بين أيديولوجيا الفكر والحضارة

بين أيديولوجيا الفكر والحضارة

حرية الفكر من أساسيات بناء الأمم، فهي المحرك الأساسي للنهوض باحتياجات الأمة، لدعم المواطنة والمحافظة عليها.
حينما تأتي مجموعة صغيرة جداً تطالب بالأشياء الجديدة على عقول لم تنهض من سباتها لتقبل فكرة الآخر، يطالبون بها بشكلٍ ''همجي'' لا يمت للتعقل والرزانة بصلة، هذه المجموعة هدفها أن نكون مقلدين للغرب في كل شيء دون أي دراسة ولا اطلاّع.
وتأتي مجموعة أخرى صغيرة أيضاً تطالب بالبقاء دون الارتقاء، فلا يسمحون بالتطور ولا الانفتاح على فكرة الآخر للاستفادة من عقول أناس حكموا العالم بأسره، بل يريدون ويفضلون البقاء دون التقدم والتطور والسمو، لتتصادم مع صاحبتها وكلٌّ منهما تحمل شحنات سالبة، فلا ولن يتم الالتقاء بين جسمين لهما الشحنة نفسها (الأفكار والمنطقيات التي تقودها نحو المستقبل).
كلتا المجموعتين على خطأ، فالانفتاح (غير المتعقل) على فكرة غير مألوفة في مجتمع لا يعشق إلا المألوف هذا هو الخطأ بعينه، والمكوث داخل أسوار الانعزال الحائلة بين التطور والرقي ومواكبة العصر فهذا أيضاً خطأ فادح جداً.
الاعتدال وتقبل فكرة الآخر هو ما نحتاج إليه في زمن لن تعيش فيه إلا إذا عملت بهذا النمط، لا تفرض على الآخرين فكرتك حتى وإن كنت تعتقد بصوابها، فبالحوار سترى القبول بأم عينيك.
حينما ننظر إلى أساليب المجموعة الأولى في الدعوة، والمفاهيم الأساسية في قضيتهم، نجد أنهم لم يقوموا بدراسة الأوضاع السيئة التي عاشتها وستعيشها الدول التي عملت بهذا المفهوم دون دراسة جادة وموزونة لمعرفة أفكار المجتمع وكيفية بث الحضارة بشكلها الصحيح في عقله، ولا بدراسة التاريخ الإسلامي ومعرفة المسيرة الحضارية التي خلدها المسلمون. وأيضاً في المقابل نجد أن إخواننا في المجموعة الثانية عكفوا على التركيز على دراسة العلوم الإسلامية كافة، ولم يعرفوا أن الدونية في مستوى تقارب الأمم لا ولن تكون للمسلمين، ولم يعرفوا أيضاً أن التقدم ومواكبة العصر في جميع مخترعاته وأفكاره واجبة على المسلم، لينهض بأمته، ويعلو بنفسه.
نحن مجتمع يؤثرُ فينا ولا نؤثر، أثر فينا الغرب بحضارته المزيفة، وبتعاملاته التجارية الرابحة، سواء بالعقل أو المال، وهم في الحقيقة لا يملكون أيا من مقومات الحضارة بشكلها الصحيح، بل قاموا بفتح أبواب الحرية على مصراعيها دون أي ضوابط، فكانت النتيجة، مجتمع لا يعرف للتواصل والتحاب والتآخي والصحة طريقاً، سلب للطاقات، استنزاف عجيب جداً، كثرة الأمراض، (29 في المائة) من الأمريكيين ليس لديهم مأوى حسب آخر إحصائية، أين هي الحرية لمواطن لم يعرف إلا الظلم والقهر!
وللأسف أيضاً لأننا لم نفهم تعاليم إسلامنا بشكلها الوسطي التي عمل بها من جعلتهم يسودون العالم في زمانهم، فكانت النتيجة حضارة إسلامية رائعة، نظريات حسابية أخرجت الكمبيوتر والتقنية، الطب، الطيران، وكثير من التقدم بالمفاهيم والحيثيات من خلال مجموعة من القواعد التي خطها المسلمون بماء الذهب، ليستفيد منها الآن العالم بأسره.
يجب ألا نتجاهل هذه الأشياء إذا أردنا المطالبة، فهي دليلنا الواضح على مستقبل الأمور.
نحن لا نرضى بالاحتباس خلف جدران تحول بيننا وبين ضوء التقدم والرقي، نحن نطالب بالتقدم وقراءة فكرة الآخر، والانفتاح على ثقافات الآخرين، لنبدع ونعرف الجديد، ولكن بضوابط وسطية رزينة.
فالواجب علينا أن نتعلم، ونعلم أطفالنا الطرق الصحيحة لمواكبة العصر، ونعطي الفرصة لأفكارهم ونتعامل معها بجدية واهتمام، ليزيد لديهم الإبداع، وتتطهر عقولهم من بقايا ''أوساخ'' العصبية القبلية الطاغية علينا، فما أجمل أن يعرفوا الدنيا بعين الاحترام والإخلاص والمثابرة وحب الغير.

عدد القراءات: 137

الأكثر قراءة