناك وعي سياسي كبير بأهمية وضرورة وحاجة الدول العربية إلى شخصيات قيادية يتسم سلوكها السياسي بالعقلانية والحكمة، لأن الحكمة ضالة المؤمن, خاصة بعد ما حصل للعراق من احتلال وتغيير لنظامه السياسي، وبطء العملية السياسية فيها، والفوضى الأمنية، وانعكاسات ذلك على الأمن القومي العربي وعلى النظام السياسي العربي, مضافة إليها الظروف الاقتصادية الحادة بعد الأزمة المالية العالمية، وعليه فهناك استماع عربي جيد لرسالة العقلانية التي يحملها خادم الحرمين الشريفين, ويشاركه فيها الملوك والرؤساء العرب، وهذا يجلب لنا الطمأنينة ويسهم في تعزيز الحراك السياسي السعودي، فالمملكة لا تتدخل في الشؤون الداخلية, إنما هي شقيقة كبرى, تتجسد هذه الحالة في طريقة تعاملها العربي، ورأينا أخيرا كيف تقاطرت لها القوى السياسية العراقية، والكلام الإيجابي الكبير الذي قيل في خادم الحرمين من قيادات عراقية, الذي أثلج صدورنا في حينه.
السياسة الخارجية للسعودية تعمل على إنجاز وإدامة حالة التضامن العربي والإسلامي مستخدمة وزنها النوعي وحضورها الكبير الذي تتمتع به في المجتمع الدولي، كما أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يشكل الآن ضمانة لإدامة هذا الاستقرار لتقوية روابط التضامن العربي الإسلامي، ومستغلا هذا الوزن في بناء صورة إيجابية عالميا عن عالمنا العربي وفي الدفاع عن قضاياه وحقوقه.
الوزن الكبير الذي تتمتع به الشقيقة السعودية في المجتمع الدولي يجري تكريسه لمصلحة القضايا العربية والإسلامية وحوار الأديان والتقريب بين الشرق والغرب سياسيا, والشمال والجنوب اقتصاديا, لذا أرى أن جولة خادم الحرمين الشريفين العربية تأتي في سياق لملمة الجراح العربية واستعادة التضامن العربي والحرص على إيقاف الانحدار في الوزن النوعي للقضايا العربية التي أضحت ــ مع الأسف الشديد ــ في قاع الاهتمامات الدولية، كما كان للملك عبد الله بن عبد العزيز دور أساسي أسهم في إرساء دعائم الاستقرار السياسي, ليس على المستوى الخليجي, بل العربي والإسلامي.
كيف تقيم العلاقات الثنائية بين المملكتين الأردنية والسعودية؟
العلاقات الأردنية ــ السعودية تحظى باهتمام نوعي من قبل القيادتين، وهي علاقات راسخة وتاريخية وفيها أبعاد ووشائج وعرى كبيرة لا يمكن فصمها أو التجاوز عنها, ويكفينا في الأردن أن يردد الأردنيون دائما مقولة ولي العهد السعودي الأمير سلطان أن الأردن بالنسبة للمملكة العربية السعودية مثل سواد العين، فهذا وصف مكثف وبليغ وحقيقي لما عليه هذه العلاقة بسبب وجود قيم وثقافة مشتركة.
كما أنه من نافلة القول إن العلاقات الثنائية بين الأردن والسعودية تعد النموذج الناصح للعلاقات بين الأشقاء العرب, فلا ننسى الدعم الموصول الذي تقدمه الشقيقة السعودية للاقتصاد الأردني, ليس اليوم فقط, بل منذ عقود, فهذا السلوك الأخوي النبيل محط إعجاب الأردنيين شعبا ونظاما سياسيا كونه تعبيرا أصيلا عن نقاء العلاقات بين عمان والرياض, وبقائها في المستوى الرفيع رسميا وشعبيا أيضا. فالروابط الأخوية العميقة بين الملك عبد الله الثاني وخادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز نموذج متميز للعلاقة بين الأشقاء .. هذا على المستوى الرسمي, أما على الصعيد الشعبي فإن الروابط التي تجمع الشعب العربي الواحد في المملكتين لا يمكن وصفها, إذ إنها من القوة بحيث تستحق وصف شعب واحد في مملكتين.
كيف تقيمون السياسة السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين؟
أولا وكما قلت, العلاقة بين البلدين تاريخية وراسخة, ومن أمانة القول ألا ننكر الدور السعودي في مختلف عهوده في دعمه لأمن واستقرار الأردن السياسي والاقتصادي، فهذا عهدنا بالدولة السعودية ولا تعجب أن تكون للمملكة في أذهاننا وفي بلدنا كل هذا الحب والتقدير والاحترام.
اتسم عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بحس عروبي فيه نقاء وصفاء واضحان، تمثل في حضور المملكة الدائم والمؤثر في القضايا العربية، حضور عالمي ممثلة للعالم العربي، حضور تمثل في النهضة التعليمية التي تشهدها السعودية الآن, فقد دهشت للنهضة التعليمية والابتعاث الخارجي، ودهشت وابتهجت لهذا الرقم الكبير, إذ إن هذه القفزة الحضارية الهائلة ستؤتي أكلها في السنين القليلة المقبلة، كما أن النهضة العمرانية والتقنية وفي المجالات كافة تعني أن هناك عقلا حضاريا يقف خلف كل هذا الإنجاز.
باختصار حققت السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين منجزات ضخمة وتحولات كبرى في مختلف الجوانب التعليمية والاقتصادية والزراعية والصناعية والثقافية والاجتماعية والعمرانية, ويلمس هذه النهضة كل من قيض له أن يزور المملكة الشقيقة.
أما على المستوى السياسي فإنني من أشد المعجبين بالإطار الأخلاقي الذي يحكم السياسة الداخلية السعودية, وبوصفي برلمانيا فقد تابعت خطب خادم الحرمين لدى افتتاحه جلسات مجلس الشورى وقرأت خطابه أمام المجلس, ذلك الخطاب الذي اتسم بالوسطية والعقلانية والحكمة، وهي السياسة التي جنّبت الشقيقة السعودية الوقوع في كثير من الصراعات الإقليمية والدولية، باعتبارها تقف دائما مع قضايا الحق والعدل دون التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة.
أما على الصعيد العربي, فإن الثابت في السياسة السعودية هو خدمة المصالحة العربية، ومراعاة حسن الجوار، وتنقية الأجواء، وإصلاح ذات البين بين جميع الدول العربية والإسلامية الشقيقة، ودعم قضاياها العادلة وعلى الأخص قضية العرب والمسلمين الأولى قضية فلسطين.
ولا ننسى أن دوافع الجولة الأخيرة لخادم الحرمين تأتي في هذا السياق ولتجنيب لبنان الانزلاق مجددا إلى نفق الاحتراب الداخلي, خصوصا أن الطائف كانت العنوان الأبرز الذي أنقذ الأشقاء اللبنانيين من دوامة الحرب الأهلية التي استمرت زهاء العقد ونصف العقد من الزمان.
كيف ترى الدور السعودي فيما يتعلق بحوار الحضارات وحوار الأديان؟
السعودية مرتكز حضاري وإنساني, والمنطقة العربية مهد الديانات السماوية، ولا يزايد علينا أحد في هذا المضمار، فكل القيم الأخلاقية والإنسانية، قيم العدل والإنصاف انطلقت من هذه الأرض، وبالتالي, وبما أن السعودية بلاد الحرمين الشريفين, فإنها مؤهلة تماما لقيادة الحوارات الحضارية وحوارات الأديان, فهي مركز إشعاع عربي ــ إسلامي، رغم أن هذا الكلام لا يعجب البعض, لكن الشمس لا تغطى بغربال.
الدور السعودي أساسي في الإطار الإسلامي, وهو دور محوري يقوم على مبادئ إسلامية واضحة, وفي هذا السياق يسجل لخادم الحرمين الشريفين عديد من النجاحات التي توجت بزيارته الأخيرة إلى الفاتيكان، إذ استحقت هذه الزيارة ولقاؤه البابا بنديكتوس الــ 16، قبل ثلاثة أعوام أن توصف بالتاريخية، باعتبارها الأولى التي يقوم بها زعيم مسلم بهذا الوزن, وهو ما سينعكس إيجابا على العلاقات الدولية بين الشرق والغرب, فهذه الزيارة في تقديري أسست لمرحلة جديدة في العلاقات بين الإسلام والمسيحية في العصر الحديث، وأعطت انطباعا مهما عن قيمة التسامح الإسلامي ونبذ التطرف والغلو والإرهاب، فهي زيارة تاريخية لما يمثله الملك عبد الله من قيمة روحية في العالم الإسلامي، والبابا للمسيحيين الكاثوليك خصوصا.