التخطيط الاستراتيجي .. إضاءة للمستقبل وتشكيل له!
يتفق جميع المراقبين والمتخصصين في الاقتصاد على أن بقاء الشركات في السوق ليس محصوراً على تلك الشركات ذات الحجم الكبير أو ذات رأس المال الوفير، ولعل بنوك أمريكا المنهارة أكبر دليل حيث انهار بنك أوف أمريكا رغم موجوداته الكبيرة ودعم الحكومة الأمريكية له ولحقت به صناعة السيارات فخر الصناعة الأمريكية.
وقد تحدث كثير منا عن أزمة اقتصادية تعصف بالعالم، مرجعين ذلك إلى عدة أسباب، متناسين أن هناك حلولا وطرقا كان يجب الأخذ بها لمعرفة واستشفاف المستقبل قبل أن يصلوا إلى درجة الإفلاس والانهيار.
كثير من الشركات السعودية اهتمت بشكل كبير بتدريب موظفيها على دورات إدارية وتسويقية مختلفة بل وصرفت كثيرا من المال من أجل تطوير موظفيها بتلك الدورات التدريبية، إلا أن بعضها يتجاهل في هذا الوقت شدة وحدة المنافسة بين الشركات.. متوقعة أن مثل تلك الدورات كفيلة بنجاح منظماتهم.. نحن هنا لا ننكر مدى أهمية تلك الدورات التدريبية، ولكن الأمر الخطير أن بعض تلك الشركات تجاهلت أداة اعتبرها الجميع علماً بحد ذاته وهو التخطيط الاستراتيجي.. الذي يعمل على توجيه دفة الشركة وقيادتها إلى مستقبل ناجح في تضاريس بيئة العمل.
وتفيد بعض البحوث التطبيقية بأن بعض مديري الشركات والمنظمات التجارية وغير التجارية في الوطن العربي لا يعون بشكل معمق أهمية التخطيط الاستراتيجي.. رغم ما يلعبه ذلك التخطيط في نجاح المنظمة وريادتها على المستوى المحلي والعالمي، ولذلك يمكن القول إن التخبط الكبير الذي تعيشه منظماتنا وشركاتنا العربية إنما يدل على جهل أولئك التنفيذيين القائمين واعتمادهم فقط على الطاقة البشرية المتوافرة لديهم وابتعادهم دوما عن التفكير في المستقبل واستشراف أبعاده ورسم السيناريوهات المحتملة.
التخطيط الاستراتيجي بمفهومه العام هو الخطط والبرامج طويلة المدى التي تضعها المنشأة من أجل معرفة مستقبل الشركة والوصول إلى أفضل النتائج.
هذا هو التعريف باختصار شديد.. ناهيك عن كون تلك الخطط بمثابة الطريق الآمن لتلك المنظمات للوصول إلى الأهداف الموضوعة بكل دقة وأمان.
إن اعتماد بعض المنشآت لذلك المفهوم وتطبيقه إنما يدل على وعي مديري تلك الشركات، حيث تعتبر هذه الخطط الاستراتيجية بمثابة دعم لأولئك القياديين لكي يستشرفوا مستقبل شركاتهم وأن يعملوا حسب توجهات تلك الخطط لمعرفة ما سيؤول إليه مستقبلهم والابتعاد عن شبح الانهيار أو الإفلاس، بل إن التخطيط الاستراتيجي يجعل الشركة قادرة على تشكيل المستقبل وفق ما تريده Shaping the Future، ولكن ذلك يتطلب قدراً كبيراً من الجهد والابتكار والجرأة المحسوبة أيضاً! وهذا ما نجد عليه معظم الشركات الأمريكية والأوروبية واليابانية، حيث تعمل حسب توجهات تلك الخطط التي تأخذ جل اهتمام مديريها ووقتهم لتنفيذها ومراجعتها باستمرار، ليقينهم أنهم لا يستطيعون النجاح والتميز بدون تلك الخطط الموضوعة حسب الأصول العلمية الصحيحة.
يقول أحد مديري الشركات الأمريكية الكبرى عن التخطيط الاستراتيجي إنه عبارة عن تلك المادة السحرية التي تضيء لجميع منسوبي الشركة طريقهم دون الوقوع في الخطأ.
من هنا تتضح لنا أهمية هذا العلم (التخطيط الاستراتيجي) الذي غفل عنه كثير من مديري شركاتنا ومنظماتنا الخاصة أو الحكومية.. ولعل الأيام المقبلة والأحداث التي طرأت خلال الفترة السابقة كفيلة بأن تعيد الشركات حساباتها وأن تعمل وفق منهج علمي صحيح يصل بهم إلى بر الأمان في سوق لا ترحم الضعفاء ولا المترددين ولا أصحاب المستويات المتدنية من الرؤى الاستراتيجية.
وأخيراً نقول للشركات أنفقي بسخاء على تدريب عقولك كي تكون أكثر استراتيجية واستشرافاً للمستقبل.
عدد القراءات: 203
برنامج ماجستير إدارة الأعمال ـ جامعة القصيم
* "هذه المادة منتقاة من "الاقتصادية الإلكترونية" تم نشرها اليوم في النسخة الورقية"