نظرة المعماريين لتقليل الأعمدة داخل المساجد تتفق مع النظرة الشرعية
ما زال تصميم بعض المساجد يهتم بالنمط القديم الذي يعتمد على إكثار الأعمدة داخل المسجد, ما يتسبب في قطع الصفوف في الصلاة, وهذا عيب في التصميم مقارنة بالتصميم الحديث الذي يقلل من الأعمدة داخل المساجد رغم سعة حجم المساجد. وتحدث بعض المهتمين من المهندسين المعماريين عن هذا الجانب من التصميم وكذا بعض المشايخ من الناحية الشرعية عن هذا الجانب .. فماذا قالوا؟
كثرة الأعمدة في المسجد
بداية تحدث بعض المعماريين عن التصميم الذي يعتمد على كثرة الأعمدة في المسجد حتى ولو كانت مساحته صغيرة, يتناول هذا الجانب الدكتور نوبي محمد حسن أستاذ العمارة في كلية العمارة والتخطيط جامعة الملك سعود في الرياض، حيث يقول: إنه ليس من المستحب أن تكون الأعمدة عاملاً في قطع صفوف المصلين والفصل بينهم، لذا ينبغي أن تكون الأعمدة قليلة، وللحاجة فقط، وتترك إذا لم تدع إليها حاجة، وهو كما يقول أكثر استحباباً من الناحية الشرعية حتى لا تنقطع الصفوف، وتتفرق الجماعة التي من الأهداف الرئيسة في الصلاة في المسجد، وهذا ما يراه بعض العلماء المعاصرين، وخصوصاً مع تقدم هندسة عمارة المساجد وإمكان الاستغناء عن الأعمدة، وفي هذه النقطة يستند الدكتور نوبي إلى الأحاديث النبوية التي تنادي بذلك فيقول: رويت بعض الأحاديث عن الصلاة بين السواري (الأعمدة والركائز الإنشائية)، منها ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ "أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما دخل الكعبة صلى بين الساريتين"، وكان سعيد بن جبير وإبراهيم التيمي وسويد بن غفلة يؤمون قومهم بين الأساطين (الأعمدة)، وأما المؤتمون فتكره صلاتهم بينها عند السعة بسبب قطع الصفوف ولا تكره عند الضيق، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: "كنا ننهى عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها".
ويرى المهندس صالح السلطان أن التصميمات الحديثة استبعدت كثرة الأعمدة, خاصة أن بعضهم ينظر لذلك من ناحية شرعية, تضاف إليها النظرة الجمالية، وأضاف أنه كلما كانت المساحات في المسجد واسعة والفراغ أبعد حجما وتناسقا أعطى ذلك الجامع والمسجد منظراً جمالياً وروحانياً ومساحة للتأمل وساعد في الوقت نفسه المصلين على الخشوع في صلاتهم وأدائها بالشكل الذي يريح نفسياتهم ويسهم في ارتفاع إيمانهم.
الجانب الشرعي
أما من الجانب الشرعي, فقد أوضح الشيخ سلمان بن فهد العودة المشرف على موقع "الإسلام اليوم" أنه ورد في النهي عن الصلاة بين السواري (الأعمدة) أحاديث، وقد بوّب الترمذي (باب ما جاء في كراهية الصف بين السواري) باب رقم (55)، ثم ساق حديث أنس: "كنا نتقي هذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم", يعني الصلاة بين السواري، وقال الترمذي: حسن صحيح. قال: وقد كره قوم من أهل العلم أن يصف بين السواري، وبه يقول أحمد وإسحاق، وبين أن هناك من أهل العلم من رخص في ذلك. وقد بوّب البخاري في (صحيحه): (باب الصلاة بين السواري في غير جماعة)، فقيّدها في غير الجماعة، من باب الإشارة إلى علة النهي، وهي أن السواري تقطع اتصال الصفوف. وأما إن كانت هناك حاجة للمصلين إلى أن يصفوا بين السواري نظراً لضيق المسجد وكثرة المصلين, أو لأن ترك الصف بين السواري سيؤدي إلى عدم اتصال الصفوف, فلا كراهة في الصف بين السواري قال الإمام مالك: "لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد".
وكذلك رخص جماعة من الفقهاء في الصلاة بين السواري فقد ورد عن الإمام أحمد أنه لا يكره ذلك ورخص فيه ابن سيرين ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر.
ولا ينبغي لأحد أن يتشدد في هذه المسألة وأمثالها, ما يؤدي إلى حدوث بلبلة بين المصلين وإلى تشكيك الناس في صحة صلاتهم .
من جانبه, يقول الشيخ عبد العزيز الراجحي الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض, إن الصلاة بين السواري مكروهة عند أهل العلم إلا إذا وجدت حاجة، كأن يمتلئ المسجد ويحتاج المصلون إلى الصفوف بين السواري، فلا بأس، أما إذا لم تكن هناك حاجة فهي مكروهة؛ لأن السواري تقطع الصف، ولو صلى صحت الصلاة، لا بأس الصلاة صحيحة لكنها مكروهة، ينبغي أن يكون الصف أمام السارية أو خلف السارية، إلا إذا امتلأ المسجد ووجدت حاجة فتجوز الصلاة في هذه الحالة .
ويؤكد الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء, أنه يكره الوقوف بين السواري إلا إذا احتيج إليه، إذا ضاق المسجد، إذا وضاق المسجد فإنهم يصلون بين السواري تزول الكراهة للحاجة، أما إذا لم تكن هناك حاجة فإن الوقوف بين السواري يكره لكونها تقطع الصفوف، فإذا جئت وهناك صف بين السواري وصف أمامه أو خلفه وفيه فرجة فإنك تكون في الصف الذي بين السواري.
الصلاة بين الأعمدة
من جانبه, أوضح الشيخ فهد العيبان, أن الصلاة بين الأعمدة أو السواري مكروهة, أما للإمام والمنفرد فلا بأس أن يصلوا بين السواري؛ لفعله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبوب عليه البخاري في الصحيح، فقال: "باب الصلاة بين السواري في غير جماعة".
وذكر حديث دخول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى جوف الكعبة وصلاته بين ساريتين.
وأما صلاة المأمومين بين السواري فإن كانت السارية لا تقطع الصف بأن كان الصف قدر ما بين الساريتين أو أقل فإنه لا يكره باتفاق العلماء من المذاهب الأربعة وغيرهم.
وأما إن كانت السارية تقطع الصف ففيه خلاف في الكراهة فذهب الحنفية والمالكية إلى عدم الكراهة؛ لعدم الدليل, وذهب الحنابلة وغيرهم من المحققين إلى الكراهة, وهو الراجح لورود الدليل على الكراهة, وهو ما أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح، صححه الحافظ وغيره من طريق يحيى بن هانئ المرادي عن عبد الحميد بن محمود قال: صلينا خلف أمير من الأمراء فاضطرنا الناس فصلينا بين الساريتين، فلما صلينا قال أنس ـرضي الله عنه ـ "كنا نتقي هذا على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم"، والكراهة هنا محلها عند عدم الحاجة، أما إذا وجدت الحاجة كضيق المسجد ونحو ذلك فلا بأس. وذكر أهل العلم القائلون بالكراهة أن الحكمة في كراهة الصلاة بين السواري أن السارية تقطع الصف، ونحن مأمورون بتسوية الصفوف وسد خللها، وقيل لأجل إن هذا موضع النعال. والله أعلم.