الهيئة ليست جهة رقابية وليس من مهامها تقييم أداء المؤسسات المالية الإسلامية
اكد الدكتور محمد نضال الشعار أمين عام هيئة المحاسبة والمراجعة المالية الإسلامية أن الهيئة، من خلال معاييرها، تحقق النمذجة والتنميط والتناغم في الصيرفة الإسلامية، أما الهيئات الشرعية فلا بد منها من أجل العمليات التشغيلية ومراقبة الأساليب المتبعة والأدوات المستخدمة ومطابقتها مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وأوضح الشعار ردا على ما يتبادله البعض من أن معايير الهيئة ستكون بديلا عن الهيئات الشرعية، بالقول إن التطور التشريعي الشرعي يمر بعدة مراحل وهو دائم التطور، والهيئة قطعت شوطاً كبيراً في عملية إصدار المعايير ولكن هذه العملية سوف تبقى مستمرة ولن تنتهي، إذ إن الصناعة في تطور دائم وهذا التطور بحاجة إلى المعايير لمواكبته، فمعاييرنا تتعامل مع الواقع وهو واقع متغير وله أنشطته ومدخلاته الجديدة.
وركز الشعار على الجانب المهني الذي تقوم به الهيئة، نافيا أي صفة رقابية لها، مشيرا إلى أن الهيئة ليست جهة رقابية وليس من مهامتها تقييم أداء المؤسسات المالية الإسلامية.
وحول عمليات المسح التي تقوم بها الهيئة قال الشعار إنها عملية مسح للمنتجات المطروحة في الأسواق والتأكد من أن هذه المنتجات مطابقة لأحكام الشريعة ومعايير الهيئة، وعملية المسح دورية الطابع وتركز فقط على المنتجات ، فإلى تفاصيل الحوار، الذي أجراه مدير التحرير:
تحدثتم عن إنفلونزا مالية وأكدتم ظهور وانطلاق المصرفية الإسلامية، ما رأيكم إذا فيمن يقول إن المصرفية الإسلامية غير قادرة على المنافسة، أو ينكرها أصلا؟
- أولا علينا أن نؤكد صراحة أن المصرفية الإسلامية لم تنشأ أصلاً بهدف منافسة المصرفية التقليدية، بل كل منهما لها خصوصيتها وضوابطها، والمصرفية الإسلامية هي محصلة ونتيجة حتمية لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية التي يؤمن بها أكثر من مليار ونصف مليار مسلم. أما من حيث إنكارها كنظام قائم فهذا أمر لا يقترب من الموضوعية بشيء، إذ إن المصرفية الإسلامية نظام حي وفاعل وينتشر بسرعة ويقوم على قاعدة واسعة ومنتشرة في جميع أنحاء العالم، وهناك اعتراف وطلب عالمي لها.
أكدتم أن الجشع سبب الأزمات ووراء انهيار المؤسسات المالية، وهناك دعوات لتعلم فن إدارة الجشع، ألا تخشى على المصرفية الإسلامية من الدخول في هذا القارب تحت عناوين وهمية؟
- انهيار المؤسسات المالية له أسبابه الموضوعية وغير الموضوعية أيضا، لعل من بينها سوء الإدارة، ولكن الإفراط في استخدام بعض الأدوات المالية وسوء استخدام تلك الأدوات أديا إلى الوضع المالي الذي نعيشه اليوم. ولكن في غياب الضوابط والأدوات الإشرافية الفاعلة قد تتعرض بعض المؤسسات المالية الإسلامية لحالات عدم توازن مثلها مثل كل المؤسسات المالية الأخرى، فالاقتصاد الإسلامي يختلف عن المناشط الاقتصادية الأخرى بضوابطه ومقاصده وأهدافه.
الصكوك أداة استثمار وليست أداة تمويل، وهناك عدم التزام بمعايير هيئة المحاسبة والمراجعة الإسلامية، ما دفع العلماء للقول صراحة إن هناك صكوكا ربوية، إذا ما القيمة المعنوية لمعاييركم إن لم تنفذ؟
- أولا في كل البنوك والمؤسسات الإسلامية هناك هيئات شرعية، وهي هيئات تستقي خبرتها ومعرفتها من خلال البحث ومن خلال الأدوات التشريعية والاجتهادية الأساسية كمجمع الفقه الإسلامي، وبالتالي لن توافق أي هيئة شرعية على صك فيه مخالفة أو حتى شبهة شرعية، وهي تلك التي حددتها معايير هيئة المراجعة والمحاسبة، وهذا يعني أن جميع الصكوك متطابقة والشريعة ومعايير الهيئة أيضا، وعليه فإن ما يقال ليس صحيحا، فكل الصكوك المصدرة حالياً تم إصدارها بشكل متطابق مع المعايير الشرعية للهيئة. ومعظم المؤسسات المالية الإسلامية.. إن لم يكن كلها.. تلتزم بالمعايير الشرعية للهيئة كون هذه المعايير تمثل المرجعية الأولى في هيكلة الأدوات المالية الإسلامية، كما أن هيئة المراجعة والمحاسبة هي أصلا مكونة من مشايخ وعلماء معروفين وهم من كان لهم قصب السبق في إخراج هذه المعايير للوجود لخدمة صناعة المال الإسلامية.
كلفت فريق عمل لدراسة وتقييم معيار الصكوك الخاص بها، إلى أي مدى وصلت هذه الدراسة؟ وهل جاء هذا التكليف بعد حصول تجاوزات لتلك المعايير، لماذا لا يكون هناك آيزو إسلامي لهذه الصكوك؟
- من جهة هيئة المراجعة والمحاسبة حددت معايير واضحة للصكوك وهي تشكل بمجموعها ضمانة في حال تطبيقها كاملة، ضمانة لإسلامية هذا الصك ومطابقته للشريعة، أما فريق العمل الذي كلف بالدراسة فقد أنهى أعماله في عام 2008 وانتهى إلى التأكيد على معيار الصكوك الذي أصدرته الهيئة سابقاً.
ما الهدف من إقدام هيئة الحاسبة والمراجعة على مراقبة المنتجات والخدمات التي يقدمها قطاع التمويل الإسلامي؟ وما حدود هذه المراقبة؟ وهل من تجاوب معكم في هذا الشأن؟
- كي يكون هناك اقتصاد مالي إسلامي،يجب أن تكون معاييره وضوابطه وآليات عمله واضحة للجميع، ويجب أن يكون له هيئاته ومرجعياته سواء بالمتابعة أو الاجتهاد الفني في قضايا يحتاج إليها العمل المالي الإسلامي، ولهذا السبب تم بناء عديد من الهياكل من بينها هيئة المراجعة والمحاسبة التي ستقوم بعملية مسح للمنتجات المالية المطروحة في السوق والتأكد من أن هذه المنتجات مطابقة لأحكام الشريعة ومعايير الهيئة، وعملية المسح هذه تختلف عن عملية المراقبة في أن المسح سيكون بشكل دوري وبتركيز على المنتجات فقط. وهذه المبادرة كانت بسبب رغبةً الهيئة في إحداث التناغم والانسجام في ممارسة العمل المصرفي الإسلامي الذي يعتبر أمراً حاسماً في نشر المصرفية الإسلامية، إضافة إلى واجب الهيئة في تصحيح بعض الممارسات إن وجدت. وقد كانت هذه المبادرة نتيجة لإلحاح عدد كبير من العاملين في مجال المصرفية الإسلامية على أن تقوم الهيئة بهذا الدور.
#2#
طالبتم أخيرا بالاستغناء عن الأدوات التركيبية المساهمة في تركيع النظام المالي بأسره، كيف يكون ذلك بالنسبة للمصرفية الإسلامية، كيف تبتعدون عن هذه النقطة؟
- نطالب دائما بانضباط أي نشاط اقتصادي ينضوي تحت الاقتصاد الإسلامي بأن ينهج النهج الإسلامي في الضوابط والتشريعات والآليات والأحكام المعروفة، هذا أمر أساسي بالنسبة للاقتصاد الإسلامي، فنحن لم نطالب أحدا بالاستغناء عن الأدوات المركبة إن وجدت وكانت مطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية، إنما طالبنا بضرورة توخي الحذر في إنشاء هذه الأدوات والتعامل معها، أما إذا كنتم تقصدون المشتقات المالية التقليدية كالمستقبليات والخيارات وعقود المبادلات على الائتمان، فهي أصلاً غير جائزة ضمن نطاق عمل الصيرفة الإسلامية.
صدام الفتاوى وتعددها مثير للالتباس، والتعدد كما يقول البعض بات نقمة بدلا من أن يكون رحمة، خاصة بوجود سوق منافسة وطلب على الفتاوى المترخصة، ما يثير بلبلة في عالم المالية الإسلامية؟
- نحن نسعى إلى أن يكون هناك توافق بين مختلف الآراء الشرعية، ضمن إطار مجمع الفقه الإسلامي، ونعمل على أن تكون الفتاوى بعيدة عن الإعلام وأن تكون أكثر إدراكا لأهمية وحساسية النشاط الاقتصادي، لكننا نعرف أيضا أن تعارض الفتاوى يعد أمراً سلبياً على المصرفية الإسلامية بشكل خاص، خاصة أن المعاملات المالية تتضمن أطرافاً عدة، وتعارض الفتوى بين طرف وآخر قد يؤدي إلى أضرار غير محسوبة قد يكون لها تأثير سلبي في وضع المتعاملين، لكن هذه الفتاوى بدت أقل من السابق بسبب التجربة وأيضا التخصص والمعرفة والوضوح، وكلها عوامل تساعد على تقريب الرؤى وتقلل من هامش الاختلاف.
عندما تسأل عن المصرفية الإسلامية يقال إن عمرها ثلاثون عاما لكن ليس هناك سوق إسلامية، ولا هيئة شرعية ومرجعية عليا، ولا وكالة تصنيف إسلامية متخصصة، ولا أدوات قانونية تحكيمية في قضايا ومنازعات، أين هي مؤسسات المصرفية الإسلامية؟
- علينا أن نكون أكثر موضوعية في التعامل مع المصرفية الإسلامية وألا نحملها ما لا تحتمل أو نستعجلها أكثر، فهي تمضي بخطوات متميزة جدا، فعمر المصرفية الإسلامية الحقيقي لا يتجاوز 15 عاما فعلية على أحسن تقدير، وإذا سألت ما السبب لقلت لك إن البدايات الأولى كانت دراسية وبحثية وطروحات وأفكارا، فهي عمل ليس سهلا لكنها بالمحصلة أنتجت بنية تشريعية شرعية للعمل المصرفي الإسلامي، وبالطبع كانت التجارب الأولى محدودة ولم تحقق انتشارا، وهناك من شكك فيها في البداية هل تصمد هل تتراجع .. كل هذا مرت به المصرفية الإسلامية، لكنها اليوم تعتبر مختلفة جدا إذ إن لديها بنى ومرجعيات قائمة ورئيسة في العمل المصرفي الإسلامي، فهناك مرجعية شرعية متمثلة في هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، إضافة إلى مجمع الفقه الإسلامي. أما الهيئات الأخرى كوكالة التصنيف ومركز التحكيم فهي هيئات موجودة ولكن عملها ما زال في البدايات.
بعض مؤتمرات المصرفية التي تعقد هنا وهناك تنبعث منها رائحة التسليع والتجارة، بسبب ترخصها في المضمون، دون مراعاة للمشاركين، ألا يطرح هذا مرة أخرى ضرورة وضع ضوابط ومعايير لانعقاد مثل هذه المؤتمرات؟
- في كل المناشط هناك أعمال إيجابية ذات مضمون وهناك هيئات ومؤسسات تستفيد من الوضع السائد، ومع الأسف البعض ينحو منحى تجاريا، ولا شك أن بعض المؤتمرات كانت قد أخذت الطابع التجاري البحت ولكن مع لأسف ليس هناك من جهة قادرة على ضبط هذا الموضوع، لكن ما نعول عليه أن المؤسسات المالية الإسلامية، والقطاعات الأخرى بدأت تدرك حقيقة هذه المناشط ولا تتعاون معها، مثلما أدركت أهمية المؤتمرات التي تعقدها هيئة المراجعة والمحاسبة، والسبب أننا نجحنا في جعل مؤتمراتنا الوحيدة التي تتحلى بمهنية واحترافية عالية؟
باعتباركم هيئة مرجعية في المصرفية الإسلامية، وأصدرتم عديدا من المعايير، هل ترى أن هذه المعايير كافية لعمل المصرفية الإسلامية؟
- كما أسلفت أن التطور التشريعي الشرعي يمر بعدة مراحل وهو دائم التطور، والهيئة قطعت شوطاً كبيراً في عملية إصدار المعايير ولكن هذه العملية سوف تبقى مستمرة ولن تنتهي إذ إن الصناعة في تطور دائم وهذا التطور بحاجة إلى المعايير لمواكبته، فمعاييرنا تتعامل مع الواقع وهو واقع متغير وله أنشطته ومدخلاته الجديدة.
أخذتم على عاتقكم كهيئة، التعريف بالمصرفية الإسلامية وبضوابطها ومعاييرها الشرعية في فرنسا واليابان، وشاركتم في مؤتمرات عالمية، ما سر هذا الاهتمام في رأيكم، وما صحة مطالبة بعض الدول بالتغاضي عن ضوابط بعينها، ورفض الأخرى تسمية بنوك بالإسلامية مثلا؟
- التعريف بالمصرفية ليس من مهمة الهيئة فقط، بل من مهمة كل مسلم وكل هيئة مالية إسلامية أو اقتصادي إسلامي أو مهتم بالمالية الإسلامية من قريب أو بعيد، والمصرفية الإسلامية اليوم أصبحت نظاماً قائماً بحد ذاته ويتمتع بقاعدة واسعة من المستثمرين والمتعاملين الذين لديهم سيولة وقدرات استثمارية كبيرة، ولذلك فمن الطبيعي أن يكون هذا عامل جذب لكافة الأسواق العالمية للتعامل مع المصرفية الإسلامية والمشاركة في تطويرها وتنميتها.
وأما فيما يخص الضوابط والتسمية، فالبحث لا يأتي لأجل التسميات. إن الواقع العملي هو أكبر من الأسماء بحد ذاته، طالما أن هذه المؤسسات إسلامية في طبيعة أعمالها وملتزمة بالجوانب الشرعية المعمول بها، ومن الطبيعي أن تخضع هذه التسميات لاعتبارات قانونية واعتبارات سيادية تتعلق بالنهج السياسي والأيديولوجي لبعض الدول، ونحن بطبيعة الحال لا نتدخل في هذه الأمور وإنما نركز فقط على أهمية ممارسة المصرفية الإسلامية من خلال ضوابط وآليات تتطابق مع أحكام الشريعة.
#3#
يتحدث البعض عن المصرفية الإسلامية ليس كنشاط اقتصادي فحسب وإنما كنشاط أيديولوجي سياسي، ألا يضر ذلك بالمصرفية الإسلامية، ألا يخيفك موضوع الإسلاموفوبيا، ألا يمكن أن تكون هناك جهات تعمل على تضخيمها بهذه الصورة؟
- أنت تعلم أن المصرفية الإسلامية كمضمون اقتصادي هي انعكاس وتمثل حقيقي للإسلام بحد ذاته في مقاصده الإنسانية والاجتماعية والقيمية والأخلاقية، ولكون المصرفية الإسلامية تستند أساساً إلى أحكام الشريعة الإسلامية، فلا يمكن إنكار أنها تستند إلى منظومة قيمية وأخلاقية تشكل نوعا من الأيديولوجيا في تركيبتها، ولكن مع تطور هذه الصناعة وارتفاع درجة العمق المالي فيها فإن هذا العامل الأيديولوجي سيتقلص مع الزمن، فكثير من الأحيان كان الجانب الديني أكبر من العملي والواقعي ونحن نعمل في مجال اقتصادي ضمن ضوابط شرعية ليس إلا، لكن أن يكون لهذا الجانب تأثير اجتماعي وثقافي أعتقد أن هذا ممكن لكن بشكل غير مباشر. أما فيما يخص الفوبيا، أيضاً لا يمكن إنكار أن هذا الموضوع ما زال يشكل حساسية عند البعض، خاصة في الوقت الذي يركز فيه الإعلام بشكل سلبي على العالم الإسلامي.
جدل كبير حدث في موضوع التورق بين محرم وبين جائز بضوابط، مثلما حدث مع الصكوك بين الإجازة والتحريم، ألا يشكل ذلك زعزعة للثقة بالمؤسسات المالية وهيئة المراجعة والهيئات الشرعية؟ أين موقفكم مما يجري؟ فكيف تكون الآراء شخصية وهي صادرة عن شخصية اعتبارية لها مكانتها؟
- الأصل أن يكون كل ما يتعلق بصناعة المصرفية الإسلامية واضحا وبخاصة في الجانب الشرعي، كونه الأساس الرئيس الذي تبني عليه الصناعة أعمالها، ولا شك أن هذا الجدل كان قد أثر سلباً في صورة الصناعة وقدرتها على تحقيق التناغم والانسجام، ولكن علينا ألا نظلم هذه الصناعة، فهذا الأمر يبدو طبيعيا في صناعة ناشئة تتعرض لمزيج من الأفكار المختلفة، ولو نظرنا إلى تاريخ الاقتصاد الرأسمالي مثلا لوجدناه قد مر بمراحل عدة من التقييد إلى الانطلاق دون ضوابط، وها هم اليوم يتحدثون عن ضرورة وجود مثل هذه الضوابط، أما موقف الهيئة من هذا الموضوع، فنحن أجزنا التورق ضمن معيار خاص به ولكن بشروط وضوابط واضحة.
عندما تكتمل معايير هيئة المراجعة والمحاسبة ( 96 معيارا حتى2011) لا نحتاج إلى من يفتينا، هل هذا يعني الطريق للاستغناء عن الهيئات الشرعية في البنوك والمؤسسات المالية، وهل يتوقف الاجتهاد باكتمال هذه المعايير، وماذا لو استجدت أمور طارئة، ألا تعد خروجا عن عمليات التطوير والتجديد،هل ستتم الاستعانة بالرأي الشرعي؟
- عندما تكون الصناعة المالية تتحرك وفقا لضوابط أخلاقية شرعية، فإن أي مستجد يجب أن ينظر فيه الفقهاء والعلماء والخبراء كي توضع له الشروط الشرعية، وطالما أن هذه الصناعة تتطور وتتفاعل في جوانب عدة والاقتصاد العالمي، فلن يكون هناك اكتمال نهائي للمعايير الممكنة، فالمعايير بحاجة دائمة إلى مراجعة وتطوير بشكل دائم، إضافة إلى الحاجة المستمرة لمعايير جديدة. بشكل عام يجب التفرقة بين مهام الهيئة ومعاييرها ومهام الهيئات الشرعية لدى المؤسسات المالية الإسلامية. فالهيئة من خلال معاييرها تحقق النمذجة والتنميط والتناغم في الصيرفة الإسلامية، أما الهيئات الشرعية فلا بد منها من أجل العمليات التشغيلية ومراقبة الأساليب المتبعة والأدوات المستخدمة والمطابقة مع أحكام الشريعة الإسلامية".
ألا تنطلق هذه التصريحات من ضعف في الخبرة في مجال الرقابة الشرعية، ألا تشكل استهانة بالدور الذي تقوم به هذه الهيئات؟
- المسألة ليست ضعف خبرة، وإنما نحن مؤسسة لها آلياتها وهي جزء رئيس من أعمال المصرفية الإسلامية، ولا نتعامل مع الآراء، نحن نحترم كافة الآراء وليس من مهامنا التعليق على رأي أحد، فإن كانت جيدة وتطرح أفكارا جديدة ينتبه لها ويتم تبادلها، وإن كانت آراء شخصية فهي ليست ملزمة لنا ولا نتعامل معها باعتبارات شخصية ضيقة، فاختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، فهي ليست تشكيكا في أعمال هيئة المراجعة والمحاسبة وإنما هي مجرد رأي ليس إلا.
حذرتم من المبالغة في القول إن الاقتصاد الإسلامي المتمثل في المؤسسات المالية الإسلامية في المصارف الإسلامية وشركات التأمين التكافلي بعيدة عن آثار الأزمة المالية العالمية، على ماذا استندتم في هذا التحذيرات، وهل فعلا هناك جهات تبالغ في تضخيم مكانة المصرفية؟
- المسألة ليست مجرد أماني غير واقعية وإنما حقائق عملية، والمصرفية الإسلامية ليست في عالم آخر، بل في عالم تتشارك فيه وكل النماذج الاقتصادية العالمية، والأزمات العالمية لها آثارها ولا يمكن أن نكون معزولين عن التأثر والتأثير في هذا العالم، وعليه فإن الصيرفة الإسلامية كانت وما زالت وستبقى جزءاً من العملية الاقتصادية في أي مجتمع، وبالتالي فإنها ستؤثر وتتأثر بكافة المتغيرات الاقتصادية وهذا أمر بديهي.
ما صحة القول إن البنوك الإسلامية في الخليج خالف بعضها الغرض الذي أنشئت من أجله بعزوفها عن المشاركة والمضاربة، التي تنمي المجتمع وتحقق تنمية اقتصادية ملموسة، وتوجهت نحو التوريق وغيره من المعاملات غير المطابقة للشريعة؟
- نحن نقول إن تطبيق المعايير الشرعية يحول دون أن تكون هناك أي معاملات مخالفة لشروط التأسيس، فالأصل أن هذه المؤسسة إسلامية تطبق الشروط والمعايير الإسلامية، وعليه من ناحية عملية لا يمكن للهيئة التعليق على هذا الموضوع سواء أكان صحيحاً أم خاطئاً. فنحن لسنا جهة رقابية وليس من مهامنا تقييم أداء المؤسسات المالية الإسلامية.
عزا البعض السبب الرئيس لتداعيات الأزمة المالية العالمية على المنطقة إلى الفساد المالي والإداري في بعض المصارف الخليجية، بينما قلتم أنتم إن السبب إفراط وتساهل في الإقراض، أين هي دراسات الجدوى والمخاطر، والضوابط الشرعية؟
- من الطبيعي أن تحرص المؤسسات المالية على وجود جهات رقابية تراقب أعمالها الداخلية وتضع لها سياساتها وآليات عملها، ولكن عند مخالفة هذه الشروط تحت دافع معين كأن يكون الإفراط والتساهل في الإقراض والإفراط في معدلات الرفع المالي والمضاربات المستمرة، إضافةً إلى ضعف الرقابة الحكومية، كل هذه العوامل مجتمعةً ميزت الحالة السائدة في المجتمع الاقتصادي العالمي ككل قبل الأزمة، ولا أظن أنه هناك من حاجة لدراسات جدوى لاكتشاف ذلك. أما فيما يخص تداعيات الأزمة المالية على المنطقة، فإن هذا أمر طبيعي جداً إذ إن هذه المنطقة أولاً وآخراً تشكل جزءاً مهماً من الاقتصاد العالمي ولا بد أن تتأثر بما يجري حولها، والعبرة أن نعرف أسباب هذه الأزمات ونقف عليها وأن نتجاوزها أيضا.