الثالثة لم تكن ثابتة للجزائر وحلم الدور الثاني معلق إلى اجل غير مسمى
قدم المنتخب الجزائري أفضل عروضه في نهائيات كأس العالم في جنوب إفريقيا لكنه خرج خالي الوفاض من الدور الأول بنقطة يتيمة على غرار مشاركته الأخيرة قبل 24 عاما في مونديال المكسيك عام 1986 وبالتالي لم يكن تواجده الثالث في العرس العالمي ثابتا وبقي حلم بلوغ الدور الثاني معلقا إلى اجل غير مسمى.
غلة المنتخب الجزائري في جنوب إفريقيا لم تكن وفيرة واقتصرت على نقطة واحدة كانت غالية بالتأكيد أمام الإنكليز (صفر- صفر)، لكنها لم تكن كافية لوحدها ليتخطى محاربو الصحراء الدور الأول للمرة الأولى في تاريخهم ويكرروا أنجاز الجار المغرب عام 1986 والسعودية عام 1994.
فشل الجيل الواعد للجزائر في تحقيق حلم طالما راود الجماهير الجزائرية، حلم كاد يتحقق في أول مشاركة في المونديال عام 1982 في أسبانيا بقيادة الجيل الذهبي رابح ماجر ولخضر بلومي وصالح عصاد وقاسي سعيد وغيرهم، لولا "المؤامرة" الألمانية الغربية النمسوية في الجولة الثالثة الأخيرة.
لكن شتان بين الجيل الذهبي للثمانينيات والجيل الحالي، ليس في المستوى الفني لان رجال رابح سعدان بذلوا كل ما في وسعهم في جنوب إفريقيا وقدموا عروضا مشرفة أخرجتهم مرفوعي الرأس نسبيا، لكن الفارق الوحيد والكبير والذي كانوا في أمس الحاجة إليه هو أسلوب اللعب الهجومي وهز الشباك وتحقيق الانتصارات.
رجال محي الدين خالف ومساعده سعدان في ذلك الوقت حققوا فوزين غاليين على ألمانيا الغربية 2-1 وتشيلي 3-2، وهما الوحيدان للجزائر في العرس العالمي حتى ألان، والأكيد إن المنتخب الحالي لو نجح في تكرار ذلك لكان في الدور الثاني عن جدارة واستحقاق وفي صدارة مجموعته الثالثة أمام الولايات المتحدة وإنكلترا وسلوفينيا.
لكن يبدو إن مسلسل انتصارات الجزائر في العرس العالمي توقف عند فوزيه في الزمن الغابر، وإذا كانت الجزائر احتاجت إلى 24 عاما لتضمن عودتها إلى الساحة العالمية وتحصد الغلة ذاتها لعام 1986 في المكسيك عندما تعادلت مع ايرلندا الشمالية 1-1 وخسرت أمام البرازيل صفر-1 وأسبانيا صفر-3، فان انتظارها قد يطول في تذوق طعم الفوز مجددا.
خمسة أهداف كانت رصيد الجزائر في مونديال أسبانيا، وهدف واحد في مونديال المكسيك، ولا أهداف في المونديال الحالي: المشكلة واضحة، هناك عقم هجومي فظيع في صفوف ثعالب الصحراء.
وهو ما جاء على لسان سعدان عقب مباراة الويالات المتحدة "نحتاج إلى البحث عن الخامة النادرة في خط الهجوم". وأضاف "هذا درس يجب استخلاص العبر منه. نملك خطي دفاع ووسط قويين، نحتاج إلى الموهبة النادرة في خط الهجوم، يجب البحث عنها لتعزيز صفوف هذا المنتخب الذي ينتظره مستقبل رائع في حال استمر على هذا المستوى".
ووحده سعدان كان يعرف قدرات فريقه في وقت كان فيه الجميع يتوقع ذهاب الجزائريين بعيدا في النهائيات. وقال الشيخ "لنكن صريحين، كنا نعرف إمكانياتنا جيدا مقارنة مع منتخبات المجموعة. لم يكن يجب بالطبع الاعتقاد بحصول معجزة في جنوب إفريقيا بعد غياب 24 عاما عن المونديال. جئنا هنا للتعلم واكتساب الخبرة التي عانينا منها كثيرا هنا بالإضافة إلى العقم الهجومي".
ويتحمل سعدان مسؤولية كبيرة في الصيام عن التهديف لرجاله، فصحيح انه لا يملك مهاجمين هدافين، لكن خططه التكتيكية كانت أكثر دفاعا من الهجوم، وكان سعدان يسير عكس المقولة الشهيرة "أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم"، فاختار "أفضل وسيلة للهجوم هي الدفاع".
وإذا كان الاندفاع الهجومي غائبا في المباراة الأولى أمام سلوفينيا بحكم أنها المباراة الأولى في المونديال وبالتالي الحيطة والحذر مطلوبين فانه دفع الثمن غاليا لان شباكه استقبلت هدفا من خطأ فادح للحارس فوزي الشاوشي. ولو انه نهج خطة هجومية لسجل هدفين أو أكثر لان فريقه كان الأفضل ولما أهدر ثلاث نقاط ثمينة كانت "قاتلة وبمثابة ضربة قاضية لطموحات لاعبيه" بحسب قوله.
لعب سعدان بخطة دفاعية أمام إنكلترا بحكم تخوفه من نجومها وهذا أمر طبيعي أمام منتخب مرشح للمنافسة على اللقب، لكنه في هذه المباراة أيضا دفع ثمن التراجع الدفاعي لان فريقه أهدر 3 نقاط غالية في ظل المستوى المخيب للإنكليز والذي كان محط انتقادات لاذعة من وسائل الأعلام الإنكليزية.
وفي الوقت الذي كان فيه الجميع يتوقع خطة هجومية أمام الولايات المتحدة بحكم إن الجزائر كانت بحاجة إلى الفوز بفارق هدفين حتى تبلغ الدور الثاني، لجأ سعدان إلى التشكيلة التي خسرت أمام سلوفينيا في المباراة الأولى، وباستثناء الفورة الهجومية في الدقائق الأولى وكرة رفيق جبور التي ردتها العارضة وبعض التسديدات البعيدة المدى، فان رجال سعدان تراجعوا مرة أخرى إلى الدفاع فاسحين المجال إلى الولايات المتحدة للضغط بقوة على مرمى رايس وهاب مبولحي الذي لولاه لخرجت الجزائر بهزيمة مذلة.
اشتكى اللاعبون أنفسهم من الخطط التكتيكية لسعدان وفي مقدمتهم مهاجم بوروسيا مونشنغلادباخ الألماني كريم مطمور لكن على ما يبدو انه "لا حياة لمن تنادي". فالمشكلة التهديفية قائمة منذ سنوات طويلة لان أفضل هداف في تاريخ "ثعالب الصحراء" هو لاعب الوسط السابق عبد الحفيظ تصفاوت برصيد 35 هدفا فقط.
مدافع بورتسموث الإنكليزي نذير بلحاج صرح بعد المباراة "حصلنا على فرص للتسجيل لكننا كالعادة لم نترجمها إلى أهداف. منتخب الجزائر في تحسن مستمر، أتمنى إن نكون حاضرين في المونديال بعد 4 أعوام لنقدم الأفضل ونسجل الأهداف، لدينا الموهبة لذلك".
أمنية يتعين على زملاء بلحاج تحقيقها لفك نحس فشل الجزائر في تسجيل إي هدف في نهائيات كأس العالم منذ إن وقع جمال زيدان هدفا في مرمى ايرلندا الشمالية عام 1986 في مكسيكو، إي منذ 481 دقيقة، اي أكثر من خمس مباريات متتالية.
ولم يسجل المنتخب الجزائري سوى هدفا واحدا في مبارياته الثماني الأخيرة وكان في مرمى الإمارات وديا مطلع الشهر الحالي ومن ركلة جزاء لكريم زياني. ولم يزر "محاربو الصحراء" شباك المنتخبات المنافسة لهم منذ ثلاثيتهم في مرمى ساحل العاج (3-2) في الدور ربع النهائي لنهائيات كأس الأمم الإفريقية في انغولا مطلع العام الحالي حيث خسروا بعدها أمام نيجيريا صفر-1 في مباراة المركز الثالث وأمام صربيا وجمهورية ايرلندا بنتيجة واحدة صفر-3 وأمام سلوفينيا صفر-1 وتعادلوا مع إنكلترا صفر- صفر قبل إن يخسروا أمام الولايات المتحدة صفر-1.
ولا تضم صفوف المنتخب الجزائري قلب هجوم هداف واللاعب الوحيد المخول القيام بهذا الدور هو مهاجم سيينا الإيطالي عبد القادر غزال، لكن الأخير بعيد عن مستواه منذ فترة طويلة حتى انه لم يسجل إي هدف منذ هزه شباك مرمى رواندا في التصفيات الإفريقية المؤهلة إلى المونديال في 11 أكتوبر 2009، علما بان رصيده في 20 مباراة دولية 3 أهداف فقط أولها في مرمى بنين في 11 فبراير 2009، والثاني كان في مرمى مصر عندما فازت الجزائر 3-1 ذهابا على ملعب مصطفى تشاكر في البليدة في 7 يونيو 2009.