اقتراح بإنشاء صندوق مشترك لحل مشكلات الاستثمار بين المصارف الإسلامية اليمنية
ثلت قرن من الزمن أو أكثر قليلاً مضى على بدء أول تجربة فعلية لمصرف إسلامي في العالم عندما كان علماء المصارف والاقتصاد والشريعة ورجال الأعمال في العالم الإسلامي ينتظرون ذلك المولود الذي كان قد طال انتظاره طويلاً. الجميع تابع التجربة بينما كانت الأيدي موضوعة على القلوب المرتجفة خوفا من فشل تجربة أسلمة الفن المصرفي, الذي نشأ في أصله في الغرب الرأسمالي المادي, أما ما كتبه الله من نجاحات متوالية, سواء على المستوى الأفقي, من حيث الانتشار الذي غطى قارات العالم، أم على المستوى العمودي الذي شهد نمواً موفقاً في ارتقاء تجربة تلك المصارف من حيث تقنين كل جوانب التجربة, إضافة إلى العدد المدهش للمنتجات المصرفيه الإسلامية، الأمر الذي حير وأدهش وآثار إعجاب أبناء الأمة العربية والإسلامية قبل أن يثير إعجاب الغرب المعجب برأسماليته, التي بدأت عوراتها تتكشف له قبل غيره.
وليست الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي ظهرت بكل فجاجتها وقسوتها وتحدياتها لجميع دول العالم عنا ببعيد, حيث هب الجميع منادياً باللجوء إلى الاستفادة من تجربة المصارف الإسلامية, التي استطاعت أن تقدم بديلاً مقنعاً ومجدياً وآمنا, ليس للعالم الإسلامي فقط، بل للبشرية جميعاً. لكن في الحقيقة ما يستوقفنا بعد هذه السنوات من التجربة ومن النجاحات هو السؤال الذي مفاده: هل ستستمر تجربة المصارف الإسلامية؟ وهل ستستمر معها خطوات النجاحات المتتالية؟ وهل سيستمر انتشارها؟ وهل ستصمد لمواجهة متطلبات المتغيرات الاقتصادية بشقيها الجزئي والكلي, خاصة في بلدان ذات الاقتصاديات الضعيفة؟ وهل استطاعت تلك المصارف أن تنسق وتتعاون لمواجهة كل ما سبق؟
ناقشت دراسة أعدها الباحث عامر طوقان مشكلات الاستثمارات المشتركة بين المصارف الإسلامية داخلياً وخارجياً في اليمن. بداية عرجت الدراسة إلى نشأة المصارف الإسلامية اليمنية, وكيف استجابت تجربة الصيرفة الإسلامية لتطلع وتعطش السوق اليمنية لها, فظهر على الساحة أول مصرف إسلامي في منتصف العقد الأخير من القرن الماضي, أي في عام 1995, حيث ولد البنك الإسلامي اليمني. ولم يكد يأتي العام الذي يليه حتى خرج بنك التضامن الإسلامي الدولي عام 1996. ثم تلاهما عام 1997 بنك سبأ الإسلامي, ولم تتوقف التجربة المصرفية الإسلامية عن الإنجاب رغم تأخر ظهور المولود الرابع لعام 2002, حيث ظهر مصرف البحرين الشامل.
وحول أداء المصارف الإسلامية اليمنية, أشارت الدراسة إلى أن المصارف الإسلامية اليمنية استطاعت أن تنجح في انتزاع حصة كبيرة نسبياً من السوق المصرفية اليمنية, فرغم أن عدد تلك المصارف أربعة فقط, أي 25 في المائة من العدد الإجمالي للمصارف اليمنية, إلا أن حصة تلك المصارف من سوق الودائع والتسهيلات لم تقل في الغالب عن 40 في المائة من إجمالي الحصة السوقية. وعرض الباحث في الدراسة عدة جداول للمقارنة بين أداء هذه المصارف, وأضاف أن ذلك لم يتحقق إلا بسبب ما استطاعت تلك المصارف من تقديمه من تنوع وتكامل في الخدمات والمنتجات, الأمر الذي جعلها تنتزع إعجاب العميل المصرفي الوطني وثقته, واستدركت الدراسة أن ذلك لا ينفي وجود ثغرات وهنات ونقاط ضعف هنا وهناك في تلك المصارف, البعض معترف به ويعالج وبعضها معترف به ولا يعالج، وبعضها غير معترف به أصلاً. كل ذلك ربما يجعل لطموح تلك المصارف ونجاحها سقفاً وحدوداً لا يمكن تجاوزهما. وحول تعاون المصارف الإسلامية اليمنية والتنسبق بينها قالت الدراسة إن المصرفيين الإسلاميين كانوا وما زالوا يطمعون ويطمحون إلى أن نعيش لنرى المصارف الإسلامية عموماً والإسلامية اليمنية, خصوصاً تتقارب وتتعاون وتتكامل، وليس المراد أن تندمج, لأننا ندرك أن لكل منها خصوصيته التي نحترمها. حتى نكون منصفين نستطيع أن نقول إن هناك تقاربا وتعاونا, لكن دائماً كانا في الحدود الدنيا وعلى استحياء لم نعرف له مبرراً منصفاً حتى الآن, وفي الوقت الذي نفترض فيه توافر النيات الصافية والرغبة الأكيدة عند الجميع, أي عند القائمين على المصارف الإسلامية اليمنية. وأكدت الدراسة أن المصارف الإسلامية اليمنية مع كل ما تواجهه من تحديات وعلى الصعد كافة, ورغم كل ما تحققه من نجاحات وتقدم، أن الأصل هو تقاربها وتعاونها وتكاملها, خاصة أنها ما زالت تعد مصارف ناشئة وليست ذات خبرات طويلة, وبالتالي فإن تقاربها يساعدها على اندماج ما عندها من خبرات وتكاملها.
وخصص الباحث جزءا من الدراسة حول أهم عوائق التعاون والتكامل بين المصارف الإسلامية واليمنية, وتحدث عن نوعين من العوائق أولها عوائق داخلية: فهناك مجموعة من العوائق الداخلية تسهم في عدم إتمام التعاون والتكامل بين المصارف الإسلامية اليمنية, ومن أهمها عدم اكتمال الملامح المؤسسية للمصارف الإسلامية، فالنضج المؤسسي يساعد أكثر على التعاون بين المؤسسات, إضافة إلى أن قصر تجربة المصارف الإسلامية اليمنية يجعل التعاون فيما بينها صعباً, كما أن وجود كم من الهموم الداخلية والأخطاء, ربما التعثر أحيانا, يجعل المصارف الإسلامية اليمنية مشغولة بتلك الهموم والأخطاء والتعثرات, ثم إن محدودية حجم رساميل المصارف الإسلامية اليمنية ومحدودية ما لديها من سيولة تجعلها عاجزة عن توجيه جزء من تلك السيولة نحو استثمارات أو تحويلات مشتركة فيما بينها. ومن العوائق الرئيسية أن غياب أو وجود طروح واضحة للاستثمارات المشتركة تجعل المصارف الإسلامية تحجم, إضافة إلى أن عدم توافر الأجهزة ذات الكفاءة العالية لوضع الدراسات اللازمة للاستشارات المشتركة بين المصارف الإسلامية اليمنية يؤخر عملية التعاون.
وثاني أقسام العوائق هو العوائق الخارجية, ففي الجانب الآخر نجد أن هناك عوائق خارجية للتعاون والتكامل في إيجاد استثمارات مشتركة أهمها عدم وجود جهات خارجية محفزة للمصارف الإسلامية اليمنية على إيجاد استثمارات مشتركة, وثانيها عدم وجود المشاريع الجاذبة للاستثمارات المشتركة, إضافة إلى عدم توافر إدارة ذات خبرة في المشاريع المشتركة.
كما أشارت الدراسة إلى بعض التجارب لاستثمارات المصارف الإسلامية اليمنية, ثم خصص الباحث جزءا من الدراسة حول مواجهه عوائق التعاون والطرق المقترحة لإزالة العوائق لإيجاد تعاون لاستثمارات مشتركة بين المصارف الإسلامية اليمنية, التي أشار إلى أن من أهمها إنشاء صندوق مشترك تقوم المصارف الإسلامية اليمنية كافة بتأسيسه ووضع موازنة سنوية (مهما كانت متواضعة) من قبل كل مصرف إسلامي يمني ضمن الموازنة السنوية العامة، تخصص لوضعها في الصندوق المشترك, كذلك وضع قانون ولوائح وسياسات لهذا الصندوق, أيضا تشكيل مجلس إدارة للصندوق بحيث يمثل كل مصرف إسلامي يمني بعضو واحد ويتم اختيار رئيس مجلس إدارة بالتناوب, ومن ثم يتم تعيين مدير إدارة تنفيذية للمشروع من خارج موظفي المصارف الإسلامية اليمنية ومن أصحاب الكفاءة, إضافة إلى أنه يمكن فتح المجال لمصارف إسلامية عربية وعالمية بالمشاركة في الصندوق المذكور.