مشايخنا الكبار هم من أسهم في التأسيس المعرفي والفكري للمصرفية الإسلامية، ومعايير هيئة المراجعة إضافة وليست بديلا عنهم
أكد بدر العمر ــ رئيس المجموعة الشرعية في شركة جدوى للاستثمار ــ أن استكمال هياكل المصرفية الإسلامية لم يكتمل بعد، وأن الجهود التي بذلت في هذا المجال جهود تستحق الاحترام، وبخاصة الجهد الذي يبذله العلماء والمشايخ الكبار، وأضاف العمر أن مقولة إن معايير هيئة المراجعة والمحاسبة هي بديل عن الهيئات الشرعية، فهي ليست في مكانها، كون جميع الهيئات الشرعية تتطلع إلى استكمال توحيد جهد المؤسسات والهيئات المساهمة في صناعة المالية الإسلامية دون استثناء أو تقليل لجهودها، فهناك مجمع الفقه الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي، ومجلس الخدمات المالية الإسلامية، وهيئة كبار العلماء، والهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل، وكراسي البحث في المؤسسات المالية الإسلامية وفي الجامعات هناك الدراسات المتخصصة في مختلف الجامعات العالمية، والقضايا التي تتعرض لها المصرفية الإسلامية من ناحية العقود والتشريعات وغيرها، كل هذه تشكل مجال عمل فاعل لترشيد وتوجيه الصناعة المالية الإسلامية، مع الاحتفاظ بالشخصية الاعتبارية لكل مؤسسة لديها هيئة شرعية، لأسباب تتعلق بطبيعة نشاطها الاقتصادي والاستثماري، وإمكاناتها وقدراتها .. فإلى تفاصيل الحوار، الذي أجراه مدير التحرير:
هل ستكون معايير المراجعة الإسلامية بديلا عن الهيئات الشرعية؟
- قد يكون السؤال مقبولاً إذا لم يكن أعضاء هيئة المحاسبة والمراجعة أعضاءً في هيئات شرعية أخرى، لكن الحقيقة أن أغلبيتهم أعضاء في هيئات شرعية أخرى، ومن هنا يتبين أن عمل هيئة المحاسبة والمراجعة هو إصدار المعايير والضوابط الشرعية للمنتجات المصرفية، لكن تطبيقها على أرض الواقع لا تمارسه إلا الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية، خصوصاً مع علمنا أنه ليس من الضرورة التقيد بمعايير هيئة المحاسبة، فقد تعمل بعض الهيئات الشرعية بخلاف المعايير الشرعية ما دام أنها في حدود الاجتهاد المقبول، وفي المقابل أيضاً قد تواجه الهيئات الشرعية في المؤسسات المالية عند تطبيق بعض المنتجات القائمة أو الجديدة أموراً تستدعي الحكم الشرعي ممالم يذكر في المعايير، وعليه فإن المعايير الشرعية والهيئات الشرعية تكمل بعضها بعضاً في الجملة، وقد تستغني الهيئات الشرعية عن المعايير الشرعية، لكن لا تستغني هيئة المحاسبة والمراجعة عن أعضاء الهيئات الشرعية في صياغة وتحديث المعايير الشرعية.
ونعلم جميعاً أنه لا يمكن أن تتوقف صناعة المصرفية الإسلامية عند حدود المعايير، لسرعة تطور المنتجات والنوازل المالية التي تبدأ أصلاً لدى الهيئات الشرعية في المؤسسات المالية ثم تأخذ وقتاً حتى تنظر لدى هيئة المحاسبة والمراجعة، ولا شك أن هذا فاصل زمني مؤثر للصناعة المصرفية، وهذا يدعونا إلى تكرار النظر في المعايير الشرعية، وذلك إذا ما استجدت معلومات أو رؤى أو أفكار جديدة لتحديث المعايير أو ذكر القيود والضوابط المهمة.
ثم لو نظرنا إلى أعضاء هيئة المراجعة والمحاسبة لوجدنا القائمين عليها ممن لهم خبرة وباع طويل في العمل المصرفي الإسلامي، وتحملوا كثيراً من أجل خدمة هذه الصناعة، فقد عمل بعضهم في الهيئات الشرعية للبنوك وبعضهم ما زال عضواً في هيئات شرعية عدة، وبالتالي الحديث عن إحلال معايير هيئة المحاسبة محل الهيئات الشرعية سابق لأوانه، بل هناك طلب عالمي على الفتاوى في المجالات الاستثمارية الجديدة، وفي المنتجات الجديدة، وهذا يحتاج إلى نخبة من العلماء لدفع عجلة تطوير هذه الصناعة ضمن الثوابت الشرعية المعروفة والمستجدات العلمية.
كما أن وجود هيئات شرعية في المؤسسات المالية الإسلامية لا يتعارض ومعايير المراجعة الإسلامية، فأي نشاط مؤسسي شرعي يصب في نهاية المطاف في خدمة الصناعة المالية الإسلامية، لكن علينا أيضا مراعاة طبيعة البنوك والمؤسسات ونشاطها الاستثماري من حيث المنافسة الموجودة بين هذه المؤسسات مما يتطلب وجود هيئات شرعية للبت في منتج معين وليد الساعة، فأي منتج مبتكر يحتاج إلى رؤية شرعية من حيث مطابقته للشريعة أو مخالفته لها، وما التعديل المطلوب حتى يصبح المنتج مطابقا للشريعة، فكل هذا لا يقوم به إلا الهيئات الشرعية لهذه المؤسسات، ولو توافرت المعايير الشرعية لدى غير المختصين. ومن جهة أخرى، فإن بعض المعايير الشرعية لم تصل مرحلة التطبيق النهائي بصورة واحدة لدى المؤسسات المالية جميعها، نظراً لاختلاف الآليات والتشريعات التنظيمية والقانونية لدى المؤسسات المالية، مما يستدعي وجود أهل الاختصاص الشرعي في مواجهة تغير الظروف والأوضاع والتعديلات التي توافق احتياجات المنشأة، ثم قد تتطلب المؤسسة المالية تعديلات معينة على ضوابط المعيار، بعض هذه التعديلات جوهري والآخر شكلي، ولا يُحسن التفريق بين ما هو مؤثر في الحكم وما ليس منه إلا الهيئات الشرعية لدى هذه المؤسسات.
وجميع الهيئات الشرعية تتطلع إلى استكمال توحيد جهد المؤسسات والهيئات المساهمة في صناعة المالية الإسلامية دون استثناء أو تقليل لجهودها، فهناك مجمع الفقه الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي، ومجلس الخدمات المالية الإسلامية، وهيئة كبار العلماء، والهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل، وكراسي البحث في المؤسسات المالية الإسلامية، وفي الجامعات هناك الدراسات المتخصصة في مختلف الجامعات العالمية، والقضايا التي تتعرض لها المصرفية الإسلامية من ناحية العقود والتشريعات وغيرها .. كل هذه تشكل مجال عمل فاعل لترشيد وتوجيه الصناعة المالية الإسلامية، مع الاحتفاظ بالشخصية الاعتبارية لكل مؤسسة لديها هيئة شرعية.
ما الهدف من إطلاق هذا التصريح في هذا الوقت ضد الهيئات الشرعية؟
- لسنا بمعرض البحث عمن أطلق هذه التصريحات أو تلك، ولن نكمم أفواه الناس إن قالوا آراءهم، فهي أفكار وآراء تطرح، بعضها لها أسبابها الموضوعية وبعضها لها أسبابها الشخصية، والمصرفية الإسلاميةلم تعد مرتبطة بمكان معين بل من سماتها أنها عالمية، وبالتالي قد يظهر علماء ومؤسسات إسلامية في مناطق مختلفة يكون لهم دور رائد في الصناعة وفي هياكلها.
ولا أعتقد أن الهدف الإساءة للهيئات الشرعية، لأن الحديث في هذا الجانب له محاذيره العلمية والشرعية، لكن ما يتعلق بتطوير الآليات ليس من العيب التفكير فيه بموضوعية، وهناك كثير من الخبراء في إدارة الأموال يقترحون أفكاراً إيجابية ومهمة، لكنها تصطدم بموانع شرعية أو قانونية، لكن علينا دائماً أن ندعم آليات وتطبيقات العمل المصرفي الإسلامي، لأن تطوير آليات جديدة للمصرفية الإسلامية بات أمرا مهما للارتقاء بهذه الصناعة، تحت مظلة كوادر من الفقهاء والعلماء المتخصصين، وقد أصبح هناك طلب عالمي على هذه الصناعة، خصوصاً أن الغرب لا يفهم اختلاف التغاير في الفتاوى الحاصلة لأنه يعتقد أنه ما دام منبع المصرفية الإسلامية واحداً فلا داعٍ للخلاف الفقهي. وهنا تكمن أهمية وجود علماء لهم اعتبار ومكانة عالمية ومسهمين في صناعة المصرفية الإسلامية، إضافة إلى معايير هيئة المراجعة الإسلامية كمرشد في الوقت الحاضر،كما أن عالم المصرفية يتعامل مع واقع اقتصادي حيوي متحرك ويحتاج إلى مزيد من المتابعة والتطوير في جانبيه المهني والشرعي.
الجيل الجديد من الهيئات الشرعية، هل هو جيل التزام أم جيل يتماشى وحاجة السوق والدليل الفتاوى المترخصة ؟
- علينا أن نعترف بأن العالم الجديد في المصرفية الإسلامية لن يكون عالماً دون الأخذ على العلماء الكبار المعروفين بعلمهم الشرعي، وهي عملية متكاملة ومتراكمة تاريخيا وفيها جانب تطويري، ونحن نحترم هؤلاء العلماء الذين أسهموا في التأسيس المعرفي والفكري للاقتصاد الإسلامي وللحياة الإسلامية كمنظومة متكاملة، وعليه فإن مسألة وجود جيل جديد هي حالة صحية جيدة، لكن إن كان المقصود بالعلماء مجموعة الفتاوى المترخصة، فهذا فيه نوع من الافتئات على غالبيتهم، فهناك مدارس وهناك أئمة وأتباع لهذه المذاهب، وجزء من هذا الاختلاف كان في قضايا تبدو شكلية وليست جوهرية، وإنما بعضهم تشدد في بعض المسائل وبعضهم آثر التيسير، ولكل منهما حجته ودليله الذي بنى عليه فتواه، لكن إن كان المقصود بالتيسير التهاون في الثوابت الشرعية فهذا أمر لا نقبل به، وعلينا أن نثق بأنه لو أفتت الهيئات الشرعية برأي مخالف للصواب وبعيد عن الجادة الصحيحة، فإن المتلقي لن يقبل بهذه الفتوى نظراً لارتفاع الوعي الشرعي لدى كثير من المتعاملين بالقضايا المالية.
ولهذا علينا أن نحترم علماءنا عندما يتراجعون عن إجازة أو تحريم أمر ما، لوجود بيانات ومعلومات جديدة لم يكن الهيئة الشرعية قد اطلعت عليها قبل ذلك، وهذه البيانات الجديدة من المفترض أن تكون مقدمة لهم من الجهة الطالبة للرأي الشرعي، وهم يفتون بناء على ما قدم لهم، لكن اليوم هناك علماء لديهم العلم الشرعي والمعرفة الاقتصادية، وبالتالي هم يقفون على ميزة جديدة،لم تتوافر للسابقين من العلماء، مما يجعل العلماء الجدد أكثر مهارة من الناحية الفنية من غيرهم.
هل هناك منافسة بين أعضاء الهيئات الشرعية وهناك باحثون عن الشهرة والأضواء؟
- المسألة ليست بهذه الصورة، البحث عن الشهرة والأضواء ليس مطلباً لعضو الهيئة الشرعية، فالفقيه المتميز هو من تبحث عنه الأضواء، ومهما عملت وسائل الإعلام لن تطفئ أي علم من أعلام الدين أو علماء المصرفية الإسلامية، والهيئات الشرعية تبنى وتؤسس على أساس أخلاقي وعلمي ومعرفي فهو عضو هيئة شرعية إما لعلمه واطلاعه الواسع وهذا لم يكن لولا أنه أفنى جزءا من حياته خدمة هذا الدين، وفهمه وتصوره للاقتصاد العام والإسلامي على الخصوص وأيضا لتفقهه في الدين وإدراكه المسؤولية المنوطة به، وشهرة المشايخ ليست بتساهلهم كما يظن البعض بل في تغليبهم الرؤية الشرعية الحقيقية وفهمهم لها بناء على معطيات شرعية مقاصدية، وبناء على معطيات معرفية واقعية، وبالتالي فإن المؤسسة عندما ترغب في تسويق منتج متطابق مع الشريعة فإنها تختار من الهيئات الشرعية اسماً معروفا على المستوى المحلي، شريطة أن يكون عالماً بالجوانب المصرفية ليجمع بين الثقة والمكانة العلمية.
وهؤلاء العلماء هم على قدر كبير من العلم والمعرفة، وهم داعمون للمصرفية الإسلامية وتحملوا لأجلها معاناة كبيرة في البداية، وأعتقد جازما أنهم لن يبخلوا في رفد هذه الهيئات بالعناصر المتميزة والدماء الجديدة من العلماء والفقهاء ممن كتب له العلم الشرعي وعلم الاقتصاد وامتلكوا مهارات متميزة تضيف إلى عملهم وخبرتهم الكثير، ولنكن منصفين أكثر أنه لا نية لدى المشايخ في احتكار العمل في الهيئات الشرعية كما يظن البعض، ولكن وضعوا بسبب تفقههم في الدين وعلمهم الشرعي والمصرفي، وهذا ليس مقصورا عليهم بل الباب مفتوح لمن اجتهد.
#2#
هل هناك توثيق لجهد كبار المشايخ: المنيع، القري، المطلق .. وغيرهم بكتابة مذكراتهم الشرعية بحيث تكون مواد يمكن الرجوع إليها عند الحاجة ومادة للدراسة مستقبلا؟
- جهود العلماء والخبراء في العمل المصرفي الإسلامي ومقابلاتهم وحواراتهم محط اهتمام الدارسين والباحثين، ومحط اهتمام الهيئات الشرعية أيضاً، فهي جهود جاءت بعد خبرة ومتابعة واحتكاك واطلاع، وأعتقد أن هناك كثيراً من المؤسسات بدأت خطوات في هذا الجانب بأن أفردت لها مساحات في مواقعها الإلكترونية أو إصداراتها، كونها تشكل رصيدا مهما لها ولغيرها، وتضيف معنى اعتباريا لهذه المؤسسة أو تلك،كما أنها تفيد الباحثين والمتخصصين في مقاعد الدراسة والبحث في الجامعات ومشاريع التخرج في الدراسات العليا، وربما يقوم من يقارن بين أعمال الهيئات الشرعية واختلاف الآراء الفقهية فيها.
وهناك من يقف وراء تطورها وتعاطيها مع مختلف القضايا، أو تراجعها مثلا، بما يؤكد أن هذه الفتاوى ليست نهائية بل هي اجتهادات علماء في إطار الثوابت. وأما ما يتعلق بتوثيق قرارات الهيئات الشرعية وإعدادها للطباعة، فإن مصرف الراجحي ودلة البركة هما في مقدمة هذه المؤسسات التي اعتنت بهذا الجانب، وحرصت على توثيقها وطباعتها، وسيتبعهما كثير من المؤسسات سواء بجمع الفتاوى أو القرارات للهيئات الشرعية.
عندما صرح تقي عثماني بأن %85 من الصكوك غير متطابقة مع الشريعة الإسلامية، أثار هذا التصريح جدلا كبيرا في السوق، وأنتم كرئيس للمجموعة الشرعية في"جدوى" وتتعاملون مع سوق يجب أن تدركوا تبعات تلك الفتوى .. لماذا لم يكن الإعلان من خلال مؤسسة كهيئة المحاسبة أو مجمع الفقه الإسلامي بدلا من الإعلام مباشرة؟
- أولاً علينا الاقتناع تمام القناعة بأن الشيخ محمد تقي العثماني عالم متخصص في مجاله، وعالم الدين يلتمس الحق حيث كان، وعليه لم تضر تصريحات الشيخ عثماني أسواق المصرفية الإسلامية الملتزمة بتطبيق قرارات هيئاتها الشرعية، لسبب بسيط وهو أن المؤسسات ترجع في ذلك إلى هيئاتها الشرعية وليس للفتاوى الأخرى.
أما الجانب الإعلامي في الموضوع فهناك من استثمر هذه التصريحات ووظفها بهدف الإساءة للمصرفية الإسلامية، مما أحدث آثاراً سلبية إعلامية، لكن، مع ذلك، نقول إن المؤسسات التي تلتزم بقرارات هيئاتها الشرعية وقرارات مجمع الفقه الإسلامي، وهيئة المحاسبة لم تتأثر كثيراً لكن كانت تصريحات الشيخ دافعاً قوياً لكثير من الهيئات الشرعية لإعادة النظر في صيغ بعض الصكوك، ولا شك أن هذا التصحيح يعود نفعه على المصرفية الإسلامية.
هناك تطبيقات مخالفة لمعايير هيئة المحاسبة؟
- التطبيق والتنفيذ هو المحك الحقيقي للعمل وهو المراد من وضع المعايير، وبالتالي علينا أن نفرق بين قرارات الهيئات الشرعية ومعايير هيئة المحاسبة والمراجعة، وبخاصة فيما يتعلق بالصكوك، وخروجاً من التطبيق المخالف لقرارات الهيئة الشرعية، فقد ألزم كثير من الهيئات الشرعية للمؤسسات بضرورة وجود مراقب ومدقق شرعي لضمان سلامة هذا التطبيق، وهذا ينصب في صالح هذه المؤسسات أولاً وأخيراً، ولصالح المصرفية الإسلامية بعامة.
هناك بعض تطبيقات المالية الإسلامية أحيانا مخالفة لقرارات الهيئات الشرعية؟
- كما أسلفنا هناك إمكانية لحدوث مثل هذه الممارسات، ولكن وجود الهيئة الشرعية والمراقب الشرعي يحد من ذلك كثيراً، ونتطلع لوجود المدقق الشرعي الخارجي، والرقابة الشرعية من البنوك المركزية أو هيئات سوق المال، كل حسب اختصاصه، فلو وجدت هيئات للتفتيش الشرعي، توضح مدى التزام هذه المؤسسة بالجوانب الشرعية وبقرارات هيئاتها الشرعية، وصدر ذلك في تقرير أو مخالفة لوجدنا انضباطاً والتزاماً في الجانب التطبيقي، وبالطبع فإن التفتيش الشرعي هو لصالح المؤسسة والمستثمر.
لو حدث تنازع قانوني بين المؤسسة المالية مع طرف خارجي ادعى أن هذا المنتج غير شرعي كيف تكون الصورة، وكيف يتم التقاضي؟
- أولاً هذا الاحتمال غير وارد وهو أن تصدر الهيئة الشرعية فتوى تجيز فيها منتجا معينا وهو في الحقيقة غير ذلك، لكن قد تكون الإشكالية في أن تجيز الهيئة الشرعية منتجاً معيناً وبضوابط محددة، ثم لا يلتزم أي طرف بهذه الضوابط مما يترتب عليه وجود مخالفات شرعية، فهنا يكون التقاضي بناءً على من أخل بالضوابط وليست المشكلة في أصل العقد، وهذا يرجعنا لضرورة وجود المراقب الشرعي الذي هو عين الهيئة الشرعية في الإشراف على تطبيق المنتجات وفقما طلبت الهيئة الشرعية.
التراجع عن الفتاوى هل يحرج مجمع الفقه الإسلامي ولماذا هناك تناقض؟
- التراجع عن الفتاوى لا يحرج أي جهة كانت، ما دام هذا التراجع في سبيل التصحيح الشرعي، وذلك عندما يتبين للعلماء وتتضح لهم الصورة بشكل أفضل أو وجود معلومات جديدة حول منتج معين مثلاً، عندها من الأمانة الشرعية ألا يصمت العالم إزاء الخلل البين الواضح، فعليه عندئذ تصحيح فتواه بناء على هذه المعطيات الجديدة، كما أن العلماء لا يتشددون أو ييسرون من باب شخصي، وإنما من باب اجتهادي وعبر فهم حقيقي للمقاصد الشرعية، ولهذا نضرب مثلا كيف تراجع الشيخ العلامة ابن عثيمين عن فتواه فيما يتعلق بالبطاقات الائتمانية وفق ضوابطها الشرعية، وذلك عندما توجه إليه علماء معروفون وبينوا له طبيعة هذه البطاقة وعملها، وتراجع الشيخ عن فتواه القديمة، وهذا تواضع من العالم ودرس بليغ يؤكد فيه أن العالم عندما تقدم إليه المعلومات الدقيقة ويتبين من صحة مسألة ما، أو عدمها فإنه إما يجيز وإما يتراجع أو يحرم أو يبيح بشروط وضوابط.
الهيئات الشرعية تعمل مع واقع اقتصادي عملي .. شركات، بنوك متنوعة، لماذا لا نجد دراسات وتصورات مستقبلية تبيح الاستثمار في مجالات معينة وتمنعها بضرورة توافر الشروط؟
- أولاً هذه ليست مهمة أعضاء الهيئات الشرعية، فهي هيئات تنظر في قضايا الواقع اليومي والطارئ، أما قضايا المستقبل فتحتاج إلى جهود مؤسسات مستقلة وكبيرة، لها مواردها وإمكاناتها، وبخاصة المؤسسات البحثية، وعلى أعضاء الهيئات الشرعية أو الخبراء أن يطرحوا العوائق المتوقعة لبحثها ودراستها من قبل هذه المؤسسات، ويتم على أثرها استرشاد الجهات الاقتصادية العليا المسؤولة عن التخطيط والتوسع الاستثماري لجعلها تشريعات قانونية بعد مطابقتها للجوانب والرؤى الشرعية، فكل ما له علاقة بالمستقبل يحتاج إلى بحوث معمقة ويحتاج إدراكات عالية، لكن لا مانع من إثارة الأسئلة في الندوات وأوراق العمل مسبقاً لتكون هناك تصورات واضحة عن قضايا الاقتصاد الجديدة ليستفيد منها الخبير والأجير والعالم.
بعض المؤسسات المالية وبرغم وجود هيئات شرعية إلا أنها كانت على علاقة بالمضاربات والمرابحات الصورية؟
- لابد أن نفرق بين الهيئات الشرعية التي تنظر في جميع أعمال البنك أو المؤسسة أو الهيئات الشرعية التي تنظر فقط في بعض جوانب المؤسسة المالية، أو تنظر في بعض منتجات المؤسسة وليس جميعها كما حال النوافذ في البنوك التقليدية، فالنوع الأول غالباً ما تكون الرقابة الشرعية حاكمة على أعمال البنك وما يكون من تقصير وخلل فإنه سرعان ما يستدرك عن طريق التقارير الرقابية للهيئة الشرعية، أما النوع الآخر فإن الهيئة الشرعية مسؤولة عن جانبها الشرعي وليس عن جميع أعمال المؤسسة كما هو الحال في بنوك النوافذ، وإن كانت بعض المؤسسات والبنوك قد استغلت وجود الهيئة الشرعية في بعض أعمالها لتمرير أمور أخرى لا ترضاها الهيئات الشرعية، ومن هنا نطالب الهيئات الشرعية بأن تكون حاكمة على جميع أعمال البنوك والمؤسسات وليس جزءًا يسيراً منها، وإن كنا قد تعذرنا سابقاً بالتدرج في تطبيق المصرفية الإسلامية، فإن الوقت الحاضر لا يبقى لهذا العذر من معنى.
سيكون للصكوك دور كبير جدا في العملية الاستثمارية والتنموية في المملكة خلال السنوات العشر المقبلة، كيف ييتم الاستعداد لتلك المرحلة من جانب الهيئات الشرعية وجهات التخطيط الاقتصادي في الحكومة؟
- بالطبع الصكوك أداة استثمارية تمويلية مهمة، وتلقى اهتماماً عالمياً، وسيكون عليها طلب كبير في السنوات العشر المقبلة، وبالتالي فإن هناك اهتماماً بها الآن أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً بعد التصحيحات التي تمت على صيغ الصكوك، وهذا يتطلب أن تكون هناك جلسات مشتركة وعصف فكري وشرعي لمواجهة متطلبات السوق المستقبلية، بحيث تنضج الفكرة، وتتكامل الصورة بجميع عناصرها الشرعية والقانونية، وأعتقد جازماً أن هناك دراسات حول هذا الموضوع تجريها جهات عدة لوضع تصورات قانونية وشرعية، وهذا لن يتم إلا بالاسترشاد بآراء العلماء والفقهاء والخبراء،كما أدعو الجهات البحثية إلى المبادرة في طرح هذه القضايا الاستباقية مبكراً كي تأخذ مداها البحثي الحقيقي.
طالما أن هناك رؤية أن المنطقة ستحتاج إلى استخدام الصكوك بهذه القوة، لماذا لا يُستعد لهذه الفترة منذ الآن ببحث متكامل بين هيئة سوق المال والهيئات الشرعية وتبادل الأفكار والخروج بما يلزم؟
- كما ذكرت الاحتياجات واضحة، وتفرض نفسها، وعلينا أن نتعامل معها، قبل أن تدهمنا بقوة، وأن يتم استنفار جهود العلماء والخبراء في هذا الجانب، وأن تنظم لذلك حلقات نقاش مفصلة ومنظمة وعلمية، ولا يمنع في هذا الإطار من استعراض بعض نماذج إصدار الصكوك في مناطق مختلفة والوقوف على تجربتها، باعتبارها من تجارب المصرفية الإسلامية، وبعدها يتم الارتقاء بالعملية البحثية لصياغة معايير وآليات وتشريعات محددة وواضحة، وأشير إلى أن المملكة تشهد حالة اقتصادية غير مسبوقة، وتستقطب رؤوس الأموال من الخارج، وهناك أنظمة جديدة هي في صالح المستثمرين المحلي والأجنبي على حد سواء، وهنا يجب على الشرعيين وضع الخطوط العريضة واللازمة لتسهيل هذه الاستثمارات.
ما رأيك بمجلة المصرفية الإسلامية كمنتج إسلامي ؟
- من القضايا المهمة والملحة التي تواجه العاملين في قطاع المصرفية الإسلامية ضعف تبادل المعلومات والحصول عليها، وعليه جاءت مجلة "المصرفية الإسلامية" كخطوة رائدة في هذا المجال لعدة أسباب: أولاً لسد النقص الحاصل في الإعلام المالي الإسلامي، فهي المجلة الوحيدة عربيا وخليجيا ذات البعد الصحافي والمهني، التي تتعامل بمصداقية ومهنية مع جميع المؤسسات المالية الإسلامية، كما أن استقطابها الكفاءات المهنية في الجانب الصحافي والكتاب يعد ميزة بالنسبة لمتابعيها، فهي تقدم المعلومات والتحقيقات والمتابعات والتحليلات والمقابلات الصحافية، والترجمات المتميزة، مما جعلها مجلة ذات حضور يحرص عليها كل مهتم بالمصرفية الإسلامية، وقد علمت أن مجلة "المصرفية الإسلامية" بصدد التعاون مع إحدى المؤسسات الاستشارية في المصرفية الإسلامية لاعتماد مؤشر إسلامي تشرف عليه جهة متخصصة، ما يجعلها أكثر حضوراً وأكثر اهتماماً ومتابعة .