رغم كل شيء .. المستقبل نفطي والسعر 210 دولارات للبرميل!

رغم كل الجهود المُكلفة للتخفيف من الاعتماد على النفط في الدول الصناعية، إلا أن توقعات وزارة الطاقة الأمريكية التي تم الإعلان عنها في الأسبوع الماضي تشير إلى أن اعتماد العالم على النفط سيزيد في العقود المقبلة إلا إذا تبنّت الدول المستهلكة سياسات صارمة للحد من استخدام النفط.
قبل استعراض توقعات وزارة الطاقة لا بد من ذكر الحقائق التالية التي تثبت أن هذه ''السياسات الصارمة'' لن تُؤتي أُكلها:
1- استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الدول الصناعية، خاصة في الولايات المتحدة، لا يؤثر في استهلاك النفط. ويعود ذلك إلى أن أقل من 3 في المائة من إجمالي توليد الكهرباء في الولايات المتحدة يأتي من النفط، بينما تأتي أغلبية الكهرباء من الفحم والغاز والطاقة النووية، والأمر نفسه ينطبق على أغلبية الدول الأوروبية واليابان بنسب متفاوتة. لذلك فإن أي جهود لزيادة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يأتي على حساب المصادر المستخدَمة في توليد الكهرباء, وهي كما ذُكر، ليست نفطية. وفي هذا السياق لا بد من ذكر حقيقة أخرى, وهي أن استخدام المصادر غير النفطية في الدول التي تستخدم النفط في توليدها الكهرباء، مثل دول الخليج، يخفض من استهلاك النفط، لكن الهدف يختلف عن الدول الصناعية حيث إن الهدف هو منع صادرات النفط، وبالتالي الإيرادات النفطية، من الانخفاض.
2- الوقود ''البديل'' الوحيد الذي يؤثر مباشرة في استهلاك النفط هو الوقود الحيوي مثل الإيثانول والديزل الحيوي. هناك مشكلات كثيرة في هذا النوع من الوقود أهمها أن قدرته على الإحلال محل كميات كبيرة من النفط معدومة.
3- هناك من يقول إن الطلب على النفط في الدول الصناعية بلغ ذروته. الحقيقة أن هناك عدة أمور تحكم الطلب على النفط في هذه الدول وإذا توافر وضع اقتصادي مماثل لما كانت عليه الحال بين عامي 2005 و2007 فإن الطلب على النفط في هذه الدول سيعود إلى الزيادة.
4- رغم ارتفاع تكاليف استخراج النفط في السنوات الأخيرة إلا أن النفط ما زال أرخص مصادر الطاقة مقارنة ببدائله الحقيقية.
5- في الوقت الذي تحصل فيه مصادر الطاقة المختلفة مثل الطاقة الشمسية والرياح والوقود الحيوي على إعانات حكومية ضخمة وتشكل عبئا على الموازنات، تقوم الحكومات في الدول الصناعية بجني أموال هائلة من الضرائب على النفط، الأمر الذي يجعلها تعتمد على النفط في إيراداتها بشكل يشبه إلى حد ما اعتماد الدول النفطية على إيرادات النفط. هذا يعني أنه رغم عداء هذه الحكومات للنفط، إلا أنها لن تستغني عنه لأنه أحد الشرايين المهمة التي تغذي هذه الحكومات بالمال.
6- هناك مبالغة في الأثر البيئي الإيجابي لمصادر الطاقة التي يدعي بعضهم أنها بديلة للنفط. فهذه البدائل ''ليست خضراء'' كما يدعي البعض، وإن كان الأثر السلبي لبعضها في البيئة أقل من النفط.
7- لا شك أن انفجار منصة ''هورايزون'' في خليج المكسيك والانسياب النفطي التي نتج عنها سيؤثر سلبيا في سمعة النفط، لكن الأثر الفعلي سيكون في جانب العرض وليس في جانب الطلب, حيث سينخفض الاستثمار في المياه العميقة وسينخفض إنتاج خليج المكسيك في السنوات المقبلة, لكننا لن نجد الناس تتوقف عن ركوب السيارات وتمشي عدة كيلو مترات لأماكن عملها كل يوم احتجاجا على انسياب النفط في خليج المكسيك.
خلاصة القول إن قوى السوق اختارت مصادر للطاقة غير مصادر الطاقة التي اختارتها الحكومات. والغلبة في النهاية ستكون لقوى السوق إلا إذا كانت هناك قدرة هائلة للحكومات على تحمّل النزيف المالي المستمر الذي سيدمر موازناتها وعملاتها ونموها الاقتصادي. ما سبق ذكره يدل على أنه من الصعب إيجاد بديل عملي للنفط خلال العقود المقبلة، ويؤيد هذا توقعات إدارة معلومات الطاقة في وزارة الطاقة الأمريكية. كما يؤيده ما ذكر أعلاه أن أي تحول في سياسات الطاقة لن يؤثر في استهلاك النفط بشكل ملحوظ.

التوقعات المتعلقة بالنفط حتى عام 2035
تشير توقعات إدارة معلومات الطاقة في وزارة الطاقة الأمريكية التي صدرت في الأسبوع الماضي إلى ما يلي:
1- ارتفاع الطلب العالمي على النفط من نحو 85 مليون برميل حاليا إلى 111 مليون برميل بحلول عام 2035 أغلبيتها في البلاد النامية, هذا الرقم، في رأيي، متحفظ جدا بسبب تأثره بأثر الكساد في العام الماضي في الطلب العالمي على النفط، علما بأن التوقعات الماضية كانت في حدود 115 مليون برميل بحلول عام 2020!
2- على الرغم من توقع زيادة كبيرة في استخدام الطاقة المتجددة إلا أنها ستبقى تمثل حصة صغيرة من إجمالي استهلاك الطاقة في العالم بحلول عام 2035. فحصة الطاقة المتجددة ستزيد من 10 في المائة حاليا إلى 14 في المائة بعد 25 عاما. وعلى الرغم من توقع هبوط نسبة النفط من 35 في المائة في الوقت الحالي إلى 30 في المائة في عام 2035، إلى أن الاستهلاك (كرقم) سيزيد بمقدار 26 مليون برميل يوميا.
3- يتوقع التقرير أن تستمر حصة ''أوبك'' في أسواق النفط العالمية في حدودها الحالية (40 في المائة). وهنا لا بد من تذكير القارئ الكريم بأن الحصة غير الرقم. ففي الوقت الذي ستبقى فيه حصة ''أوبك'' ثابتة، يتوقع التقرير زيادة إنتاجها بأكثر من عشرة ملايين برميل يوميا بحلول عام 2035.
4- يتوقع التقرير أن أغلبية الزيادة في إنتاج دول ''أوبك'' ستأتي من السعودية والعراق, حيث يتوقع وصول إنتاج السعودية إلى 15 مليون برميل يوميا بحلول عام 2035، بينما سيكون إنتاج العراق ستة ملايين برميل يوميا. المثير في هذه النقطة أن إدارة المعلومات تثق بما يقوله مسؤولو شركة أرامكو السعودية بأنه بالإمكان رفع الإنتاج إلى 15 مليون برميل واستمراره على ذلك المستوى سنوات طويلة، بينما لا تثق بادعاءات الحكومة العراقية بأن إنتاج العراق سيصل إلى 12 مليون برميل بحلول عام 2017. حتى بعد 25 سنة يرى ''الأمريكيون'' أن إنتاج العراق سيكون في حدود نصف ما تدعيه الحكومة العراقية!
5- معظم الزيادة في الإنتاج في دول خارج ''أوبك'' ستكون من روسيا والبرازيل. الغريب في هذا المجال أن التقرير يتوقع انخفاضا مستمرا في إنتاج النفط في كندا, وهذا يخالف توقعات الحكومة الكندية وشركات النفط المختلفة.
6- أخيرا، يتوقع التقرير أن يكون السعر 51 دولارا للبرميل في حالة الأسعار المنخفضة، و133 دولارا للبرميل في حالة الأسعار المتوسطة (الحالة الأساسية للتوقع)، و210 دولارات للبرميل في حالة الأسعار المرتفعة.
مرة أخرى، وكما ورد في مقال سابق: لماذا تهرب الدول المنتجة من النفط؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي