قمة الاتحاد الجمركي
خيرا فعل قادة دول مجلس التعاون الخليجي بتكريس جانب من مشاوراتهم في القمة التشاورية رقم 12 في الرياض الأسبوع الماضي للتباحث حول القضايا المتعلقة بتنفيذ مشروع الاتحاد الجمركي. يعد تطبيق مشروع الاتحاد الجمركي حيويا نظرا لارتباطه بأمور تطول المالية العامة, تحديدا توزيع الإيرادات الجمركية والحياة التجارية مثل حماية وكلاء السلع, كما يرتبط الأمر بضمان انسياب حركة الشاحنات على الحدود, وهي مسألة أصبحت مقلقة في الآونة الأخيرة.
تنفيذ المتطلبات
المقلق بالنسبة لهذا المشروع الطموح هو تأجيل تنفيذ متطلباته لفترة طويلة نسبيا, الأمر الذي لا يخدم تحقيق أهداف مسيرة التكامل الاقتصادي الخليجي. بالعودة إلى الوراء، دخل مشروع الاتحاد الجمركي حيز التنفيذ في بداية عام 2003 على أمل الانتهاء من تطبيقه بشكل كامل في 2005. بيد أنه قرر قادة دول المجلس خلال القمة رقم 26 في أبو ظبي في نهاية 2005, تأجيل تنفيذ متطلبات مشروع الاتحاد الجمركي حتى عام 2007. كما تم تأجيل التطبيق سنة بعد أخرى حتى تم الإعلان في القمة التشاورية الأخيرة عن موعد جديد لإنهاء المتطلبات وهو بداية 2011.
تنحصر المسائل المتبقية للتطبيق النهائي لمتطلبات الاتحاد الجمركي بحل آلية تحصيل ونسب توزيع حصيلة الإيرادات الجمركية, فضلا عن حماية الوكيل من جهة والسلع من جهة أخرى. الغريب في الأمر تأخر الدول الأعضاء بالتوافق على معادلة عادلة لتوزيع الإيرادات الجمركية رغم مرور عدة سنوات على بدأ العمل في المشروع.
بدورنا نضم صوتنا إلى المقترحات المتعلقة بتسهيل عملية انسياب الشاحنات, وبالتالي السلع عبر المنافذ والحدود مثل توفير منح سائقي الشاحنات فرصة الحصول على تأشيرات الدخول على مدار الساعة. وتتعلق الأمور الأخرى بإيجاد ممرات خاصة لشاحنات الترانزيت وللمنتجات الغذائية سريعة التلف للمحافظة على صلاحيتها. الأمل كبير في حل القضايا المتعلقة بالتطبيق الكامل لمشروع الاتحاد الجمركي قبل انعقاد القمة الخليجية رقم 31 في الإمارات نهاية العام الجاري.
جدية جديدة
من جهة أخرى، يلاحظ تنامي اهتمام الأمانة العامة لدول مجلس التعاون, فضلا عن الفعاليات التجارية في الدول الأعضاء بحل القضايا العالقة لتنفيذ الاتحاد الجمركي. فقد قرر اتحاد غرف خليجي عقد ندوة في الكويت نهاية الشهر الجاري لتقييم مسيرة الاتحاد الجمركي ودراسة السبل الكفيلة للقضاء على بعض العوائق التي تواجه تطبيق النظام, خصوصا حركة الشاحنات على الحدود. من جملة القضايا، من المنتظر أن تناقش الفعالية مقترحات مثل الربط الإلكتروني بين الأجهزة الجمركية وتوحيد إجراءات تخليص المعاملات من خلال استمارة واحدة, فضلا عن استشراف الأساليب الحديثة للتفتيش.
حقيقة القول، لا مناص من معالجة مسألة عبور الشاحنات على الحدود في ضوء حصول مزيد من التعقيد للظواهر السلبية في الآونة الأخيرة من قبيل الإفراط في إجراءات تفتيش البضائع ومعاينتها في بعض المنافذ الجمركية. كما تشمل التعقيدات الأخرى وجود اختلافات بين دول المجلس حول المواصفات والمقاييس, فضلا عن كيفية احتساب القيمة الجمركية. والإشارة هنا إلى قيام بعض الدول الأعضاء بفرض رسوم عالية نسبيا لحماية بعض سلعها الوطنية. كما فرض توقيع كل من البحرين وعمان اتفاقية منفردة للتجارة مع الولايات المتحدة مسألة السلع المعفية من الرسوم. وفي المحصلة، برزت ظاهرة سلبية تتمثل في تكدس في المعابر وعلى الحدود, الأمر الذي يتناقض مع نص وروح المشاريع التكاملية الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي.
التكامل الاقتصادي
يشكل مشروع الاتحاد الجمركي المرحلة الثانية من مسيرة التكامل الاقتصادي, أي تكتل اقتصادي بعد إنشاء منطقة للتجارة الحرة, لكن قبل مشروعي السوق المشتركة والاتحاد النقدي. وكانت دول الخليج الست قد أصبحت منطقة للتجارة الحرة في عام 1982, أي بعد فترة قصيرة على انطلاق مجلس التعاون الخليجي. لكن تم الانتظار فترة طويلة نسبيا حتى دخول مشروع الاتحاد الجمركي حيز التنفيذ عام 2003, أي بعد نحو 20 عاما على تطبيق المرحلة الأولى من مسيرة التكامل الاقتصادي الخليجي.
كما قررت دول المجلس في ختام القمة الـ 28 في العاصمة القطرية في نهاية 2007 بدء العمل بتطبيق مشروع السوق الخليجية المشترك. يرتكز مفهوم السوق المشتركة على منح وسائل الإنتاج مطلق الحركة في التنقل بين الدول الأعضاء لغرض تحقيق مبدأ المواطنة الخليجية. يتشكل مشروع السوق المشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي من عشرة مسارات, هي: حرية التنقل والإقامة, العمل في القطاعات الحكومية والأهلية, التأمين الاجتماعي والتقاعد, ممارسة المهن والحرف, مزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية, تملك العقار, انتقال رؤوس الأموال, المساواة في المعاملة الضريبية, تداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات, والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية.
إضافة إلى ذلك، قررت أربع دول أعضاء في مجلس التعاون الخليجي, وهي: السعودية, قطر, الكويت, والبحرين المضي قدما في تطبيق مشروع الاتحاد النقدي الخليجي بدءا من عام 2010. بدورنا نؤكد على تركيز الجهود المشتركة في الوقت الحاضر على تطبيق مشروعي الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة تعزيزا لمبدأ المواطنة الاقتصادية الخليجية.