الشراكة التجارية الخليجية - النيوزيلندية
إذا صحت تقارير مصدرها جهات نيوزيلندية، ربما يتم التوقيع على اتفاقية لإنشاء منطقة للتجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي ونيوزيلندا في غضون ثلاثة أشهر لا أكثر. مصدر الخبر هو وزير التجارة النيوزيلندي تيم جروسر, الذي قاد وفدا ضم ممثلين من 60 شركة قام بزيارة بعض دول المنطقة بقصد تعزيز فرص التوقيع على الاتفاقية.
مقارنة اقتصادية
كان الجانبان قد اتفقا عام 2006 على إطلاق المفاوضات التي بدأت فعلا في 2007 وانتهت في نهاية 2009. بيد أنه لم يتم التوقيع على الاتفاقية لأسباب فنية منها تهيئة الظروف بما في ذلك تعزيز فرص المصادقة.
ويمكن تفهم الاندفاع النيوزيلندي لتوقيع اتفاقية للتجارة الحرة بالنظر إلى الفرص المتوافرة في دول مجلس التعاون الخليجي. من جملة الأمور، تبلغ قيمة الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج الست أكثر من 900 مليار دولار مقابل 150 مليار حجم الاقتصاد النيوزيلندي. دوليا يحتل الاقتصاد النيوزيلندي المرتبة 62 مقارنة يالمرتبة رقم 23 بالنسبة إلى الاقتصاد السعودي.
كما تتمتع دول مجلس التعاون بمستوى دخل مرتفع نسبيا ووجود ثقافة تميل إلى الاستهلاك, فسحب آخر الإحصاءات المتوافرة يبلغ متوسط دخل الفرد في قطر 171 ألف دولار في السنة, أي في المرتبة الثانية عالميا بعد إمارة ليختتشتاتين.
إحصاءات حيوية
إضافة إلى ذلك، تعد السوق الخليجية واعدة بالنسبة إلى نيوزيلندا لأسباب مختلفة منها مستويات النمو السكاني, فحسب دارسة لمجموعة الإيكونومست البريطانية، من المتوقع أن يرتفع حجم السكان في دول الخليج الست من 39.6 مليون نسمة في 2008 إلى 41.4 مليون في 2010 ومن ثم 47.5 مليون في 2015 وصولا إلى 53.4 مليون في 2020. بمعنى آخر، يتوقع أن يرتفع عدد السكان في الدول الست بصورة مجتمعة بنحو الثلث في غضون 11 سنة.
في المقابل، يبلغ عدد السكان في نيوزيلندا نحو 4.2 مليون نسمة يشكل المواطنون والمقيمون دون سن 15 وأكثر من 65 عاما 21 في المائة و13 في المائة على التوالي. بالمقارنة، تتميز دول الخليج بتمثيل مرتفع للسكان دون سن 15 ومنخفض لأولئك الذين تزيد أعمارهم على 65 عاما. وربما هذا يفسر حقيقة أن نسبة النمو السكاني تقل عن 1 في المائة في نيوزيلندا مقابل 3 في المائة في دول مجلس التعاون. بمعنى آخر، يمكن الزعم بتكامل الإحصاءات الحيوية بين الجانبيين النيوزيلندي والخليجي.
التجارة البينية
كما هناك ظاهرة تعزيز التجارة البينية بين الجانبين حيث بلغت 2.1 مليار دولار في 2009, ما يعني تسجيل نسبة نمو قدرها 40 في المائة مقارنة بعام 2000. بالنسبة إلى نيوزيلندا تعد دول مجلس التعاون سادس أهم شريك تجاري.
تتركز الصادرات الخليجية على المشتقات النفطية مقابل المنتجات الزراعية بالنسبة للصادرات النيوزيلندية, لكن يبدو أن الجهات النيوزيلندية تفكر في الاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة المزمع توقيعها في تعزيز علاقاتها التجارية مع دول الخليج لتشمل السلع المصنعة وتقنية المعلومات, فضلا عن التعليم.
يحسب لنيوزيلندا ممارستها سياسات نوعية تشمل إعفاء رعايا دول مجلس التعاون من سمات الدخول. وربما هذا يفسر جانبا من قدرة هذه البلاد رغم بعدها الجغرافي عن أغلبية دول العام على استقطاب طلاب من مجلس التعاون الخليجي. يدرس نحو سبعة آلاف طالب سعودي في الجامعات النيوزيلندية. وأصحبت نيوزيلندا من الوجهات التعليمية المفضلة لرعايا دول مجلس التعاون في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001.
توجهات خليجية جديدة
في حال توقيع الاتفاقية، تصبح نيوزيلندا ثاني دولة في العالم توقع معها دول مجلس التعاون الخليجي اتفاقية لإنشاء منطقة للتجارة الحرة. وكانت دول الخليج قد وقعت أول اتفاقية تجارية في نهاية 2008 مع سنغافورة. ثم تلتها في منتصف 2009 باتفاقية مع رابطة التجارة الحرة الأوروبية والمعروفة اختصارا باسم (إيفتا), وتتشكل رابطة إيفتا من سويسرا والنرويج وآيسلندا وليختتشتاتين. كما وقعت دول مجلس التعاون في نيسان (أبريل) مذكرة تفاهم مع منظمة السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا والمعروفة اختصارا باسم الكوميسا التي تضم 19 بلدا.
حقيقة القول، تكتسب فرضية قرب التوقيع على اتفاقية لإنشاء منطقة للتجارة الحرة مع نيوزيلندا أهمية خاصة في ضوء ترشح أنباء صحافية مفادها مزيد من التعقيد فيما يخص إعادة إحياء منطقة للتجارة الحرة بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي. ويؤكد الخبر أن دول الاتحاد الأوروبي ترغب في فرض رسوم مرتفعة نسبيا على صادرات دول مجلس التعاون, خصوصا البتروكيماويت, بحجة الحفاظ على مصالح هذه الصناعة في دول الاتحاد نظرا لحصول المصانع الخليجية على غاز مدعوم. وكانت المحادثات بين الطرفين بشأن إنشاء المنطقة الحرة قد بدأت عام 1988 لكنها فشلت في إحراز تقدم فعلي.
ختاما يبدو أن نيوزيلندا ستسبق كلا من أستراليا واليابان والصين بالنسبة لإبرام وتنفيذ اتفاقية للتجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي.