فترة الستينيات وساعة من الزمن الحديث

فترة الستينيات وساعة من الزمن الحديث

منذ بداية الخلق، والحياة تسير بفترات زمنية متغيرة تبعا لما تمر به من تغيرات فكرية واقتصادية تجعل السلوك البشري يساير متطلباتها تلقائيا، فيتشكل ما نسميه بالعادات والتقاليد.
وفي هذا الحديث أخص فترة الستينيات تلك الفترة التي عايشت بداية التغيرات الجذرية لهذه الفترة الحديثة التي نعيش الآن في خضم تطورها السريع و"المخيف".
ولكنها باعتقادي فترة "رابطة" أي شكلت حلقة ربط بين الزمن الأصيل بمعنى المتقيد بمعتقداته، المتمسك بقدرة راسخة بأصالته الخلقية، وبين زمن بدأ يدب على أقدامه إلى كتفيه تغير يزعزع كل نسائم تلك الأخلاق والعادات التي حفظت للأمة هويتها، وخصوصيتها بين باقي الأمم.
"ولو أشار لها البعض بنية مبيتة أو طارئة بالرجعية والجمود".
إذن نستطيع القول إن هذه الفترة كان لها نكهة خاصة، ميزتها وصورتها بطابع الزمن الجميل الذي شهد الأصالة والحداثة في آن واحد دون أن يميّز أحدهما الآخر.
ولو أن زلزال الحداثة بدأ بهزة عنيفة طالت القيم ومعايير التذوق الحسي والفني، ونالت من جوهر الفترات التاريخية المترابطة بحلقات الأصالة والمحافظة على التراث الفكري والأدبي والفني فقطعتها، وغابت أثناء ذلك النظرة الجمالية الجديدة التي تؤطر الانتقال المتمرس والمدروس، بين عهد وعهد لا يقطع بينهما إلا فترة وجيزة، لم تتح تشكيل وإظهار روحه الحقيقية وأفكاره الجذرية في كامل جسده، فبدا فوضويا ينهج التقليد دون ضابط، ودون اعتبارات لضوابط العادات والدين والتراث، فكان سببا لتطور أشياء لا انسجام فيها، ولا اتساق لها حتى ظهر النشاز كقيمة فنية هجينة "ولكن لها مكانة واعتبار!!"، وبدت موجة الشرق إلى ساحله الغربي متمردة بأيديولوجيته على قيمه التي هي الركيزة الأولى في الحفاظ على كيانه من المسخ والتشويه، فأخفقت حداثة اليوم في عالمنا العربي في توثيق العرى بين ترتيب عناصرها الوافدة و"المحلية".
فكانت للأسف قالبا فارغا ومتسعا لحشوه، معتمدا على ثقافة الآخر مما فاقم أزمته مع مبادئه وأصالته ولم يوصله إلى ساحل يأمن فيه المكوث والتطوير وتشكيل الذات.
إنها فترة شبيهة بفاصل البحر العذب مع البحر المالح.. ذلك التيار الذي يصخب في قعر الوجدان فتخرج فقاقيعه مترنمة.. شبيهة بأساطير القصص القديمة التي أخرجت لنا من البحر حورية وفي الصخر قدما ولسانا!

عدد القراءات: 200

الأكثر قراءة