نحن وعصر التقنية والمعرفة (2 من 2)
ختمنا الجزء الأول من هذه المقالة، بتساؤل مهم، يطرح نفسه، وهو: ما مظاهر الحياة في هذا العالم الجديد .. عالم الأعمال الإلكترونية؟ ونجيب، بأن ثمة بعض الأمثلة التي تحدث كل يوم في هذا العالم الرقمي، نوضحها فيما يلي:
•بالتقنية والمعرفة يمكن لطالب جامعي يدرس في جامعة هندية، بيع دراجته البخارية لنظير له في إحدى الجامعات الأخرى بطريقة إلكترونية (من خلال شبكة الإنترنت) دون أن يقابله وجهاً لوجه.
•وبالتقنية والمعرفة، يستطيع طبيب جرّاح في مستشفي جامعي تخصصي أوروبي الإشراف على فريق طبي من الجرّاحين لإجراء عملية نادرة في أحد المستشفيات في منطقة الشرق الأوسط!
•بالتقنية والمعرفة، يستطيع شاب يعيش في إحدى المدن السعودية، دفع ثمن رحلة الحافلة أو الطائرة بمجرد لمس شاشة الحاسب الآلي.
• أيضاً بالتقنية والمعرفة يمكن جمع ملايين الأزهار النديّة من بعض المناطق الهولندية وشراؤها بالمزاد العلني، ثم شحنها لبائعي الزهور في جميع أنحاء العالم خلال ساعات قليلة، وذلك دون أن يرى المشترون البائعين!
إننا بالفعل نحيا في هذا العالم، فكل هذه الأحداث، بل أكثر من ذلك تحدث كل يوم وفي هذه اللحظة لدرجة أنه يمكن أن نسمي اليوم الذي نعيشه اليوم الرقمي Digital Day، وأن الكوكب الذي نعيش فيه الكوكب الإلكتروني؛ فنحن نعيش حياة كنا منذ أكثر من عشر سنوات لا نستطيع تخيلها على الإطلاق! بفضل الله ـ تعالى ـ ثم ما وهبنا من نعم كثيرة، من بينها التقنية والمعرفة؛ وحيث عالم تعتمد فيه صلاحية الإنسان للبقاء على القدرة على إدارة التقنية، بينما تُكتب شهادة وفاته إذا توقف نشاطه استسلامًا أو تنازلاً عن هذه الإدارة!
لذلك؛ فما أحوجنا إلى فهم الأدوات التقنية المتقدمة، التي تعتمد أساساً على تقنية المعلومات والاتصالات وصناعة البرمجيات الذكية، ليس فقط للتغلب على تحديات عالم الأعمال الإلكترونية بقدر ما هو للعيش في هذا العالم الجديد!
وإذا كانت المعرفة معيار النجاح والتفوق والقوة ووسيلة التعامل والتفاعل مع الآخرين في هذا العصر؛ فإن إدارة المعرفة Knowledge Management، التي شهدت السنوات الماضية اهتماماً متزايداً بها؛ هي مصدر القوة الحقيقة في هذا العالم الجديد، الذي يُعرَف اليوم بعالم الأعمال الإلكترونية.. كأحدث المفاهيم الإدارية التي نمت أدبياتها المتعلقة بها كماً ونوعاً، بوصفها عمليات تساعد المنظمات والشركات على الحصول على المعرفة وتوليدها: اختياراً، تنظيماً، استخداماً، ونشراً، وتحويل المعلومات المهمة والخبرات التي تمتلكها المنظمة، التي تُعدُّ ضرورية للأنشطة الإدارية المختلفة كاتخاذ القرارات، حل المشكلات، التعلم، والتخطيط الاستراتيجي.
عربيًا أضحى اقتناء المعرفة أمراً لا مناص منه؛ أما توظيفها؛ فأمر يحتاج إلى تحرير، إذا لا نضيف جديداً إذا أكّدنا بتفكك هذه الحلقة المعرفية. وعادة ما يغيب عنها شق (التوظيف) في حل مشكلات المجتمع وتنمية أفراده وموارده؛ وفي كثير من الأحيان يتوقف الجهد عند حدود الاقتناء (المعرفة) دون استيعابها في الأوضاع المحلية. وسنظل نشكو أنيميا معرفية حادة مهما تعدّدت لدينا نظم الحاسبات وانتشرت مواقعنا على الإنترنت، ومهما كثر الحديث عن أهمية المعلومات وضرورة اللحاق بركبها إذا لم نسع إلى استيعاب هذه المعرفة وتوظيفها.
إن تعميم استخدام تقنية المعلومات وشبكاتها والتطور التقني السريع واتساع السوق بشكل مذهل، إضافة إلى عولمة تدفق المعلومات، حوّلت مجتمعاتنا إلى اقتصاديات مبنية على المعرفة والتقنية، وفرضت شروطاً تنافسية جديدة، ما أعطى ضرورة كبرى للمشاركة في الاقتصاد العالمي الجديد، الذي يعتمد بشكل كبير على ثورة المعلوماتية، ويحتم علينا، في الوقت نفسه، الاضطلاع بدور بارز في مجال تقنية المعلومات والمعرفة من خلال توفير البيئة والتقنيات التي تسمح بنمو صناعة المعلومات وازدهارها.