سريلانكا.. والفجر الكاذب

يتعين على سريلانكا أن تبذل مزيدا من الجهد من أجل ضمان حقوق الأقليات وحمايتها، ليس فقط لأن هذا هو الصواب، بل لأن هذا يشكل الاستثمار الأفضل للبلاد في المستقبل. والواقع أن الفرصة ما زالت سانحة لتبني هذا المستقبل، لكن سرعان ما يفوت الأوان إذا لم تغير الحكومة مسارها على الفور.

مع احتفال حكومة سريلانكا بالذكرى السنوية الأولى لانتصارها التاريخي على جبهة نمور تحرير التاميل ـ إيلام (نمور التاميل)، فقد بات من الواضح على نحو متزايد أن الانتصار في ساحة المعركة سيصبح باهظ الثمن ما لم يتم الاعتراف بالمظالم المشروعة للأقليات في سريلانكا وعلاج هذه المظالم. وبسبب الفشل في التواصل المجدي مع الأقلية الناطقة بلغة التاميل، وتضييق الخناق على الأصوات المعارضة وأي نوع من المعارضة في سريلانكا، فإن الحكومة تهدر بذلك فرصة ربما لا تتكرر.
لكن لم يفت الأوان بعد بالنسبة لحكومة الرئيس ماهيندا راجاباكسا لتغيير المسار والبدء في بناء مجتمع متعدد الأعراق حقا. والواقع أن مستقبل البلاد يعتمد على هذا الموقف على وجه التحديد.
كان انتهاء الحرب الأهلية بمثابة تطور إيجابي لا لبس فيه بالنسبة لسريلانكا. فقد شن نمور التاميل حملة شرسة ضد حكومة سريلانكا طوال القسم الأعظم من العقود الثلاثة الماضية للحصول على إقليم منفصل. وهم لم يكتفوا بقتل مسؤولين حكوميين، بل لقد قتلوا أيضاً زعماء التاميل الذين أبدوا استعدادهم لاستكشاف الحلول الوسط مع الحكومة، كما قتلوا عديدا من المدنيين من المجموعات العرقية كافة.
ولقد اتُهِم نمور التاميل بمجموعة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان، إلى جانب عمليات القتل، بما في ذلك الاختطاف، وتجنيد الأطفال، واستخدام المدنيين كدروع بشرية. كما ارتكب الجيش السريلانكي والشرطة السريلانكية وغير ذلك من أجهزة الدولة انتهاكات جسيمة أثناء الصراع.
كانت آخر آلام احتضار الحرب الأهلية مروعة، حيث قتل نحو 20 إلى 40 ألف مدني (أغلبيتهم ينتمون إلى عرق التاميل) في غضون أشهر قليلة على أيدي القوات الحكومية ونمور التاميل. وقد لا يتسنى لنا أبداً أن نعرف عدد الضحايا على وجه الدقة أثناء المرحلة الأخيرة من الصراع، وذلك لأن الحكومة لم تسمح للمنظمات الدولية أو أجهزة الإعلام بالدخول إلى المنطقة.
كان النصر الذي أحرزه راجاباكسا في الانتخابات الرئاسية في كانون الثاني (يناير) الماضي، وما تلا ذلك في نيسان (أبريل) من النصر الذي حققه تحالف الحرية الشعبي الموحد في الانتخابات البرلمانية، ضمن للرئيس ولحزبه الأغلبية. ومثل هذه الانتصارات توفر الفرصة للحكومة للتواصل مع جماعات المعارضة والأقليات من أجل بناء سريلانكا ديمقراطية وشاملة حقاً، لكن هذا لم يحدث حتى الآن.
وبدلاً من ذلك فإن السياسات الحكومية منذ نهاية الحرب كانت تستهدف المعارضين والمنتقدين، بل ربما أرست هذه السياسات الأساس لجولة جديدة من الصراع. ولقد تعرض مرشح المعارضة الجنرال ساراث فونسيكا للمضايقات ثم اعتقل بعد الانتخابات الرئاسية مباشرة. كما احتجزت السلطات السرلانكية أكثر من 250 ألفا من المدنيين التاميل في معسكرات اعتقال بعد مدة طويلة من انتهاء الأعمال العدائية ومنعتهم من ممارسة حقوقهم المدنية أو العودة إلى ديارهم. ولم يبذل أي جهد حقيقي للتواصل مع الأقلية الناطقة بلغة التاميل من أجل التوصل إلى فهم أفضل ومعالجة المخاوف المشروعة التي وجدت سبيلاً غير مشروع للتعبير من خلال نمور التاميل.
وإذا استمر هذا الاتجاه فإن سريلانكا سيحكم عليها بتكرار تاريخها المأساوي.
إن سريلانكا تتمتع بشعب رائع، ومنظمات تعمل في مجال المجتمع المدني بلا كلل أو ملل، ومحاكم وبينة أساسية محترمة، وموارد طبيعية وفيرة. لكن أياً من هذه المزايا لن تؤدي إلى أمن واستقرار ورخاء البلاد في الأمد البعيد ما لم تلعب الحكومة دوراً أكثر إيجابية.
إن الخطوة الأولى في عملية الشفاء الوطنية لا بد أن تشتمل على استكشاف المظالم المشروعة للأقليات في البلاد، سواء من التاميل أو المسلمين، ومناقشة الانتهاكات التي ارتكبها نمور التاميل والحكومة أثناء الصراع. وكما كانت الحال في جنوب إفريقيا فإن هذا التوجه من الممكن أن يرسي الدعائم الأساسية لعملية مصالحة مستدامة وفاعلة.
ويتعين على الحكومة أن تنفتح بشكل أكبر وأن تستمع إلى الأصوات المشروعة للشعب السريلانكي بجميع انتماءاته وتقسيماته العرقية, وأن تستجيب لها. وإذا لم يتم التعامل مع هذه المظالم عبر السبل المشروعة، فستجد منافذ أخرى أقل صحة مع الوقت.
ويتعين على الحكومة أيضاً أن تبذل قصارى جهدها من أجل ترسيخ حكم القانون، بما في ذلك تنفيذ التعديل الـ 17 للدستور، الذي يدعو إلى إنشاء مؤسسات قضائية مستقلة، والتعديل الـ 13 الذي ينقل السلطة إلى الأقاليم. والواقع أن التقارير الواردة عن إعداد تعديلات جديدة تهدف إلى إلغاء هذه الضمانات ستكون مزعجة للغاية إذا تأكدت.
يتعين على سريلانكا أن تبذل مزيدا من الجهد من أجل ضمان حقوق الأقليات وحمايتها، ليس فقط لأن هذا هو الصواب، بل لأن هذا يشكل الاستثمار الأفضل للبلاد في المستقبل. والواقع أن الفرصة ما زالت سانحة لتبني هذا المستقبل، لكن سرعان ما يفوت الأوان إذا لم تغير الحكومة مسارها على الفور.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2010
www.project-syndicate.org

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي