استبدال الشيك بالسّحب الفوري (2)
بالعنوان أعلاه وفي يوم الإثنين تاريخ 12/5/1431هـ تم نشر مقالة لي بطلب إلغاء الشيكات المصرفية واستبدالها بالسّحب الفوري وفيها لم أتمكن من إعطاء المبررات الكافية لهذا المطلب من إلغاء الشيكات وإنما كنت على عجلة من أمري اعتقادا أن القارئ هو الآخر ربما يكون مُتلهفاً لحل مشكلة الشيكات بلا رصيد، فجاء الأسلوب منهجاً مباشراً بخطوة واسعة وسريعة إلى النتيجة.. وأنا في هذه المقالة أستدرك ذكر ما فاتني من حيثيات الموضوع من أصله إلى الوصول بآثاره الاقتصادية والاجتماعية.
فتاريخ الشيك من نشأته الأولى هو حاجة التُّجَّار Traders له في مبادلاتهم السلعية خلال عصر النهضة الصناعية وتطور الآلة، حيث كان استخدام الشيك بمثابة سند ضمان الاستحقاق في معاملاتهم المالية وقد كانت دوافع العمل به هي عدم توافر وسائل الاتصال المباشر وكان التّجار أنفسهم يُصدرون هذه الشيكات كل باسمه وكان هذا قبل إنشاء البنوك حتى إنني نفسي أحتفظ بصورة من نوع هذه الشيكات تم إصداره من قبل أحد تجار المملكة العربية السعودية منذ أكثر من ثمانين عاماً مضت، حيث لا وجود لبنوك أو نظام مصرفي وعليه فلا علاقة بين إصدار الشيك والتعامل به والبنوك.
أما وقد أصبحنا في عصر نهضة المعلومات فقد تغير شكل الأرض من كونها كرويّة: المعلومة منها وإليها تدور من حولها أياماً وليالي حتى تصل، أصبحت اليوم مُسَطّحة Flat.. المعلومة فيها تنساب مباشرة بحجم هائل من المعلومات وبسرعة فائقة أيضاً: مجرد نقرة واحدة من يد خفيفة ناعمة تثبت حقيقة واقعة أنه أصبح بالإمكان التسديد والسّحب - طبعاً من حساب لحساب – والإيداع في البنوك حتى بالجوال!
إلغاء الشيكات المصرفية له آثار إيجابية نافعة على الاقتصاد منها أنه بعد استبدال الشيك بالسّحب الفوري في التعامل البنكي يبدأ الإحساس كما لو كنت تتعامل مع بنك واحد فجميع الأرصدة دائنة ومدينة في تعاملها محصورة في سياج من الأمن المعلوماتي عنها بمعنى أن جميع الأموال النقدية هي داخل النظام المصرفي ومنها تستطيع بسهولة إيقاف احتمال التحايل Fraud في التعامل البنكي كما يمكنك تصحيح مثل هذا التصرف بأثر رجعي أقصد أنه بالإمكان تسديد الشيكات المسحوبة بلا رصيد هذا ولو بعد حين لأن كل التعاملات Transactions تتم داخل البنك في أي بنك شريطة توافر الأسماء ذات السمعة في عدم المصداقية في تعاملاتها ومن ثم الأمر باستقطاع كل ما يقع في حساباتهم من الأموال حتى يتم استيفاء حقوق الآخرين المسحوبة لهم بدون رصيد!
إلغاء الشيكات المصرفية يحد من ظهور الجريمة المنظمةThe Organized Crime "غسيل الأموال" لأن العملية البنكية للعميل والسّاحب والمستفيد تتم داخل النظام المصرفي. فخيوط الجريمة تبدأ في العيان بالتدريج شيئاً فشيئاً ثم تتوالى انحساراً حتى تكتمل وضوحاً بالجرم المشهود وهذا لن يتأتى مع بقاء استخدام الشيكات في التعاملات البنكية لأن الجريمة إياها تختفي بين فواصل تنفيذ العملية البنكية بالشيكات وهؤلاء الأشخاص من ممتهني "غسل الأموال" يتعطشون دائماً إلى النقود Cash: نقداً Life blood وهم لا يستطيعون الحضور إلى البنك فلا وسيلة لهم سوى الشيكات وعادة ما يلجأون في هذا إلى طرف آخر.
إلغاء الشيكات المصرفية يحد من إبرام العقود بوَعَدْ Promissory Notes وهذه العقود تتم عادة بدرجة عالية من المخاطر لكنها تتميز بأحلام بهيجة، غاية في الإغراء المثير لغريزة النفس البشرية بتحقيق أرباح قد تتضاعف في كل مرة تتكرر فيها صفقات البيع والشراء وصفتها في لغة المال والأعمال أشبه ما تكون بالاشتقاق بمعنى أن ثروة المستقبل مشتقة من مبلغ زهيد تم إيداعه في الرصيد وعلى أساسه يتم الشراء بِوَعْد البيع وتحقيق الأرباح وهذه الأرباح إذا ما حصلت! تكون هي بعينها دفعة أولى "عربون" لصفقات أخرى من الشراء والبيع تكون أكبر حجماً وفجأة وبدون مقدمات تكون الفاجعة حيث أصبح حجم الصفقات بِوَعْد قد تجاوز حد الإمكانية لتحقيق أرباح فتتضاءل سرعة الربحية في التعامل وتتعاظم معها المديونية المتمثلة بالعجز عن التسديد وتظهر على النظام المصرفي علامات التشوهات هنا وهناك التي تؤدي في معظم الأحيان إلى إفلاسات. فإلغاء الشيكات المصرفية من التعامل يفرض على عميل البنك أن يتعامل في حدود ما يتوافر في رصيده فقط وهذا في حد ذاته كافٍ لوقاية الاقتصاد من أي احتمال.
إلغاء الشيكات المصرفية يحد من متاعب رجال الأعمال في تسيير أعمالهم الإدارية خاصة القيود الدفترية والمراجعة المحاسبية فسحب الشيك للعميل وتأجيل سحبه من البنك لسبب أو لآخر يربك العمليات الحسابية دائنة أو مدينة ويتسبب في تكاليف إضافية بين الإلغاء والإعادة كما يتسبب في إخفاء بعض المعلومات مما يضيع فرصة التوسع في العمليات الإنتاجية إذا ما دعت الحاجة. لذا ترى معظم الشركات العاملة في المملكة قد ألغت من جانبها التعامل بالشيكات في حساباتها مع البنوك.
إلغاء الشيكات المصرفية يحد من كثرة النقود في أيدي الناس ويزيد من القدرة على الاستثمار وبالتالي النشاط الاقتصادي.
ختاماً: إن استبدال الشيك بالسّحب الفوري أمان في التعامل البنكي وحصانة للاستثمار المحلي ووقاية للاقتصاد الوطني، ورفع مستوى جهاز المناعة في النظام المصرفي.