لماذا منعت «سيداو» تبعية المرأة الاقتصادية للرجل؟
في السابع من سبتمبر عام 2000 وقعت المملكة العربية السعودية على اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة ''سيداو'' CEDAW التي تضمن حقوق المرأة وتزيل عنها كافة أشكال التمييز التي عانت وتعانيها النساء في كثير من دول العالم، حيث لا تزال المرأة تتعرض لكثير من أشكال التمييز في كل جوانب الحياة وعلى وجه الخصوص في الجانبين الاجتماعي والاقتصادي .
ومما لا شك فيه أن توقيع هذه الاتفاقية من قبل المملكة يعد خطوة جريئة منها وأكبر دليل على سعيها الدائم إلى حفظ حقوق المرأة على عكس ما يقال دوما، ولاسيما إذا علمنا أن الاتفاقية تتضمن الاعتراف بعدة حقوق للمرأة منها حرية التنقل والتعليم والعمل في الوظيفة العامة أو في ممارسة مختلف الأنشطة الاقتصادية الخاصة، إلى جانب صيانة حقوقها العادلة والوقوف معها ضد جميع أشكال العنف الجسدي والنفسي والاقتصادي الذي أقله الاستيلاء على راتبها من قبل الأب أو الزوج والأخ، فكم من فتاة موظفة شكت وبكت وأبكت لمكابدتها مرارة العذاب والحرمان من الزواج خشيت خروج الراتب من البيت إلى بيت آخر، وعلى الرغم من حصول المرأة في المملكة على كثير من حقوقها إلا أن لها حقوقا كثيرة وأساسية لم تستطع انتزاعها حتى الآن، وهذا يجعلنا نتساءل عن السر وراء عدم تفعيل اتفاقية ''سيداو'' التي وقعتها المملكة خصوصا إذا علمنا أن الهدف من الاتفاقية هو إزالة كافة أنواع التميز العنصري الممارس ضد المرأة في كل متر مربع تقريبا.
ولنأخذ التعليم على سبيل المثال فالمرأة يحق لها التعليم ولكن لا يحق لها الحصول على التعليم في جميع المجالات حتى لو وجدت لها حاجة مثل الحاجة إلى وجود محاميات وهي حاجة ملحة على الأقل في قضايا الأسرة والطفل التي تمثل معاناة المرأة الأولى.
كما نصت هذه الاتفاقية على أن تكون للمرأة كافة الحقوق في العمل والوظائف وأن تكون موازية للرجل في السلم الوظيفي والرواتب بينما نجد الواقع عكس ذلك إذ تشير الإحصائيات إلى وجود ما بين 3.5 مليون إلى 5 ملايين امرأة سعودية دون عمل والبلد بحاجة ماسة إلى إلحاقهن بسوق العمل ولو تم ذلك لاستغنينا عن مثلهن من العمالة الأجنبية غير المدربة ولارتحنا من مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية وهذا الرقم بحسب اعتقادي يعد رقما مروعا للغاية يجب أن نقف عنده طويلا لنتأمله ولنحاول إيجاد الحلول المناسبة لهذه القضية الحساسة بالفعل، ولنتصور معا إذا عملت المرأة السعودية كعاملة منزلية كم سنوفر من الملايين وكم سنوفر من هدوء الأعصاب وخراب البيوت والأهم من ذلك أن أجيالنا القادمة سينشأون تحت إشراف المرأة السعودية وليست الأندونيسية أو السريلانكية أو الفلبينية ... إلخ القائمة وعاداتهن وتقاليدهن ولغاتهن التي لا تناسبنا بالمطلق، ولكم سنوفر من الملايين إذا عملت المرأة في محال بيع الملابس وما شابه ذلك من الأعمال التي يمكن للمرأة أن تقوم بها بكل سهولة ويسر وهي أعمال تتفق جدا مع مبادئ الإسلام والعادات والتقاليد وتخدم الاقتصاد الوطني بشكل قد لا يتصوره كثير من الناس، لكنه العناد الذي لازال يعشعش في رؤوس البعض ولا يريدون أن يشعلوا شمعة في الظلام أو ينصتوا لصرخات وآلام النسوة الفقيرات اللاتي يردن العمل ولكن الفرص تتضاءل أمامهن بحكم هذه التفرقة العنصرية وهذا الجهل المركب بالإسلام الحقيقي الذي جاء ليحافظ على الكرامة الإنسانية ويبعدها عن الامتهان والمهانة وحياة الذل والهوان والتبعية الاقتصادية للرجل الذي هو بالطبع ليس ملاكاً منزلا وكم من رجال لا يعملون بمبادئ الإسلام في تعاملهم مع نسائهم ''زوجات وأمهات وأخوات'' فكثير منهم يذيقون هؤلاء النسوة أصنافا من العذاب والحرمان بل قد يصل الأمر إلى العنف الجسدي الذي لا طاقة للمرأة به.
ولا يخفى على أحد مجموعة البحوث والدراسة التي أجريت على المرأة السعودية وعلى الأسرة من كل النواحي الاقتصادية والاجتماعية ولنذكر منها بعض المقتطفات على أن يكون الحكم فيها لكل المهتمين والمنصفين وأولها تقول: ''إن هناك عائلات سعودية تعيش في منازل من الصفيح، وأن 91 في المائة من إجمالي الأسر في المملكة يقل دخلها عن 6000 ريال شهريًّا'' والثانية ورقة عمل قدمتها الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز في منتدى سيدات الأعمال في الخبر ونشرت منذ فترة جاء فيها ''المرأة السعودية تمثل 50 في المائة من السعوديين، وأن عدد النساء السعوديات العاملات 494 ألفًا من أصل 5 ملايين تمثل قوة العمل المحلية، وأن نسبة بطالة الإناث في ازدياد رغم تزايد فرص العمل، حيث ارتفع معدلها من 21.7 في المائة عام 1423هـ إلى 26.3 في المائة في العام 1427هـ وأن نسبة عمل المرأة في المملكة تبلغ 5.5 في المائة وهي تمثل الحد الأدنى لمشاركة المرأة في قوة العمل في العالم''.
والواقع يقول أيضا إن المرأة غير المستقلة ماليا قد تتعرض للضغوط ولشتى أنواع المشاكل التي يستغل فيها الطرف الآخر هذه الجزئية ليبدأ من خلالها أعمال المساومة معها.
وهذا فقط مجرد غيض من فيض مما اهتمت به الاتفاقية ولنا أن ندرك مدى الضرر الحاصل للمرأة من وضع كهذا وغيره كثير خاصة فيما يتعلق بمجال العمل والوظائف فكم من مهنة حرمت على المرأة ومنعت منها دون سبب واضح منها المحاماة والهندسة والمضيفة ومحال الملابس النسائية وأدوات التجميل ومحال الورود والهدايا ومعظمها تتلاءم مع طبيعة المرأة و على الرغم من وجود رجال سعوديين يعملون فيها ويتم احترامهم من قبل المجتمع.
وأخيرا أعتقد لو طبقت هذه الاتفاقية لضمنت حقوق المرأة وأكثر وبالمناسبة لم توقع الولايات المتحدة على الاتفاقية لسبب بسيط وهو أنها ضمنت للمرأة حقوقا أفضل من التي ذكرت ووجدوا أنه لا داعي لتوقيعها.
أما في الختام فهل يجوز لنا أن نتساءل عن الفائدة من قوانين أو اتفاقيات نسنها أو نوقع عليها دون أن نطبقها؟!! أما كان من الأفضل أن تطبق قبل هذا وذاك؟!
* "هذه المادة منتقاة من "الاقتصادية الإلكترونية" تم نشرها اليوم في النسخة الورقية"