النوم اللذيذ

النوم اللذيذ

عدت إلى بريطانيا بعد إجازة في الرياض وكان أكثر شيء افتقدته في بريطانيا هو النوم!!! وثلاث علامات تعجب أكاد أراها تلمع في عيونكم مستغربين من قولي وأكرر أن أكثر شيء افتقدته في بريطانيا هو النوم الصحي لثماني ساعات أشعر بعدها طيلة اليوم بنشاط عجيب!

الليل والنهار في بريطانيا في قمة التطرف فحين تغرب الشمس شتاء قبل الرابعة عصرا وتشرق الثامنة صباحا فإنها تغرب في الصيف قرابة العاشرة وتشرق قبل الخامسة لكنك باختصار تشاهد النهار هنا "معاشا" والليل "سباتا" ولا يوجد في قاموسهم قايلة لساعتين بعد كبسة دسمة وطاسة لبن وسهر أيام الأسبوع إلى الثانية عشرة!

اليوم الدراسي يبدأ الساعة التاسعة صباحا طيلة أيام السنة وينتهي في المدارس الساعة الثالثة والنصف وفي الجامعة قرابة الخامسة وأما الموظفون فربما استمر عملهم إلى السادسة لكن لا حياة بعد السادسة فكل الأسواق - باستثناء السوبر ماركت الكبير - تغلق أبوابها حتى يستمتع أربابها ببقية اليوم مع أهليهم - وهذه أهم خطوة أنصح بها وزارة العمل لإنجاح السعودة.

وبناء على ذلك تتوزع الوجبات على ساعات اليوم فالفطور قرابة السابعة بعد ممارسة رياضة الصباح جريا أو مشيا والفطور الإنجليزي الدسم يتكون من البيض المقلي والفاصوليا البيضاء و الطماطم المطبوخة مع قطع من لحم الخنزير - أجلكم الله.

أما الغداء الذي يكون الساعة الثانية عشرة ظهرا – بالثانية - والذي يكون في العمل فغالبا ما يكون سندويتشات كثيرا ما أراهم يأكلون التوست مع الجبنة أو خلافه وحتى في المدارس تقدم وجبة الغداء للطلاب إما مطبوخة لهم في المدرسة أو ما يحضرونه معهم من البيت، أما العشاء فيكون في السادسة مساء وهو الوجبة الرسمية لدى الإنجليز ويكون مشبعا دسما وبين الغداء والعشاء يحب الإنجليز أكل البسكويت مع شاي بعد الظهر (After noon tea) والإنجليز يعشقون الشاي ويكثرون من شربه بل ومن شرب السوائل عموما فكثيرا ما ترى زجاجة الماء الكبيرة محمولة في الأيدي طوال اليوم.

وماذا بعد العشاء الدسم إلا قراءة أو تلفزيون أو هوايات كل حسب ما يفضل ثم سبات عميق ونوم صحي لا يقل عن سبع ساعات وأظنهم يحرصون على ثماني ساعات كاملة فالإنجليز نظاميون لدرجة مملة لكن نظامهم كثيرا ما أوصلهم لأفضل النتائج!

والحقيقة أني لم أنم في حياتي ثماني أو تسع ساعات متواصلة من النوم المريح الذي تنام فيه قرير العين حتى تستيقظ دون منبه إلا في بريطانيا خاصة في ليالي كانون الأول (ديسمبر) وكانون الثاني (يناير) وهي أطول ليالي الشتاء حيث كنت أصل البيت مرهقا بعد أكثر من عشر ساعات أقضيها في الجامعة وأكون مستيقظا من قرابة الخامسة حيث أنقض على عشائي (الكبسة السعودية غالباً) ثم أصلي العشاء وأتلذذ بأحلى نومة حتى أن الأحلام لا تأتي من شدة التعب وجمال النوم!

وكثيرا ما كنت أستيقظ قبل المنبه بل قبل دخول وقت الفجر لأن صلاة العشاء قبل السادسة وشروق الشمس قرابة الثامنة، المهم في الأمر أن النوم ثماني ساعات ماتع وصحي ولا بد أن يؤخذ بعين الاعتبار من النواحي الدينية والصحية والعملية.

أما الفوائد الدينية، فالحقيقة أن النوم قبل الفجر بثلاث ساعات يحيل صلاة الفجر إلى أمر صعب شبه مستحيل والاستيقاظ لها من تعذيب النفس وهذا يجعلنا كثيرا - بكل أسف - نفوت صلاة الفجر في المسجد بل في وقتها لكن لو كنا ننام بعد العشاء مباشرة لوجدنا والله صلاة الفجر سهلة المنال ونستمتع بإقامتها والخشوع فيها لا مجرد أدائها.

أما من الناحية الصحية فالإنسان لا يستطيع الصبر على النوم بقدر صبره على الأكل والشرب والإقلال من ساعات النوم يوتر الأعصاب ويقلل التركيز وللأطباء في ذلك كلام واسع.

أما من الناحية العملية فالنوم غذاء للجسد يجب أن يؤخذ بالطريقة الطبيعية بالوصفة الطبيعية متصلا وفي الليل حتى يصبح الجسم منسجما وفي حالة صحية ومزاجية تجعلنا نذهب لأعمالنا ومدارسنا وجامعاتنا ونحن في نشاط وتركيز و نفسية مرتاحة خاصة في رمضان بدلا من ترديد قول "اللهم إني صائم" كلما طلب من أحدنا أن يؤدي عمله كما يجب.

أخيرا أدعوكم إلى تجربة النوم بعد العشاء مباشرة لو لمرة واحدة ثم أخبروني ماذا تشعرون!

عدد القراءات: 517

* "هذه المادة منتقاة من "الاقتصادية الإلكترونية" تم نشرها اليوم في النسخة الورقية"

الأكثر قراءة