نووي .. ضمن إطار النفط!
لا شك أن المنطقة تحتاج إلى طاقة نووية لتوليد الكهرباء لأسباب عدة, منها مجابهة الطلب المتزايد على الطاقة في المنطقة، وتنويع مصادر الطاقة لتعزيز أمن الطاقة والأمن الوطني. أي عجز في إمدادات الطاقة سيحبط محاولات التنمية الاقتصادية، وسيخفض معدلات النمو الاقتصادي، وربما يؤدي إلى عديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن موضوع الطاقة النووية بعد القرار الملكي بإنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، وتعددت المقالات، واختلفت الآراء، وكان من الواضح غلبة العاطفة عليها, حيث تطرف بعضها ـ وبالغ بعضها الآخر، وغلب على أكثرها طابع الرأي، من دون دراسة أو تمحيص. وجاء مقال أستاذنا الكبير عثمان الخويطر، وهو خبير ضليع في أمور الطاقة وخفاياها، ليضع النقاط على الحروف، بعد أن رأى التفاؤل المفرط لدى بعض الكتاب. لذا فإن القول إن قيام الشركات الأجنبية ببناء مفاعلات نووية في المملكة سيجهّز المملكة لعصر ما بعد النفط مبالغ فيه، وإن بناء الشركات الأجنبية مفاعلات نووية في المملكة يجعل المملكة في مصاف الدول المتقدمة مبالغ فيه (المفاعلات النووية في باكستان والهند وبعض دول أوروبا الشرقية لم تضعها في صف الدول المتقدمة، كما أنها لم ترفع من مستواها العالمي بين الدول)، وإن تبني المملكة الخيار النووي السلمي سينتج عنه فرص توظيف كبيرة للمواطنين مبالغ فيه، وإن المملكة ستملك مفاعلات نووية خلال بضع سنوات مبالغ فيه. يجب أن ينظر إلى الأمر تماما كما نظرت إليه الحكومة: الطاقة النووية مجرد خيار من الخيارات لتنويع مصادر الطاقة، ونظرا لتكاليفه العالية وانعكاساته العالمية، يجب دراسة هذا الخيار بعناية من قبل المتخصصين، لذلك تم إنشاء هيئة تقوم بذلك. فإذا أثبت الخبراء أن الخيار النووي خيار مجد، فعندها سيتم اتخاذ القرارات المتعلقة بذلك، وإكمال كل الإجراءات اللازمة. ببساطة, الحكومة صاحبة القرار، ترى أنه مجرد خيار، وإذا تم تبنيه فإنه سيكون رديفا لمصادر الطاقة الأخرى لردم الهوة بين الطلب على الطاقة وإنتاجها .. وانتهت القصة!
إلا أن هذا القرار ليس بالسهولة التي يتصورها البعض لأسباب عدة, فإضافة إلى المشكلات التقنية والمالية وندرة الموارد البشرية المؤهلة في هذا المجال، هناك أمور تتعلق بالسياسات العامة المتعلقة بالموضوع:
1 ـ قبل تبني أي استراتيجية تتعلق ببناء مفاعلات نووية، يجب بناء استراتيجية كاملة للطاقة لمعرفة دور الطاقة النووية فيها، مقارنة بدور مصادر الطاقة الأخرى، بما في ذلك الطاقة الشمسية وغيرها. فمثلا، يمكن وضع استراتيجية يمكن تسميتها ''الطاقة في السعودية 2050'' مبنية على دراسات مفصلة لوضع الطاقة الحالي في السعودية والتوقعات والسيناريوهات المختلفة لوضع الطاقة في المستقبل حتى عام 2050. هذه الاستراتيجية مهمة لأسباب عدة أهمها أن البيانات الحالية والتوقعات المستقبلية تشير إلى عجز كبير في السعودية (وبقية دول الخليج) في قطاعات الطاقة كافة، خاصة في مجال الكهرباء. وإذا لم يتم بناء مصاف جديدة في المنطقة فإن المنطقة ككل ستصدر النفط الخام وستستورده مكررا من الهند والصين وغيرهما. حتى أكثر الخبراء تشاؤما يرى أن استخدام النفط في العالم سيستمر أكثر من 30 عاما، و30 عاما هو العمر الافتراضي لأكثر مفاعلات الطاقة النووية تقدما. إن الحجة الأساس التي يجب أن تستخدمها الدول النفطية لبناء مفاعلات نووية هي أن تنويع مصادر الطاقة وتعزيز أمن الطاقة حق لأي دولة، وليس حكرا على الدول المستهلكة للنفط. وأي مسوغات أخرى هي عوامل رديفة وليست أساسية. حتى الخبراء والمسؤولين المتخصصين في الموضوع يرون أن وجود مفاعلات نووية في المملكة يخفض استهلاك النفط، لكن بجزء من إجمالي الاستهلاك. هذا يعني أنه حتى في العصر النووي، ستظل السعودية تعتمد على استهلاك النفط. وبما أن استخدام الطاقة النووية سيخفض من الاستهلاك الداخلي للنفط ويمكن السعودية من تصدير مزيد من النفط مقارنة بالخيارات الأخرى، فإن هذا يعني أيضا استمرار السعودية في الاعتماد على إيرادات تصدير النفط. لهذا فإن أي مشاريع للطاقة النووية يجب أن تتم ضمن استراتيجية للطاقة عمادها النفط والغاز، خاصة أن تجارب الدول الأوروبية واليابان تشير إلى زيادة استهلاك النفط والغاز أثناء عمليات الصيانة الدورية للمفاعلات.
2 ـ نظرا لوجود الربط الكهربائي بين دول الخليج والدول العربية الأخرى، والربط الذي سيتم مستقبلا، فإن وجود هيئة للطاقة الذرية في السعودية في المملكة لا يعني بالضرورة بناء المفاعلات في السعودية. ما تريده السعودية في النهاية هو الكهرباء، والربط الكهربائي سيوفر الكهرباء من عدة دول. فقد تبين الدراسات المختلفة التي ستشرف عليها المدينة أن الأجدى هو الاستفادة من الربط الكهربائي والمشاركة في بناء مفاعل نووي في دول عربية مجاورة، ثم استيراد الكهرباء منها. ربما يستاء البعض من هذه الفكرة لأسباب عدة، لكن عليهم أن يتذكروا أنه ما من أحد يفكر عندما يشعل الضوء أو يضغط على الزر لتشغيل المكيف في مصدر الكهرباء، ومن أي شركة، وعن جنسية المديرين والعاملين في هذه الشركات، ولا نفكر في مصدر الكهرباء سواء تم توليدها من المشتقات النفطية أو النفط الخام أو الغاز الطبيعي أو حتى روث الحيوانات. كل ما يهمنا هو أن يكون هناك ضوء وأن يشتغل المكيف. وكما ورد في مقال سابق، فإنه لو نظرنا إلى المشاريع المشتركة بين الدول العربية لوجدنا أن أكثرها نجاحاً هي المشاريع التي تستهدف خدمة المستهلك العربي مثل مشروع شبكة الغاز العربية ومشروع قمر ''عربسات''، وأكثرها فشلاً هي مشاريع التعاون التي كان هدفها المستهلك الأجنبي. والتعاون النووي ضمن بعض الدول العربية هدفه توفير الكهرباء للمواطن العربي عن طريق بناء مفاعلات نووية في بعض البلاد واستهلاك الكهرباء في بلاد أخرى. بعد إنجاز المشروع لن تجرؤ أي حكومة أو فئة على تخريبه لأن من سيقوم بالتخريب سيخسر الدعم الشعبي العربي.
وكانت خلاصة ذلك المقال: أعطني ''كهرب'' حتى لو من المريخ. نحن نحصل عليها الآن من ''فضلات الشيطان'' حسب وصف ألفونسو بيريز للنفط، وألفونسو هو الأب الروحي لمنظمة ''أوبك''، ووزير النفط الفنزويلي في الخمسينيات وبداية الستينيات في فنزويلا. أليست الكهرباء ''أحلى'' لو جاءت من الذرّة؟
وخلاصة مقال اليوم أن هناك اتفاقاً بين الخبراء على أن عمر النفط أطول من العمر الافتراضي للمفاعلات النووية، وأن النفط سيبقى مصدر الدخل الأساس لدول الخليج، هذان الأمران يؤكدان أن أي نووي يجب أن يتم ضمن إطار النفط!