الشباب السعودي .. تحقيق الطموح أم الاستسلام للواقع؟!

كم تحزنني تلك النبرات الحزينة والطلة البائسة اليائسة لبعض شبابنا وشاباتنا, ليس ممن تخرجوا ولم يجدوا عملا فحسب, إنما مع هذه المصيبة, تم إلغاء شهاداتهم من قبل المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني, أو إلغاء الاعتراف بها من وزارة الخدمة المدنية. وأكثر هؤلاء من خريجي بعض الكليات أو المعاهد الخاصة التي تمنح الدبلومات الجامعية كما حدث ويحدث مع خريجات معاهد العالمية، وأخيراً الملتحقين ببرامج قيادة الحاسب الآلي الدولية. ولعلكم تذكرون ما حدث قبل هذا بسنوات مع خريجي دبلوم اللغة الإنجليزية من جامعة الإمام, وسنظل نرى مثل هذه القضايا في مجتمعنا السعودي ما لم يفصل هذا التداخل في الاختصاص والتشتت في الإشراف على تلك الجهات والمعاهد التي تمنح درجات علمية بعد المرحلة الثانوية دبلوماً كان أم أعلى. وطالبت بذلك سابقاً في مقال لي هنا في ''الاقتصادية'' بعنوان ''التعليم والتدريب .. أمام تداخل الاختصاص وضعف التكامل''، وفي حوار في قضية الأسبوع لمجلة ''اليمامة'' بعنوان ''من القدرات إلى التحصيلي إلى التحضيري''. وهذه القضايا بالضبط مثال جلي على سلبيات هذا التداخل بين محاور التعليم والتدريب الثلاثة. ودوماً ضحية هذا التداخل هم شباب هذا الوطن الذين يُضّيعون سنوات من أعمارهم في الدراسة، ويخسرون الأموال المباشرة في رسوم تلك المعاهد وغير المباشرة في الانتقال إليها وشراء متطلباتها، ثم في ضياع فرص العمل بسبب إلغاء الاعتراف بهذه الشهادات رغم أنها من جهات مُصّرحة رسمياً وتشرف عليها هذه الجهة أو تلك بدعوى ضعف الجودة أو ضعف الإشراف من الجهة الحكومية المسؤولة سابقاً, فما ذنب الطلاب هنا؟ ولِمَ لم يأت هذا الحرص على الجودة في فترة التصريح لتلك المعاهد؟ أو في بداية الدراسة؟ لِمَ لم يأت إلا بعد التخرج بسنوات؟! ثم لِمَ لا تُعاد الرسوم لهؤلاء المساكين ويعوضون تعويضاً مجزياً عن كل الخسائر المباشرة وغير المباشرة لهذه القرارات الغريبة؟ وإن كانت كل تعويضاتهم لن تقابل ما حصل لهؤلاء الشباب الفتي من تحطيم لطموحاتهم وتكسير ''لمجاديفهم'', وإنما حسبهم الله ونعم الوكيل.
والحل الجذري لتلك المشكلات يكمن في محورين, الأول يتعلق بمعالجة ازدواجية الاختصاص وتداخل المسؤوليات بين جهات التعليم والتدريب، والآخر يتعلق بالطلاب أنفسهم وما يمكنهم عمله للحصول على تعليم جيد ودرجة جامعية معترف بها محليا وعالمياً. ويمكن أن أختصر ما يتعلق بالمحور الأول بالمطالبة بما طالبت به سابقاً وطالب به أو ببعضه كثير من الكتاب والمفكرين قبلي وبعدي وهو ما يلي:
1ـ أن تكون كل الدرجات العلمية ما بعد الثانوية من دبلوم وبكالوريوس تطبيقية أو نظرية أياً كان مجالها، من اختصاص ومسؤوليات وزارة التعليم العالي ويتم تصريحها والإشراف عليها واعتماد شهاداتها ومصادقتها منها فقط, ويشمل ذلك الكليات التقنية والمعاهد والكليات والجامعات الأهلية التي تمنح هذه الدرجات.
2ـ أن يتم تقييم خريجي الثانويات العامة فقط بواسطة وزارة التربية والتعليم باعتبارها الجهة ذات الاختصاص, ويجب منحها الثقة والمصداقية في عملها واختصاصها, على أن يتم بآلية منهجية معتمدة وعصرية تستخدم أحدث التقنيات لتحقيق مبادئ العدالة بين الطلاب أينما كانت مدارسهم في المدن أم القرى, وسواء في مدارس حكومية أم خاصة. ويمكن ذلك عبر اتباع بناء بنك أسئلة لكل مقرر واختبار الطلاب من خلال معامل حاسب آلي معتمدة بإشراف إدارات التعليم كما هو حال كثير من الشهادات الدولية المعتمدة عالمياً. وهنا لا حاجة إلى تحطيم الطالب وتشتيته بين اختبار الثانوية والقدرات والتحصيلي, إذ يمكن الاكتفاء بنتيجة الثانوية فقط.
3_ أن يُفصل مركز القياس عن وزارة التعليم العالي ليكون هيئة مستقلة تقيس عبر اختبارات تقنية محكمة مخرجات التعليم عامة في كل مراحله من عام إلى جامعي إلى تقني ومهني، ليس لفرز الطلاب بناء على نتائجه، إنما لقياس مستوى جودة مخرجاته وتحليل النتائج والعمل مع جهات الاختصاص لتقويم ما يتم كشفه من خلل في أي مرحلة من المراحل, مع استمرار المركز في أعماله وانطلاقته الجديدة والجيدة نحو اعتماده وتطويره للاختبارات المهنية للمعلمين والمهندسين وكل المهن وكذلك المراكز الوظيفية بدءاً من الموظف العادي إلى المدير إلى التنفيذي, على أن يتجاوز ذلك الخريجين السعوديين إلى الوافدين للعمل في السعودية.
وأخيراً فيما يخص المحور المتعلق بالطلاب لحل مثل هذه المشكلات وتلافيها, أنصح الطلاب بالحرص على دراسة الخيارات المتاحة جيداً والاستخارة والاستشارة قبل اختيار الجهة التي سيلتحقون بها والتخصص الذي سيدرسونه, وسؤال بعض الطلاب الذين سبقوهم في الدراسة أو التخرج في تلك الجهات العلمية. ومهما حصل من صعوبات في دخولك التخصص الذي ترغب فيه بشدة، فأنصحك بعدم الخضوع والاستسلام إذ إن الخيارات الآن كثيرة, فإن لم تقبل في تلك الجامعة فاذهب إلى تلك, وإن لم تتيسر لك الجامعات الحكومية العريقة مثل جامعة الملك فهد أو الملك سعود أو الإمام أو غيرها ممن صنعت اسمها وتاريخها مع تاريخ هذه البلاد الطيبة, فاذهب إلى الخاصة التي أثبتت وجودها مثل جامعة الأمير سلطان أو اليمامة أو غيرهما مما حقق كثيرا من معايير الجودة العالمية وكسبت ثقة القطاعين العام والخاص, خصوصاً بعد القرار الميمون بتكفل الدولة بنصف رسوم الدراسة في الجامعات الأهلية. وإن لم يُتح لك المجال لأي سبب كعدم وجود التخصص، فاذهب للدراسة في الخارج ملتحقاً بالابتعاث أو غير ملتحق, وشُق طريقك نحو طموحك بثبات وشجاعة حتى ولو تطلب الأمر عملك في ''بقالة'' أو مطعم لتدفع مصروفات الدراسة, وستجد خاتمة النصر الجميلة ونشوة تحقيق الطموح بعد تخرجك والتحاقك بعمل جيد ـ إن شاء الله. ودمتم بخير وسعادة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي