شركة الاتصالات السعودية وصندوق التكافل لموظفيها

يرى عديد من علماء الإدارة بدءا من عهد عالم الإدارة الأول ماكس فيبر صاحب نظرية إدارة البيروقراطية ومرورا بجورج التون مايو ولوثر جوليك وغيرهما أن ثمة أركانا لا بد من توافرها لزيادة الروابط التي تحكم العامل مع صاحب العمل. وتتمحور تلك الأركان حول مجموعة من الأمور يمكن إيجازها في ثلاثة أركان: الوفاءloyalty والالتزام commitment والفريق الواحد one team. تلك الأركان وإن اختلفت مسمياتها، فإنها تعد المحرك الرئيس لأية منظمة أو شركة. ولذا فيجب على صانع القرار ألا يغفل تلك الجوانب، وذلك لمصلحة العامل ورب العامل على حدِ سواء.
أسوق تلك المقدمة وفي ثناياها إشادة بشركة الاتصالات السعودية رائدة المبادرات والسباقة في الميادين كافة، ومن ضمن تلك المبادرات ما أطلقته أخيرا حول صندوق التكافل الداخلي للموظفين. تلك المبادرة القيمة في معناها والمؤثرة في فحواها ليس فقط في العامل نفسه وحثه على الوفاء وزرع الالتزام في نفسه، بل أيضا من جانب صاحب العمل والإيحاء للعامل أنهما يعملان بروح الفريق، وأن نجاح الواحد إنما هو نجاح للآخر. لا شك أن هذا النوع من المبادرات تخلق الارتياح والطمأنينة في نفوس الموظفين وعائلاتهم وأبنائهم، وتهدف إلى تأكيد روح المشاركة الجادة والفاعلة وغرس وتعميق مبدأ التعاون بين الشركة وموظفيها، وذلك لمواجهة الظروف الطارئة التي قد يتعرض لها الموظف، ولذلك فهو وضع ينطبق عليه مصطلح win-win الإداري بالنسبة للعامل وصاحب العمل.
في اعتقادي أن إنشاء صندوق على غرار صندوق التكافل الاجتماعي له من الأبعاد والأهداف ما لا يمكن حصره، فبعض أهدافه قد تعود على المنشأة نفسها كمنشأة ربحية، وبعض الأهداف يدور حول الموظف نفسه، كما أن لها أبعادا أخرى نحو المجتمع واستقراره، لذا فإني أجزم أن أهداف هذا الصندوق ستتمحور حول الأبعاد والرؤى التالية:
أولا: زيادة الإنتاجية: فمن المعروف أن زيادة إنتاجية الموظف تتأثر طرديا بالحالة النفسية، فكلما كان هناك استقرار نفسيا للموظف زادت إنتاجيته. وبالتأكيد، فإن الشركة كمنظمة ربحية لم تغفل هذا الجانب، وبالتالي، فإن القائمين على هذا الصندوق قد وضعوا هذه الرؤية من ضمن أولوياتهم، ولا شك أنهم محقون في ذلك.
ثانيا: الشعور بالاستقرار الوظيفي: فإنشاء مثل تلك الصناديق يعطي انطباعا إيجابيا لدى الموظف وارتياحا كبيرا، وهذا ينعكس إيجابيا على استقرار الموظف في وظيفته. فقد تحدث للموظف عوائق مالية خاصة به أو بعائلته وبدلا من البحث عن مكان آخر يواجه بها تلك المعوقات، فإن إنشاء مثل تلك الصناديق، ومن دون أدنى شك تساعد كثيرا على حل كثير من المعضلات.
ثالثا: الاستقرار الاجتماعي: صندوق التكافل الاجتماعي مبادرة خيرة امتثالا لقول الله - سبحانه وتعالى - في سورة المائدة في الآية الثانية (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ). والموظف أيا كانت وظيفته لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن مجتمعه، وبالتالي فإن تأسيس هذا الصندوق يساعد الموظف على استقراره الاجتماعي.
رابعا: الوفاء والالتزام: تهم هذه الرؤية كلا من الشركة والموظف على حدٍ سواء. ففي إنشاء صندوق التكافل للموظف وفاء والتزام من قبل صاحب العمل، وكذلك إحساس العامل بهذا الوفاء، ما يزيد من وفائه والتزامه بعمله. وهذه الرؤية منبعثة مما ذكر آنفا وأكده علماء الإدارة على مر العصور.
خامسا: الوفاء الاجتماعي: وهذه الرؤية تأتي امتدادا للرؤية والدور الذي تلعبه في المجتمع، حيث بادرت بإنشاء عديد من البرامج الخاصة بالمجتمع مثل برامج الوفاء الديني والصحي والتعليمي والاجتماعي والسياحي والثقافي وغيرها من برامج الوفاء التي تتبناها شركة الاتصالات السعودية، وذلك بهدف دفع عجلة الاقتصاد الوطني وإثراء أكبر لنمط الحياة الاجتماعي.
ولا يفوتني هناء الإشادة بالآلية التي تتبعها الشركة في الاستفادة من الصندوق لعامة الموظفين المستحقين وهي:-
أولاً - قروض غير مستردة، وذلك حسب حالة الموظف الوظيفية، ومقدار دخله أو ضرره الذي من أجله تقدم بطلب القرض.
ثانياً - قروض مستردة، وذلك بتقسيم قيمة القرض على راتب الموظف والخصم التلقائي لكل شهر دون أن يكون في ذلك ضرر عليه أو إعاقة لالتزاماته الأخرى.
ومع الإشادة بالخطوة الرائعة للشركة الرائدة، فإنني أقترح التفكير في مزيد من الآليات التي تدفع من همم الموظفين القادرين إلى المساهمة مع الشركة في زيادة مداخيل هذا الصندوق، وكذلك إرسال رسائل توعية لعموم الموظفين لحثهم على التكافل الاجتماعي مع زملائهم ومع المحتاجين منهم واستفتاء هيئة كبار العلماء عن جواز دفع الزكاة لهذا الصندوق والإعلان الداخلي في الشركة عن المتبرعين للصندوق من أجل إشعال المنافسة المحمودة بين منسوبيها، وتقديم شهادات شكر وتقدير لهم على هذا العطاء، وسيزداد نفع الصندوق، وتعم بركته، ويتعدى النفع الداخلي إلى النفع الخارجي، وسيتم التبرع باسم منسوبي شركة الاتصالات وصندوقهم الاجتماعي في الأزمات الإنسانية التي تصيب أهلنا في الداخل أو إخواننا من الشعوب الإسلامية في الدول الأخرى. صندوق التكافل الاجتماعي لموظفي شركة الاتصالات السعودية بذرة خيرة تُشكر عليها الشركة، ويُشكر عليها القائمون على هذا الصندوق لما فيها من أهداف سامية ونبيلة للعامل الموظف وعائلته ومجتمعه، ولعلها تكون دعوة مباركة للشركات الخاصة الأخرى، وشبه الحكومية والقادرة على الحذو حذوها، وإنشاء صناديق مماثلة للموظفين لكي يعود النفع على الموظف والمجتمع والاقتصاد المحلي بأسره.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي