«الشانزليزيه».. قصة الإعلام حين يصنع نجما
«الشانزليزيه».. قصة الإعلام حين يصنع نجما
في باريس لا شيء جديدا ستجده أمامك كسائح عما اعتدت عليه في بلدك العربي، هي ذات المقاهي، هي ذات المطاعم والفنادق، كل ما في الأمر أنها هنا أصغر مما اعتدت وأغلى مما تعودت.
في الشانزليزيه تكمن قصة الإعلام حين يخلق نجما من لاعب أو مطرب أو مدينة، بل حتى شارع، تجد على جنبيه ما على غيره في مدن عربية وعالمية أخرى . غير أن الشانزليزيه اسم رنان لا يشبه في رنينه أسماء من قبيل "التحلية" و"الصحافة" الشارعين السياحيين الأكثر شهرة في جدة والرياض.
أمامك في الشانزليزيه تجد الخليج الذي تركته وراءك، ذات الترف والوجوه تمشي على مهل في الشارع، إلى جانب خطى متسارعة لأبناء باريس تعيد التذكير بأن الإنسان قد تحول إلى آلة للركض وللربح، وإن حضر الترف في مجتمع الربح جاء التسول مرافقا، وتحول الشارع إلى صنفين هما الأبرز من بين ألاف السائرين، قوم باذخون وأقوام يشحذون، وبين الصنف الأخير من ينطق العربية حين يرى تلك الوجوه الناطقة بجينات التراحم في بلاد التعاقد وصرامة النظام.
وعلى جادة الشانزليزيه المنتهية بقوس النصر تتوزع المحال التجارية والسياحية بشكل خاص وسط أسعار قياسية "فنجال قهوة من الكابتشينو بسبعة يوروات" وجودة ليست ضمن المأمول، كما يرى عدد من المقيمين في العاصمة الفرنسية الذين أخذوا يلومون الزخم الإعلامي المتزايد على هذا الشارع خصوصا من جانب أبناء الخليج العربي، يقول مثقف لبناني "على شو هالعجئة على هذا الشارع .إخواننا الخليجيون جعلوا سياحتهم في فرنسا مقتصرة على هذه المنطقة بالرغم من وجود أماكن سياحية أفضل بكثير وبسعر معقول أكثر".
متحف اللوفر، والأوبرا، وكنيسة نوتردام، ومعهد العالم العربي بأنشطته الثقافية المختلفة، كلها تستطيع أن تجعل من باريس وجهة سياحية ثرية غير أن فرنسا اليوم تنوء بحمل تاريخ كبير لحضارة انطلقت ثورة إشعاعها من أرضها، وفرضت عليها أن تكون بلادا مفتوحة أفقدها كثيرا من الإرث لوجه ثقافي مألوف عن فرنسا، وجلب على اقتصادها المصاعب. في باريس، كما في المدن الكبيرة، يتحول البشر إلى أشياء، وفي أحسن الأحوال هم نمل يدب مهرولا في دروب متقاطعة يحث الخطى سريعا إلى؟ لكن الأسوأ يقول رأي آخر هو أن تتحول المجتمعات إلى حشرات أخرى كسولة لا هم لها سوى أن تمتص خيرات الآخرين.
النظافة والترتيب ليست كما تجري به الألسن عن هذه البلاد، ولا ما تخطه أقلام كتاب أرادوا أن يرسموا فرقا كبيرا فسقطت المهنية، ودقة المعيار في الطريق إلى قلوب القراء. ربما كانت باريس أكثر نظافة من كل البلدان يوما ما غير أنها الآن تئن تحت أكوام متزايدة من النفايات بين أرصفتها خلقها حال السوق الاستهلاكية المتزايدة التي لا تعرف سوى الفردية والأنانية إلى جانب الثقافات المختلفة لمهاجرين ذوي تعليم متدن ومسؤولية غير مسؤولة جاءوا من قوميات وثقافات متعددة تؤمن أيضا بالنظافة، لكنها لا تضعها في مقدمة الترتيب. يبقى النقل في فرنسا إشارة القوة الوحيدة الباقية في التنوع الذي قد يجده السائح الخليجي حين يسافر إلى باريس في ظل نمطية هيمنت على العالم، لكن شبكة النقل الفرنسية، خصوصا تلك المتعلقة بالقطارات تبقى علامة فارقة لبلد مازال يحمل كثيرا من إرث خاص به أهداه إلى العالم.
فرنسا باختصار، تاريخ عظيم له طعم خاص وحاضر عادي فرضته العولمة.